المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفحات من طفولة المفكرين - سيد قطب



حازم ناظم فاضل
14/09/2009, 01:54 AM
لقد قرأت القرآن وانا طفل صغير، لا ترقى مداركي الى آفاق معانيه، ولا يحيط فهمي بجليل اغراضه. ولكنني كنت اجد في نفسي منه شيئا. لقد كان خيالي الساذج الصغير، يجسم لي بعض الصور من خلال تعبير القرآن. وانها لصور ساذجه، ولكنها كانت تشوق نفسي وتلذ حسي، فاظل فترة غير قصيرة أتملاها وانا بها فرح، ولها نشيط .
من الصور الساذجة التي كانت ترسم في خيالي اذ ذاك صورة كانت تتمثل لي كلما قرأت هذه الاية : ﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ﴾
ولا يضحك احد حينما اطلعه على هذه الصورة في خيالي : لقد كان شخص في مخيلتي رجل قائم على حافة مكان مرتفع : مصطبه -فقد كنت في القرية- او قمة تله ضيقة- فقد رأيت التل المجاور للوادي- وهو قائم يصلي، ولكنه لا يملك موقفه، فهو يتأرجح في كل حركة، ويهم بالسقوط وانا بإزائه، اتتبع حركاته في لذة وشغف عجيبين ! ...
.. تلك الايام.. ولقد مضت بذكرياتها الحلوة، وبخيالاتها الساذجة. ثم تلتها ايام، ودخلت المعاهد العلمية، فقرات تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الاساتذه ولكنني لم اجد فيما اقرأ او اسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت اجده في الطفولة والصبا.
وأسفاه ! لقد طُمست كل معالم الجمال فيه، وخلا من اللذة والتشويق.
ترى هما قرآنان ؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد؟ ام انها جناية الطريقه المتبعه في التفسير ؟
وعدت الى القرآن اقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير. وعدت اجد قرآني الجميل الحبيب، واجد صوري المشوقة اللذيذة. انها ليست في سذاجتها التي كانت هناك لقد تغير فهمي لها، فعدت الان اجد مراميها واغراضها، واعرف انها مثل يضرب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال، وجاذبيتها وما تزال.

الحمد لله. لقد وجدت القرآن !