المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تـــــــرانا نلتقـــــي ؟؟؟



سعيد باجابر
21/09/2009, 10:37 PM
الأخوة سكان جمهوية واتا الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة كنت اليوم أستمع لأنشودة جميلة جدا , كثيرا ما أسمعها , وكثيرا مايسمعها غيري من شباب المسلمين , لأن كلماتها جميلة ومؤثرة جدا , مع كثرة استماعي لها لم أكلف نفسي في يوما من الأيام في البحث عن صاحب تلك الكلمات الصادقة والمؤثرة , وبعد أن بحثت فؤجئت أن لتلك الكلمات الصادقة والمؤثرة والجميلة , قصة جميلة جدا ومؤثرة في نفس الوقت , فأحببت أن أنقل لكل هذه الكلمات الجميلة وقصتها وقصة صاحبتها عليها رحمة الله وأسكنها الله الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , " صاحبت هذه القصة والكلمات الأديبة الكبيرة والشاعرة أمينة قطب رحمها الله شاعرة الشهادة والمعتقل أخت شهيد الأسلام سيد قطب رحمه الله "

هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا كانت اللقيا على أرض السراب؟!

ثم ولَّت وتلاشــــــــــــى ظلُّهــــــــا واستحالت ذكــــــــــرياتٍ للعذاب

هكذا يســــــــــــــأل قلبي كلمـــــــا طالت الأيام من بعــــــــــد الغياب

فإذا طيفــــــك يرنــــــو باســـــــمًا وكأني في استماع للجـــــــــــواب

أولــــــم نمــــضِ على الدرب مـعًا كي يعــــود الخـير للأرض اليباب

فمضينا فـــــــــــي طريــــق شائك نتخلى فيـــــــــــه عن كل الرغاب

ودفنَّا الشــــــــــوق فـــــي أعماقنا ومضينا في رضــــــــاء واحتساب

قد تعاهـــــــــــدنا على الســير معًا ثم عاجلت مُجيبًا للذهــــــــــــــاب

حين نـــــــــــاداك ربٌّ منعـــــــــمٌ لحياة في جنـــــــــان ورحـــــــاب

ولقــــــــــــاء فـــي نعيــــم دائــــم بجنود الله مرحى بالصحــــــــــاب

قدَّموا الأرواح والعمـــــــر فـــــدا مستجيبين على غــير ارتيــــــــاب

فليعُد قلبك مـــــــن غفلاتـــــــــــه فلقاء الخلد في تلك الرحـــــــــــاب

أيها الراحل عذرًا في شكــــــــاتي فإلى طيفك أنَّات عتـــــــــــــــــاب

قد تركــــــت القلب يــــدمي مثقلاً تائهًا في الليل في عمق الضبــاب

وإذ أطـــــــــوي وحيدًا حائــــــرًا أقطع الدرب طويلاً في اكتئـــــاب

فإذ الليل خضـــــــــــمٌّ مـــــوحِشٌ تتلاقى فيه أمواج العـــــــــــــذاب

لم يعُــــــــد يبــق فـــــي ليلي سنًا قد توارت كـــــل أنــــوار الشهاب

غير أني سوف أمضي مثلمـــــــا كنت تلقـــاني في وجــــه الصعاب

سوف يمضي الرأس مرفوعًا فلا يرتضي ضعفًا بقـــول أو جــــواب

سوف تحذوني دماء عابقـــــــات قـــــــد أنارت كل فــــــجٍ للذهــــاب

رابط الأنشودة بصوت الشيخ سعد الغامدي

http://epda3.net/iv/clip-352.html


نبذة تعريفية لصاحبة هذه الكلمات الجميلة جمعتها من بعض المواقع الألكترونية


كلمات في وداع الأديبة الوفية أمينة قطب


"هل ترانا نلتقي أم أنها كانت اللقيا على أرض السراب"؟!

بهذه الكلمات التي خضبتها الدموع ودَّعت زوجها وشريك حياتها تلك الدموع التي وصفتها بأنها:

"لم تكن قط دموع حسرة أو ندم، فحاشا لله أن تندم نفس مؤمنة على ما قدَّمت، أو على ما قدَّم الأحباب من عمل نال به صاحبه- بإذن الله- الكرامة بالشهادة في دين الله، ولكنه الفراق الطويل ومعاناة الخطو المفرد بقية الرحلة المكتوبة".

إنها امرأة مسلمة، وهي مع إسلامها لا تُخفي إنسانيتها بقوتها وضعفها، ولا تكتم مشاعرها وأحاسيسها، تستعلي على الواقع المؤلم حينًا، ويثقل كاهلها تحت الحمل المضني فتجأر بالشكوى، ولكنها لا تسقط أرضًا؛ إذ تأتيها رافعةُ الإيمان التي تنتشلها من كبوة اليأس، وتحصنها من عتمة القنوط.

وينبض قلبها بالإيمان رغم عناء المسير ووعورة الطريق، وتعطي العهد على الثبات على درب الحق الذي سار عليه أخوها الشهيد وشريك حياتها.

وتُناجي أخاها في ذكرى استشهاده فتقول:

فأهتف: يا ليتنا نلتقي كمــــا كان بالأمس قبل الأفــول

لأحكي إليك شجوني وهمي فكم من تباريح هم ثقيل!!

