المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإقصائيات الإقليمية لمسرح الشباب بالناظور لسنة 2007م



الدكتور جميل حمداوي
29/01/2007, 10:31 AM
الإقصائيات الإقليمية لمسرح الشباب بالناظور لسنة 2007م
الدكتور جميل حمداوي
استهلال لابد منه:

شهدت قاعة النيابة للتربية والتعليم بمدينة الناظورفي المغرب الأقصى يومي الخميس و الجمعة 25 و26 يناير 2007م تقديم مجموعة من المسرحيات قصد تقويمها من أجل اختيار أحسن عرض للمشاركة به جهويا ثم وطنيا ضمن المهرجان الوطني الرابع لمسرح الشباب الذي تسهر عليه كتابة الدولة المكلفة بالشباب في وزيرها المحترم السيد أمحمد الكحص. وقد عرضت أربعة أعمال درامية بمستويات لغوية مختلفة تجمع بين أمازيغية الريف والعربية الفصحى والعامية. وقد تحولت مدينة الناظور إلى عرس ثقافي بسبب الأنشطة التي قامت بها نيابة كتابة الدولة المكلفة بالشباب بالناظور ضمن الإقصائيات الإقليمية لمسرح الشباب لسنة 2007م تحت شعار"مسرح الشباب فضاء للإبداع والحوار".
وكانت لجنة التحكيم تتكون من ثلاثة أطر فاعلة في محال المسرح منها: الدكتور جميل حمداوي ناقدا ، والأستاذ فخر الدين العمراني مخرجا ، ومصطفى بنعلال ممثلا. وقد تولى الدكتور جميل حمداوي التنسيق بين كل الأعضاء وكتابة التقرير التقويمي التالي الذي يوضح إيجابيات وسلببيات كل عرض مسرحي على حدة. وإليكم العروض المسرحية حسب مراتبها مع العلم أن مسرحية" الكواليس "هي التي فازت برضى لجنة التحكيم وتتبعها مسرحية"ثشومعت"/ الشمعة"، فمسرحية" أنان إيني ن- زمان/ قال الحكماء"، ثم مسرحية "أحلام فنان" في المرتبة الأخيرة.

1- مسرحية الكواليس للمخرج محمد فرينع: مسرح داخل المسرح:

