المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر الدين المبين في اللغة العربية وآدابها



عسل فاضل
20/09/2009, 02:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اهنئکم جمیعا بهذا العید السعید.
یا استاذی الکریم ، سید محرز شلبی ،لانی اجد صعوبة فی امر الطباعة افضل استخدام النصوص الموجودة لدی وهی عادة من
استاذی الفاضل، الدکتور محمد علی آذرشب. واضیف مقالا منه ربما تکون نافعة للبعض.


أثر الدين المبين في اللغة العربية وآدابها
دور القرآن في المجتمع الجديد
آمن المسلمون بدلائل حسية وعقلية أن آيات القرآن وحيٌ منزل على نبيه الكريم، فتلقوا هذه الآيات تلقيا جادا، وراحوا يحفظونها عن ظهر قلب ويدونونها،ويهتمون بما فيها من علم وعمل، ويتلونها آناء الليل وأطراف النهار، فأثر أسلوب التربية القرآنية في سلوكهم، وصاغ عواطفهم، واستنهض عقولهم.
توالت الآيات القرآنية تركز مفهوم التوحيد في النفوس ، وتربط المجتمع الاسلامي بالمجتمعات التوحيدية عبر التاريخ الطويل: قُولوا آمنّا باللّهِ و ما أُنِزل إلينا و ما أُنزِلَ الى ابراهيمَ و إسمعيل و اسحقَ و يَعقوبَ و الاسباطَ، وما أوتي موسى و عيسى، و ما أوتي النبيّون من ربّهم لا نُفرّقُ بينَ أحَدٍ منهم و نحنُ له مسلمون(١)، و تحثّ على توحيد الحاكمية وعلى العودة الى حكم اللّه في كل اختلاف: فَلا و ربّـكَ لايوءمنونَ حتّى يحكّموكَ فيما شَجـَر بينهم.(٢)

١ ـ البقرة / ١٣٦ .
٢ ـ النساء / ٦٥ .

و سرد القرآن في مواضع كثيرة حياة الأمم الغابرة و ما مرّ عليها من تجارب و ما لاقته من مصير، مبيّنا بذلك السنن الاجتماعية في حركة التاريخ: تَلكَ آياتُ الكتابِ المبين * نتلُو عليكَ مِن نبأ موسى و فرعون بالحقِّ لقومٍ يوءمنون * إنّ فرعونَ عَلا في الأرضِ و جَـعَلَ أهلَها شِيَعا يَستَضعِفُ طائفةً مِنهم يُذبّحُ أبناءَهم و يَستحي نساءَهم انه كان من المفسدين * و نُريدُ أن نَمُـنّ على الذين استُضعِفوا في الأرض و نجعلهم أئمةً و نجعلَهم الوارثين * و نمكّن لهم في الأرض ونُريَ فرعونَ وهامانَ وجنودَهما منهم ماكانوا يحذرون.(١)
واهتمت آيات القرآن بشدّ الانسان الى الحياة الاخرى، وما فيها من ثواب وعقاب، موءكدة على أن أعمال الانسان صغيرها وكبيرها محصية عند اللّه سبحانه، وسيرى جزاءَها يوم الحساب: فمن يَعملْ مثقالَ ذرةٍ خيراً يَـرَه * و من يَعمل مثقالَ ذَرةٍ شرّاً يَـرَه(٢) و فصّل القرآن الحديث عن يوم القيامة و عن الجنة و نعيمها و النار و أهوالها، لكي يربّي الانسان المسلم على الشعور بالمسوءولية أمام اللّه في كلِّ أعماله.
و وضع القرآن الكريم أسسَ العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية بين الافراد و الجماعات في إطار اخلاقي تربوي، مبيّنا أن هذه التعاليم تنسجم مع فطرة الانسان : فأَقِم وجهَك للدينِ حَنيفا فطرت اللّهِ التي فَـطَـرَ الناسَ عليها لاتبديلَ لخلقِ اللّهِ ذلكَ الدينُ القيّـمُ و لكنّ أكثر الناسِ لا يعلمون.(٣)

١ ـ القصص / ٢ ـ ٦ .
٢ ـ الزلزلة / ٧ ـ ٨ .
٣ ـ الروم / ٣٠ .

