المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيدة ..



محمد جاد الزغبي
26/01/2007, 10:50 PM
قصة قصيدة
شيئ من التاريخ عبر أبيات الشعر

المفاهيم المغلوطة

من دوافع الأسي الشديد أن هناك عدد من المفاهيم التى يتعامل معها الناس عامة كما لو أنها مفاهيم ثابتة ويقينية نظرا لانتشارها كمعارف شهيرة أو كحكم متداولة على نطلق واسع ..
الا أن الجلوس الى أهل الحكمة عبر التاريخ الماضي والمعاصر وتعلم أسس التفكير العلمى منهم عبر كتاباتهم بالغة الثراء يدفعنا بسهولة ويسر الى ادراك حقيقة بسيطة ..
أن غالبية تلك المفاهيم التى نتعامل معها على أنها حقائق راسخه تسقط كبناء من الرماد أمام أقل مناقشة وتأمل منطقي ..

فمثلا إذا أُثيرت مناقشة سياسية فى مجتمع ما
ـ وأقصد المناقشات غير المتخصصة أو الميالة للفضائح والتجريح وفقط كما سأوضح بعد قليل ـ ..
عربي بطبيعه الحال .. تجد مقولة متكررة على العديد من ألسنة الحضور الرافضين للخوض فى الحديث السياسي تحت زعم
" أن للسياسة أهلها " أو بالتعبير الدارج " أنا مليش فى السياسة يا عم !!"
وذلك فى حقيقة الأمر شيئ مذهل ..
وبغض النظر عن أسباب رفض الخوض فى تلك المناقشات والتى تتركز غالبيتها فى معيار الخوف أو الجهل .. سنكتشف ـ للكارثة ـ أن من بين الرافضين لتلك المناقشات أهل أدب وفكر ومواهب شابة واذا خرجنا بعيدا سنجدها منتشرة الى حد ساحق بين غالبية مواطنى العالم العربي ..

وتعالوا نناقش الأمر بهدوء ..

أولا
ما هى السياسة ..
هل هى مجال العلاقات الدولية بين الدول الأعضاء فى العالم وبين المنظمات الدولية باختلاف أنشطتها ..
كلا بالطبع فهذا التعريف هو

تعريف العلوم السياسية أو القانون الدولى

وهذا المجال يـُتصور فيه عدم المباردة الى الخوض فى مناقشته بدون علم ..

فهل السياسة هى الحديث فى نظم الحكم وتشكيل الحكومات والموقع الدستوى
لكل موظف عام كلا أيضا ::
فهذا التعريف خاص بالقانون الدستورى
الذى ينظم الحياة السياسية لأى مجتمع وفق ما يعرف فى القانون باسم " العقد الاجتماعى "
وهذا أيضا مجال يصح فيه عدم الخوض الى نقاشه أو العزوف عنه

فهل السياسة هى ممارسة حق الترشيح والانتخاب للمجالس النيابية
كلا أيضا فهذا

هو ما يسمى بالحقوق السياسية للمواطنين

وهى قابلة للمارسة من عدمه حسب سلبية وايجابية المواطن وان كان عدم ممارسته لحقه الدستورى تقصير فادح الا أنه يتصور أيضا عدم الحديث فيه وممارسته وفق قناعات كل شخص

أما السياسة ..
فهى كل ما يمس المواطنين بصفة مباشرة عبر قرارات وممارسات أولى الأمر
وهذا مجال لا يتصور فيه بأى حال من الأحوال أن يعزف عنه ذو عقل وبديهة ..

لأنه وببساطة ان تنازل عنه سيكون كمن تنازل طواعية عن حق المعيشة وسط مجتمع ارتضاه
فالحياة وسط المجتمع أيا كان نوعه هى تلاقي حقوق وواجبات يعمل الناس وفق التناسب فيما بينها ومنها خرج تعريف الحرية الشهير بأنها ..

" هى استقلال ارادة الفرد في فعل ما يشاء بشرط أن تقف حدود حريته عند حدود حرية الآخرين "

نخلص من هذا الا أن الحديث فى السياسة والاهتمام بها ومناقشتها أمرٌ لازم لكل فرد طبيعى يعيش فى مجتمع لا يسقط هذا الحق الطبيعى مطلقا الا فى حالتين

الأولى
أن يعيش الانسان منعزلا عن أى شخص وأى مجتمع
وهذا مستحيل
والثانية
أن يقبل الانسان طواعية بتحوله الى مجرد عبد رقيق لغيره من أفراد الجتمع لأن العبيد عليهم واجبات وليس لهم حقوق الا الطعام الذى يكفل لهم الحياة للممارسة طقوس عبوديتهم ..
فهل هناك من يقبل طائعا أن يصم نفسه ويتركها لنير العبودية بهذا الشكل ؟!!
للأسف نعم ..
هذا بالنسبة للمواطن العادى ..
فما بالنا اذا كان المواطن الرافض للخوض فى مضمار حياته المجتمعية الطبيعى من أصحاب القلم والفكر .. انها كارثة كبري ولا شك ..
ولا أبالغ مطلقا ..
ان قلت أن تدنى الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية مردها المنفرد والأقوى هو تخلى أصحاب الفكر عن رسالتهم الرئيسية وهى تربية الرأى العام

هل الأدب غير السياسة .. ؟!
مما سبق ..
يسهل علينا استنتاج حقيقة واقعه وبسيطة للغاية منعا لللخلط القائم الذى شرحته ..
وهو أن السياسة ليست مجالا منفردا يتطلب مواصفات معينة للممارسته .. بل هى وببساطة ضرورة اجتماعية بغيرها لا يستقيم أمر المجتمع ولا يبنى حضارة
وهى واجبة للعامة والخاصة ..

فهى للعامة من طوائف الشعب المختلفة لمعرفة سبل بناء حاضرهم ومستقبلهم
وهى للخاصة .. وأعنى بهم العلماء والمفكرون والأدباء والمهندسون والأطباء .... الخ
ويقع على عاتقهم توجيه العامة