ولكنها أمنيات الحنين فمـــا عاد من عاد بعــد الرحيل

*******

ولكنني رغم هذي الهمــوم ورغم التأرجح وســـط العباب

ورغم الطغاة وما يمكرون وما عندهم من صنوف العذاب

فإن المعالم تبدي الطــريق وتكشف ما حوله مــــن ضباب

********

وألمح أضواء فجـــر جديد يزلزل أركان جمع الضلال

وتوقظ أضــــواؤه النائمين وتنقذ أرواحهم مـــــن كلال

وتورق أغصان نبت جديد يعم البطاح نـــــــديَّ الظلال

*********

فنَمْ هــانئًا يا شقيقي الحــبيب فلن يملك الظلم وقـف المسير

فرغم العناء سيمضي الجميع بدرب الكفاح الطويل العسير

فعزم الأُباة يزيح الطغـــــــاة بعون الإلـــــــه العلي القــدير

وأتخيلكِ الآن وقد التقيت زوجَكِ في الجنة وأنت تقرئين عليه هذه الرسائل التي كتبتيها له يومًا بعد استشهاده، فتقولين:

"هذه الرسائل كلها إليك..

كتبتها بعد تلك الليلة، بعد أن غادرت بيتنا ولم تعُد..

إنها أول رسائل لم تراها ولم تقرأها، ولم تبعث بعدها بردٍّ..

ولكن كتبتُها إليك رغم هذا اليقين، فما كنت أملك حبس دموعي، وأنت ترحل عني بلا عودة.

إنها إليك في الدار التي سعَيت من أجلها وأدركتها في نهاية المطاف.

إنها تهنئةٌ أبعث بها إليك، حتى ألقاك بعد المسير العاني، ووعورة الطريق.

إنها لمسة وفاء وعهد على السير مع القافلة، التي ما انقطع سيرُها على مرِّ الزمان إلى ذلك المرتقى البعيد.

إنها إليك وإلى السائرين على الدرب، رغم أشواك الطريق.

فإذا كانت الدموع تخضبها فمعذرةً، فقد تركتني وحدي أكمل بقية المسير.

إنها دموع الفراق، حتى ألقاك عند ذلك المرتقى بإذن الله.. مع قوافل الواصلين."

فهيا معًا نُلقي نظرةً على هذه الشخصية الوفية

وُلدت- رحمها الله- في قرية "موشا" بمحافظة أسيوط في مصر، ونشأت في أسرة كريمة متدينة ومثقفة، يظللها الأخ الأكبر "سيد" رحمه الله، ويرعاها الأخ الثاني محمد، وكلاهما شاعر، وتذكر بعض ما كان لها من تجارب شعرية في مطلع شبابها عرضتها على أخيها "محمد" فنصحها بمزيد من القراءة لعلَّها تصل إلى شيء من الشعر، ولكنها لم تصل إلى شيء من الشعر قبل محنتها التي فجَّرت شاعريتها، وكأنما اختبأ الشعرُ في أعماق نفسها حتى ارتبطت بزوجها كمال السنانيري- رحمه الله- رباطًا قلَّ أن يحدث مثلُه، فقد كانت طليقةً وهو وراء القضبان يدفع من عمره ضريبةَ ارتباطه بالدعوة إلى الله.

لقد أثْرَت تجربةُ الارتباط بداعيةٍ سجيٍن مشاعرَها، وأيقظت شاعريتَها، وكانت انطلاقةُ الشعر يوم واجهت موقفًا حرجًا حين خيَّرها شريكُها بين البقاء على الارتباط وبين الانفكاك منه؛ لأنه لا يدري متى سيخرج من السجن، فقد يمتدُّ حبسُه عشرين سنة!! كان هذا الموقف العصيب مفجِّرًا لمخزون الشعر لديها، وكان جوابُها إصرارًا على استمرار العلاقة مع الشريك الداعية السجين.

هكذا يحكي لنا د. مأمون فريز جرار بداياتها:

- اكتوت بالجمر الذي قبضت عليه، ودَمِيَت يداها بالشوك الذي وطأته قدماها!! وعاشت تجارب الجهاد والصبر والفقدان، وتجرَّعت الألم، وذاقت فجائع متتالية..

- اعتُقلت عندما اعتُقل جميع آل قطب، وصبرت على السجن والأذى..

الشهيد كمال السنانيري

أما قصة زواجها من الشهيد كمال السنانيري فيصف عز الدين فرحات أنها نموذجٌ لأروع قصص الوفاء الذي يُحتذَى به؛ فقد حُكِم عليه بالسجن لمدة خمس وعشرين سنة مع الأشغال الشاقة المؤبَّدة تخفيفًا بعد حكم سابق بالإعدام.

وبعد خمس سنوات نُقل إلى مستشفى السجن، والتقى فيها بالأستاذ "سيد قطب" الذي أرقده المرض وما ذاقه من مآسٍ داخل السجن، وتقدم يطلُب يد "أمينة" من شقيقها، وما لبث أن عرض الأمر عليها، وبعد الاستخارة وافقت رغم علْمِها أن الباقي له في السجن عشرون سنة، ثم زارته في السجن لتراه، ويتم العقد بعد ذلك، وقد بارك هذا الزواج إخوانه بالدعاء، وسخِر منه غير الإخوان، وقوِيَت رابطة المودة بينهما، رغم بقائه خلف الأسوار، وأخذت تراسله بقصائد شعرية في صورة رسائل تشدُّ من أزره وتقوِّي عزيمتَه.

وقد أعطت المثَلَ والقدوة في الصبر على البلاء والفراق والحرمان، ولو أنها طلبت الطلاق لكان من حقِّها شرعًا وقانونًا، ولكن أبَت نفسُها ذلك من فَرط ورقَّة مشاعرها، وخوفًا من أن تجمع عليه مصيبَتَين، وهي الشريكة والسند!!