و تحتل آيات الحثّ على الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد في سبيل اللّه مساحة واسعة من القرآن الكريم، ذلك لأن المجتمع المسلم مجتمع متحرك باستمرار لاستحصال كل خير، و دفع كل ضرّ على الصعيدين الفردي و الاجتماعي : وَلتكُن مِنكم أمةٌ يَدعُون الى الخيرِ و يأمرون بالمعروفِ و ينَهونَ عن المنكر.(١) كُنتُم خيرَ أمـّةٍ أُخرجت للناس تأمرونَ بالمعروفِ و تَنهَون عن المنكر(٢) والقتال هو آخر وسائل الدعوة حين لاتنفع الوسائل الاخرى من أجل إزالة الفتنة من المجتمعات البشرية وإزالة سيطرة الطواغيت عليها: وقاتِلوهُم حتى لاتكونَ فتنةٌ و يكونَ الدينُ كلُّه للّه.(٣)
و في القرآن الكريم استعراض واسع لآيات اللّه في الكون، وفي نفس الانسان، و في الحيوانات و النباتات مع تأكيد على أن ذكر هذه الآيات إنما هو للتعقل: لقوم يَعقلون(٤) و للتفكر: لقوم يتفكّرون.(٥) كما حثّ على التطلع والتمعّن فيما خلق اللّه ليكتشف الانسان بنفسه أسرار الكون و سنن التاريخ: قُل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق(٦)، قُـلْ سيروا فيالارض فانظروا كيف كان عاقبةُ‏الذين من‏قبلُ .(٧)
و هكذا كان القرآن الكريم بين المسلمين، منهجا لسلوكهم وحياتهم الفردية والاجتماعية، و مربيا لنفوسهم و عقولهم، و محركا لكل مسيرتهم على طريق عزتهم و قوتهم و سوءددهم. و لذلك نجد تأثيره كبيرا في كل ظواهر المجتمع الاسلامي العملية و الفكرية و الادبية و الفنية.

١ ـ آل عمران / ١٠٤ .
٢ ـ آل عمران / ١١٠ .
٣ ـ الأنفال / ٣٩ .
٤ ـ البقرة / ١٦٤ .
٥ ـ يونس / ٢٤ .
٦ ـ العنكبوت / ٢٠ .
٧ ـ الروم / ٤٢ .



أسلوب القرآن
نقف ـ ولو قليلا ـ عند أسلوب القرآن ونثره الفني، فهو أستاذ النثر العربي الفني الاكبر ومبعث تياراته ومكون اتجاهاته. آياته المكية قصيرة يكثر فيها السجع والتشبيه والمجاز، لانها تستهدف تحريك العواطف وقوة التأثير، وتتضمن اصول الدين، وآياته المدنية موضوعها غالبا أصول الاحكام من عبادات ومعاملات وأسلوبها محكم جزل هادئ. وهدوء البيان يتطلب طول الجملة وتفصيل المعنى ووضوح الغرض.
وزعم بعضهم أن القرآن خال من النثر خلوّه من الشعر لانه سفر ديني قبل كل شيء(١) وردّ عليهم الباحثون مشيرين الى انواع الاساليب الفنية الموجودة في النثر القرآني(٢). فالنثر الفني إما أن يكون مسجوعا أو مزدوجا أو مرسلا . والمسجوع موءلف من فقر تُلتزم فيها القافية ولايُلتزم فيها الوزن. و هي في القرآن كثيرة منها القصيرة : يا أيـّها المدَّثـّر * قُم فأنذِر * و ربَّك فكبّر(٣) و منها الطويلة: في قلوبهم مرضٌ فزادَهم اللّه مَـرَضا و لهم عَذاب أليم بما كانوا يكذِبون * و إذا قِيلَ لَـهُم لا تُفسِدوا في الأرض قالوا إنما نَحن مُصلحون * ألا إنهم هُـمُ المفسدون و لكن لايشعرون .(٤)

١ ـ منهم طه حسين والمستشرق وليم مارسيه Marc,ais,. انظر: محمد مهدي البصير، عصر القرآن / ٩، ط ٤، بيروت ١٤١٠ه .
٢ ـ عصر القرآن / ٢٣ و ما بعدها.
٣ ـ المدثر / ١ ـ ٣ .
٤ ـ البقرة / ١٠ ـ ١٢ .