وخاصة الخواص فى نظرى هى طائفة المفكرين

لأنها المرهون بها توجيه الرأى العام وتعليمه وتهذيب سلوكه
وهو أمر من قديم .. ليس جديدا أخترعه ..
فالأساس الذى قامت عليه الحضارة الاسلامية كلها وأسست دولة وامبراطورية مبهرة فى عدد من السنين هى كالثوانى فى عمر الشعوب
كان أساسها نداء واحد بنى استراتيجية المشاركة وهو نداء " الصلاة جامعه "
ينادى به أى صاحب فكر ليجتمع الجمهور فيناقش ويطبق ويغير بيده
والا ولو كانت السياسة لها أهلها كما يردد البعض
فكيف يكون لحكم كرة قدم ادراك واحد من أقوى الحقوق السياسية قاطبة فى المجتمع والتصرف على أساسه ..
وهى حادثة شهيرة جدا فى بريطانيا الملكية ..
حيث حضر الملك " جورج " مباراة كرة قدم بين فريقين شهيرين .. وأخطأ الحكم خلال المباراه ولم يحتسب هدفا صحيحا لأحد الفريقين تحت زعم أن اللاعب الذى أحرز الهدف أخطأ بحق زميله قبل احراز الهدف
وبعد انتهاء المباراه .. صعد الحكم لمصافحة الملك ضمن اطار التكريم الذى يشمل المحكمين والللاعبين وأجهزة الفريقين
فقال الملك للحكم
" لقد أخطأت بعدم احتساب الهدف .. فقد كانت الكرة صحيحة "
فنظر الحكم الى الملك هنية .. ثم قال للملك البريطانى المهيب
" جلالة الملك .. انك ملك على بريطانيا كلها .. "
وأشار الحكم الى الملعب مكملا
" لكن هذا المربع الأخضر أنا ملكه الوحيد "

هؤلاء هم المواطنون كما يجب أن يكونوا
ومن هؤلاء كان الأدباء
فلا أظن أن رسالة الأدب بفنونه المختلفة تقتصر على مجرد الامتاع الذهنى بقصة أو رواية أو قصيدة أو مقال بليغ وفقط
بل الأهم ما يعالجه الوعاء اللغوى المبهر من قضايا
ولست أعنى السياسة فقط
بل جميع المجالات التاريخية والاجتماعية
وما كان تركيزى على المجال السياسي الا لكونه المجال الأكثر تجنبا من الجميع
ولن أغرق فى ذكر التاريخ العظيم وآثاره كما عاب البعض علينا فى هذا
فسأدعوكم عبر هذا الموضوع " قصة قصيدة " لاثبات دور الشعر أهم فروع الأدب فى تغيير التركيب الاجتماعى والسياسي والتعبير النابغ عن قضايا وأحوال تندر معالجتها من خلال قصيدة ومع ذلك فعلها المبهرون العمالقة قديما وحديثا ..

ولنا لقاء قادم مع أولى حلقات هذا الموضوع المسلسل مع
أمير الشعراء
فى العصر الحديث ومع واحدة من نوابغ قصائده

.
.

زاهية بنت البحر
26/01/2007, 11:09 PM
بارك الله بك اخي المكرم محمد جميل ..ماقرأته هنا سأنتظر ماستأتي به لأمير الشعراء أستاذي الأول في عالم الشعر..لاتجعلنا ننتظر طويلا؟ دمت بخير
أختك
بنت البحر

محمد جاد الزغبي
26/01/2007, 11:13 PM
البداية مع شوقي

رحم الله أمير الشعراء فى العصر الحديث ..
كان عملاقا له دوره العتيد فى احياء الشعر العربي هو وسابقه البارودى ورفيق عمره حافظ ابراهيم ..
من الصعوبة بمكان ادراك قدرات شوقي الغير عادية فى الثراء اللغوى .. ولا زال النقاد والعمالقة يحدوهم الانبهار وهم يكتشفون بعين المتخصص .. أية اعجازية تلك التى كان يكتب بها هذا الراحل العظيم ..

وأذكر أن الامام محمد متولى الشعراوى فى أحد أحاديثه ..
تناول بالانبهار الواضح بيتى شعر شهيرين لشوقي يقول فيهما

أرسلت بالتوراة موسي هاديا ×× وابن البتول .. فعلم الانجيلا

وفجرت ينبوع البيان محمدا ×× فسقي الحديث وناول التنزيلا

من المستحيل تقريبا ادراك كم القضايا التى حصرها شوقي فى بيتين فقط لا غير فقد رتب الرسالات وعند وصوله الى الاسلام وحدثه عن رسوله عليه الصلاة والسلام جاءت الشطرة الثانية من البيت الثانى ابداعا لا مزيد عليه ودقة فى التعبير يندر أن تتواجد فى عصرنا هذا

سقي الحديث .. وناول التنزيلا

تفسير مبدع بأن الحديث لفظا سقاه الرسول عليه الصلام والسلام بينما القرءان الكريم
اكتفي فقط بنقله ومناولته لأنه كلمات الحق سبحانه

ولسنا هنا بالطبع فى معرض الحديث عن هذا الرجل فمثله جدير بموضوع مستقل وكتاب كامل

لكن الايضاح هنا .. هو مدى ما أداه شوقي فى حياته وبشعره سياسيا واجتماعيا
ومن غريب الأمور أن نشاط شوقي السياسي كان شهيرا الى درجة نستنكر معها التفكير في شوقي على أنه شاعر مبدع وفقط وكأن وظيفة الأبيات هى الامتاع بالموسيقي والألفاظ
بينما القالب الشعري الجذاب ما هو الا الوعاء اللازم لبث الفكر وتحديد المواقف شأنه فى ذلك شأن أى نوع من الكتابة
وجريا على طبيعه موضوع قصة قصيدة .. سنلقي الضوء على قصة احدى أشهر قصائد شوقي
تلك التى مطلعها

الله أكبر .. كم فى الفتح من عجب ×× يا خالد الترك .. جدد خالد العرب

تلك القصيدة الشهيرة كانت بيانا سياسيا بالغ الوضوح من أحمد شوقي تأييدا ودعما لشخصية ورسالة رأى فيهما شوقي نصرة للاسلام ودولة الخلافة العثمانية كما عاش يؤيدها طيلة عمره
كانت تلك القصيدة .. عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى والتى دخلت فيها ألمانيا والمجر
وبروسيا " احدى الممالك السابقة " مع الدولة العثمانية فى جبهة ضد انجلترا وفرنسا
وانتهت الحرب كما هو معروف بهزيمة المحور الذى تناصره الدولة العثمانية أمام جحافل الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا

وتصور الكثيرون أن الخلافة العثمانية بعد تفككها .. قد ذهبت آخر معاقل الخلافة للاسلام بسقوطها وكان يحدوهم الأمل ـ ومنهم شوقي ـ فى محاولة تدراك الأمرفاذا بكمال أتاتورك يظهر بتركيا على أنقاض الخلافة العثمانية مناديا باستقلالها وتصور الكثيرون أيضا ـ ومنهم شوقي ـ أن أتاتورك جاء لايحاء الدولة المهزومة ..
فكتب يحييه مشجعا اياه تلك القصيدة التى يشبه فيها أتاتورك بخالد الترك الذى يشبه خالد بن الوليد القائد العربي الأشهر رضي الله عنه

فاذا بكمال أتاتورك يتربع على عرش تركيا ولا يجعل له هما الا هدم كل صور الاسلام فى الخلافة العثمانية السابقة وحكم حكما مطلقا وأعلن تركيا دولة علمانية تحمى عقيدة العلمانية فيها القوات المسلحة وغير مسموح لأى حزب يأتى للحكم بأن يغير هذا النهج

ولهذا السبب
أخطأ الناس ظنا عندما تولى حزب العدالة الاسلامى الحكم فى تركيا وظنوا به سيعيد ماضى العثمانية القديم .. لأن حزب العدالة لا يمكلك تعديل الدستور التركى العلمانى أو الغائه والا تدخل الجيش بنص الدستور لاعادة العلمانية !!

