المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفحات من طفولة المفكرين- نور محمد نافع



حازم ناظم فاضل
04/09/2009, 05:41 AM
اسمي نور محمد نافع... نشأت بين أمي التي كان الإسلام يجري في عروقها، ويقطر من فمها، ويمتلك عليها حياتها ، وقد ولدت في 13-9-1932م في أحضان هذه الأسرة التي ورثت الأدب والإسلام وراثة أصيلة.. وأنا أشهد أمام الله والناس، أن قول الله تعالى: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) (الأعراف:58) هو قانون تربوي عام إلا فيما ندر لحكمة يعلمها الله عز وجل.... فأنا لم أكمل تعليمي صغيرة... ولم أخرج إلى الحياة الأدبية إلا وأنا كبيرة لأسباب... أقررتها فيما بعد في نفسي... والتزمتها في سلوكي... فقد أدخلني والدي وأنا طفلة إلى مدرسة "بنات الأشراف" الثانوية التي كانت صاحبتها ومديرتها الرائدة النسائية نبوية موسى، وكان لها مدرسة أخرى مماثلة بالإسكندرية.. وكان والدي أخرجني من هذه المدرسة قبل أن أنهي المرحلة الثانوية، حيث تزوجت من المهندس سعد أحمد التونسي... واكتفيت بحياتي كأم... واجتهدت في تحصيلي الأدبي والثقافي والمعرفي في البيت حتى إنني أذكر بكل تواضع أنني قرأت في المنـزل "لسان العرب" مثلاً في 23 جزءاً ضخماً... قرأته كلمة كلمة... ومادة مادة... هذا مثال واحد... وتنوعت ثقافتي بصورة طيبة... ربما لو كنت واصلت تعليمي لاكتفيت برنين الشهادة والدرجة العلمية... ولكني أؤمن أن الثقافة معرفة وإطلاع دائم وأن كنوز المعرفة لا تنتهي... وإذا كان الشاعر هو لسان الكون الجميل، فلابد أن يعرف الكثير عن هذا الكون الذي يتحدث عنه بعد أن يتذوقه ويفهمه ويعرب عن مكنونه ومحتواه.ومرة أخرى... اتفق معي زوجي المرحوم المهندس سعد التونسي على عدم ارتياد الندوات والمحافل الأدبية... لما رآه في بعضها من تجاوزات رأي أنها لا تليق أن تطال أسرته، واحترمت فيه هذه الرغبة... وربما هناك ندوة واحدة.. استأذنته فيها أن يصحبني إليها... وعاد وهو غير راض تماماً... عن هذه الأجواء التي تناوشها لطائف الأديبات والأدباء... مما لا يليق ببنات الأشراف... فظللت حتى الأربعين أو الخامسة والأربعين من عمري وأنا شاعرة القارئ الوحيد، وأديبة المتلقي الوحيد... هو زوجي.. الذي كان يشجعني على الإبداع ويتذوق ما أكتب.. اللهم إلا بعض الندوات الأسرية بيني وبين أشقائي وأقاربي..ان الأدب الصحيح الصادق حياة... ألم يقرأ الجميع قوله (صلى الله عليه وسلم) : "أدبني ربي فأحسن تأديبي" وأنا أرى أن الأدب الذي لا يثمر تربية وترقية وينتج سلوكاً... هو أدب لا خير فيه... بل هو مادة زائفة من زخرف القول... مثله تماماً مثل من نعى القرآن عليهم: (وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة)
أما الأديب المسلم... فحسبه الكلمة النافعة الباقية... لأنها وحدها الخالدة قولاً وعملاً... دنيا وأخرى.
لذلك فأنا أعد نجاحي كأم... هو جزء لا يتجزأ من مسيرتي، بل هو أنجح ما فيها من عطاء.والحمد لله فقد رزقني الله عز وجل عدداً من الأولاد والبنات أدبتهم وأحسنت إليهم ... فكانوا زهرات باسمات في المسيرة الإسلامية المباركة...
ولا يضيرني أبداً إن كان لبعض الصيّاحين قول آخر... فالأدب رسالة، والرسالة مسؤولية والمسؤولية أسرة ناجحة... بعد أن انفرط العقد وصوَّح المرعى.
تسبقني الأديبات الفاضلات جميلة العلايلي، وشريفة فتحي، وبنت الشاطئ د.عائشة عبدالرحمن، أديبة القرآن.. ثم سعدت بصحبة الشاعرة الفاضلة المجاهدة عليّة الجعار.. ابنة الإسلام الصادقة، ويلازمني شعور بألم الضمير لأنني قصّرت كثيراً في صحبة الشاعرة الكبيرة الراحلة جليلة رضا.
والحمد لله.. فإن الصوت النسائي في ميدان الأدب الإسلامي اليوم قد أصبح مسموعاً بقوة واستقامة ونقاء.
