المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرياضة في العراق



نعمان عبد الغني
14/09/2009, 11:42 PM
الرياضة في العراق
بقلم الأستاذ : نعمان عبد الغني
namanea@yahoo.fr
يبدو واضحاً جداً أن واقع الرياضة في العراق وخصوصاً كرة القدم يتطلب حلاً جذرياً وعاجلاً وشجاعاً ومنهجياً، ويبدو أيضاً أن كل مَنْ سيقف بوجه هذا التغيير أو من يتقاعس في إنجازه سيكون عرضة لغضب الجمهور الرياضي العريض بأعداده، والصريح بمواقفه، والصادق في حبه لوطنه وكرته، لذلك فإن من الضروري استحضار العديد من الملفات الشائكة التي تورط بها اتحاد الكرة العراقي وامتداداته لبحث مشكلة اتحاد الكرة ورئيسه قضائياً وليس فقط فنياً!! كما أن من الضروري التأمل في العديد من التصريحات لنخب رياضية ولاعبين أدلوا بدلوهم ومنذ أكثر من عام لكن لم يسمعهم أو لم يستمع إليهم أحد، وهي تصريحات لافتة وعديدة ومنها: ما أشار إليه صالح جابر (محترف في نادي كتلانيا الإيطالي ولم يستدع الى صفوف المنتخب لأسباب غير معروفة) بأن "رحيم حميد لا يقبل بدخول اللاعبين إلا بعد دفعهم له مبالغ كبيرة"!! وتصريح اللاعب أحمد كاظم: "لا يشرفني أن ألعب بمنتخب يقوده حسين سعيد وأكرم سلمان وأمثالهم"!! والخبير الرياضي حارس محمد حين قال: "على حسين سعيد أن يحترم نفسه ويقدم استقالته" وغير ذلك الكثير!! وبالرغم من العديد من الخيبات والنكبات التي تعرض لها المنتخب العراقي، وبالرغم من الدعوات الأبوية لأستاذ الكرة العراقية مؤيد البدري له بالاستقالة حرص حسين سعيد على أن يتخلى عن أدنى درجات الإحساس بالشجاعة والكرامة والمسؤولية ليبقى في رئاسة الاتحاد مدعوماً من جهات تواصلت اجتماعتها في كردستان من أجل ترسيخ المحاصصة الرياضية (القومية والطائفية) فتقاسموا اللجنة الأولمبية واتحاد الكرة وكانت قسمة غير عادلة وعلى حساب مصلحة العراق ورياضة العراق، وعلى حساب مشاعر العراقييـن وعواطفهم.
إن إصرار حسين سعيد على التمسك بمنصب رئيس اتحاد الكرة يتأتى من ضعف موقف الحكومة العراقية القائم على أساس العقوبات التي ستصدر على العراق في حالة إقالة اتحاد الكرة، وهو موقف خاطيء لأنه بني على أساس مرفوض أخلاقياً ووطنياً حيث إنه لا يليق بحكومة تواجه الإرهاب وتسعى الى انتاج دولة القانون والمؤسسات أن تقف متفرجة على استهتار اللجنة الأولمبية واتحاد الكرة العراقية حيث "إن مّنْ أمن العقوبة أساء الأدب"، وإن من الفضيلة للعراق كبح جماح هذا الاستهتار ولو تعرض العراق لعقوبات دولية ظالمة، وإن من الكرامة للعراق أن لا يشارك في بطولات دولية يتعرض فيها اسم العراق الرياضي للخدش والاستهزاء والمزايدات حيث لم يكتف المسؤولون واللاعبون بتقديم الفوز للآخرين على طبق من ذهب وإنما نجد وفي أكثر من بطولة أن هناك مشاكل بين اللاعبين والإداريين يجاهر بها على وسائل الإعلام، وأن هناك ضرباً بالأيدي وضربات رأس في وسط الملعب، وهناك صراعات على شارة الكابتن، وأن هناك مَنْ يتلفظ بألفاظ غير مؤدبة على الآخرين الأمر الذي يشير بل ويؤكد الى أن هذه القيادات الرياضية باتت عامل (فساد وإفساد) إذ لا يخفى على المتابع أن الرياضة العراقية لم تعيش تدهوراً أخلاقياً ومهنياً كالواقع الذي تعيشه اليوم، والأتعس أن الرياضة العراقية في أبرز مشاهدها وتفاصيلها باتت مصدر تشويه وتشويش على صورة العراق الجديد الذي يسعى الى أن يكون دولـة قانـون وبلد حريــات!!.