وفي تلك الأثناء كان قد تمَّ الرباط بينها وبين زوجها كمال السنانيري وهو داخل السجن، وكانت التجربة عميقةً مثريةً للأحاسيس والخيال والمشاعر، ففي كل زيارة تقوم بها للسجين المجاهد الصلب تثري خيالها ومشاعرها بألوان الأحاسيس، فتضمنها قصة أو رسالة من رسائلها إليه، أو تضع الأقاصيص في مخابئها حتى يأذن الله بالخروج.

وذات يوم.. حَكَت "أمينة "لشقيقها "سيد" ما رأته وتكبَّدته من عناء السفر عند زيارة الزوج الحبيب والشقيق العزيز؛ حيث سافرت من القاهرة إلى جنوب مصر لتصل لسجن "قنا"، وشعر الأستاذ "كمال" بمدى الغبن الذي لحق بها، فقال لها:

"لقد طال الأمد، وأنا مشفِقٌ عليك من هذا العناء، وقد قلت لكِ في بدء ارتباطنا قد يُفرَج عني غدًا، وقد أمضي العشرين سنة الباقية أو ينقضي الأجل، ولا أرضَى أن أكون عقبةً في طريق سعادتك، ولكِ مطلَق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحًا في أمرِ مستقبلك من الآن، واكتبي لي ما يستقرُّ رأيُك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير".

وحال السجَّان بينهما دون أن يسمع منها ردًّا، ولكن ماذا ينتظر من عروس ذات مروءة وأخلاق عالية؟! ثم جاشت بنفسها الشاعرة الرقيقة معانٍ جمَّةٌ وصادقةٌ عبَّرت فيها قائلةً:

"لقد اخترت يا أملاً أرتقبه طريقَ الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم".. فأي امتحان لصدق المودة والحب أكبر من هذا؟!

وبعد سبعة عشر عامًا من الخِطبة الميمونة يتم الزواج، ويسعد العروسان بأحلى أيام العمر، ولم يمهلهما الطغاة، بل فرَّقوا بين الأحبة في بداية عامهما السادس من الزواج، وقيَّدوا الحبيب بالسلاسل، وألقَوه في سجون الظلم والظلام بُهتانًا وزورًا، لاقى فيها ما لاقاه من التعذيب حتى صعَدت روحُه إلى بارئها تشكو إليه ظلم العباد.

وتتساءل بلوعة بعد فراقه:

هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا كانت اللقيا على أرض السراب؟!

ثم ولَّت وتلاشــــــــــــى ظلُّهــــــــا واستحالت ذكــــــــــرياتٍ للعذاب

هكذا يســــــــــــــأل قلبي كلمـــــــا طالت الأيام من بعــــــــــد الغياب

فإذا طيفــــــك يرنــــــو باســـــــمًا وكأني في استماع للجـــــــــــواب

أولــــــم نمــــضِ على الدرب مـعًا كي يعــــود الخـير للأرض اليباب

فمضينا فـــــــــــي طريــــق شائك نتخلى فيـــــــــــه عن كل الرغاب

ودفنَّا الشــــــــــوق فـــــي أعماقنا ومضينا في رضــــــــاء واحتساب

قد تعاهـــــــــــدنا على الســير معًا ثم عاجلت مُجيبًا للذهــــــــــــــاب

حين نـــــــــــاداك ربٌّ منعـــــــــمٌ لحياة في جنـــــــــان ورحـــــــاب

ولقــــــــــــاء فـــي نعيــــم دائــــم بجنود الله مرحى بالصحــــــــــاب

قدَّموا الأرواح والعمـــــــر فـــــدا مستجيبين على غــير ارتيــــــــاب

فليعُد قلبك مـــــــن غفلاتـــــــــــه فلقاء الخلد في تلك الرحـــــــــــاب

أيها الراحل عذرًا في شكــــــــاتي فإلى طيفك أنَّات عتـــــــــــــــــاب

قد تركــــــت القلب يــــدمي مثقلاً تائهًا في الليل في عمق الضبــاب

وإذ أطـــــــــوي وحيدًا حائــــــرًا أقطع الدرب طويلاً في اكتئـــــاب

فإذ الليل خضـــــــــــمٌّ مـــــوحِشٌ تتلاقى فيه أمواج العـــــــــــــذاب

لم يعُــــــــد يبــق فـــــي ليلي سنًا قد توارت كـــــل أنــــوار الشهاب

غير أني سوف أمضي مثلمـــــــا كنت تلقـــاني في وجــــه الصعاب

سوف يمضي الرأس مرفوعًا فلا يرتضي ضعفًا بقـــول أو جــــواب

سوف تحذوني دماء عابقـــــــات قـــــــد أنارت كل فــــــجٍ للذهــــاب

إنه الاستعلاء بالإيمان الذي يُحيي الشعلة أن تنطفئ، ويُحيي القلب من ظلمات اليأس، ويُحيي الروح من أسر المادة، فتستشرف الآخرة التي هي دار القرار، ويمضي الإنسان على الدرب بخُطًى وئيدة حينًا، وواثقة حينًا آخر، ولكنه يمضي إلى لقاء الله ولقاء الأحبة الراحلين.

