المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جلد العنزة



الشربينى خطاب
09/09/2009, 10:04 AM
جلد العنزة
تصرخ المرأة التي ربتها وتملأ الوادي عويل ، يسارع زوجها مواسياً
: ربنا أراحها من العذاب
قالت باكية : الشيء الذي يحز في نفسي ، أنها لم تنجب لنا عنزة واحدة
: العوض علي الله
كانت لتلك المرأة عنزة لم تلد بطناً واحدة ولم يمتلئ ضرعها يوما باللبن ، علي الرغم من رعيها مع القطيع الكلأ ، إلا أنها ظلت هزيلة ، تجنبتها التيوس ولم يمارس معها أي فحل فنون الغزل ، في عام الجدب أصابها الجرب ، دهنوها بالقار وعزلوها بجوار شجرة بلوط جرداء ، تساقط شعرها المسترسل وزرته الريح في يوم عاصف فوق أشواك الوادي ، أصبح جلدها شفافاً ، يشع ضوء ً بألوان الطيف السبع في الليالي القمرية ، كل من يشاهدها ، يستطيع أن يري أعضائها الداخلية ساعة الاحتضار ، انتقل خبرها بين الأمصار ، يتجمع حولها الرعاة صباحاً ومساءً، يلتمسون من العنزة المقدسة البركة ويبكون 0! ، ماتت وحيدة مقطوعة الأثر أمام عتبة الخيمة
في جنح الظلام و بعيداً عن أعين الرعاة ، سلخ الرجل جلد العنزة وفي الصباح نشره في أشعة الشمس بعد أن زرَّ عليه قليلاً من ملح الطعام
جلس الزوجان القرفصاء ، بينما كان يتدبران أمر تلك المصيبة ويفكران في مراسم دفن جثة الفقيدة وإذا بغراب ينعق من فوق شجرة قريبة ، أعلن للآكلات الجيف عن موت العنزة المريضة ، لم تمضي إلا لحظات حتى حامت فوق رأسهم طيور جوارح
قالت خائفة : ادفنها في مكان بعيد عن الخيمة
دفن الرجل أشلاء العنزة بطن الأرض ووضع علي قبرها شاهداً خشبياً لتتعرف عليه الأجيال ووفود الزائرين ، دوائر سوداء من طيور شتي تحوم حول قبرها
صمت الزوج ثم راح في غيبوبة التفكير العميق ، ربما يفلح في اقتناص فكرة من الذاكرة يسعد بها امرأته الحزينة ، نظر إليها مبتسماً بعد أن اهتدي إلي حيلة خبيثة
: لقد واتتني حيلة بارعة نستبدل بها خسارتنا في العنزة بثروة كبيرة
قالت منشرحةالصدر : كيف 00!!؟
: نبيع جلدها في صالة مزاد القرية السياحية ونجعل قبرها مزارا دينياً مقدساً
قالت غير مقتنعة بالفكرة : جلدها عديم القيمة ، والرعاة يعرفون قصتها
: نختلق لها حكاية أسطورية
: مثل حكايات الغول والعنقاء
: أي عنقاء يا جاهلة00!!؟
: قل لي كيف تقنع الناس بقصتها ؟
: نحكي لهم مثلاً 00 أنها عنزة مقدسة 00من سلالة مباركة 00 أبوها وأمها كانا من الناجين أيام طوفان سيدنا نوح ، هبطت علينا من السماء كطائر بدون أجنحة مرتدية ملابس رواد الفضاء ، كانت تحكي لنا بعض الأسرار الكونية وتخبرنا بموعد كسوف الشمس وخسوف القمر ولذلك يشع جلدها أنواراً بألوان الطيف السبع في الليالي القمرية
: هل جننت يا رجل !!؟ من يصدق هذا الهراء ، الأفضل أن تجعل قبرها مقاماً مثل مقامات الأولياء ، يزوره الناس طلباً للمدد ويضعون علي أعتابه القرابين