وهناك السجع المرصّع، وهو الذي تزدوج أواسطه أو غيرها من أجزائه إضافة الى ازدواج فواصله و اتفاقها في الروي: و العاديات ضبحا* فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا .(١)
والمزدوج ، وهو ما تتزن به أواخر الجمل دون الالتزام بالروي، شائع في القرآن الكريم . ولاسيما في آيات الوعظ والتحذير، مثل قوله تعالى: و السماءِ و الطارق * و ما أدراك ما الطارق * النجم الثاقِبُ * إن كلُّ نفس لَما عَليها حافظ .(٢)
و أما النثر المرسل فهو ماخلا من الروي و الوزن، على أن يكون شأن كل نثر فني فصيح اللفظ، حسن التأليف، محكم السبك. والقرآن يرجع الى النثر المرسل في المواضع التي لايتفق فيها السجع وأداء المعنى بصورة سليمة. مثل قوله تعالى: يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار * ما تعبدون من دونه الا أسماء سميتموها أنتم و آباوءكم ما أنزل الله بها من سلطان ... .(٣)
و من مظاهر الاسلوب القرآني وضوح العبارة و قلة الغريب. و ما كتب عن غريب القرآن انما هو غريب عن لغة قريش خاصة. والوضوح ينسجم مع هدف القرآن، لأنه كتاب هدى ونور وارشاد.
و من مظاهره أيضا الانسجام في العبارات و الايقاع الموسيقي الخاص حتى ان كثيرا من آياته استحالت الى أبيات أو أشطر من أبيات مستقيمة الوزن من الشعر كقوله تعالى:

و العاديات ضبحا فالموريات قدحا

(مجزوء الرجز)
١ ـ العاديات / ١ ـ ٣ .
٢ ـ الطارق / ١ ـ ٤ .
٣ ـ يوسف / ٣٩ ـ ٤٠ .

و قوله :

و وضعنا عنك وزر كَ الذي انقض ظهرَك


ورفعنـا لك ذكرك(١) (مجزوء الرمل).

و قوله سبحانه:
إنه كان ظلوما جهولا(٢) (شطر ـ المديد)
و أخرجت الارض أثقالها(٣) (شطر ـ المتقارب)
ليقضيَ اللّهُ أمرا كان مفعولا(٤) (شطر ـ البسيط).
على أن القرآن حافل بالمحسنات البيانية وخاصة التشبيه والمجاز دونما أي تكلف. مثل قوله تعالى: والقمرَ قدّرناه منازلَ حتى عاد كالعُرجون القديم(٥) و قوله: فاذا انشقتِ السماء فكانت وردةً كالدهان(٦)، و قوله: قال: ربِّ إني وَهـَـنَ العظم منّي واشتَعَل الرأسُ شَيبا(٧) و قوله: أولئك الذين اشتَرَوا الضلالةَ بالهدى فما رَبِحت تجارتُهم .(٨)
ومن الاساليب التي عمد اليها القرآن الكريم لزيادة قوة التأثير في سامعيه التكرار تكرار اللفظ و تكرار الجملة، كقوله تعالى: انه فكر و قدّر * فقتل كيف قدّر * ثم قتل كيف قدّر.(٩)

١ ـ الشرح / ٢ ـ ٤ .
٢ ـ الأحزاب / ٧٢ .
٣ ـ الزلزلة / ٢ .
٤ ـ الأنفال / ٤٢ ، ٤٤ .
٥ ـ يس / ٣٩ .
٦ ـ الرحمن / ٣٧ .
٧ ـ مريم / ٤ .
٨ ـ البقرة / ١٦ .
٩ ـ المدثر / ١٨ ـ ٢٠ .