ثم تناجي زوجها وتطلب منه الدعاء:

هلاَّ دعـــــــــوتَ الله لي كي ألتقي بركابكم في جنَّة الرضوان

هلاَّ دعوتم في سماء خلودكم عند المليك القـــــادر الرحمــــن

أن يجعل الهمَّ الثقيل بـــراءةً لي في الحساب فقـد بقيت أعاني

ثم تسأل اللهَ تعالى الثباتَ والمغفرةَ، وأن لا يطولَ عيشُها في دنيا الفناء، فهناك نعيمُ الله أبقى، وهناك العيشُ السعيدُ مع الأتقياءِ والمجاهدين، فتقول:

فاغفر الأمنيـــات يا ربّ عفوًا وأعنِّي دومًا ببرد العــزاء

لا تَدعني للحـزن يطمس قلبي لا تَدعني أعيش دنيا الفناء

واجعل الحــبَّ للبقاء المرجَّى في نعيمٍ بعالمِ الأتقيـــــــاء

برضـــــــاءٍ أناله منك يا ربّ وأحيا في فيضه بالسمـــاء

وقد استجاب الله دعاءها، فرحلت عن عالمنا إلى جنات الخلد إن شاء الله؛ لتلتقي هناك بزوجها وأخيها الشهيد..

رحمها الله رحمةً واسعةً وأسكنها فسيح جناته.

بقلم: د. عمرو الشيخ*


~¤ô_ô¤~ هذا هو الحب ~¤ô_ô¤~


زواج من نوع خاص

لم تكن قصة زواج الشاعرة والقاصة "أمينة قطب" مثل باقي القصص التي نعايشها أو نراها أو حتى نسمع عنها، ولماذا تكون قصة زواجها عادية وهي امرأة غير عادية، شأنها شأن باقي أفراد آل قطب، ولا سيما الشهيد "سيد" عليه رحمة الله؟!!

حُكم على المجاهد "كمال السنانيري" بالسجن خمسة وعشرين عامًا مع الأشغال الشاقة المؤبدة تخفيفًا بعد حكم سابق بالإعدام، وبعد مرور خمس سنوات خرج ليدخل مستشفى السجن، وفيها قابل الأستاذ "سيد قطب"، الذي كان يعالج في نفس المستشفى، وفي هذا المكان طلب "السنانيري" يد "أمينة" من أخيها "سيد"، وبعد عرض الأمر عليها وافقت على هذه الخطبة التي ربما تمتد فترتها لتستمر عشرين عامًا، هي الفترة الباقية لهذا الخطيب المجاهد حتى يخرج من محبسه الظالم، وتم العقد بعد ذلك، على الرغم من بقاء العريس خلف الأسوار المظلمة، وكأن "أمينة" بذلك تعلمنا معاني كثيرة؛ تعلمنا التضحية الفريدة، فقد كانت شابة ولم يفرض عليها أحد هذا الاختيار، إنها عشرون عامًا، ليست عشرين يومًا أو حتى عشرين شهرًا!! وكأنها كذلك تذكر أولئك المجاهدين المحبوسين عن نور الشمس بالأمل والثقة في وعد الله واختياره، فمعنى أنها توافق على مثل هذا الارتباط بهذه الكيفية أنها ترى من النور في نهاية الظلمة ما يعينها على الصبر والتحمل، ولا ضير في ذلك، فهي شاعرة وقبل ذلك مؤمنة بالله، ربما بنت في خيالاتها أحلامها، ورسمت شمسها ونجومها، وهواءها ونسيمها، ولحظات سعادتها، فملأت عليها نفسها في عالم الروح قبل عالم الحقيقة.

وكان الزوج العطوف يكره لها غبنًا أو ظلمًا، فطلب منها رأيها في مدى استمرار هذا الارتباط؛ لأن الأيام ستطول، وهي تعلم ذلك، لكن "أمينة" لم ترد عليه، فقد حجبت يد السجان الحبيبين كلاًّ منهما عن الآخر، ووصل رد "أمينة" في رسالة تنبئ عن كريم أصلها، جاء فيها: "لقد اخترت أملاً أرتقبه، طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم".

ومرت السنوات الطويلة سبعة عشر عامًا، خرج الزوج بعدها ليواصل مع "أمينة" الأمينة رحلة الوفاء والكفاح، ومرت سنوات قليلة على هذا الزواج، وفي العام السادس قُبض على الأستاذ "كمال السنانيري"، وأودع السجن مرةً أخرى، واستشهد على أيدي الطغاة الجبابرة، الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة! استشهد الزوج المجاهد تحت سياط التعذيب في سجون مصر المحروسة؛ لأنه اتهم بالمشاركة في الجهاد الذي كان يقوم به الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي السابق، على شهيدنا رحمة الله، وتقبله في الصالحين، وبلَّغه منازل الصديقين.

وظلت "أمينة" تعيش على تلك الذكريات الجميلة، ذكريات الحب والوفاء والجهاد والإخلاص.


" ملحمة الوفاء "

إنَّ قصة زواج "أمينة" من الشهيد "السنانيري" لتبعث على الإجلال والعجب معاً، فقد تمَّ الرباط بينهما حين كان الشهيد كمال السنانيري داخل السجن. تقول السيدة أمينة: كان هذا الرباط قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار داخل السجون.. لقد سجن الداعية الشهيد الشهيد كمال السنانيري في عام 1954م، وقُدِّم إلى محاكمة صورية مع إخوانه لأنهم يقولون ربنا الله.. وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً) ثم يعاد بعدها إلى المعتقل.

