المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 100 عام على صدور جريدة نينوى في الموصل



ابراهيم خليل العلاف
12/09/2009, 08:03 AM
100 عام على صدور جريدة نينوى في الموصل

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل

تعد مدينة الموصل، من أوائل المدن العربية التي عرفت الصحافة. فمنذ سنة 1885 صدرت فيها جريدة (موصل) وكانت رسمية. كما صدرت فيها أول مجلة في تاريخ العراق الحديث، تلك هي مجلة (إكليل الورود). وقد برز عددها الأول في كانون الأول 1902 وكانت مجلة دينية أدبية علمية شهرية، أصحاب الامتياز، الآباء الدومنيكان، وقد استمرت في الصدور حتى 1908. وبعد الثورة الدستورية العثمانية في 23 تموز 1908، دخلت الصحافة دوراً مهماً من حياتها، إذ شهدت كل ولايات الدولة العثمانية نهضة صحفية، فبين سنتي 1910 و 1911 مثلاً بلغ مجموع الصحف التي أجيزت في العراق25 خمساً وعشرين صحيفة ومجلة. وقد صدرت في الموصل3 ثلاث صحف هي نينوى والنجاح وجنه باز (جكـه باز)أي الثرثار وكانت أول جريدة ساخرة تصدر في العراق . فضلاً عن جريدة الموصل ومجلة إكليل الورود.
لم تكن جريدة نينوى، موضوعة مقالنا هذا، سوى جريدة أهلية، بل هي أول جريدة أهلية تصدر في الموصل. وقد جاء في ترويستها أنها :(جريدة أدبية علمية سياسية تصدر مؤقتاً في الأسبوع مرة)، وكان صدورها باللغتين العربية والتركية. وقد تضمن المقال الافتتاحي للعدد الأول الذي صدر في 15 تموز سنة 1909 نبذة عن سياستها واتجاهاتها وأبرز ذلك أنها صدرت لتكون ((خادمة للوطن، دافعة للمحن، ترجمان الملة، باحثة عن المعلول والعلة، منبهة لذوي الأسباب على اكتساب الآداب، محرضة للعموم على تحصيل العلوم، داعية في كل ناد على الائتلاف والاتحاد)). كان صاحب امتيازها فتح الله جرجيس سرسم. فمن هو فتح الله سرسم ؟.
ولد سنة 1875، وينتمي إلى أسرة موصلية سريانية أرثدوكسية. اتجه منذ صباه نحو الدرس والأدب، وتعلم في مدارس الموصل الخاصة، وأتقن اللغتين الفرنسية والتركية. عمل في (قلم) مجلس إدارة ولاية الموصل. وفي سنة 1905 عين عضواً في محكمة البداءة، ثم انتقل الى عضوية مجلس إدارة الولاية للمرة الأولى. وكان عضواً في محكمة الاستئناف حتى سنة 1910. وبعد الاحتلال البريطاني للموصل سنة 1918. عين عضواً في المجلس ألدائمي للواء الموصل في 16 تشرين الثاني 1918. وفي 19 آب سنة 1921 عين معاوناً لمتصرف الموصل براتب (700) روبية (كما ورد ذلك في وثائق وزارة الداخلية، رقم المحفظة 11/2 دار الكتب والوثائق، ملفات ملاك وزارة الداخلية). عمل قبل ذلك عضواً في المجلس البلدي (1920). ثم انتخب نائباً عن الموصل في أول برلمان في العراق (المجلس التأسيسي) وقد عرف عنه دفاعه عن قضايا الوطن والشعب والأمة، وحرص على أن يترجم ذلك في كثير من مواقفه ومن ذلك انه كتب مرة في جريدة نينوى أن الجريدة، ومطبعتها مطبعة نينوى (ستكون لسان حال هذه الأمة وترجمان أفكارها، ولتكون أعظم شاهد على ترقي هذه البلدة- أم الربيعين).