ومنذ أيام أتاتورك .. تحولت الدولة الاسلامية الى قبلة الجياع لكل شهوة
من بارونات المخدرات ومنظمات التجسس الحر بالاضافة للمنظمات الاباحية

وكانت الصدمة بالغه على شوقي فكتب بعدها قصيدته شهيرة أيضا " كفنوك فى ملابس الأعراس "
يشبه فيها الخلافة الاسلامية بالعروس التى تزينت ليلة عرسها فاذا بها تكفن فى ملابس عرسها

وموقف شوقي فى أيامه تلك من بدايات القرن العشرين كان داعيا للتأمل وكاشفا عن قناعات الوطنية فى هذا العصر ..
فمصر ساعتها كانت تحت يد الاحتلال البريطانى .. لكن دعوات الاستقال والنضال لم تكن موجهة بأى حال الى استقلال مصر والسودان كدولة واحدة .. بل كان النداء موجها لاستقلال مصر والسودان كولاية عثمانية تتبع الخلافة

وهو ما تغير بعد ذلك بالطبع وتركزت الدعوة لاستقلال مصر والسودان فقط كمملكة مستقلة ليصدر أول دستور علمانى فى مصر عام 1923 م معلنا مصر مملكة مستقلة ومعها السودان وتحول اسم السلطان فؤاد الى الملك فؤاد عقب اتفاق صورى مع الانجليز تعترف فيه بريطانيا باستقلال المملكة المصرية وتتحفظ بشرط عملية لا تنهى الاحتلال فعليا
من هنا تتبدى أهمية دراسة التاريخ بدقة لبيان مواقف الشخصيات بوضوح ولم يكن اقتناع شوقي بضرورة التبعية للخلافة الاسلامية أمرا شاذا بل على العكس كان هذا النداء هو نداء العصر الذى تولاه المناضلون على رأسهم الزعيم الأشهر مصطفي كامل

ولا يـُـعاب اطلاقا هذا التوجه من زعماء الوطنية لتبعية مصر للخلافة العثمانية لأن رؤيتهم كانت محصورة فى الظواهر التى ترى فى الدولة العثمانية آخر صور الخلافات الاسلامية وترى فى سلطانها رمزا للاسلام ومناصرا له

وتلك الرؤية كانت حتما ستتغير لو أنهم حضروا نهايات القرن العشرين عندما جاء موعد اعلان الوثائق السرية البريطانية والفرنسية بمرور نصف قرن عليها

تلك الوثائق التى كشفت الصفقة التى تمت بين السلطان العثمانى وبين بريطانيا وفرنسا ..
حيث طلب السلطان العثمانى مؤازرة فرنسا وبريطانيا لكبح جماح والى مصر وقتها محمد على والذى تغولت قوته وجيشه حتى هاجم أطراف الخلافة عند الشام سعيا لضم الشام الى مصر والسودان والاستقلال بهما مكونا واحدة من القوى العظمى فى هذا العصر وتحت يده جيشا مصريا نابغا بقيادة ابنه ابراهيم باشا
وفى نظير تلك المعاونة قبل السلطان على نحو سري تماما بمبدأ اقتطاع جزء فلسطين ليصبح مقرا للدولة اليهودية فيما بعد وكان شرطه أن يسمح بهجرة اليهود الى فلسطين أن يتم هذا دون اعلان لنوايا الدول الكبرى فى انشاء وطن قومى يتبنى الفكرة اليهودية ...
وبالفعل تمكنت فرنسا وبريطانيا من هزيمة محمد على ورده عن الشام وفرضت عليه شروط الصلح قاسية عام 1840 م .. وبها أصبحت مصر والسودان حكرا على الوالى القوى وأولاده بشرط عدم تعديه حدودها الى الشام وهو ما يهدد الأطماع الفرنسية البريطانية هناك
تلك الحقائق لو أنها كشفت فى وقتها لتغيرت حتما تلك النظرة التى كانت تحمل هموم ثوار العهد الماضي بكل اخلاصهم الفائق
حيث كانوا فريقا واحدا اجتمع على رسالة واحدة ..

وعندما توفي مصطفي كامل وهو بعد فى الثانية والثلاثين من عمره رثاه شوقي بقصيدة خرافية كانت أيضا موقفا سياسيا عبقريا
حيث بدأها بقوله

المشرقان عليه ينتحبان ×× قاصيهما فى مأتمٍ .. والدانى
وفى البيت الثانى تتضح الرسالة حيث يقول عن مصطفي كامل
يا خادم الاسلام أجر مجاهد ×× فى الله .. من خلد ومن رضوان
لما نـُعيت الى الحجاز مشي الأسي ×× فى الزائرين وروع الحرمان

ثم يقول فى ابداع

يا ليت مكة والمدينة فازتا ×× فى المحفلين بصوتك الرنان
ليري الأواخر يوم ذاك ويسمعوا ×× ما فات من قس ومن سحبان

وقس وسحبان هما أشهر قبائل العرب فى بلاغه الخطاب وهنا يتضح الموقف السياسي القائم على التوحد والتوجه الاسلامى المخلص
ثم يصف مشهد المرض الأخير لمصطفي كامل فيقول

ولقد نظرتك والردى بك محدقٌ ×× والداء ملئ معالم الجثمان
وناظر العوًاد .. عنك أمالها ×× دمعٌ .. تعالج كتمه وتعانى

ثم يقول فى واحدة من أروع أبياته واصفا مداعبة مصطفي كامل له وهو مريض عندما قال له
" هل سترثينى يا صديقي "

يقول شوقي

فهششت لى .. حتى كأنك زائرى ×× وأنا الذى هد السقام كيانى
وجعلت تسألنى الرثاء .. فهاكه ×× من أدمعى وسرائرى وجنانى
لولا مغالبة الشجون لخاطرى ×× لنظمت فيك يتيمة الأزمان

ثم يصف مكانة هذا الشاب الفريد بلمسة ابداعية متألقة يقول فيها

لو كان يـُحمل فى الجوارح ميتُ ×× حملوك فى الأسماع والأجفان
أو صيغ من عز الفضائل والغنا ×× كفنٌ .. لبست أحاسن الأكفان
أو كان فى الذكر الحكيم بقيةٌ ×× لم تأت بعدُ .. رُثيت فى القرءان

وفى نفس الوقت ..
كان الشعر يؤدى مهمة أخرى خفيت عن أنظار التوجه الاسلامى للمناضلين تماما
حيث شرع الشاعر البريطانى الشهير " اللورد بايرون " فى كتابة ديوان كامل يحمل
اسم " الأغانى اليهودية " يروج فيه للحلم اليهودى متواكبا مع نداءات الحركة الصهيونية التى بدأت خطاها بمؤتمرالصهيونية الأول فى مدينة بازل بسويسرا لدعم فكرة الوطن اليهودى بزعامة تيودور هيرتزل الأب الروحى للحركة الصهيونية ..