بعد أن قضى خمس سنوات من المدة، وفي أثناء ذهابه إلى مستشفى سجن ليمان طرة للعلاج، التقى هناك أخاها الشهيد سيد قطب، وطلب منه يد أخته "أمينة"، وعرض الشهيد الأمر على أخته أمر ذلك العريس الذي يقضي عقوبة المؤبد، وباق منها عشرون سنة، فما كان من الأخت إلا أن وافقت بلا تردد، على هذه الخطبة التي ربما تمتد فترتها لتستمر عشرين عامًا، هي الفترة الباقية لهذا الخطيب المجاهد حتى يخرج من محبسه الظالم،وأخذت عنوان الأخ وزارته في السجن وتمت الرؤية ثم عقد الزواج. وقويت الرابطة بينها وبين من خطبها من وراء الأسوار، وكانت زيارتها ورسائلها له تقوي من أزره وأزر إخوانه.

وتم العقد بعد ذلك، على الرغم من بقاء العريس خلف الأسوار المظلمة، وكأن "أمينة" بذلك تعلمنا معاني كثيرة؛ تعلمنا التضحية الفريدة، فقد كانت شابة ولم يفرض عليها أحد هذا الاختيار، إنها عشرون عامًا، ليست عشرين يومًا أو حتى عشرين شهرًا!! وكأنها كذلك تذكر أولئك المجاهدين المحبوسين عن نور الشمس بالأمل والثقة في وعد الله واختياره، فمعنى أنها توافق على مثل هذا الارتباط بهذه الكيفية أنها ترى من النور في نهاية الظلمة ما يعينها على الصبر والتحمل، ولا ضير في ذلك، فهي شاعرة وقبل ذلك مؤمنة بالله، ربما بنت في خيالاتها أحلامها، ورسمت شمسها ونجومها، وهواءها ونسيمها، ولحظات سعادتها، فملأت عليها نفسها في عالم الروح قبل عالم الحقيقة.
وعندما زارته ذات مرة في سجن "قنا"، وكانت ترافقها شقيقته، حكت الشقيقة لأخيها ما تكبدتاه من عناء حتى وصلتا إليه منذ أن ركبتا القطار من القاهرة إلى "قنا" ثم إلى السجن، فقال لها: "لقد طال الأمد وأنا مشفق عليكم من هذا العناء، ومثل ما قلت لك في بدء ارتباطنا قد أخرج غداً وقد أمضي العشرين سنة الباقية، وقد ينقضي الأجل وأنا هنا، فلك الآن مطلق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحاً في أمر مستقبلك.. ولا أريد ولا أرتضي لنفسي أن أكون عقبة في طريق سعادتك، إنهم يفاوضوننا في تأييد الطاغية ثمناً للإفراج عنا، ولن ينالوا مني بإذن الله ما يريدون حتى ولو مزقوني إرباً. فلكِ الخيار من الآن، واكتبي لي ما يستقر رأيك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير.
وأرادت أمينة أن تُجيب خطيبها المجاهد، إلا أنَّ السجَّان أمرها بالانصراف، فقد انتهى وقت الزيارة. وعادت إلى البيت لتكتب له رسالة كانت قصيدة نظمتها له لتعلن فيها أنها اختارت طريق الجهاد.. طريق الجنَّة.. وقالت له: "دعني أشاركك هذا الطريق" .. وقالت له في بدايتها: "لقد اخترت يا أملاً أرتقبه طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم"، فأي امتحان لصدق المودة والحب أكبر من هذا؟!. وكان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس المجاهد.
ومرت السنوات الطويلة سبعة عشر عامًا، خرج الزوج بعد أن أفرج عنه عام 1973م، ليواصل مع "أمينة" الأمينة رحلة الوفاء والكفاح، وتمَّ الزواج، وعاشت أمينة معه أحلى سنوات العمر. وفي الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختُطف منها مرة أخرى ليودع في السجن، ويبقى فيه إلى أن يلقى الله شهيداً في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وسُلِّمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون إقامة عزاء.. وأذاعت السلطات القاتلة الظالمة أنَّه انتحر!! ونشرت الصحف سبب استشهاده، فعزت ذلك إلى إسراف سلطات التحقيق في تعذيبه.


من رسائل الشهيد سيد قطب إلى أخته أمينة

أختي الحبيبة
هذه الخواطر مهداة إليك
إن فكرة الموت ما تزال تخيل لك، فتتصورينه في كل مكان، ووراء كل شيء وتحسبينه قوة طاغية تظل الحياة والأحياء، وترين الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة.
إنني أنظر اللحظة فلا أراه إلا قوة ضئيلة حسيرة بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة، وما يكاد يصنع شيئاً إلا أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!..
مدُّ الحياة الزاخر هو ذا يعجّ من حولي!..: كلّ شيء إلى نماء وتدفُّقٍ وازدهار.. الأمهات تحمل وتضع: الناس والحيوان سواء.
الطيور والأسماك والحشرات تدفع بالبيض المتفتح عن أحياء وحياة..
الأرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار..
السماء تتدفق بالمطر..
والبحار تعجّ بالأمواج..
كل شيء ينمو على هذه الأرض ويزداد!
بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي، أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!.. والحياة ماضية في طريقها، حية متدفقة فوارة، لا تكاد تحس بالموت أو تراه!..
لقد تصرخ مرة من الألم، حين ينهش الموت من جسمها نهشة، ولكن الجرح سرعان ما يندمل، وصرخة الألم سرعان ما تستحيل مراحاً.. ويندفع الناس والحيوان، الطير والأسماك، الدود والحشرات، العشب والأشجار، تغمر وجه الأرض بالحياة والأحياء!.. والموت قابع هنالك ينهش نهشة ويمضي.. أو يتسقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات!!
الشمس تطلع، والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا وهناك.. كل شيء إلى نماء.. نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف.. لو كان الموت يصنع شيئاً لوقف مدُّ الحياة!.. ولكنه قوة ضئيلة حسيرة، بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة الغامرة…!
من قوة الله الحي..: تنبثق الحياة وتنداح!!

