المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المسرحية الأمازيغية " أنّان إينّي ن- زمان" لعمرو خلوقي



الدكتور جميل حمداوي
29/01/2007, 10:26 AM
المسرحية الأمازيغية " أنّان إينّي ن- زمان" لعمرو خلوقي

الدكتور جميل حمداوي

شهدت قاعة النيابة للتربية والتعليم بمدينة الناظورفي المغرب الأقصى يوم الجمعة 26 يناير 2007م عرض مسرحية أمازيغية باللغة الريفية قدمها نادي مسرح الشباب بأزغنغان تحت عنوان"أنّان إينّي ن- زمان/ قال الحكماء من أجدادنا" ، وذلك في التظاهرة الثقافية التي نشطّتها نيابة كتابة الدولة المكلفة بالشباب بالناظور ضمن الإقصائيات الإقليمية لمسرح الشباب لسنة 2007م تحت شعار"مسرح الشباب فضاء للإبداع والحوار".
من الملاحظ أن مسرحية" أنّان إينّي ن- زمان" للمؤلف والمخرج عمرو خلوقي مسرحية مركبة من ثلاثة فصول أو ثلاث لوحات مشهدية سينوغرافية متراكبة تنتهي بفواصل تغلق فيها الستارة التي تشكل الجدار الرابع الوهمي الفاصل بين الممثل والجمهور. وقد كتبت هذه المسرحية بلغة أصيلة ومعتقة بالتليد من الألفاظ المعجمية التي تنتمي إلى أمازيغية الريف . كما أنها مسرحية تاريخية واجتماعية تستعين بالفلكلور الشعبي والرقص والغناء. وتستغرق مدة العرض مع فجوات الفراغ والاستراحة لتغيير الديكور ساعة واحدة تقريبا.
ويعتمد عمرو خلوقي في هذه المسرحية على أقوال الحكماء من أجدادنا الأمازيغيين الذين كانوا يحرصون على القيم الإنسانية النبيلة كالحوار والتعايش والتفاهم والتعارف الحضاري والتمسك بالهوية الأمازيغية والتشبث بالأرض وعدم التفريط في اللغة الأمازيغية والتمسك بحضارتنا الريفية وعدم الازدراء بها كما يدل على ذلك الديكور والإكسسوارات التي توحي بالأصالة الأمازيغية والفعل الثقافي والإرث الحضاري الذي يشكل الوعي الأمازيغي. وتستند المسرحية إلى الذاكرة المسترسلة و ثنائيات: الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة والمثال والواقع.
ويظهر من خلال مضمون العرض أن النص المسرحي تحريضي لأنه يدعو إلى الدفاع عن الأمازيغية باعتبارها لغة الهوية وكتابة الكينونة ومعايشة الواقع. كما ينطلق الكاتب من رؤية إنسانية كونية منفتحة يذوب فيها الإنساني داخل المحلي والوطني. وينتقد بجرأة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد وخاصة الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي والهجرة. كما ينتقد المسؤولين عن المدينة من رجال السلطة والبرلمانيين وممثلي الجماعات المحلية على تقاعسهم ولامبالاتهم و تفريطهم في المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه المدينة وسكانها .
ويستحضر عمرو خلوقي لوحة يطغى عليها البكاء الساخر أو البكاء التراجيدي الضاحك حينما يستعرض حياة الفلاح والراعي الأمازيغي في صراعه مع الطبيعة والواقع والفقر مصورا عجزه عن الزواج وتحمل مسؤولية الأسرة، لكن المرأة على الرغم من ذلك تكن له كل العشق والمحبة مادام يحب أرضه ويتشبث بكينونته الحضارية وهويته الأمازيغية. وتتحول المرأة هنا إلى الأرض والوطن، كما يتحول النسر في العرض إلى أرض الصمود والشهامة والقوة والاستبسال كما تجسده المقاومة الريفية من الناحية التاريخية.