كان هذا لقاء بسيطا مع شوقي فى بعض دوره السياسي والثقافي
.
.

محمد جاد الزغبي
26/01/2007, 11:56 PM
مع قديس الكلمات أحمد مطر

ولا زلنا مع قصص القصائد لكبار المبدعين العرب ..
هؤلاء الشعراء الذين حركوا الحمم من تحت ركام الصخور فانفجرت ..
وأيقظوا العزائم فانبثقت ..
هم الرافضون الأولون لكل ما ينتهك حرياتهم وحرية أوطانهم ومواطنيهم
هم الذين حرروهم رغما عن أنوفهم .. وأجبروهم أن يضعوا أنفسهم أمام مرآه اللفظ والمعنى بعد طول سبات بالرمال .. على عهد النعام ..

وشاعر القصيدة اليوم وبطل قصتها .. هو هذا الرجل الذى كتب بسن الخنجر ونثر الجوهر فلا أبدع ولا أقدر ..
هو صاحب اللافتات .. اللافتات التى صارت فى التاريخ الأدبي الحديث علامة فكر وكبرياء غير مكررة الا فى قليل
أحب لغته وعشقها فوهبته من كنوزها أشهاها ومن حللها أعلاها وأغلاها

وأحمد مطر واحد من القلائل الذين استيقظت عيونهم على قضايا بلادهم فرهن لها براعته ويراعه فلم يكتب حرفا خارج هذا الاطار !!

وذلك تفرد لم يشاركه فيه الا القليل من مبدعى العرب أمثال مظفر النواب ومحمود درويش وكمال عبد الحليم أشهر وأغنى الشعراء ثراء فى العصر الحديث لولا التعمية المقصودة على انتاجهم الحر
أى أن أحمد مطر لم يكتب الا لهموم بلاده وقضاياها وطبقا للتعريف الصحيح للسياسة كما أسلفنا فلم يكتب أحمد مطر الا للسياسة وللحرية وللفضيلة ..
أى أنه اختار أسمى رسالة للأديب فلزم حجرها لم يبرحه
يقول أحمد مطر فى واحدة من روائعه ردا على أولئك الذين اتهموه بسلاطة اللسان لأنه يعبر عن قناعاته ومبادئه
قال لهم

وليشتم المتلوثون شتائمى ×× وليستروا عوراتهم بردائي
وليطلق المستكبرون كلابهم ×× وليقطعوا عنقي بلا إبطاء
لو لم تعد فى العمر الا ساعة ×× لقضيتها بشتيمة الخلفاء

بالطبع ودون أدنى شك اذا نظرنا لمدى البراعه الأدبية والاكتمال البنائي للقصيدة برؤية نقدية ـ وهو ليس موضوعنا الأصيل ـ لوجدنا أننا أمام تحفة فى التصوير وقمة فى التعبير
وقصيدته أو بيانه السياسي العتيد بتلك الأبيات خاصة تلك المقدمة يرد فيه ردا مفحما وبالغ الألم أيضا على كل الاتهامات التى نالها من معاصريه
وقد وضع أحمد مطر بقصيدته تلك حاجزا واضحا بين ابداء الرأى وبين الاتهام المغرض بالسب والاعتداء اللفظى ..

وهى واحدة من أكثر طبائع العرب غرابة
فلو هتف المظلوم بوصف الظالم لمن اعتدى على حقه فهو الملوم لأنه سب الرئيس أو الملك !!
ولو هتف معارض باتهام يراه وله دلائل ويطلب الى السلطة معالجته ..
فهو السليط وهو المعتدى !!
ولست أدرى من أين أتى الحكام بتلك الفتاوى التى ما أنزل الله بها من سلطان ..
والكارثة أن السلطات لا تكتفي باعتقال ومحاكمة ذوى الرأى على رأيهم بل تتعمد أن تكون الاعتداءات متسترة خلف القضاء .. هذا الحصن الذى اذا طاله خراب الذمم فى أى شعب فل تقوم له قائمة فى حياته ومستقبله

والأمثلة أكثر من أن تحصي للأسف

عبادة الذات وتضخيمها لدى أولى الأمر ومطالبتهم لشعوبهم بمعاملتهم كما يتعامل الأنبياء والمرسلون كانت خلف تلك الكوارث التى قيدت الألسنة وكتمت الأنفاس .. لا سيما وأن الجماعات المحيطة بالسلطة تزين لهم أفعالهم حتى أصبح الحكام صورة مكررة من
الحاكم بأمر الله الذى حكم مصر وأذاقها وأهلها أبشع وسائل الاكراه وادعى الألوهية لنفسه بعد ذلك والكارثة أنه صدق الكذبة التى اخترعها وروج لها مغرضوه حتى كانت نهايته الطبيعية بخنجر أحد العامة فى سوق مصر المحروسة ..
ولم يقل أحد من العالمين أن النقد والجهر بالمخالفة أمر يخالف الشريعه ويطبع صاحبه بطابع المعتدى باللفظ والقول وحتى لو فرض هذا ..
فشتان بين العقاب على السب وبين ما يلاقيه أهل الرأى فى أكثر أوطاننا ديمقراطية أو ادعاء للديمقراطية ..

قديما وأثناء ولاية الوليد بن عبد الملك للخلافة الاسلامية وكان الوليد عنيف الطبع متهورا بالرغم من انجازاته كرجل دولة ...
ولم يكن يطيق المعارضة .. حتى أنه أحب أن يستغل مكانة ابن عمه الخليفة النقي عمر بن عبد العزيز لدى العامة ليستخلص منه فتوى تبرر له أمام الناس بطشه بمن يجهر برأيه
فقال لعمر بن عبد العزيز ذات مرة بمجلسه ..

" ماذا تقول يا عمر فيمن يسب الخلفاء .."