: أي مقام يا متخلفة !! الناس لم يعد يستهويهم إلا الأشياء الغريبة ، فعلينا إذاً اغتنام
تلك الفرصة وبيع جلد العنزة لرواد القرية السياحية يوم " الكرنفال " السنوي
: والله ما أنا فاهمة تلك الحيلة 00 أخبرني بدوري في هذه اللعبة
دخلت الزوجة الحفلة التنكرية مرتديةَ جلد العنزة كاشفة الصدر والساقين ، تحمل علي محفة من قطيفة حمراء كتيبات صغير مدون به السيرة الذاتية للفقيدة وشروط المزاد ، تجولت في أركان الصالة تعرض بضاعتها، كل من يشاهدها يري مفاتنها الداخلية ، تنتشر رائحة عفنة في أرجاء المكان ، يقاومها حملة المباخر برائحة العود والعنبر في كل اتجاه ، ثم بدأ المهرجان المنقول علي الهواء عبر الأقمار الصناعية، عزفت الموسيقي ألحاناً شرقية و أطفأت الأنوار ، أوقد في الصالة اثني عشرة شمعة، مثبَّتة علي شمعدان
ذو ثلاث شعب ، أضاء نور خافت الأركان المظلمة ، سارع المصورون بالتقاط الصور التذكارية ، عكست الرقعة العجيبة برق آلات التصوير علي الوجوه أنواراً فسفورية ، صاحوا مبهورين
: يا سبحان الله
شق الزوج طريقه إلي رقعة الجلد العجيبة بصعوبة ، لم تتعرف عليه امرأته من أول وهلة ، كان مرتدياً ذقناً مستعاراً وسروال فضفاض أشبه بشيوخ القبائل الهمجية ، خاطب المرأة بصوت جهوري
: يا أمة العرب 00 أبغي شراء هذه الرقعة بعشرة آلاف دينار
هب شيخ غاضب ، رفع حاجبه ثم قال
: لن يشتريها إلا أنا 00 سوف أدفع فيها ما يزيد علي عشرون ألف " دولار "
وقف شيخ آخر وقور ، قبل أن يشارك في المزاد داعب لحيته متبسماً
: أنا الذي اشتريها وادفع ثمناً لها زيادة عما عرضوا خمسون ألف " دولار "
ارتفعت حرارة المنافسة وتباري المزايدون في رفع السعر ، كلهم يصرَّ ون علي الفوز
بهذه الرقعة ولو بحد السيف
بينما كان الزوجان يتأهبان لجني ثمار خطتهما البارعة وإذا بجنود لا قبل لهم بها تهبط عليهم من السماء ، الجنود مرتدية ذي أولاد " عنان " السوداء ، مرسوم عليها دوائر زرقاء يتوسطها نسر فارد جناحيه يحتوي الكرة الأرضية وفي منقاره غص زيتون أخضر
ظن الرجل أنهم من رواد الحفلة التنكرية ، غمز بطرف عينه لامرأته ، أن أدخليهم في اللعبة المسلية ، خاب ظنه لما سمع دوي الطلقات النارية ورأي الوادي تحاصره من الجهات الأربع البوارج والدبابات والطائرات الحربية، أعلن قائدهم أن العنزة المقدسة عنزتهم ، وارد اسمها ضمن أسماء رواد المكوك الفضائي الذي انفجر عند انطلاقه
سيطر الرعب علي أهل الوادي وزوَّار العنزة المقدسة فتجردوا من ثيابهم وساروا
و الأيدي مرفوعة فوق الرؤوس علي ساحل القرية التي كانت آمنة ، ألقوا بأنفسهم في مياه البحر المالحة تاركين الزوجان في العراء ، تقدمت الجنود منهم ، نزعت عن المرأة جلد عنزتها دون مقاومة وكبلت الرجل في جزع نخلة مكشوف العورة ، صرخا في الوادي طلباً للنجدة 00 لا حياة لمن تنادي فالرعاة متفرقون في المراعي ، يشاهدون الأحداث المتتابعة علي شاشات التلفاز ويصفقون

