المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بصمات شيخ المعتزلة



كاظم فنجان الحمامي
03/09/2009, 05:44 PM
بصمات شيخ المعتزلة


موضوع نشرته جريدة (الزمان) الدولية بعددها 3389 في 3/9/2009

كاظم فنجان الحمامي

تعد (سيحان) من أجمل منعطفات شط العرب, وأكثرها تموجا ورشاقة, فترى السفن المارة بها, تتهادى في سيرها, وتخفف من وقع خطواتها, وتقترب أحيانا من الحافات الخارجية للنهر, متوخية السير بحذر في الممرات الملاحية الشديدة الانحناء, ومستمتعة بمشاهدة مناظر بساتين النخيل المتسامقة بقاماتها الفارعة, والى الجنوب من (سيحان) يتدفق نهر (الزيادية) بالماء الزلال.
و(الزيادية) ترعة كبيرة من تفرعات شط العرب, تتميز بأعماقها وغزارة مياهها. وبين (سيحان) و(الزيادية) تتربع (الواصلية) بحلتها الخضراء فوق مرفئها الخشبي العتيق. الذي يتقدم محطتها الريفية المؤثثة بالأجهزة اللاسلكية القديمة, والمعدات البحرية, والمجهزة بأماكن الإقامة والراحة. . ترتمي في أحضان محطة (الواصلية) مجموعة من زوارق الخدمة اللازمة لتوفير الدعم للمرشدين العراقيين المكلفين بتنفيذ عمليات إقلاع وإرساء الناقلات النفطية المترددة على أرصفة ميناء عبادان, ومن ثم قيادتها نحو البحر. فقد كانت مسئولية تحركات الناقلات القادمة والمغادرة من والى عبادان منوطة, حتى عام 1975, بالمرشدين البحريين العراقيين, وبإدارة وتوجيه الكابتن (فاروق الزهير) رحمه الله.
http://www.wata.cc/forums/imgcache/11022.imgcache.jpg (http://www.wata.cc/forums/imgcache/11022.imgcache.jpg)
زورق دورية عراقي يقوم بنوبة استطلاعية في شط العرب بين الواصلية والزيادية والدويب

وكان اسم (الواصلية) يشدني ويثير انتباهي, ويدفعني للبحث عن سجلها التاريخي في بطون الكتب العربية والأجنبية, فلم اعثر على ضالتي, على الرغم من علاقتي الحميمة بمدن وقرى شط العرب. وشاءت إرادة الله أن استدل بنفسي على تاريخ (الواصلية), فاستنتجت إن اسمها مرتبط بوشائج كثيرة مع النشاطات الفكرية لشيخ المعتزلة, ومؤسس مذهبهم (واصل بن عطاء الغزّال). .
فـقد كان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري وثيق الصلة بشط العرب, ويتخذ من (سيحان) مقرا لإقامته, ومركزا لنشاطه الأدبي والفكري. وكان بحرا من بحور العلم, وتنسب إليه الفرقة (الجاحظية), وهي من فرق المعتزلة. أما قرية (الزيادية), التي مازالت تحتفظ باسمها القديم, فكانت مقرا لفرقة (الزيادية), التي أسسها (زياد بن الأصفر). وهي من فرق المعتزلة أيضا. وتوحي لنا الثوابت التاريخية إن ضفاف شط العرب كانت هي الوعاء الفكري, والحاضنة الفقهية, التي ساعدت على ظهور الفرق والمذاهب الإسلامية الكثيرة. ومن المرجح أن تكون مدينة (الواصلية) ملاذا آمنا, ومستقرا لفرقة (الواصلية), وهم أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزّال. فمدينة (الواصلية) تتوسط بين (سيحان) التي كان يقيم فيها مؤسس فرقة (الجاحظية), وبين قرية (الزيادية) التي كان يقيم فيها مؤسس فرقة (الزيادية). ويبدو أن المعتزلة كانوا كلما نبغ فيهم نابغ, كان رأس فرقة قائمة بذاتها، لتنسب إليه فيقال (الواصلية) و(الزيادية) و(الجاحظية), ومن الطريف أن هذه الفرق استقرت على ضفاف شط العرب, واستوطنت على الشريط الممتد من منعطف (سيحان) إلى قرية (الزيادية) مرورا بـمدينة (الواصلية).
http://www.wata.cc/forums/imgcache/11023.imgcache.jpg (http://www.wata.cc/forums/imgcache/11023.imgcache.jpg)
كانت الواصلية من أجمل منتجعات شط العرب لكنها تحولت اليوم إلى مستنقعات آسنة