ثم أضاف بلهجة ذات مغزى .. متسائلا بايحاء واضح
" أيقتل ؟.. "
وكان بذهن الوليد أن عمر سيفهم رغبته ويفتيه بها .. بيد أن خامس الراشدين لم يكن من هذا النوع منعدم البصيرة فقال .
" يا أمير المؤمنين وهل قتل نفسا فنأخذه بها أو زنى بعد احصان أو كفر بعد ايمان ؟"
فقال الوليد ..
" لا ولكنه سب الخلفاء فقط .."
فقال عمر
" اذا لا حكم لك عليه بالقتل بل بالتعزير ما لم تكن له مظلمة "
بهذه المقولة لخص بن عبد العزيز رضي الله عنه مسئولية الحاكم والمحكوم .. وهى التى تبدو للعامة لا الخاصة مفهومه بمنطقها بالغ البساطة ..
لكنه الغرض الذى يدفع بالناس الى اختراع الشرائع والقوانين وبمعونه من أسماهم المؤرخون
" فقهاء السلطان "
والذين حكموا على أحمد مطر وغيره من دعاة الحرية للفرد والوطن هم أولئك البقية ممن قال الله فيهم

بسم الله الرحمن الرحيم ..
" أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
صدق الله العظيم

ويكمل أحمد مطر أبياته فيقول

أنا لست أهجو الحاكمين وانما ×× أهجو بذكر الحاكمين هجائي
أمن التأدب أن أقول لقاتلى ×× عذرا اذا جرحت يديك .. دمائي !!
أأقول للكلب العقور تأدبا ×× دغدغ بنابك يا أخى أشلائي
أأقول للقــوًاد يا صــدٍيق .. أو ×× أدعو البغى بمريم العذراء

وهنا بتلك الأبيات .. تصرخ كلمات أحمد مطر بدهشة رهيبة .. أهل مطلوب من الجماهير أن تتلقي السياط على ظهورها المكدودة وفوق هذا محروم عليها أن تصرخ ..
فقط تصرخ تعبيرا عن الألم !!
ما قيمتها الحياة اذا .. ؟!!
اذا والله باطن الأرض خير من ظهرها اذا ان ارتضي فرد واحد مثل هذا الهوان

ومن أغرب الدلائل والأمثلة على هذا المنطق الغريب ..

خروج النظام المصري مؤخرا عقب الحراك السياسي التى تشهده مصر هذه الأيام .. خرج النظام على الناس وكالعادة بحملة اعتقال ومحكامات أمام محاكم استثنائية
كالمحاكم العسكرية أو محاكم أمن الدولة العليا
ليزج بعشرات من معارضيه الى غياهب السجون بأحكام لا تقبل النقض طبقا لقانون تلك المحاكم التى تمثل خروجا على شرعية القضاء الطبيعى ..
وما كان لجوء النظام المصري لهذه المحاكم الا بعد يأسه من
تركيع القضاء الطبيعى
المعروف بانحيازه الذى لا يقبل الجدل لكل قواعد العدالة والمشروعية ..
وبغض النظر عن اختلافنا حول الشخصيات التى حوكمت أو اتفاقنا معها فى الرأى .. الا أن القضية أكبر من فلان وفلان .. فليس مهما أن يزج بنائب برلمانى للسجن العسكرى ردا على أسئلته المشروعه فى احدى القضايا العامة ..
بل الأهم هو حماقة المحاكمة وعجز النظام عن مجرد تجميلها بأصباغ مشوهه للعدالة المصطنعه
فدعنا من القهر والاستعباد .. دعنا من هذا كله ..
ان كان النظام المصري اتهم معارضيه من ناشطى حركة كفاية وجماعه الاخوان المسلمين والعديد من الشخصيات الحزبية والاعلامية والمستقلة .. ان كان اتهامهم انحصر على حد قول الرئيس المصري فى حديثه الى جريدة الرأى الكويتية مطلع العام الحالى أنهم مجموعه مأجورة لتكدير الاستقرار وأنه ـ أى الرئيس ـ يعرف مصادر تمويلهم
المشبوهه ـ !!
فبالله عليكم .. أليس هذا القول يندرج تحت نفس البند الذى استند اليه النظام فى محاكمة خصومه وهو السب بلا دليل !!

وبغض النظر عن هذا ..
تعالوا نتأمل منطقية الكلمات .. ما دام الرئيس المصري نفسه يعرف بشكل مؤكد كما ينص تصريحه أن تلك الجماعات مأجورة لتكدير الأمن والسلم وأنه يعرف فوق هذا مصادر تمويلهم .. فلماذا لا يعلنها ويحاكمهم محاكمة شرعية فاضحا تلك المصادر ؟!!

وما يؤكد عدم منطقية الاتهام البالغ الغرابة .. هو أن النظام المصري ليس هو النظام الذى يترك فرصة ذهبية كهذى وهو الذى يلجأ لاختراع التهم من الهواء .. فكيف يسكت عن أموال مدفوعه من الخارج لمعارضة النظام وتكدير أمنه ؟!!

وثانى الاتهامات الشهيرة هو التلميح الدائم بتقاضي أموال أمريكية لغرض الاطاحه بالنظام ..

أى أنه اتهام بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية سياسيا ..

ولست أجد ما يدعونى لانكار هذا الاتهام .. بل سأقره باعتباره صحيحا ..
ودعونا نفترض أن المعارضين يتقاضون أموالا من جهات أمريكية لتبنى قضايا سياسية تخدم صالح الولايات المتحدة وهو ما يسميه النظام عمالة ..
ولكن هناك سؤال منطقي بسيط جدا ..
وهو كيف يأتى النظام نفس ما ينكره على المعارضين ..
فالولايات المتحدة تعطى كلا من مصر واسرائيل مليارى دولار سنويا كمعونة منذ توقيع معاهدة السلام وحتى الآن مليار دولار منها على هيئة منتجات مختلفة والأخرى نقدا ..
وفى المجال السياسي الدولى لا يوجد ما يسمى معونة بلا مقابل فهذا أمر معروف أن الغرض منه تبنى سياسات معينة تراها الدولة المانحه خادمة لمصالحها
ولا يمكن بأى حال انكار مناصرة مصر سرا وعلانية للاتجاهات الأمريكية منذ أن تم اعلان الرئيس السادات بأن أوراق اللعبة السياسية تقع 99 % فى يد الولايات المتحدة الأمريكية ..
فمصر وكأمثلة لا حصرا على تلك المناصرة الاستراتيجية هى التى استضافت شاه ايران السابق
محمد رضا بهلوى عندما لفظته الولايات المتحدة الأمريكية عقب انتهاء دوره وسقوطه أمام ثورة آية الله الخومينى عام 1979م ..
وكانت مصر أيضا هى نقطة الوثوب للمقاتلات الأمريكية التى قامت بمحاولة تحرير الرهائن الأمريكيين فى سفارة الولايات المتحدة بالعاصمة الأيرانية طهران التى احتلتها قوات الطلبة الموالية للثورة الايرانية فى نفس عام قيامها وهى العملية التى فشلت فى فضيحه مدوية للسياسة الأمريكية وادارة الرئيس جيمى كارتر فى ذلك الوقت
وفى ظل النظام الحالى كشفت الوثائق الأمريكية أن مصر ساعدت الولايات المتحدة بالمعلومات الأمنية عن تنظيم القاعدة المخترق من أجهزة الأمن المصرية وكذلك قام الأمن المصري باستجواب عدد من الأسري لحساب الولايات المتحدة عندما عجزت أساليب وكالة المخابرات الأمريكية " سي أى أيه "
عن استنطاقهم والحصول على ما لديهم من معلومات فبعثوا بهم
لجهاز مباحث أمن الدولة المصرى ولم تمض فترة حتى نطق الأسري بكل ما في جعبتهم صاغرين !!
وأخيرا ..
ظهر فى الأسواق كتاب جديد بعنوان " احساس بالواجب" لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق
" ريتشارد مايرز " والذى قاد عمليات الولايات المتحدة العسكرية فى العراق مؤخرا ..
كشف فيه مايرز عن لقائه بالرئيس المصري فى القصر الجمهورى بضاحية مصر الجديدة .. وأخبره الرئيس المصري بضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة حذرها من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التى يمتلكها صدام حسين ..
وبغض النظر عن مصداقية معلومات الرئيس المصري والتى ثبت فشلها بانكشاف النظام العراقي وسقوطه ..
فالسؤال هنا ..
ما الذى كان يهدف اليه النظام المصري من ثورة الاعتراض والاحتجاج الذى ملأ أركان العاصمة المصرية وسائر المحافظات وتنظيم المظاهرات لمعارضة الهجوم الأمريكى على العراق وكانت أكبر تلك التظاهرات .. مظاهرة استاد القاهرة الدولى التى شهدت حشد جميع المسئولين الكبار فى الدولة جنبا الى جنب مع جماهير الشعب تنديدا وهتافا ضد الحرب الأمريكية المرتقبة
ما الذى يمكن أن نسمى به تلك الوقائع المخجلة ..
ألم أقل لكم