(2)
عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!..
أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتدّ بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!..
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهماً، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا. وليست الحياة بعدّ السنين، ولكنها بعداد المشاعر. وما يسميه (الواقعيون) في هذه الحالة (وهماً)! هو في (الواقع)، (حقيقة) أصح من كل حقائقهم!.. لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً..
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال!..
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!
(3)

بذرة الشر تهيج، ولكن بذرة الخير تثمر، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعاً، ولكن جذورها في التربة قريبة، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء، ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء..
مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية!.. على حين تصبر شجرة الخير على البلاء، وتتماسك للعاصفة، وتظل في نموها الهادئ البطيء، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك!..

(4)
عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة!..
لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور..
شيء من العطف على أخطائهم، وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية – غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم.. ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم، حين يمنحوك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص.
إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء.. فإذا أمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية.. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك.. وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.. لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام!..
(5)
عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير، نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات كثيرة!. إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الآخرين، لأننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء. إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير، وسنجد لهم مزايا طيبة نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة تؤهله لكلمة طيبة.. ولكننا لا نطلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب!..
كذلك لن نكون في حاجة لأن نحمل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم، لأننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص، ولن نفتش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف! وبطبيعة الحال لن نجشم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم فإنما نحقد على الآخرين لأن بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا نمواً كافياً، ونتخوف منهم لأن عنصر الثقة في الخير ينقصنا!
كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!

(6)
حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا ، أو أطيب منهم قلبا ، أو أرحب منهم نفسا أو أذكى منهم عقلا لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا … لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة !.

إن العظمة الحقيقية : أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع !.

إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء الناس ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقا .. إن التوفيق بين هذه المتناقضات وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد : هو العظمة الحقيقية !.

(7)
عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة نحس أننا لا يعيبنا أن نطلب مساعدة الآخرين لنا ، حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ولا يغض من قيمتنا أن تكون معونة الآخرين لنا قد ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه . إننا نحاول أن نصنع كل شيء بأنفسنا ، ونستنكف أن نطلب عون الآخرين لنا أو أن نضم جهدهم إلى جهودنا كما نستشعر غضاضة في أن يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة .. إننا نصنع هذا كله حين لا تكون ثقتنا بأنفسنا كبيرة أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي .. أما حين نكون أقوياء حقا فلن نستشعر من هذا كله شيئا .. إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده وهو يتكفأ في المسير !.

عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ، سنستقبل عون الآخرين لنا بروح الشكر والفرح .. الشكر لما يقدم لنا من عون .. والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن .. فيشاركنا الجهد والتبعة .. إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق !..

( 8 )
إننا نحن إن (( نحتكر )) أفكارنا وعقائدنا ، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم ، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا ، وعدوان الآخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيرا ، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا !.

إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للآخرين ونحن بعد أحياء ، إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض – زادا للآخرين وريا ، ليكفي أن تفيض قلوبا بالرضا والسعادة والاطمئنان !.

(( التجار )) وحدهم هم الذين يحرصون على (( العلاقات التجارية )) لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين !.

إنهم لا يعتقدون أنهم (( أصحاب )) هذه الأفكار والعقائد ، وإنما هم مجرد (( بسطاء )) في نقلها وترجمتها .. إنهم يحسون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خلقهم ، ولا من صنع أيديهم . وكل فرحهم المقدس ، إنما هو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهذا النبع الأصيل !…

( 9 )
الفرق بعيد .. جدا بعيد ..: بين أن نفهم الحقائق ، وإن ندرك الحقائق .. إن الأولى : العلم .. والثانية هي : المعرفة !..
في الأولى : نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة .. أو مع تجارب ونتائج جزئية ..
وفي الثانية : نحن نتعامل مع استجابات حية ، ومدركات كلية …
في الأولى : ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ، ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة …
وفي الثانية : تنبثق الحقائق من أعماقنا . يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا و أوشاجنا ، ويتسق مع نبضنا الذاتي !..
في الأولى : توجد (( الخانات )) و العناوين : خانة العلم ، وتحتها عنواناته وهي شتى . خانة الدين وتحتها عنوانات فصوله وأبوابه .. وخانة الفن وتحتها عنوانات منهاجه واتجاهاته !..
وفي الثانية : توجد الطاقة الواحدة ، المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى .. ويوجد الجدول السارب ، الواصل إلى النبع الأصيل !..

( 10 )
نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين في كل فرع من فروع المعارف الإنسانية أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة !.. ويهبون حياتهم للفرع الذي تخصصوا فيه ، ولا بشعور التضحية فحسب ، بل بشعور التضحية فحسب ، بل بشعور اللذة كذلك !… شعور العابد الذي يهب روحه لإلهه وهو فرحان !..

ولكننا مع هذا يجب أن ندرك أن هؤلاء ليسوا هم اللذين يوجهون إلى الحياة ، أو يختارون للبشرية الطريق ؟..

إن الرواد كانوا دائما . وسيكونون هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة هؤلاء هم الذين يحملون الشعلة المقدسة التي تنصهر في حرارتها كل ذرات المعارف ، وتنكشف في ضوئها طريق الرحلة ، مزودة بكل هذه الجزئيات قوية بهذا الزاد ، وهي تغذ السير نحو الهدف السامي البعيد !.:
هؤلاء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ، المتعددة المظاهر في : العلم ، والفن ، والعقيدة ، والعمل ، فلا يحقرون واحدا منها ولا يرفعونه فوق مستواه !.