في أجواء الإحباط، قال صحفي عراقي: "إن حسين سعيد يحتمي بالمنطقة الخضراء الرياضية"، وهو ما أشار إليه قبل أشهر الإعلامي المصري أحمد شوبير ولكن بدوافع تختلف عن دوافع الصحفي العراقي حيث قال: "لولا محمد بن همام وجوزيف بلاتر لما بقي حسين سعيد"، وهو بذلك لا يدافع عن الكرة العراقية وإنما أراد الدفاع عن حسين سعيد حيث إن شوبير الموهوب وقناته (الحياة) الميتة من المتباكين على عراق الطاغية صدام..!! لذلك فإن الحكومة العراقية وكما حطمت جدران المألوف والمحذور وصال فرسانها على الخارجين عن القانون، وكانت صولة أسست صولات حفظت حياة العراقيين واجتثت العابثين بأمنهم ومشاعرهم ينبغي على الحكومة العراقية – اليوم - أن تقف موقفاً شجاعاً وجريئاً "غير متوقع" يعيد مياه العدل والشرف والرياضة النبيلة الى مجاريها، وإنْ كان موقفاً يستلزم خسارة في الحضور الرياضي الدولي فليس هناك أشد خسارة من إهانة إسم العراق وخصوصاً في هذه المرحلة التي تآلب عليه الإرهابيون والمجرمون وأتباع الاستبداديات الدينية والسياسية، وليس هناك خسارة أكثر ألماً ولؤماً من الرضوخ لـ "شلة" من المنتفعين والانتهازيين والرخيصين والذي يعد – بحد ذاته - انتهاكاً لقيم الدولة، وتهميشاً لروح العدالة والقانون، وإقصاء لروح المواطنة الصالحة وإلا فإن الرياضة العراقية ستمضي الى المزيد من التدهور فيما إذا بقيت تدور بين واقع فاسد وتغيير متعثر.
إن مشكلة اتحاد الكرة العراقي لا تنحصر في شخص حسين سعيد وإنما في "شلة" معظم من فيها ليس له تاريخ رياضي ولا تحصيل أكاديمي، ومن هذه "الشلة" على سبيل المثال مدير المنتخب في بطولة خليجي 19عبد الخالق مسعود الدخيل على الرياضة والذي في مساء يوم خسارة العراق أمام البحرين كان يحضر في برنامج "المجلس" الذي بثته "قناة الدوري والكأس" من العاصمة مسقط حتى ساعة متأخرة من الليل، وقد "ابتلـع" مسعود أثناء عرض البرنامج العديد من قطع الشوكولاتـة وبشكل مقرف ومخجل حتى بان الضحك والاستهزاء على معظم الحضور ومنهم مقدم البرنامج خالد جاسم الذي لم يتمالك نفسه – أكثر من مرة - من الضحك، والذي بدا واضحاً في البرنامج أن المخرج (المهذب) والمصورين أدركوا أن هناك "ملتهماً غير عادي للشوكولاتـة" فأخذوا يلتقطون الصور كلما همَّ مسعود بإلتهام شوكلاتـة جديدة، وفي اليوم التالي اكتملت مهزلة "مدير الشكولاتـة" حيث عاتب خالد جاسم باتصال هاتفي ممازحاً عبد الخالق مسعود: "أين أنت يا عبد الخالق"، وقد أجابه عبد الخالق قائلاً: "إذا برنامجك طوَّل للرابعة صباحاً فغطيت بالنوم ولم أستيقظ إلا في الساعة الرابعة عصراً"!! ما يعني أن المسؤول المالي في الاتحاد ومدير المنتخب لا يدري بمنتخبه لمدة ثلاث وعشرين ساعة، منتخبه الذي يعيش نكبة خسارة البحرين وحالات الطرد والإبعاد وسيلعب مباراة في اليوم التالي مع فريق البلد المنظم