ما أصدق قوله تعالى
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون
صدق الله العظيم

رحمك الله يا أحمد مطر أيها الشاعر الذى قل أن يجود الزمان بمثله

وما أنبغ قولك ..
يشتمنى ..
ويدعى أن سكوتى ..
معلنٌ عن ضعفه
ويلطمنى
ويدعى أن خدى .. قام بلطم كفه
يقول حبرى ودمى
" لا تندهش "
من يملك " القانون " فى بلادنا
يملك الحق فى عزفه
.
.
.

محمد جاد الزغبي
27/01/2007, 08:06 PM
مرحبا بزاهية الحرف والكلمة بين جنبات تلك الحروف الثائرة
بارك الله فيك لحضوك المغدق
شكرا جزيلا

زاهية بنت البحر
27/01/2007, 08:12 PM
هل توفي الشاعر أحمد مطر ومتى؟

لم أقرأ الموضوع هنا بعد

محمد جاد الزغبي
01/02/2007, 09:02 PM
زاهية البحر

ألا تجوز الرحمة على الأحياء

نطلب الرحمة من الله أحياءاً وأمواتاً

شكراً جزيلاً

تابعى معنا .. قصة قصيدة
.
.

محمد جاد الزغبي
01/02/2007, 09:33 PM
مع الكاتب بالخنجر .. مظفر النواب

مظفر النواب


هذا الشاعر العراقي العتيد ..
هذا النموذج المنفرد من شعراء القضية ..
واحد ممن وهبوا أنفسهم لغير ذواتهم فى عالم لا يعبد إلا ذاته

وبطبيعة الحال نال ما ناله غيره من أبطال الكلمة .. وكان التغريب جزاءه المرصود ..
فتم نفيه خارج العراق .. بعد أن تسبب فى إيقاظ الحمم ليس بوطنه فقط .. بل عبر مختلف أمواج الأوطان العربية التى كانت تقرأ كلماته
فتجد فيها معدنا أصيلا لما يخرج من القلب فيتخذ طريقه إلى القلوب بيسر وسهولة

ويمثل مظفر النواب هو وأحمد مطر ظاهرتان يستحق أن يتوقف عندهما التاريخ فارغا فاه مدهوشا على تلك الجمرات التى أتت بعصر الرماد
واتفق مع مطر فى أنه رهن حياته وكلمته لقضايا وطنه غاضا البصر عن كل تثبيط ويأس
فقد حول يأسه من يأس سلبي قاتل لكل همة .. إلى يأس ايجابي كاشفا ما استطاع أى غمة
لم يركن بيأسه واضعا يده على خده وانتظر موته مع المنتظرين ..
بل تأمل ما بيده فلم يجد إلا قلما .. فوضعه رهن التعبئة طيلة عمره ..
فصار هذا القلم البسيط فى يد النواب عبارة عن قنبلة متجددة الانفجار مع كل قصيدة
ومع قسوة كلماته المذهلة تعبيرا وأداء .. تفتحت عيون البعض من الرعايا لتنفض عن أجسادها الأوبار والأصواف هاتفة ببشريتها لا تبعيتها لحكام لم يروا فى شعوبهم إلا نعاجا مسوقة ..

والمتأمل لكلمات النواب يجد عجبا ..

فليس بها من معجزات التعبير شيئا محسوسا .. فلغته هى اللغة العربية البسيطة المعبرة المنسابة تستشعر معها أنك لا شك تستطيع الإتيان بمثلها .. غير أن هذا الوهم ينقشع فور محاولتك تقليده
فكنه الإبداع عند النواب لم يكن إلا الروح الصادقة المتشبعة بكل إيمان قاطع بما يكتب .. كما تتميز كلماته بالصراحة المطلقة بل الفاضحة فى أغلب الأحيان مما يسبب من الصدمات للقارئ الشيئ الكثير
وتأثير الصدمة يتضح فوريا فى الإفاقة طالما كان فى أعماق قارئه الحد الأدنى من مشاعر الآدمية

القصيدة الأشهر

لا يذكر اسم النواب .. وإلا تذكر معه قصيدته البالغة الشهرة ... وهى المعروفة والمنتشرة بعنوان بالغ الجرأة يخالف عنوانها الأصلي الذى نشر به الشاعر قصيدته وهو
" يا قاتلتى "
وكان المبرر فى شهرة القصيدة بعنوان آخر مرجعه إلى أن هذا العنوان يحمل الوصف الأقوى فى أشد مقاطع القصيدة عنفا وتأثيرا

وما من خبير بلغه أو عالما بشعر أو أدب .. يستطيع مهما أوتى من براعة وموهبة أن يستبدل هذا الوصف القاسي بوصف آخر يؤدى نفس الوظيفة لهذا التعبير فى سياق القصيدة .. وعلى الرغم من أن التعبير درج العامة على استخدامه كتعبير شعبي بذئ ..
إلا أنه مع قصيدة النواب وفى براعة مذهلة تمكن هذا الشاعر المطبوع من إعادة الجزالة لهذا اللفظ المقتول لغويا

يقول النواب فى بداية قصيدته .. مخاطبا القدس

يا قاتلتى بكرامة خنجرك العربي
أهاجر فى الفقر .. وخنجرك الفضي بقلبي وأولادى
عشقتنى بالخنجر .. والأجر بلادى

بطبيعة الحال تمتلئ القصيدة بالرمزية التقليدية للشعر السياسي إلا أن الرمزية عند النواب كانت مفتوحة العينين لاصطياد وعى القارئ فأصبحت قصائده ذات غموض محسوس ومركب ..