كان (واصل بن عطاء) على ما وهبه الله من فطنة, وفصاحة, وحسن تصرف في القول, كان صاحب عاهة في نطق حرف الراء, لكنه يحسن التغلب على هذا العيب المحرج في النطق, فيتجنب لفظ حرف (الراء) إلى سواه من الحروف, وله خطبة مرتجلة استغنى فيها عن (الراء), واستطاع أن يتهرب من هذا الحرف بخفة ولباقة في النطق السليم. فقال في مقدمة خطبته: (الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في علوِّهِ، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خلق، ولم يخلقه على مثال سبق، بل أنشأه ابتداعًا، وعدّله اصطناعًا، فأحسن كلّ شيءٍ خلْقَه, وتمّم مشيئته، وأوضح حكمته، فدل على ألوهيّته، فسبحانه لا معقب لحكمه، ولا دافع لقضائه, تواضع كلّ شيءٍ لعظمته، وذلّ كلّ شيءٍ لسلطانه، ووسع كلّ شيءٍ فضله. . . . ).
اما اليوم فقد انقطعت صلتنا بالواصلية, وانقطعت صلتها بواصل, وماتت روافدها الفكرية, وتيبست سواقيها المائية, وانهارت منازلها, ولم تعد تمارس نشاطها الملاحي السيادي, وتحطمت محطتها بالكامل, ولم يتبق من رصيفها الصغير سوى قواعد الركائز والأعمدة الخشبية المحروقة.
http://www.wata.cc/forums/imgcache/11024.imgcache.jpg (http://www.wata.cc/forums/imgcache/11024.imgcache.jpg)
ولم يتبق من رصيفها الصغير سوى قواعد الركائز والأعمدة الخشبية المحروقة

اما بساتينها الوارفة الظلال فقد تحولت إلى مستنقعات آسنة, تغطيها الأوحال, وتغمرها المياه الملوثة بفضلات مصافي عبادان. وليس فيها الآن نخلة واحدة, فقد أحرقتها الصواريخ, ودمرتها القاذفات, ونزلت بساحتها النازلات, وفقدت بريقها وجماليتها, ومن المرجح إنها ستفقد اسمها الذي سيطويه النسيان, إذ لم يعد يستخدمه احد منذ عام 1980, وليس فيها لوحة تعريفية تحمل اسمها وهويتها العربية الأصيلة, وكم كان بودي أن تلتفت مؤسساتنا المعنية بحفظ التراث إلى إحياء أسماء المدن البصرية العريقة, وبخاصة المتناثرة منها على ضفاف شط العرب قبل أن تندثر في مقبرة الإهمال, وأحيانا التمس العذر لمؤسساتنا العتيدة بسبب انشغالها بأمور الموائد والولائم والعزائم, فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. وأقول عسى أن يهديها الله فتتبرع بوضع لوحات كبيرة تبين أسماء المواقع الأثرية. وتلك أضعف الأمنيات. .

ريمه الخاني
03/09/2009, 09:02 PM
وأقول عسى أن يهديها الله فتتبرع بوضع لوحات كبيرة تبين أسماء المواقع الأثرية. وتلك أضعف الأمنيات. .
مررت لالقي تحيتي