ويدافع عمرو خلوقي عن الفنان الريفي" أمذياز" الذي كانت له سمعة سيئة داخل المجتمع الأمازيغي بمنطقة الريف من خلال تمثل أغانيه بطريقة كوريغرافية تشيه رقصة أحيدوس الأطلسية. ويدافع المؤلف أيضا عن الحرية " تيرلي" والحلم الأمازيغي من أجل تثبيت اللغة الأمازيغية والحفاظ على الهوية والكينونة الريفية من خلال ممارسة طقوسها الأنطروبولوجية والثقافية والطبيعية. لذلك يحضر خطاب الموت وخطاب الحضرة الصوفية في المسرحية ليعلن الكاتب/ المخرج بأن الأمازيغيين قد فرطوا كثيرا في هويتهم الحضارية واللغوية من خلال فعل القتل والذبح والنبذ.
هذا، ولقد انتقد عمرو خلوقي الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي الناتجين عن التوزيع السيئ لثروات البلاد. كما ندد بالقيم المنحطة التي تنخر المجتمع الأمازيغي كالحسد والحقد والكراهية والاستلاب والتقليد الأعمى والانسياق وراء بريق الحضارة الغربية بدون وعي ولا تفكير. و يثور على الكاتب على المنظومة التربوية التي لاتولد إلا البطالة وتسكع الأجيال وأطفال البراءة في الشوارع والأزقة بدون مستقبل آمن ولا غد معسول.
ومن ثم، يمكن القول بأن مسرحية عمرو خلوقي مسرحية رمزية تتحول فيها الدوال الأيقونية وعلامات الديكور و العناصر السينوغرافية بكل مكوناتها البصرية والضوئية إلى رموز إحالية تشير إلى الهوية الأمازيغية وحضارة الريف الأمازيغي المغربي.
ومن حيث البناء الفني، فالمسرحية مركبة بطريقة كلاسيكية من خلال الجمع بين مجموعة من اللوحات المشهدية المتفاوتة في الطول، كما تحضر العلبة الإيطالية لتستلب منا الفرجة الأصيلة وتعلبها في قوانين المسرح الأرسطي بوحداته الثلاث( وحدة الحدث، ووحدة الزمن، ووحدة المكان). وعلى الرغم من وجود بعض الأطفال الذين يشاركون في أداء أدوار اجتماعية وتاريخية داخل نسق العرض، فإن المخرج يتكئ على المسرح المنودرامي أو المسرح الفردي ؛ لأن الأطفال مجرد كومبارس أو شخصيات عرضية دورها بسيط جدا وحصتها من الحوار ضئيل و خطابها اللفظي والحركي مفكك إلى حد كبير. كما أن هؤلاء الأطفال لم يتلقوا تدريبات كافية على مستوى التمسرح، ولم يعرفهم المخرج كيف ينتقلون فوق خشبة الركح، وكيف يتحاورون تشخيصا وتوترا، ولم يشغلهم كذلك كوريغرافيا، ولم يلقنهم أبجدية المسرح ،بل علمهمهم بسرعة بعض الحركات، وزودهم ببعض الحوارات المختصرة المبتسرة غير الواضحة لكي يؤدوها بشكل آلي وغير منسجم.
وعليه، يستعمل عمرو خلوقي في عرضه المسرحي تقنية الراوي اليوناني Le Choeur كما في تراجيديات سوفكلوس وخاصة مسرحيته " أوديب"، وجان أنويل Jean Anouilh في مسرحيته "أنتيغون/Antigone. ولكن سرعان ما يتحول الراوي إلى ممثل في أدوار شتى كزوج وخطيب وصوفي وحكيم. أي تتعدد أدوار الشخصية الرئيسية كما في المسرح الفردي، ولكن لم يشغل عمرو خلوقي هذه الشخصية تشغيلا كافيا على مستوى التمسرح السينوغرافي والتواصل الحركي في كل أبعادهما الرمزية والسيميائية والشاعرية والدرامية والتناصية كما عند عبد الحق الزروالي في كثير من عروضه المنودرامية، بل بقيت المسرحية ثابتة على مستوى التمسرح الدرامي، إذ نلاحظ ضعفا في الصوت، وضعفا في التواصل مع الجمهور على مستوى التلفظ اللساني، وهذا الضعف نجده كذلك عند الأطفال الصغار وخاصة لدى الطفلة التي لم توفق تماما في إيصال صوتها إلى الجمهور المتفرج. ويعني هذا أن عمرو خلوقي لم يمرن حنجرته وحناجر الأطفال جيدا.