فالقارئ يشعر بالمقصد حتى لو لم يكن يدرك الهدف الحقيقي للشاعر ..
كما أن الغموض كان مركبا فى احتوائه على جوانب عدة للتفسير تخاطب شتى القضايا
بشكل عام مهما احتوت على تخصيص

ولهذا يشير النواب إلى تلك المزية فى أبيات القصيدة القادمة والتي يقول فيها

من ضاع على أرصفة الشارع .. يفهمني
من لم يتزود حتى الآن وليس يزايد فى كل مقاهي الثورة .. يفهمني
من لم يتقاعد كي يتفرغ للهو سيفهم أى طقوس للسرية فى لغتي
وسيعرف كل الأرقام وكل الأرقام وكل الشهداء

هنا يتضح بصفة قاطعه كنه المخاطب الذى يتوجه إليه النواب بالخطاب .. بعد أن اتسع وتغير مفهوم الشهادة والنضال والجهاد .. واكتست لك الأوصاف بغمامة غامضة تخبئ خلفها أغراضا أخرى ..
نعم ..

كيف يستطيع مناضل فهم معنى النضال عند النواب لو لم يدفع الثمن تشريدا وقمعا ..؟!!
لو لم يضع على أرصفة التيه والتغريب .. لو لم تذق يده وقلبه وروحه أغلال القمع وهو راض قانع به ثمنا مناسبا لرفعه وطنه

وهنا ينوه النواب عن تلك الفئة التى ابتذلت مفهوم الجهاد والمجاهدة ..فرأينا منهم عجبا ..
وأى عجب

ونحن إذ نقول كما قال النواب .. لا نخبئ خلف قولنا تثبيطا للهمم بل العكس هو الصحيح .. نحاول إيقاظ ضمائر أولئك المتاجرين بهموم أوطانهم سعيا لأرخص مقابل .. ألا وهو الذاتية التافهة .. ليتركوا الساحة لمن هم أهل لكل كفاح

فمن لم يدرك أو يستطع أداء الضريبة المفروضة على المجاهد بمفهومه الحقيقي
فما الداعى لإقحام نفسه بأغراضها الدفينة لتلويث طريق المقاتلين
لأجل قضية وطن يجهل مفرداتها ولا يدرك أبعادها ..

فمن بين حملة السلاح والأقلام من مجاهدى قضية القدس ..
برزت وجوه أخرى .. أخذت للعجب مكانة القيادة التاريخية للنضال والمناضلين
ولسنا ندرى فى الواقع عن أى جهاد يتحدثون
أهو الجهاد القابعين خلف تبات الرمل والمفجرين أنفسهم فى الغاصبين ..
أم جهاد عربات المرسيدس المصفحة والسترات البالغة الفخامة خلف أبواق الإعلام
وصفحات الصحف وشاشات الفضائيات المختلفة
رأينا ولا زلنا نر انتخابات تشريعية ومؤسسات برلمانية وحكومات مشكلة وأحزاب متناحرة وحرس شرف وقادة وسفارات ومبان حكومية وإعلام يغطى الاجتماعات والمفاوضات وأناس يتحدثون وتصريحات تنطلق .. وكأننا بالفعل بصدد دولة اكتملت لها وجوه الاستقلال وغرقت فى المشكلات التقليدية لأى دولة نظامية متكاملة الأركان

فإذا طاف على الأفواه سؤال حائر .. بسيط .. أين هى الدولة يا سادة .. ؟!!
لا نجد أية إجابة ..

فنعيد التأمل فى الحكومة التى تجتمع على مائدة متسعة بالغه الرقي وحولها تصطف المقاعد الوثيرة وعليها الوزراء كاملى الأناقة ويصطف المصورون والصحفيون ويقلب كل وزير فى صفحات أمامه تحوى كما هى العادة مشكلات البلاد والشعب ..

لكن المشكلة تكمن فى سؤال بسيط .. أين هو الشعب ؟!!

نصفه بين المعتقلات والقتل بآلة الحرب الإسرائيلية والنصف الثانى فى المهجر مشردا وطريدا منذ عشرات الأعوام ..
والدولة .. بحسب ما هو متاح أمام العالم أجمع ..
لا تملك الحكومة ولو حتى معشار هذا الوصف.." دولة "

إلا إذا تغير مفهوم الدولة فى القانون الدولى واقتصر على المائدة الفخمة والمقاعد الوثيرة وما تحتهما من أرض .. فلا يوجد للحكومة غيرها للأسف

وما دامت لا تملك غيرها فلم كل تلك المظاهر التى لا تثير مع الحسرة إلا سخرية المراقبين
وطن ترسخ تسعين فى المائة من أرضه رهن الاحتلال الكامل منذ نيف وخمسين عاما .. ولا زالت تحت سنابك الاحتلال الذى يمد يده يوما بعد يوم فى اعتداءات لا تتوقف
ثم يأتى قادة هذا الشعب المغيب أرضا ومصيرا .. ويشغلون أنفسهم بذواتهم فى صراعات مريرة بين فرق وأحزاب تبدو وكان ما يشغلها أيها يحكم المائدة وأيها يدعها .. وأيهما يستحق حرس الشرف وأيهما يستحق الرياسة !!

أين المنطق ؟! لا أحد يعلم .. وأين العقل والإدراك ؟! مجهول طريقه أيضا دونما شك

إن أولى مبادئ الصراع أى صراع فى الدنيا هو وجود ما يتم الصراع حوله .. أما وكنه المتنافس عليه محل شك فى وجوده من الأساس فهنا لا معنى لتناحر لأن الاتحاد هنا يفرض نفسه حتى تمام الاستقلال لتكون للسلطة معنى ومبنى ثم يقسم الله لهم ما شاءوا من وجوه الاختلاف حول السلطة

وذهبت القيادة التاريخية إلى مصير محتوم بقانون الحياة والموت .

وانتهى عصر القيادة التى رأت فى نفسها الدولة ورأت الدولة فى نفسها حتى أنهم عندما عاتبهم بعضهم على كثرة التنازلات التى قدموها فى سنواتهم الأخيرة مما لا يتناسب مع حجم تاريخهم النضالى .. هتفوا بهم فى استنكار
" لقد تعبنا عبر نضال السنين ونريد أن ننتهى من هذا الأمر ونحمل إلى بلدنا
لنعيش لحظة النصر قبل الموت !!"