الناظر إلى قشريات الحياة... يراها حياة ضيقة، خلف نوافذ مغلقة، أما من يبحث حقيقة حول رسالة المرأة، فسوف يرى أنها الخير كله... فأنا من أشد المعارضات للمرأة المبعثرة، واعتبرني رجلاً قاسياً في مواجهة المرأة المكشوفة، حسياً أو معنوياً.. ودعك من كلام المنفلتين.. من أنصار "أدب البوح النسائي".. أو" أدب المكاشفة "، فهذ شيء.. و"الأدب الشفاف" شيء آخر.. ولا يمكن أن يكون الأدب الشفاف أبداً.. أدباً مكشوفاً أو عرياناً.
"فالحياء والإيمان قرناء جميعاً.. إذا رفع أحدهما رفع الآخر"، كما ورد في الحديث النبوي الشريف.فعلى المرأة أن تطامن من روعها... وأن تدرك دورها في المؤامرة العالمية التي تدور رحاها حول المرأة المسلمة... لأنه بدوسها... ديست الأسرة المسلمة... ولات حين مندم.. وأول قصيدة نشرت لي وأنا بالصف الثالث الثانوي، وقد نشرت بجريدة "منبر الشرق" حيث كان كاتبها وشاعرها الأول المجاهد علي الغاياتي صديقاً لوالدي.. وقد كان علي الغاياتي كتيبة أدبية ووطنية متحركة، فقد كان مثقفاً متضلعاً من علوم العربية والإسلام، مجيداً للفرنسية بطلاقة، وقد كان متزوجاً من سيدة فرنسية مثقفة، كما أن زوج ابنته هو الشاعر الراحل الكبير مختار الوكيل.. وكان ذلك قبل أن يبتعد الغاياتي إلى سويسرا... ثم أخرجت بعد ذلك ديواني الأول "لعلك ترضى" وكنت أقصد من ورائه تعريفي بالناس، وتعريف الناس بي، ثم طبعت لي هيئة الكتاب ديوان "طوبى لهذه اليراعة" عام 1991م، وقبله أخرجت مسرحيتي الشعرية "فارس الحب والحرب عنترة"... ثم ديوان "رفيف الجناح العاطفي".. ثم ديوان "رسالة إلى الزمن الجميل".. وعندي مجموعة كبيرة من الأشــعار تكفي عدة دواوين. أبحث دائماً عن اللفظة القرآنية والنبوية الموحية.. فإن لها جمالاً لا يطاول، كما أجتهد في البحث عن الكلمة البعيدة عن التداول.. التي يتغافلها الناس وهي درة مكنونة... فلغتنا واسعة وجميلة وراقية وأصيلة... وهي أحلى لغات الدنيا لوناً وطعماً وشكلاً وامتلاء. كل فنون القول... إنما وهبها الله للإنسان ليدرك بها رسالته، التي خلقه الله لأجلها... (الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الإنسان (3) علمه البيان (4)) (الرحمن)... فالإنسان هو غاية كل كلمة، ومنتهى كل حضارة.. وأنت والعالم أجمع يبصر معي هذا التردي المعاصر الذي انحدر إليه الإنسان المدجج بالأسلحة، المؤجج بالأفكار المصطرعة في رأسه وقلبه... وهذا سقوط حضاري لا شك... أما الإنسان المسلم فله رسالة عظمى من وراء هذه الحياة جميعاً، وطريقه ممدود من عالم الأجنة إلى أرائك الجنة.لذا... فأنا راضية كل الرضا عما قدمت.. وأسأل الله تعالى أن يرضى عني وعن والديَّ وزوجي وأولادي.. والمسلمين أجمعين.... وقد صرنا إلى زمن يرى فيه الحداثيون أن بنية الكون بأكمله غير مناسبة لهم.. ومادام هناك خارجون على القانون، فلابد أن تظل الجرائم.فالقصيدة تلبس ثوبها، وتشرب معانيها، وتسبح في بحرها، وتستريح عند قافيتها بنفسها... أما هؤلاء فأفئدتهم هواء.. وللأسف.. فمعظم المراكز والمناصب الثقافية، وأدوات التوجيه والإعلام والإرشاد.. تسند إلى هؤلاء مما يعد جريمة تصل للخيانة العظمى في حق هذا الوطن... وكفانا كيد الأعداء... ولوجه الله أقول... يجب أن يطرد هؤلاء من هذه الأماكن لأن الوقت لا ينتظرنا في هذا الصراع الكبير... فبعض هؤلاء لا يعدو أن يكون من مثيري الشغب في طرقات الناس الآمنين، وحسبنا الله ونعم الوكيل... وأنا هنا لا أنتصر لنفسي... فقد يرتفع إبداعي أو ينخفض... ذلك لا يهم أبداً.. أنا أنتصر لرسالتي وأمتي ممن يقطعون على الناس السبيل، ويأتون في ناديهم المنكر