للبطولة، في الوقت الذي أكد السيد حارس محمد على أن "معظم لاعبي المنتخب غير منضبطين وإن منهم من يسهر حتى ساعة متأخرة من الليل خارج مقر إقامة الفريق" هذه حقيقة اتحاد كرة حسين سعيد..!! وقد أهدى الإعلامي خالد جاسم عبر الهاتف وأمام المشاهدين الى الكابتن عبد الخالق مسعود علبة كاملة من الشوكولاتـة، وأظن أن مسعود اكتفى بهذه العلبة دون الكأس فـ"كرة القدم فوز وخسارة" مثل ما يقول السفاح يونس والقناص هوار والمهندس نشأت والملاكم علي حسين إرحيمة الذي يقدم استقالته من المنتخب عبر الهواء ويلوم الجمهور العراقي على حرصه على نجاح المنتخب فيما يصف شعوب عربية بـ "الأهل"!! وهذا يؤكد أن هناك تعالياً وغروراً عند عدد من اللاعبين وهذا ما أشار إليه العراقي الكبير الكابتن عمو بابا، كما يبدو أن مسؤولي الاتحاد غائبون ففي الوقت الذي تقوم الدول المتقدمة باختيار أفضل لاعبيها القدامى كمدير لمنتخباتها حيث إنه يشرف على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمنتخب ولخطورة هذا المنصب أختير لمنتخب ألمانيا "بيرهوف" الذي هو من أفضل لاعبي ألمانيا .. لذلك فمجرد مقارنة بسيطة بين الرائع بيرهوف (وعذراً منه) والضحل عبد الخالق مسعود سينكشف الواقع البائس والكريه والسمج لأعضاء اتحاد الكرة عموماً.
ولأن العراق يدخل في العام 2009 مرحلة تغيير تأهيلية، ولأن الإصلاح والإعمار والتنمية والتقييم والتقويم ومكافحة الفساد العناويـن الأهم في هذه المرحلة، أشير - بتواضع - على المسؤولين والمختصين بشؤون الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص الى بعض المقترحات حيث أجد ذلك من أقل الواجب بما قد يفيد رياضة العراق ويقصي المخطئين بحقها والمتهاونين بمسؤولياتها .. وهي كما يلي:
1- إقالة وزير الرياضة والشباب.
2- حل اتحاد كرة القدم، وإجراء مسح شامل للوضع المالي، وتحديد المقصرين في تضييع نجاحات كروية دولية مهمة للعراق ومحاسبتهم، وفك أسرار العلاقة (الملتبسة) مع محمد بن همام وبلاتر، والبحث في دورهم (قضائيـاً) بالإساءة الى الكرة العراقية، كموافقتهم على إدارة حسين سعيد لاتحاد الكرة عن بعد، ومنع بلاتر لفرق أوروبية من اللعب في العراق بحجة أنه بلد غير آمن.
3- بحسب ما أشار إليه عدد من المسؤولين والرياضيين الى أن هناك اتهامات (مؤكدة وغير مؤكدة في المجال المالي والإداري والفني) على حسين سعيد وعدد من أعضائه لذلك فإن إحالتهم الى القضاء وفيما إذا كانت التهم صحيحة فإن الاتحاد الدولي لا يستطيع التلاعب من أجل دعم إبقـاء حسين سعيد المتشبث برئاسة الاتحاد.
3- حرمان اللاعبين: يونس محمود، نشأت أكرم، هيثم كاظم، نور صبري، هوار ملا محمد، جاسم محمد غلام، علي حسين إرحيمة، وغيرهم من تمثيل العراق دولياً ومن اللعب في الأندية العراقية، وسحب الجوازات الدبلوماسية منهم ومن كافة أعضاء الاتحاد.