وقد أحسن المخرج لما وظف تقنية المخرج الألماني برترولد بريخت أثناء تكسير الجدار الرابع وإشراك الجمهور في التفاعل والتواصل من خلال التصفيقات المتكررة والضحكات المسترسلة المتتالية. ولكن هذا التواصل اللفظي وغير اللفظي لم يكن كافيا ولا مقنعا بسبب عدم إتقان الأطفال لأدوارهم كما يجب. فالتصنع والتسرع ظاهران بشكل جلي على مسار العرض المسرحي، وهذا هو العيب الكبير الذي أثر على عرضه المسرحي سلبا ونقصا. أما النص فكان جيدا وممتازا لأنه نص واقعي وحضاري شامل، ويدعو إلى القيم الإنسانية والكونية النبيلة. لذلك تتفوق هذه المسرحية على باقي العروض المنافسة بجودة النص، لكن العرض كان ضعيفا سينوغرافيا وإخراجا تنقصه الجودة والصقل والانسجام والاتساق وضعف تأهيل الممثلين الصغار.
و موسيقيا، نلاحظ في كثير من الأحيان عدم الانسجام بين الموسيقا والأحداث الدرامية وحركات الممثلين، وبقيت الأدوات الموسيقية شبه صامتة لاتؤدي دورها الحقيقي ، وذلك عندما التجأ المخرج إلى تقنية الصوت الاسترجاعي الخلفي Play back ، كما تنقصه الكفاءة الغنائية والضرب على الأدوات الموسيقية. ويلاحظ أيضا أن هناك تنافرا واضحا بين العود على مستوى الصدى الخلفي والهجهوج الذي يستعمله المؤلف/الممثل توهيما وخداعا على المستوى الفني. كما أن هناك فراغا يلاحظ على مستوى تشغيل مساحات الضوء والمؤثرات الصوتية وعدم استثمار الكوريغرافيا بشكل جيد، وبالتالي، يغيب الجسد والتواصل الفضائي فوق خشبة الركح. وعلى الرغم من توظيف الماكياج، فإنه لا يعبر وظيفيا عن قسمات وملامح الممثل في علاقته بالدور الذي يؤديه فوق الخشبة. ويعني هذا أن المخرج عمرو خلوقي لم يستثمر بشكل جيد مجموعة من المكونات والأدوات السينوغرافية، وظلت مغيبة مما أثرت سلبا على العرض سينوغرافيا.
وخلاصة القول، فعلى الرغم من هذه الهفوات السينوغرافية والإخراجية التي قللت من قيمة العرض المسرحي، فإن المخرج عمرو خلوقي له مستقبل كبير في مجال التأليف والإخراج، ولكن عليه بالدراسة الدرامية نظريا وتطبيقيا، سماعا ورؤية. وعليه أيضا أن يطلع على كتب المسرح ومعرفة أحدث النظريات في فن التمسرح والإخراج، و ضرورة التواصل مع زملائه المخرجين سواء أكانوا مغاربة أم عربا أم أجانب. وأنصحه كذلك بالانفتاح على تجارب الآخرين لمعرفة ماعندهم وماعنده من خلال المقارنة والمقايسة الإبداعية لتفادي كل النواقص والعيوب المشينة التي قد تؤثر سلبا على مسرحياته في المستقبل. وأقول لعمرو خلوقي بأن له أيضا غدا زاهرا في التأليف المسرحي بأمازيغية الريف ؛ لأن نصوصه التي كتبها شاهدة على قدراته الفنية الهائلة وخياله الإبداعي الخصب. ونتمنى له النجاح والتوفيق في مساره الدراسي والبحث الدرامي، وسننتظر منه إن شاء الله أعمالا درامية أخرى ترضي السمع والبصر و حدس الجمهور الأمازيغي المحترم الذي يحب المسرح ورجال المسرح. وأريد بكل صدق وغيرة أن تكون مدينة الناظور العزيزة بفعل هذه التظاهرات الثقافية واللقاءات الإبداعية والفنية فضاء للتلاقح الفكري والتفاعل الحضاري ومركزا إشعاعيا للآداب والفنون الجميلة، بعد أن عانت المدينة من آثار مرحلة الجفاف الثقافي وعايشت بكل مرارة سنوات التهميش والإقصاء والنبذ واللامبالاة.


ملاحظة:
جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون، الناظور62002، المغرب؛

البريد الرقمي:

jamilhamdaoui@yahoo.fr

الموقع الشخصي:

www.jamilhamdaoui.com