و تكررت الآية الكريمة: فباي آلاء ربكما تكذبان إحدى وثلاثين مرة في سورة الرحمن، وتكررت الآية: ويل يوءمئذ للمكذبين ثلاث عشرة مرة في سورة المرسلات.. وأمثال ذلك كثير(١).
و ثمة محاولات كثيرة قديمة و معاصرة لاكتشاف خصائص الاسلوب القرآني. و لعلّ محاولة سيد قطب كانت أكثر توفيقا في هذا المجال لأن صاحبها جمع بين الذوق الادبي و عمق الفهم القرآني ، و يرى أن القاعدة الاساسية في تعبير القرآن هي التصوير، وأن التخيل و التجسيم هما الظاهرتان البارزتان في هذا التصوير، ثم التناسق في العبارة و الايقاع الموسيقي و المعاني و الخطوات النفسية(٢).


أثره في لغة العرب وآدابها*(٣)
بقاء اللغة العربية حيّة الى يومنا هذا مدين دون شك للقرآن، فلولاه لبادت هذه اللغة كما بادت اللغات الاثرية القديمة.
كان العرب في شمال الجزيرة العربية حين بزوغ الاسلام يتكلمون بلهجات متعددة ـ كما ذكرنا ـ وإن كانت لغة قريش شائعة بينهم. وكان الجنوبيون يتكلمون بلغة حمير. والقرآن نزل بلهجة قريش فوحّد شمال الجزيرة على هذه اللغة ثم توغلت لغة القرآن الى الجنوب فأصبحت الجزيرة العربية كلها تتكلم بهذه اللغة، وسرعان ماضرب الاسلام بجرانه نحو الشرق والغرب، وصار المسلمون من أواسط آسيا حتى طنجة يقرأون القرآن ويحفظونه بلهجة واحدة. فالقرآن له الفضل في توحيد اللغة العربية وانتشارها وبقائها.
لقد ارتقت هذه اللغة بالقرآن ارتقاءً عظيما، فأصبحت تحمل أساليب الدعوة الى توحيد اللّه وأساليب الاستدلال على البعث والنشور، ومضامين قصص الامم الغابرة، ومناهج السلوك

١ ـ انظر: عصر القرآن / ٨ ـ ١٣ .
٢ ـ انظر: التصوير الفني في القرآن.
* ـ انظر: ثلاثة رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطّابي، والجرجاني، وعبد المتعال الصعيدي، النظم الفنّي في القرآن، وسيد قطب، التصوير الفني في القرآن، وأنيس المقدسي، تطور الأساليب النثرية، ومحمد أحمد خلف اللّه، دراسات في الأدب الاسلامي.

الفردي والاجتماعي. ودخلت في هذه الاساليب مصطلحات جديدة عبادية وعقائدية، ما كان لها في هذه اللغة وجود مثل: الفرقان والكفر والايمان والشرك والاسلام والنفاق والصوم والصلاة والزكاة والتيمّم والركوع والسجود وغير ذلك من مصطلحات الدين الحنيف.
والقرآن الكريم منطلق الحركة العلمية التي نشأت حول القرآن بمرور الزمن، والدافع المحرك وراء كل النهضة العلمية التي شهدها العالم الاسلامي منذ القرن الهجري الاول.
لصيانة لغة القرآن إعرابا و قراءة نشأت علوم النحو والقراءات، و لفهم مضامينه ظهرت علوم التفسير و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه، و لفهم إعجازه البياني وضعت علوم البلاغة، ولمعرفة أحكامه تفرّع عنه علم الفقه و أصوله.
و تأكيد القرآن على العلم وتفضيل منزلة العلماء وفّر قيما جديدة في المجتمع المسلم تحثّ على المعرفة في حقولها المختلفة، فكان له الفضل في كل مادون بلغة القرآن من علوم في الفلك والطب والكيمياء والرياضيات وغيرها من العلوم التي ترتبط بفهم تركيب الانسان والطبيعة.
والقرآن الكريم أحدث ـ إضافة الى ماتقدم ـ تحوّلا كبيرا في أسلوب اللغة العربية. ونستطيع أن نفهم هذا التحول من مقارنة أسلوب القرآن مع ما وصلنا من الادب الجاهلي. ولقد أدرك العرب الجاهليون هذا الاعجاز في الاسلوب القرآني، وعلموا أنه يختلف تماما عمّا سمعوه من فصحائهم.
روي أن الوليد بن المغيرة سمع شيئا من القرآن الكريم، فكأنما رق له قلبه. فقالت قريش: صبأ والله الوليد، ولَـتَصبونّ قريش كلهم. فأوفدوا اليه أبا جهل يثير كبرياءه واعتزازه بنَسـَبه وماله، ويطلب أن يقول مافيه ذم القرآن. قال: فماذا أقول فيه؟ فو اللّه مامنكم رجل أعلم مني بالشعر ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن. واللّه مايشبه الذي يقوله شيئا من هذا . واللّه إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ماتحته، وانه ليعلو و مايُعلى.
قال أبو جهل: واللّه لا يرضى قومك حتى تقول فيه.
قال: فدعني أفكر فيه . فلما فكر قال: إن هذا الا سحر يوءثر. أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه؟!(١)
و في ذلك يقول القرآن الكريم: إنه فكّـرَ وقَـدّر * فقُتِل كيفَ قَـدَّر * ثم قُتِل كيف قَـدَّر * ثمّ نظر * ثم عَـبَس و بَسَر * ثم أدبَـرَ و استكبر * فقال إن هذا إلاّ سحرٌ يوءثر .(٢)