4- مساءلة النائب أحمد راضي "برلمانياً" حول صحة ما نقل عنه عبر قناة الجزيرة مباشر أنه قال: "إن المحافظات المناوئة في الجنوب والوسط هي من تريد اسقاط الاتحاد الحالي!!" لغرض إحالته الى القضاء حيث أنه اتهم عراقيي محافظات الجنوب والوسط بالطائفية.
5- فتح تحقيق مع رحيم حميد حول التهم الموجهة إليه من قبل عدد من اللاعبين.
6- معاقبة رحيم حميد لتهجمه بألفاظ نابية على أحمد راضي على وسائل الإعلام الفضائية مما شكل إهانة للرياضة العراقيـة.
7- فتح تحقيق حول خفايا ما جرى من مهزلة في إيطاليا والكشف عن سر غياب رئيس الاتحاد العراقي حسين سعيد ورئيس الاتحاد الآسيوي محمد بن همام، وتحديد المقصر ومحاسبته.
8- تشكيل فريق تحت سن الـ 18 من غير المحترفين، وزجهم في معسكرات على مستوى متقدم على أن يتم منعهم من الاحتراف لمدة لا تقل عن أربع سنوات.
9- تخصيص ميزانية إضافية لوزارة الرياضة والشباب لبناء الملاعب والنوادي والمؤسسات، ودعم الفرق الرياضية عموماً والمتفوقة على وجه الخصوص ومن جميع الألعاب وليس حصراً على كرة القدم.
10- دعم الرياضة النسوية مادياً ومعنوياً وإعلامياً وعلى مستوى التدريب والتحكيم وإعداد الخبرات التدريبية والتدريسية وفتح الدورات المحلية والدولية.
11- دعم الأكاديميات الرياضية واللاعبين القدامى والحاليين بشكل استثنائي.
12- تهيئة الأجواء الديمقراطية الصحيحة والنبيلة لانتخابات اتحاد الكرة القادمـة.
13- الضغط على مجلس النواب لإقرار قانون وزارة الرياضة والشباب الذي يعيش الإهمال منذ أكثر من عامين.
14- تفعيل حضور التكنوقراط والخبرات الوطنية النزيهة في المجال الرياضي عموماً.
15- تأهيل الإعلام الرياضي مهنياً وتكنولوجياً.
وختاماً .. من المهم أن تسعى الحكومة العراقية والكتل والأحزاب السياسية بتفعيل جهودها وتوضيح موقفها وقرارها من ملف الواقع الرياضي المتردي والخسائر والنكبات الكروية وطبيعة الاستحقاقات بعد خليجي 19.. لا سيما وأن الانتخابات بمختلف أشكالها الحدث الأبرز لـ عام 2009 حيث يبتدأ بها ويختم، وأن أنصار الرياضة العراقية وعشاقها بالملايين، كما أن تنقية المجال الرياضي المتهم بالفساد المالي والإداري والأخلاقي (ليس في اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم فقط) ستكون قيمة وطنية وتحفيزاً إصلاحياً سيصب في تطهير الأجواء السياسية المتعفنة بقذارات المصالح الحزبية والشخصية الضيقة واللئيمة التي جلبت الخيبات والنكبات في العديد من مجالات الحياة وأولها الأمنية وليس آخرها الرياضية لا سيما وقد نصَّبت تلك المصالح غير الوطنية - في حين غفلة - اللجنة الأولمبية العراقية واتحاد كرة القدم وقد أصر المصرون على بقائها!! وإن الأهم – اليوم - الذي ينبغي أن لا يغفل عنه هو الحفاظ على الروح الديمقراطية وتنمية أخلاقياتها الحضارية وقيمها الإنسانية وتحصينها من الممارسات المغلوطة التي تتلبس بالديمقراطية وتنتهز آلياتهـا للوصول الى أهداف غير عادلـة وغير نبيلـة.