الصغار وحدهم هم اللذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى المتنوعة المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسم الدين ، أو الدين باسم العلم …

ويحتقرون الفن باسم العمل ، أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة !.. ذلك أنهم يدركون كل قوة من هذه القوى ، منعزلة عن مجموعة من القوى الأخرى الصادرة كلها من النبع الواحد ، ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود !.. ولكن الرواد الكبار يدركون تلك الوحدة ، لأنهم متصلون بذلك النبع الأصيل ، ومنه يستمدون !…

إنهم قليلون .. قليلون في تاريخ البشرية .. بل نادرون ! ولكن منهم الكفاية ..: فالقوة المشرفة على هذا الكون ، هي التي تصوغهم ، تبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب !.

(11)

الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ، لأنه يقود إلى الخرافة .. ويجول الحياة إلى وهم كبير !..

ولكن التنكر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقل خطرا : لأنه يغلق منافذ المجهول كله ، وينكر كل قوة غير منظورة لا لشيء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا ! وبذلك يصغر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ، قيمة كذلك ، ويحده بحدود (( المعلوم )) وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل .. جدا ضئيل !..

إن حياة الإنسان على هذه الأرض . سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى ، كلما شب عن الطوق وخطا خطوة إلى الأمام في طريقه الطويل !.

إن قدرة الإنسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون التي كانت مجهولة له منذ لحظة وكانت فوق إدراكه في وقت ما .. لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركها بعد لأنه لا يزال في دور التجريب !.

إن احترام العقل البشري ذاته لخليق بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا لا لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ، ولكن لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها ولكي نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض . وإن هذا لخليق بأن يفتح للروح الإنسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا وهي بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد ؛ وأننا لا نزال بعد نعيش !.




خواطر الأستاذه أمينة رحمها الله الى أخيها الشهيد سيد قطب رحمه الله في ذكرى استشهاده


***

اليك اخي هذه الخاطرات تجول بنفسي مع الذكريات

فاهمس والليل يحي الشجون ويوقظ كل هموم الحياة

ويوقد جمرا علاه الرماد ويبعث ما عز من امنيات

***

فاهتف يا ليتنا نلتقي كما كان بالامس قبل الافول

لاحكي اليك شجوني وهمي فكم من تباريح هم ثقيل

ولكنها امنيات الحنين فما عاد من عاد بعد الرحيل


***
اخي انه لحديث يطول وفيه الاسى وعميق الشجون

رايت تبدل خط الحداة بمانالهم من عناء السنين

فمالوا الى هدنة المستكين ومدوا الجسور مع المجرمين


***

رأواان ذلك عين الصواب وما دونه عقبات الطريق

بتلك المشورة مال السفين تأرجح في سيره كالغريق

وفي لجة اليم تيه يطول وظلمة ليل طويل عميق

***

حزنت لما قد اصاب المسير وما يملك القلب غير الدعاء

بان ينقذ الله تلك السفين ويحمي ربانها من بلاء

وان يحذروا من ضلال المسير ومما يدبر طي الخفاء

***

ترى هل يعودون ام انهم يظنون ذلك خط النجاح؟

وفي وهمهم أن مد الجسور سيمضي يامالهم للفلاح

وينسون ان طريق الكفاح به الصدق والفوز رغم الجراح

***

ولكنني رغم هذي الهموم ورغم التأرجح وسط العباب

ورغم الطغاة وما يمكرون وما عندهم من صنوف العذاب

فان المعالم تبدي الطريق وتكشف ما حوله من ضباب

***

والمح أضواء فجر جديد يزلزل اركان جمع الضلال

وتوقظ أضواؤه النائمين وتنقذ ارواحهم من كلال

وتورق أغصان نبت جديد يعم البطاح ندي الظلال

***
فنم هانئا يا شقيقي الحبيب فلن يملك الظلم وقف المسير

فرغم العناء سيمضي الجميع بدرب الكفاح الطويل العسير

فعزم الاباة يزيح الطغاة بعون الاله العلي القدير


فرحم الله الأستاذة أمينة قطب وجمعنا الله وأياها في جنان الخلد فهي والله مثال الزوجة الصالحة والأخت الرحيمة والوفية , اللهم أمين اللهم أمين اللهم أمين

وأخيرا لا تنسونا من صالح دعائكم , بالرحمة والمغفرة , وحسن الخاتمة والثبات على هذا الدين حتى الممات , وكذالك بالزوجة الصالحة :)

أخيكم الصغير والفقير الى عفو ربه سعيد باجابر

تحياتي للجميع

يمامة
22/09/2009, 12:28 AM
الأخ الكريم سعيد

قصة مؤثرة لقصيدة رائعة

بارك الله فيك على هذا النقل القيم ، الذي يكشف لنا وفاء ما بعده وفاء

في هذا العالم الغادر ، أين نحن الأن من امثال هذه المرآة المجاهدة الوفية ؟

تقبل الشكر كله .