١ ـ عن السيرة، لابن هشام، وتفسير ابن كثير.
٢ ـ المدثر / ١٨ ـ ٢٤ .

و لقد تحدى القرآن العرب مرّات: قُلْ فأتوا بعشر سُوَرٍ مِثلِه مُفتَريات(١)، قل فأتوا بسورةٍ مِثلِه(٢)... و لكنهم عجزوا، بل لم‏يحاولوا هذه المحاولة أصلا، سوى ماروي عن بعض المتنبئين بعد الرسول الخاتم، و هي أقرب الى الهزل منها الى الجدّ و لا قيمة لها، كما لاقيمة لما قيل، ان اللّه سبحانه صرفهم عن المحاولة(٣).
ويلاحظ في رواية الوليد بن المغيرة أن الرجل كان عالما بفنون البيان لدى قومه، ولذلك كان سريع التأثر بلغة القرآن، وعميق الفهم لسحر الكتاب القرآني. ويسجل القرآن صوراً من تأثير القرآن في نفوس بعض علماء أهل الكتاب : إنّ الذين أوتوا العلمَ من قَبلِه إذا يُتلى عليهم يخرّون للاذقان سُجَّدا * و يقولون سبحانَ ربّنا إنْ كان وَعدُ ربّنا لمفعولا * و يخرّون للأذقانِ يبكون و يزيدُهم خُشوعا .(٤)
و يقول: لَتَجِدنَّ أشدَّ الناسِ عداوةً للذين آمنوا اليهودَ و الذين أشركوا و لتجدنّ أقربَهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنّ منهم قِسّيسين و رُهبانا و أنهم لا يَستكبرون * و اذا سَمِعوا ما أُنزل الى الرسولِ تَرى أعينَهم تفيضُ من الدمعِ ممّا عَرَفوا من الحق يقولون: ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين .(٥)
لقدكان لعلماء النقدوالبلاغة آراءمختلفة عن منبع‏السحر فيالقرآن لا مجال لاستعراضها. و من‏المهم أن‏نفهم أن هذاالكتاب‏العزيز ترك في نفوس كل‏من‏أصغى‏له‏تأثيراعميقا،نجدآثاره‏بوضوح‏فياللغة‏ا لعربية‏والادب‏العربي.

١ ـ هود / ١٣ .
٢ ـ يونس / ٣٨ .
٣ ـ انظر: الرسالة الشافية لعبد القاهر الجرجاني حول موضوع «الصرفة».
٤ ـ الاسراء / ١٠٧ ـ ١٠٩ .
٥ ـ المائدة / ٨٢ ـ ٨٣ .