وسؤال بسيط

جئتم كمناضلين عبر السنوات الخالية .. ولم يكتمل بعد طريق النصر فالمنطق يقول بأن تخلوا سبيل الأجيال القادمة لتكمل ما بدأتموه لأنكم ومن المفترض باحثين عن الاستقلال لوطن لا استقلال لكم ولأحلامكم فى حمل نياشين النصر قبل موعدها المضروب فى يوم قادم
فجهادكم فى مجمله على هذا التصور كان جهادا لأجل الذات ..
أياد كلت و تعبت وتريدون لها المقابل

وما كانت تلك القناعة إلا قناعه من رهن نفسه لقضية نفسه فقط
تلك القيادة التى كانت تسعى للتكسب من خلف حدث بغض النظر عن الفائدة المرجوة منه للوطن الذى يتغنون بحريته السليبة ليل نهار

وكلنا يذكر أيام الانتفاضة الأولى مطلع التسعينيات

والتى بدأت بمشهد طفولى وتلقائي شديد التلقائية فى مخيم جباليا وهو ما أكسبه العظمة التى اكتسبت احترام ومناصرة العالم أجمع

طفل صغير ينظر إلى أحدى مدرعات الإسرائيليين فى طريقها للتنكيل كما هى عادتها .. فما كان منه إلا مد يده والتقط حجرا صغيرا من على الأرض ورمى به وجه أقرب جنود تلك المدرعة

وتبعه بعد ذلك بنفس الأسلوب عشرات الأطفال من خلفه .. وقبل حتى أن تتفجر الدهشة من وجوههم كانت عدسة إحدى الشبكات الإخبارية تنقل المشهد الفريد إلى شتى أنحاء الدنيا لتقهر فيما بعد كل الإعلام اليهودي مبرزة قضية أطفال الحجارة وكيف تنكوى تلك البلاد بنيران الاحتلال والتغييب عن قضيتها

وعندما استولت قضية أطفال الحجارة على اهتمام وسائل الإعلام مع عجز آلة الحرب الإسرائيلية عن القضاء على تلك الظاهرة وهو ما عبر عنه اسحق رابين وزير الدفاع الاسرائيلى وقتها ورئيس الوزراء فيما بعد قائلا " ليس متصورا أن أحول جيش الدفاع إلى فرق لمطاردة الأطفال فى الشوارع "
وبدا للجميع أن القيادة الإسرائيلية فقدت أعصابها بعد أن أزاحت صور أطفال الحجارة كل دعاوى القهر الكاذب والإرهاب الذى ادعته إسرائيل طيلة الفترة السابقة ونجحت به فى إظهار صورتها كالحمل وسط قطيع الذئاب
وسط هذا كله .. وقف القيادى التاريخى الكبير وقد هاله أن حجب أطفال الحجارة وانتفاضتهم عنه أبواق وعدسات الإعلام وسحبوا البساط عن القيادة القابعة فى تونس وقف يقول فى قوة
" باسم شعب الجبارين أعلن أننى أعطيت الأوامر ببدء الانتفاضة بعد أن زادت سطوة الإسرائيليين !!!!"
وذهل الناس من حمق التصريح وأرسل إليه واحد من المعتدلين قائلا له فى لهجة نفاذ صبر ..
" يا أخى لقد قرأت تصريحك هذا وهو غير مناسب ولا يخدم قضيتك من قريب أو بعيد ..
فالانتفاضة نجحت بهذا الشكل لكونها مشهدا إنسانيا تلقائيا يعبر عن طيلة عهد الظلم ويجدر بك إن كانت الانتفاضة فعلا من أوامرك أن تخفي هذا الأمر كى لا تؤثر على عظمة المشهد وجلال تأثيره "

حتى عندما ذهبت تلك القيادة كما سبق القول .. وجاءت حركة المجاهدين ..

فوجئنا ويا للذهول بنفس المشاهد .. وزراء وحكومة وسيارات ولقاءات ..
و ... ومائدة اجتماعات !!

فلما التفتنا إلى التاريخ نسأله أليست تلك هى حركة حماس ؟.!
فأجابنا التاريخ فى سخرية مريرة .. نعم هى .. ولكن بعد أن تخلت عن الحماس ...

وعودة إلى مظفر النواب فى قصيدته " يا قاتلتى " .. إلى المقطع الأشهر منها والتى عرفت باسمه فيما بعد
يقول مظفر ..

القدس عروس عروبتكم ..
فلم أدخلتم كل زناة الأرض إلى حجرتها ..
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا .. وصرختم فيها
أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد الـ....... أو تسكت مغتصبه
أولاد الـ.... لست بخجل حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى
أما أنتم لا تتحرك فيكم قصبه

ولست أظننى بحاجة إلى كثير تعليق على تلك القوارع المتفجرة من قلب النواب ونائباته
والكلمات تمت كتابتها قبل أن يأتى أوانها الحقيقي فى الواقع بعد سقوط بغداد تثنى أزمة القدس وتجسد فيها ذات المأساة

أشياعا تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى .. وحكومات موائد

وجماهير القوم على نوم لا تفيق .. فان أفاقت نكتشف ـ ويا للسخرية ـ أن إفاقتها على ما ضج به ضمير العدو ولم تلتفت إليه ضمائر الحكام القابعة فى كهف الذاتية دون بعث

ففضيحة تمزيق المصحف الشريف بمعتقل جوانتانمو ـ كوبا لم تكتشفها أيد عربية ..
لم تثر لأجلها الأيدى العربية

بل اكتشفتها أيدي الإعلام الغربي .. وقامت لأجلها الثورة فى أنحاء العالم دونما الدول العربية

وفضيحة ممارسات الأمريكان بسجن أبو غريب العراقي للأحكام الثقيلة ..

لم تكتشفه الأيدى العربية ولم تثر لأجله بل ثارت لها أجهزة الغرب واكتشفتها أجهزة الغرب فقامت لأجل آدمية الإنسان التى لم ندرك نحن بعد ما هيتها

والتعبيرات بالغه القسوة من القلم الخنجرى للنواب .. ليست من قبيل البذاءة فى شيئ .. فليس هناك بأس من وصف الفعل أى فعل بمسماه
واللغة أبت فى ثوب صدقها إلا أن تصف الحق كما عبر النواب فى قوله

هل تعترفون بأنى قلت بذيئا
وسنصبح نحن يهود التاريخ بلا مأوى
هل هذا وطن أم مبغى

والإجابة منطقية بدون شك .. انه مبغى ..
فلا يوصف البغاء بغير مسماه وان قست حروفه

والى اللقاء مع شاعر جديد وقصيدة لاهبة
.
.

سعيد نويضي
27/05/2007, 12:56 AM
بسم الله الرحمان الرحيم

جزاك الله عنا ألف خير في اختيار شعراء صوروا لنا حقيقتنا بكل صدق و إبداع...

محمد جاد الزغبي
16/06/2007, 10:28 PM
بارك الله فيك أخى الكريم
شكرا جزيلا