نسرين حمدان
22/09/2009, 12:35 AM
بارك الله فيك أخي الفاضل

http://www.wata.cc/forums/imgcache/11776.imgcache.gif سعيد باجابر http://www.wata.cc/forums/imgcache/11776.imgcache.gif

على هذا الطرح المميز القيم

بإذن الله موعدنا الجنة

دمتَ بكل الخير


http://www.wata.cc/forums/imgcache/11778.imgcache.gif

لها نغم وللنغم ارتيــــــــاح .. وقلب لا تفتّته الرمـــــاح

وجرح نازف كالنهر يجري .. تغنّت في ملاحته الجراح

يد البتار ألقت سيف حق .. يهيم بحُبه الصرح المباح

وأنغام البطولة تحتـــويه .. ويُطربه إذا كــرّ الجمــــاح

لها نغم أحال الجمر برداً .. تغنّيه البطـــــولة والكفــاح

هي النفس الأبيّة كم تراءت .. على أطراف سؤددنا البطاح

هي النفس الكريمة يحتويها ..نداء الحق والعبق الصُّراح

أقيمي يا شجاعة في فؤادي .. فقد طربت ببسمتك القداح

أقمتي العز في عين البرايا .. وأيقظتِ العزيمة فاستراحوا

أيا نفسي ونفس الحُر تأبى .. خنوعاً خنوعاً مالنا عزم يُزاح

أبيٌّ والسهام الحُمر حولي .. وقلبــــــــي لا يحرِّكه النـــواح

فأضرب والأسى حولي فأقسو .. وأرحـــــــم إذ تعانقني جراح

حياة الحُر في الدنيا جهــــــاد .. ففيه النور يبــــدو والفــــــلاح

سعيد باجابر
22/09/2009, 08:52 PM
الأخ الكريم سعيد
قصة مؤثرة لقصيدة رائعة
بارك الله فيك على هذا النقل القيم ، الذي يكشف لنا وفاء ما بعده وفاء
في هذا العالم الغادر ، أين نحن الأن من امثال هذه المرآة المجاهدة الوفية ؟
تقبل الشكر كله .

الأخت الفاضلة
يمامة
سرني مرورك كثيرا , فعلا هذه نماذج نادرة جدا في زمن مليئ بالغدر وعدم الوفاء , عدم الوفاء لهاذا الدين العظيم , والغدر بأهله , والسبب في ذالك في نظري أن أمتنا الأسلامية تعاني أزمة كبيرة جدا في القدوات فأصبح القدوة عند كثير من شباب الأسلام للأسف... مطربة فاجرة ..أوممثل ماجن ... , وتركو هذه النماذج الشامخة التي هي أحق أن يقتدى بها , والسبب الأخر هو أعلامنا المأجور الذي شوه صور هؤلاء الجبال وأمثالهم عند كثير من شباب المسلمين ووصفهم بأبشع الوصوف الكاذبة التي ليس لها أي أساس من الصحة , وفي المقابل لمع صور أهل الفسق والمجون وجعلهم أبطال الزمان ولا حول ولا قوة الا بالله , ولا نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل .
تحياتي

سعيد باجابر
22/09/2009, 09:32 PM
بارك الله فيك أخي الفاضل
http://www.wata.cc/forums/imgcache/11776.imgcache.gif سعيد باجابر http://www.wata.cc/forums/imgcache/11776.imgcache.gif
على هذا الطرح المميز القيم
بإذن الله موعدنا الجنة
دمتَ بكل الخير
http://www.wata.cc/forums/imgcache/11778.imgcache.gif
لها نغم وللنغم ارتيــــــــاح .. وقلب لا تفتّته الرمـــــاح
وجرح نازف كالنهر يجري .. تغنّت في ملاحته الجراح
يد البتار ألقت سيف حق .. يهيم بحُبه الصرح المباح
وأنغام البطولة تحتـــويه .. ويُطربه إذا كــرّ الجمــــاح
لها نغم أحال الجمر برداً .. تغنّيه البطـــــولة والكفــاح
هي النفس الأبيّة كم تراءت .. على أطراف سؤددنا البطاح
هي النفس الكريمة يحتويها ..نداء الحق والعبق الصُّراح
أقيمي يا شجاعة في فؤادي .. فقد طربت ببسمتك القداح
أقمتي العز في عين البرايا .. وأيقظتِ العزيمة فاستراحوا
أيا نفسي ونفس الحُر تأبى .. خنوعاً خنوعاً مالنا عزم يُزاح
أبيٌّ والسهام الحُمر حولي .. وقلبــــــــي لا يحرِّكه النـــواح
فأضرب والأسى حولي فأقسو .. وأرحـــــــم إذ تعانقني جراح
حياة الحُر في الدنيا جهــــــاد .. ففيه النور يبــــدو والفــــــلاح


الأخت الكريمة
نسرين حمدان
أسعدني مرورك كثيرا يا أيتها الكريمة يا أبنة فلسطين جرحنا وجرح كل مسلم , وجمعنا الله واياك في جنانه العالية , أشكرك على هذه القصيدة الجميلة جدا , فعلا ليس لنا حياة الا بالجهاد في سبيل الله , ولن ينقشع هذا الظلام الا بالجهاد في سبيل الله ولن تسترد مقدساتنا الا بالجهاد في سبيل الله , قال الله عز و جل : (يا أيها الذين آمنوا استجيبو لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم .. ) الأنفال24 وقد ذكر الصحابة والمفسرين أن الحياة المقصودة في هذه الأية الكريمة هي الجهاد في سبيل الله لأنه عندما يبذل الشهداء أنفسهم في سبيل الله فإنهم بذلك ينقذون خلفهم حياة مئات الألوف من المسلمين , أسئل الله أن يستعملنا في سبيله ولا يستبدلنا بقوم أخرين , اللهم أمين اللهم أمين

أهدي لك هذا الرابط
http://www.epda3.net/iv/clip-1218.html
تحياتي