أثر الحديث النبوي في اللغة العربية
بعث الله نبيه الخاتم في أمة تعتز ببيانها و تباهي بفصاحتها. فأيّده سبحانه بالقرآن الكريم فبهرهم حسنه و ذلّوا أمامه. و أيّده بمعجزة أخرى هي بلاغة لسانه و قوّة بيانه حتى قال له ـ في ما يروى ـ الخليفة الاول أبو بكر: لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم، فما سمعت أفصح منك، فمن أدبك (علّمك)؟ عليه‏السلام فقال: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» .
و شاءالله أن يولد نبيه في قريش و هي الذروة في الفصاحة، و أن يرضع في بني سعد و هم من أفصح القبائل، و لذلك روي عنه قوله: «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش و نشأت في سعدِ بنِ بكر».
ويروى أن الرسول كان يخاطب كل قبيلة بلهجتها فيبزّهم فيها، كما كان يخاطب قومه بما لم يعهدوه في لغتهم ، ولم يأثروه عن بلغائهم. كقوله في الحرب يوم حنين: «الآن حمي الوطيس» و الوطيس: التنور و مجتمع النيران، استعاره رسول الله لشدة الحرب. و قوله: «رفقا بالقوارير» و هي كناية عن النساء . و قوله: «يا خيل الله اركبي» يدعو المجاهدين الى البراز، و قوله: «لا يَنتطح فيه عنزان» كناية عن عدم حدوث أمر مهم. و قوله: «لايُلدغ الموءمن من جُحر مرتين» و أصبحت هذه العبارة البليغة مثلا على‏مرّ العصور. و قوله:«إياكم و خضراءالدمن» قيل لَه:و ما ذاك يارسول‏اللّه؟ قال:«المرأة الحسناء في منبت السوء». شبّهها بالخضرة النابتة فيالقاذروات.
و أورد الجاحظ طائفة من هذه الكلمات «ممّا لم يسبقه اليه عربي، و لم‏يشاركه فيه عجمي، و لم يُـدَّعَ لأحدٍ، و لا ادّعاه أحد، ممّا صار مستعملاً و مثلاً سائراً»(١).
و تناقلت الاجيال خطب الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، و أصبحت فواتح هذه الخطب و أساليبها نموذجاً يقتدي به الخطباء، مثل قوله في حجة الوداع:
«الحمد لله نحمَده و نستعينه، و نستغفره، و نتوب اليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا، من يهدِ اللّهُ فلا مُضِلَّ له، و من يُضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له، و أن محمداً عبدُه و رسوله. أوصيكم عبادَ اللّه بتقوى اللّه، و أحُثّكم على طاعته، و أستفتح بالذي هو خير ... ».
و قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في هذه الخطبة:
«... فاتقوا اللّه في النساء، و استَوصوا بهنَّ خيرا، ألا هل بلّغتُ اللّهم فاشهد. أيها الناس، إنما الموءمنون إخوة، و لا يحلّ لامرئٍ مسلم مالُ أخيه الاّ عن طيب نفس منه، ألا هل بلّغت اللهم فاشهد ...».
و في خطبته، لما أراد الخروج الى تبوك، جوامع الكلم التي قل عدد كلماتها، و كثرت معانيها، مثل قوله: «أيها الناس، إن أصدق الحديث كتاب اللّه و أوثق العرى كلمة التقوى. و خير الملل ملة ابراهيم. و خير السنن سنة محمد. و أشرف الحديث ذكر اللّه. و أحسن القصص القرآن. و خير الامور عزائمها. و شرّ الامور محدثاتها. و أحسن الهدى هدى الانبياء. و أشرف القتل قتل الشهداء . و أعمى العمى الضلالة بعد الهدى. و خير الاعمال ما نفع. و خير الهدى ما اتُبع. و شـرّ العمى عمى القلب. و اليد العليا خير من اليد السفلى. و ما قلّ و كفى خير مما كثر و ألهى. و شرّ المعذرة حين يحضر الموت. و شرّ الندامة ندامة يوم القيامة. و من أعظم خطايا اللسان الكذب. و خير الغنى غنى النفس. و خير الزاد التقوى. و رأس الحكمة مخافة اللّه..».

١ ـ البيان والتبيين ٢/١٦ وما بعدها.