كان للجريدة مدير مسؤول هو (محمد أمين الفخري)، ثم أصبح بعد ذلك (محمد شكري أفندي). وكان يحرر القسم التركي (علي حكمت) في حين تولى (محمد فخري) تحرير القسم العربي. وكما هو معروف فأن الجريدة كانت تصدر باللغتين التركية والعربية. وقد تحولت جريدة نينوى بعد فترة قصيرة من صدورها إلى مكان يتجمع فيه أدباء الموصل وعلماؤها ومثقفوها ففسحت لهم المجال كي ينشروا على صفحاتها، مقالاتهم وقصائدهم، ولعل من ابرز هؤلاء الشيخ محمد حبيب ألعبيدي (1879- 1963) والسيد أحمد فخري (1863- 1926) والأستاذ داؤد الملاح آل زيادة (1864- 1914).
عكست جريدة نينوى، شأنها في ذلك شأن كل صحيفة تصدر في أي بلد، أوضاع الموصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مطلع القرن العشرين. كما نجحت في أن تكون وسيلة مهمة من وسائل الشعب للتعبير عن مطامحه واهتماماته وهمومه، فأصبحت، بحق، مصدراً مهماً من مصادر تاريخ الموصل الحديث.
كتبت نينوى عن أوضاع الموصل الاقتصادية والثقافية والسياسية بعد إعادة إصدار دستور 1908، فأكدت بان الموصل الحدباء تعاني من مساوئ الاستبداد على الرغم من صدور الدستور ((فإنها قد أحدبت عليها الممالك من جميع المسالك وعمت المحن جميع أهل الوطن) وأضافت: (لم تجد من يُروج نفوسها ويزيل بؤسها، ولم يتم اكتسابها ولم تنشط المعارف، ولم تهتد أن تلتقط في رياض الآداب أزهار اللطائف)).
وقد دعت الجريدة إلى الاتحاد والإخاء، وانتقدت قيام العشائر بغزو بعضها بعضاً، وعدت ذلك من مظاهر ((اضمحلال الأمة وانحطاطها ووهن تشكيلة الحكومة وضعفها)). وحثت الموظفين على خدمة الناس، وشاركت بعض الصحف العربية في الدعوة إلى إحياء اللغة العربية ووجدت أن الإصلاح الحقيقي، هو ذلك الإصلاح الذي يعمل من اجله الناس والحكومة معاً ((أجل لا يقال أن... بواعث الترقي وما يلزم بعمران الممالك هو منوط بالحكومة فقط، بل باشتراك الأمة معها..)) وفي بعض مقالاتها أكدت على إن من مهامها (النصيحة) فالدين النصيحة، والإنسان لابد أن يناضل من اجل مقاومة الظلم والاستبداد ،ومعالجة مشاكل البلد بالحكمة. ودعت إلى الاهتمام بالصحة العامة ،وحثت على محاربة الفساد والتردي الأخلاقي وبشرت بعودة شباب الموصل إلى مدينتهم بعد أن أكملوا دراستهم في خارج الوطن ومن ذلك ترحيبها بالدكتور (فتح الله أفندي غنيمة) الذي درس الطب وتخصص في جراحة العيون.
كما شجعت بعض أثرياء الموصل على استقدام المعامل والمصانع ومن ذلك نشرها خبر افتتاح (معمل للثلج الصناعي) من قبل (داؤد الساعاتي). توقفت الجريدة عن الصدور سنة 1912 وصدر منها (141) عدداً خلال ثلاث سنوات.
إن ذكرى مرور 100 عام على صدور (نينوى) تجعلنا نقف احتراماً لكل من أسهم في إصدارها، وفي مقدمتهم فتح الله سرسم لما قامت به هذه الجريدة من مهام نافعة لعل من أبرزها دورها في تحقيق النهضة العراقية الحديثة. فتحية لنينوى وللرواد من الصحفيين الموصليين الأوائل وجزاهم الله خيراً على ما قدموه في تلك الأيام الصعبة.