المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظات مخاض



بديعة بنمراح
25/01/2007, 02:40 PM
لحظات مخاض
آلو! أمك مريضة جدا.. قد تلحقها أو لا تلحقها.
ـ آلو! احضري بسرعة.. أمي..
ـ آ لو...
حضر أولادها الثلاثة ،التفوا حولها ، دموعهم لاتجف. هي ممددة في غرفة الإنعاش ، جسدها لا يكسوه شيء من الثياب ، إبر عديدة مغروزة في الجسد النحيف. عجبا! كم يغير الزمن الإنسان! أهذا هو جسد أمهم الممشوق الجميل؟ أين الكلام أين البتسام أين غابت الأحضان؟ تفتح الأم عينيها قليلا ، تنظر إلى أولادها ، تحاول الكلام فتعاندها الكلمات ، تأبى الحروف الانصياع !
"خلعوكم آولادي" !
ـ أنت بخيريا أمي! ونحن معك.. لاتخشي شيئا.
* * *
السيارة تنخر الطريق ، المسافة ليست بعيدة لكن السفر مرهق وممل ، الأرض قاحلة جرداء ، الأشجار كئيبة والجبال رغم شموخها تبدو مثخنة بالجراح...الطبيعة أجمل شئء في الوجود ، الخضرة والماء والجمال الذي ليس كمثله شيء هكذا تمنت حلمت دائما أن ترى البادية! منذ صغرها.. وها قد جاءتها الفرصة الآن ، زوجها يريد أن يرى عمته المريضة .. جبال الريف سمعت عنها كثيرا لكنها لم ترها أبدا ، هاهي تقتحمها الآن ! لكن فرحتها تخمد داخل صدرها تنقلب بهجتها ذابا وندما ، لم أتيت إلى هذا المكان ؟ نسيت أن اكلم امي في الهاتف 1 نسيت...تحاول السيارة الصعود ، تفشل تتراجع،!تهاجمها الهواجس !فجأة تحس بسواد كثيف يزحف إلى قلبها ، تصرخ.. تبكي ابنتها الصغيرة ، تصيح : ماما! ماما!
* * *
أي أسى يطرق القلب الوجيع؟ ينفي الخواطر ويبيد الأفكار؟ أى ألم ينفذ إلى ضلوع صدر أم وهي ترى أولادها حولها يتعذبون يغلف تفكيرهم وأحاسيسهم الوجع والحيرة والألم..تود لو تطمئنهم بهمسة حنونة ، بلمسة من يديها الباردتين ،لكن جسدها يهزمها ! يجرها بعيدا في غياهب المعاناة و الأنين ،تتنهد يهرع أولادها نحوها ، يمسك أحدهم يدها وتمسك الأخرى يدها الثانية فتنظر إليهم وكأنها تتوسل: "لاتتعبوا قلبي بمعاناتكم!"
تتحجر الدموع في المآقي ،لا أحد يصدق أن هذا الهرم العظيم الضخامة يمكن أن يذوب أو يتلاشى .
* * *
تغيرت عمته كثيرا ،أرهقها التعب والعمل المضني وجاء المرض ليحصد شتات الذهن والجسد.زوجته تقترب من العمة :كيف حالك يا عمتي؟ تنظر إليها وإلى المكان ، " أيستطيع الإنسان أن يعيش في مكان موحش كهذا؟ لحظة الغروب هنا تجسد الموت ، الأسى رقراق ! عبثا صفاء النفس والذهن ! لما يهجم اليل بسواده ، تعتقد أنه لن ينتهي أبدا ،تحاول النوم ، فتهجم الوساوس ، تلتصق بابنتها تحتمي بها لا تدري مم ! النوم يبتعد أكثر و أكثر، تتمنى الرموش أن تحضن بعضها لكن الصمت والسواد الزاحف إلى شرايين القلب يحول دون ذلك.
* * *
يقترب زوجها منها ، يمسك يدها ويربت كتفها ، يبتسم فتحس حنوه يغمرها ، تبتسم.. تتساءل..لكنه يأخذها من يدها في اتجاه بيتهم! أنسيت أن التلاميذ ينتطرون ؟
يبتعد أكثر عن المدرسة . ـ ما الخبر؟ سنذهب إلى وجدة الآن ! تحاول أن تستفسر، أن ترفض ، أن تؤجل السفر على الأقل إلى اليوم الموالي لكنه لايترك لها فرصة لكل ذلك
تجد نفسها في السيارة ، تحاول أن تهرب من عالمها الداخلي بمشاهدة الطريق ، والحديث مع زوجها ، ترنو إليه فتلمح في عيونه غيوما حبلى بمطر ، يخفي رموشه عنها ويبرر كربه بالتعب بعد رحلة الريف الممضة.
تقترب السيارة من بيت أسرتها ، لم يعد يفصلها عنه سوى أمتار قليلة ، يتوقف زوجها بغتة لينقل لها مفاجأة مؤلمة :
ـ والدتك في العناية المركزة منذ أمس..تكلمت أختك ليلا في الهاتف لكني أخفيت الامر عنك كي لا..
تسمع ولا تتسمع ، كلماته تضج وتتحرك تحوي الخبر اليقين ، أمها (...) دون شك ! لا تستطيع حتى ان تتخيل .. نفس الليلة ! أيمكن ان تصدق ؟ هل يمكن أن يحس الأحباء بمن يحبون لدرجة العذاب المشترك؟
تصل السيارة أمام منزل أمها ، جسدها ينتفض لاتستطيع حتى ان تمد يدها لابنتها الصغيرة ، تبكي الطفلة وتصيح :"ماما"
تدخل البيت وابنتها متمسكة بيدها لا تزال ، الغرفة تغص بالناس تقتحمهم ،ترتمي في حضن أمها تعانقها .. وتنتحب