و الحديث النبوي الشريف أثّر في اللغة العربية و الادب، و إن كان لايبلغ تأثير القرآن الكريم. فهو الى جانب القرآن ساعد على حفظ اللغة العربية و صيانتها و توسيع مادتها اللغوية. و على مرّ العصور بذلت جهود واسعة لجمع الحديث و شرحه و دراسته و حفظه.
و استمد المتأدبون من الفاظ الحديث و عباراته ما ساعدهم على الارتفاع بمستوى رسائلهم و أشعارهم و خطبهم. و وجود اللهجات المختلفة في الحديث النبوي دفع العلماء الى التأليف في غريب الحديث النبوي كما فعل القاسم بن سلام.
و وجود الرواة في الحديث و ضرورة دراستهم للتثبّت من صحة الحديث أدّى الى ظهور كتابات تاريخية في تراجم المحدّثين.
على العموم مايزال الحديث النبوي حتى يومنا هذا منهلا فيّاضا للادباء و العلماء، و يكفي أن يكون بين خرّيجي هذه المدرسة النبوية البلاغية الامام علي بن ابيطالب عليه‏السلام . و سنعرض عظمةَ بيانه في حديثنا عن نثر هذا العصر.


اتساع الاطار الجغرافي
ذكرنا أن العرب بعد ظهور الاسلام دخلوا ساحة التاريخ، و انساحوا في شرق الارض و غربها، فحرروا الشام من سيطرة الروم، و العراقَ و ايران من سيطرة الساسانيين، ثم اتجهوا الى مصر و حاكمها المقوقس، و دارت المفاوضات أولاً بين المسلمين و رسل المقوقس و لم تصل الى نتيجة، و حين عاد الرسل سألهم المقوقس عن حال المسلمين فأجابوا: «رأينا قوماً الموت أحبّ اليهم من الحياة، و التواضع أحبّ اليهم من الرفعة، ليس لاحدٍ منهم في الدنيا رغبة و لا نهمة ، جلوسهم على التراب، و أميرهم كواحد منهم، ما يعرف كبيرهم من وضيعهم، و لا السيد فيهم من العبد، و اذا حضرت الصلاة لم‏يتخلف عنهاأحد، يغسلون أطرافهم بالماء، و يخشعون في صلاتهم»(١).
و فهم المقوقس أن مصر مفتوحة لامحالة، و لذلك أعرض عن محاربة المسلمين، أما روما الشرقية فأبت الاّ أن تقاوم، و لكن دون جدوى، فقد فتحت مصر و تبعتها شمال أفريقيا، و اجتاز المسلمون البحر، و فتحوا اسبانيا و البرتغال و توغلوا في أوربا.
و هذا الاتساع الجغرافي جعل اللغة العربية تتفاعل مع لغات الشعوب المفتوحة و حضاراتها، فأثرت و تأثرت ، و اتسعت و تعمّقت، و ظهر ذوو اللسانين من العرب و غير العرب ممن يجيد اللغة العربية و اللغة القومية المحلية.
و نرى في طبقات الادباء و الشعراء و النحويين و اللغويين المروزي، و الاصبهاني، و البيهقي و الهمداني، و النيسابوري، و التستري، و القرطبي، و القهستاني، و الباخرزي، و الجرجاني، و الابيوردي، و الزوزني، و الاندلسي، و الرومي، و الطوسي، و الاردستاني، و القزويني، و الفسوي، و الدينوري، و السيوطي، و الزمخشري و الاسترابادي، و الشنتمري.
و هكذا ظهر الادباء و الشعراء و الرواة و النحويون و اللغويون في جميع بقاع العالم الاسلامي يثرون هذه اللغة و يخدمونها بما ينشدون بها من شعر، و يكتبون فيها من موءلفات و مصنّفات ، خدمة للقرآن و معارف الدين الحنيف.

١ ـ ابن عبد الحكم، عبد الرحمن بن عبد الله، فتوح مصر / ٥٩ ، القاهرة، ١٩١٤ .

السعيد ابراهيم الفقي
20/09/2009, 02:25 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخت الفاضلة عسل فاضل المحترمة
طرح طيب
لموضوع له اهميتة الكبرى
أثر الدين المبين في اللغة العربية وآدابها
فقد شرف رب الدين الله اللغة العربية
عندما انزل القرأن الكريم بلسان عربي مبين
وللدين اثر عظيم في الناطقين باللغة العربية
وللغة العربية اثر ابداعي في المبدعين باللغة العربية
=======
جعلها الله في ميزان حسناتك