يسرى الارنب
09/09/2009, 02:00 PM
الحلم الزائل والواهن فى فى حياتنا تبثه قصتك بنوع من المزاولة أستاذنا الكريم
تلمس على أعتاب خطوتك صرخة مكتومة
تشرئب ايماءة إلى ماضيها الجسور
تندب علم القوة
تبيد رحل الجرح والانتكاسات
أن ترمى بما بداخلك ليخمله عنفوان التجرد الإيهامى نماء بمجرد افتراض أنه من باب الرغبة فى إصلاح ما فسد فى بلادنا

الشربينى خطاب
09/10/2009, 07:26 AM
الحلم الزائل والواهن فى فى حياتنا تبثه قصتك بنوع من المزاولة أستاذنا الكريم
تلمس على أعتاب خطوتك صرخة مكتومة
تشرئب ايماءة إلى ماضيها الجسور
تندب علم القوة
تبيد رحل الجرح والانتكاسات
أن ترمى بما بداخلك ليخمله عنفوان التجرد الإيهامى نماء بمجرد افتراض أنه من باب الرغبة فى إصلاح ما فسد فى بلادنا

الصديق العزيز / يسري الأرنب
نحن أمة حالمة 00 أحلام اليقظة 00 نغفوا والعيون مفتوحة علي
مصراعيها ، ونصحوا كل مرة علي كابوس
شاكر مرورك الكريم وقرائتك الواعية

د.محمد فتحي الحريري
09/11/2009, 09:07 PM
شكرا اخي الاستاذ الشربيني
استمتعت بقراءة القصة فهي تمثل واقعا مريرا نعيشه
كم من مزار كاذب وضريح وهمي تشد اليه الرحال وتنحر عنده الخراف
كما ينحر عنده العقل والفضيلة !!!!!!!!!
تحياتي ايها الصديق الوفي ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

د. حورية البدري
14/11/2009, 01:53 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الفاضل الشربيني خطاب

نسأل الله العافية والبصيرة السليمة لنا ولكل أمتنا

وأن ينكشف فساد المُفسدين حتى يتم ردعهم كأهم خطوة في طريق الوعي والإصلاح

دمت بخير وإبداع جميل

تحياتي

محمدخطاب
24/11/2009, 03:51 PM
قصة رائعة سلمت يا استاذ
ستظل مدرسة ذات طابع خاص في الكتابة نتعلم منها
دمت بخير
http://khatab38.riwayat.org/YsN-IN-b1.htm

الشربينى خطاب
29/11/2009, 05:00 AM
شكرا اخي الاستاذ الشربيني
استمتعت بقراءة القصة فهي تمثل واقعا مريرا نعيشه
كم من مزار كاذب وضريح وهمي تشد اليه الرحال وتنحر عنده الخراف
كما ينحر عنده العقل والفضيلة !!!!!!!!!
تحياتي ايها الصديق الوفي ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

شيخنا الجليل
بعد التحية والسلام
أصحاب العنزة اللئام
سدنة معبدها والمقام
عارفين تاريخها وأصلها
ومين كرها وحبها
وكل كلام اللايمين
مع إنها 00000
مفضوحة حيَّة وميِّتة
وإحنا اللي مش
داريين
بذور الجهل منبِّتة
طواغيط وظلمة
واعي يا زلمة
وفاهم حل المسألة
القصة دي متكررة
من آلاف السنين
ها تقول لمين ولا لمين
أحلف يمين
بكره يعملولها
المخرجين
فيلم طويل
ومسلسله

محمد محمد حلمى
29/11/2009, 06:24 AM
كم من العنزات هلكت ولم ندفن أشلاءها
وجلدها المسلوخ مازلت تنبعث منه رائحة عفنة رغم زر الكثير من الملح ,
ربما غدا تسطع شمس الخلاص ولا نحتاج جلد العنزة العفن ولا قبر أشلاءها
شكرا استاذ الشربينى خطاب على تلك القصة الرائعة

حسن تاج
03/12/2009, 10:41 PM
بين الحلم واليقضة .....سنسن ضوئية كي يفيق بعضنا من متاهات زمن غادر
نص يفيض رمزية ، وايحاءات عظيمة

شوقي بن حاج
05/12/2009, 05:20 PM
رحمك الله يا فقيدنا وأسكنك جنات عدن