المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة مهمة تخطرت في ليلة القدر



حازم ناظم فاضل
16/09/2009, 05:24 AM
قبل اكثر من نصف قرن كتب الاستاذ النورسي مسألة مهمة تخطرت له في ليلة القدر هذا نصها :

مسألة مهمة تخطرت في ليلة القدر
هذه حقيقة واسعة جداً وطويلة في الوقت نفسه، خطرت على القلب ليلة القدر سأحاول ان أشير اليها اشارة مختصرة جداً، كالآتي:
أولاً:
لقد قاست البشرية من ويلات هذه الحرب العالمية الأخيرة ايّ مقاساة، اذ رأت أشد أنواع الظلم وأقسى أنواع الاستبداد والتحكم، مع الدمار الظالم المريع في الارض كافة، فقد نكبت مئات الابرياء بجريرة شخص واحد، ووقع المغلوبون على أمرهم في بؤس وشقاء مريرين، وبات الغالبون في عذاب وجداني أليم لعجزهم عن اصلاح دمارهم الفظيع وخشيتهم من ان يعجزوا عن الحفاظ على سيادتهم. وظهر للناس بجلاء تام؛ ان الحياة الدنيا فانية لا ريب فيها، وان زخارف المدنية خادعة ومخدّرة لا تجدي شيئاً، وتلطخت البشرية بدماء الطعنات القوية التي نزلت بالذات الانسانية وبالاستعدادات الرفيعة في فطرتها.. وظهر للعيان تحطم الغفلة والضلالة والطبيعة الجامدة الصماء تحت ضربات سيف القرآن الالماسي.. وافتضحت الصورة الحقيقة للسياسة الدولية الشوهاء الغدارة والتي هي أوسع ستار واكثفه لإغفال الناس واضلالهم واشده خنقاً وخداعاً لروحهم.
فلاشك ان فطرة البشرية - بعد وضوح هذه الأمور - ستبحث عن معشوقها ((الحقيقي)) وهو الحياة الباقية الخالدة وتسعى اليها بكل قواها - وقد بدت اماراتها في شمال العالم وغربه وفي أمريكا - وستعلم جيداً ان الحياة الدنيا التي تتعشقها عشقاً ((مجازياً)) دميمة شوهاء، فانية زائلة.
ولا ريب انها ستبحث عن القرآن الكريم الذي له في كل عصر ثلاثمائة مليونٍ من العاملين له المتتلمذين عليه منذ ألف وثلاثمائة وستين سنة.. والذي يصدق كل حكم من احكامه ودعاويه ملايين من أرباب الحقيقة.. والذي يحـتفظ بمكانـته المقـدسة في قلوب ملايـين الحــفاظ فــي كــل دقيقـة.. والـذي يرشـــد البشرية بألسـنـتــهم، ويبشرها باسلوبه المعجز بالحياة الباقية والسعادة الدائمـة، مضمداً بها جراحــاتها الغائرة، بل يبشر بها بألوف آياته القوية الشديدة المكررة، بل قد يخبر عنها صراحة أو اشارة بعشرات الألوف من المرات، ناصباً عليها ما لايعد من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج الثابتة.
فان لم تفقد البشرية صوابها كلياً ولم تقم عليها قيامة - مادية أو معنوية - فستبحث حتماً عن القرآن الكريم المعجز البيان كما حدث في قارات العالم كله ودولها العظمى، وحدث فعلاً في السويد والنرويج وفنلندا، ومثلما يسعى لقبوله خطباء مشهورون من انكلترا وتقوم بالبحث عنه جمعية تتحرى الدين الحق وهي ذات شأن في أمريكا.. ولابد انهم بعد ان يدركوا حقائقه سيعتصمون به ويلتفون حوله بكل مهجهم وارواحهم. ذلك لأنه ليس من نظير للقرآن في معالجة هذه الحقيقة، ولن يكون، ولا يمكن ان يسد مسدّ هذه المعجزة الكبرى شئ قطعاً.
ثانياً:
ان رسائل النور قد أظهرت خدماتها كسيف ألماسي قاطع بيد هذه المعجزة الكبرى، حتى ألزمت الحجة أعداءها العنيدين وألجأتهم الى الاستسلام، وانها تقوم بوظيفتها بين يدي هذه الخزينة القرآنية من حيث كونها معجزةً لمعانيه المعجزة على نحو تستطيع ان تنور القلب والروح والمشاعر، مناولةً كلاً منها علاجاتها الناجعة، ولا غرو فهي الداعية الى هذا القرآن العظيم والمستفيضة منه وحده ولا ترجع الاّ اليه.
وانها اذ تقوم بمهمتها خير قيام، انتصرت في الوقت نفسه على الدعايات المغرضة الظالمة التي يشيعها أعداؤها، وقضت على أشد الزنادقة تعنتاً، ودكّت أقوى قلاع الضلالة التي تحتمي بها وهي (الطبيعة) برسالة (الطبيعة)، كما بددت الغفلة وأظهرت نور التوحيد في أوسع ميادين العلوم الحديثة وأشد الظلمات الخانقة للغفلة بالمسألة السادسة (للثمرة) وبالحجج الأولى والثانية والثالثة.. والثامنة من رسالة (عصا موسى).
ومن هنا فانه من الضروري لنا - وأكثر ضرورة للأمة - ان يفتح طلاب النور - في حدود القدرات المتاحة - في كل مكان مدارس نورية صغيرة بعدما سمحت الدولة - في الوقت الحاضر - بفتح مدارس خاصة لتدريس الدين.
صحيح ان كل قارئ للرسائل يستطيع ان يستفيد منها شيئاً لنفسه الاّ انه لا يستطيع ان يستوعب كل مسألة من مسائلها؛ ذلك لانها ايضاح لحقائق الإيمان. فهي دروس علمية، ومعرفة إلهية، وسكينة للقلب وعبادة لله في الوقت نفسه.
ان النتائج التي كان يمكن الحصول عليها في المدارس الدينية طوال خمس أو عشر سنوات يمكن الحصول عليها في مدارس النور في خمسة أو عشرة أسابيع بإذن الله، بل ضمنت تلك النتائج في العشرين سنة التي خلت والحمدلله.
ثم بات من المسلّم به فائدة هذه الرسائل الداعية الى القرآن والتي هي لمعات من أنواره الباهرة، لحياة الأمة ولأمن البلاد، وحتى لحياتها السياسية فضلاً عن حياتها الأخروية، فمن الضروري اذن للدولة الاّ تتعرض لها بسوء بل تسعى جادة الى نشرها وتشجع الناس على قراءتها.. ليكون عملها هذا كفّارة عما اقترفت من سيئآت فاحشة سابقة وسداً منيعاً في وجه ما سيقبل من ويلات ومصائب وفوضى وارهاب.

بديع الزمان سعيد النورسي ، كليات رسائل النور ، الكلمات .