بديعة بنمراح
30/12/2007, 11:51 PM
بمناسبة السنة الجديدة ، أتقدم لكل الاعزاء في واتا بأحر التهاني .
سنة سعيدة و لكم أهدي نصي هذا
Happy new year

طه خضر
31/12/2007, 12:48 AM
نجمة واتا المتألقة دوما بديعة بنمراح ..

لا تندهشي إن أخبرتك أن البعض سيمرّ ويقرأ سطورك هذه وسيترحّم على أيام كان فيها الترابط الأسري لا تنفصم عراه، وهذا واقعنا الذي لا شك فيه؛ فقد أصبحت هذه المسميات " العائلة، الأسرة، الترابط الأسري " من مخلفات الماضي، وباتت الزيارات العائلية ومتانة العلاقات الأسرية التي كانت كالماء والهواء للروح، باتت ضربا من الماضي، وقد يكتفي أمثل الناس في ايامنا هذه برسالة جوال ويعتبر إنه قد كلـّف نفسه شططا.

لا املك إلا أن أقف احتراما أمام النص الغني بالمشاعر المتدفقة التي اعتدناها من البديعة والمحلقة دائما وأبدا ..

احترامي وتقديري ..

بديعة بنمراح
31/12/2007, 09:42 PM
نجمة واتا المتألقة دوما بديعة بنمراح ..

لا تندهشي إن أخبرتك أن البعض سيمرّ ويقرأ سطورك هذه وسيترحّم على أيام كان فيها الترابط الأسري لا تنفصم عراه، وهذا واقعنا الذي لا شك فيه؛ فقد أصبحت هذه المسميات " العائلة، الأسرة، الترابط الأسري " من مخلفات الماضي، وباتت الزيارات العائلية ومتانة العلاقات الأسرية التي كانت كالماء والهواء للروح، باتت ضربا من الماضي، وقد يكتفي أمثل الناس في ايامنا هذه برسالة جوال ويعتبر إنه قد كلـّف نفسه شططا.

لا املك إلا أن أقف احتراما أمام النص الغني بالمشاعر المتدفقة التي اعتدناها من البديعة والمحلقة دائما وأبدا ..

احترامي وتقديري ..
الرائع طه خضر
يقف حرفي عاجزا أمام رقة مشاعرك و نبل إحساسك.
شكرا لكلماتك الجميلة المشجعة.
لك الود و التقدير أيها المتألق دائما

سعدية اسلايلي
05/01/2008, 12:18 AM
هو نص تأبيني يضج بالحنين والألم ويؤرخ لبعض الدفء المندثر.
المبدعة الحقيقية تثير القضايا الجارحة، وهكذا عهدتك.
مع مودتي. أكتبي لي على slaadia@yahoo.fr
شكرا

صلاح م ع ابوشنب
05/01/2008, 01:03 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت بديعة بنمراح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتفق مع الاخ الرقيق طه خضر فيما ابداه ، حيث اصحبنا فى زمان يفتقد الى الدفىء الاسرى والتراحم وكل انسان يقول يا رب نفسى .. القصة فيها الم وفيها الحنان باسلوب سهل . تقبلوا تحياتى ،،،
صلاح ابوشنب

الحاج بونيف
06/01/2008, 01:03 PM
أختي المبدعة/ بديعه بنمراح
تحية طيبة
قصة تحكي موضوعا اجتماعيا، فالأم هي قوام البيت، وهي من تجمع شمل الأسرة، وغيابها يترك الأثر العميق في البيت كله، وفي نفوس الأبناء والبنات..
لغة راقية واسلوب أنيق.. أتمنى لك المزيد من التألق والتميز..
كل الود والاحترام..

ابراهيم عبد المعطى داود
06/01/2008, 10:05 PM
الكاتبة / بديعة بنمراح
تحية عاطرة
قصة انسانية تنساب فى رقة وعذوبة .. حتى تصل الى القلب فتهدهده وتوقظه
من غفوته ثم تهزة هزا ليبكى وينتحب ولسان حاله يقول :
" غفر الله لك ياأماه "
وتقبلى خالص ودى وتقديرى
ابراهيم عبد المعطى داود