تستند مسرحية" الكواليس" التي ألفها وأخرجها نور الدين فرينع إلى نظرية المسرح داخل المسرح ؛ لأن المخرج يحاول أن يمثل الواقع دراميا عبر تشخيص ما يجري في العالم من صراعات وتطاحنات ، وما يتركه الإرهاب العالمي من خراب ودمار وقتل للأبرياء والأرواح الآدمية ، وما تسفكه إسرائيل والدول المتغطرسة من دماء الأطفال بدون سند شرعي أو ضمير إنساني رادع.
وتنطلق المسرحية بتصوير شخصيتين دراميتين تستعدان للتدريب والتمرين قصد التأكد من استيعابهما للتعاليم المفروضة عليهما من قبل المخرج. وانتظارا لقدومه، سيقرر الممثلان المحنكان أداء بعض المشاهد المسرحية وتمثيل بعض الأحداث الواقعية فنا وتمسرحا فوق خشبة الركح. وكلما مثلا مشهدا عادا إلى الواقع من جديد لممارسة النقد الذاتي وتصحيح بعض الأخطاء التي قد يقع فيها التقنيون ومهندسو الصوت والإضاءة. و تقوم الفصحى والعامية بتحديد الفواصل المقطعية التي تسيج عالم الواقع وعالم الفن.
وأثناء اللعب المسرحي تتناقض الشخصيتان على مستوى القيم والأخلاق والأفعال، إذ كل واحدة تريد التخلص من الأخرى بعد هروبهما من الواقع لما اقترفتا من أخطاء وشرور في حق البشرية والإنسانية. وتنتهي المسرحية بالموت التراجيدي تطهيرا من الآثام والخطيئة.
وتذكرنا هذه المسرحية بمسرحية الكاتب الإيطالي لويجي بيراندللو"ست شخصيات تبحث عن مؤلف" ، بينما هذا العرض نجد فيه شخصيتين تبحثان عن مخرج، ومن خلال هذا المنظور يتداخل الواقع مع الفن، والموضوع مع الخيال. ويعني هذا أن المسرحية تحول الأحداث الواقعية إلى مشاهد تمثيلية والمشاهد المسرحية تبدو أحداثا واقعية. ومن هنا نلاحظ أيضا عملية التوازي في تفكيك العرض إلى بنيتين متماثلتين: بنية الواقع الذي يثور فيه الفنان على المخرج لما يعانيه من استغلال واستلاب واستعباد وتنفيذ فقط ما يقره المخرج ويستوجبه، وبنية الواقع الدموي الذي يتصارع فيه البشر على أتفه الأسباب ، لذلك تكثر فيه الحروب والإحن والأحقاد.
وتهدف المسرحية إلى تجاوز نظرية التطهير الأرسطية نحو نظرية بريخت الداعية إلى التغريب وتعرية لعبة المسرح وفضح زيف الأدوار المتقمصة . أي إن الممثل يكشف للجمهور أسرار اللعبة ويرفض الاندماج مع دوره ويفضح كل ما يتعلق بفعل التمثيل. وهنا يحضر بريخت الذي يرفض فكرة الاندماج ويدعو إلى إبعاد الممثل عن دوره الذي يؤديه وعدم الانصهار فيه تقمصا ومعايشة. كما يقوم العرض المسرحي على تكسير الجدار الرابع، وتحقيق الانسجام المتكامل والمتراكب فنيا، وتوظيف السينوغرافيا بطريقة رائعة تعتمد على التفكيك والمونتاج والتآلف بين الأضواء والموسيقا واستغلال الجسد أحسن استغلال إستيتيقي.
وقد نجح المخرج نور الدين فرينع في تحقيق الانسجام اللفظي مع العلامات الكوريغرافية والعلامات البصرية والسيميائية غير اللفظية. والمقصود بكل هذا أن الممثلين كانا يتحدثان بلغة الجسد والوجه وتعابير الأعضاء وملامح العينين وقسمات الجبين. أما الديكور فقد كان غنيا بمكوناته الفضائية وإكسسواراته المعبرة. إلا أن الأشجار الموجودة فوق الركح والتي تشكل الديكور الخلفي للمسرحية لا تعبر عن فضاء الصحراء إطلاقا ولو كان ذلك تخييلا و فنا لعبيا. فلابد من التصريح والبوح للجمهور بأن الأشجار ليست هي أشجار نخيل، وأنها- بالتالي- لا تعبر عن الصحراء الحقيقية. كما أن الصور المنعكسة على شاشة الجدارية ضعيفة من الناحية التقنية وغير وظيفية ، لأن صور الأطفال غير واضحة بدقة. كما كان من المفروض أن يستبدل الصدى الصوتي بصوت إنساني للتعبير أكثر عن قسوة الإنسان المتغطرس؛ لأن الأصوات المسجلة آليا غير معبرة ولا مفهومة.
وعليه، إن مسرحية" الكواليس" من خلال عنوانها عبارة عن لعبة درامية و قراءة فنية للواقع البشري تقوم على نظرية المسرح داخل المسرح، وتنتقد الواقع الإنساني بشروره وآلامه ومآسيه. كما أنها عمل درامي متكامل من جميع الجوانب الإخراجية والتقنية والنصية والتمثيلية علاوة على كونه عرضا غنيا بالإشارات السيميائية الموحية والرمزية. ولا ننسى أن نقول بأنه عرض درامي منسجم ومتسق في لوحاته ومشاهده وأدوراه وعلاماته الإيقاعية والفضائية يقوم على التوازي المسرحي والتقاطع السينوغرافي. وتوحي المسرحية كذلك باحترافية ممثليها وقدرتهما الهائلة على تطويع الخشبة لصالح الدلالة والمقصدية واستثمار التواصل الحركي أحسن استثمار.

2- مسرحية " ثشومعت/ الشمعة"

تنطلق مسرحية" تشومعت" من تيمة اليتم الاجتماعي والثقافي والحضاري ورصد معاناة الإنسان في مواجهته للتهميش والإقصاء واللامبالاة. لقد أصبح العالم في المسرحية عالم الأشباح السوداء ، وصارأيضاعالما بدون ضمير إنساني حسّاس. إنه عالم بدون قلب ولا إنسانية، تكنفه الشرور والأحقاد والحروب كما تطبعه القسوة والعنف، ويسمه الرعب والخوف والاغتراب الذاتي والمكاني واللاعقل. بيد أنه يتوق إلى الخير والحرية والسلام والأخوة والوحدة البشرية. وتقطر المسرحية كذلك بالتراجيديا والتجريد العدمي وعبثية الإنسان. ويتحول الإنسان إلى كائن سيزيفي في شكل شمعة تحترق في عذاباتها وصراعاتها المستمرة من أجل إثبات الوجود . وتتعدد الخطابات التناصية في المسرحية فننتقل من أجواء مادية إلى أجواء روحية صوفية، ومن الأصالة إلى المعاصرة، ومن حضارة الغرب إلى حضارة الشرق، ومن اللوغوس إلى الميتوس، وبهذا تتشكل نسقية التواصل وحوار الحضارات في إطار ثنائية المحبة والسلام.
وتحيل المسرحية على ما يعانيه الإنسان من عبثية قاتلة وسأم وجودي واغتراب قاس في هذا الوجود السديمي الذي لا يعرف الاستقرار ولا أمان. إنه عالم التناقضات والثنائيات المتصارعة: الظلمة والنور، والكراهية والمحبة ، والمادة والروح ، والحرب والسلام...
ويستند النص كذلك إلى نظرية المسرح اللامعقول أو مايسمى بالمسرح التجريدي في طرح الرؤية المأساوية التي تطبع العالم الإنساني وتفتته إلى كتل جامدة لامعنى لها. هذا هو الذي جعل النص غير واضح يتسم بالغموض الدلالي من الصعب استجماع دلالاته وتكثيف مضامينه. كما ألبس الزي الأسود والجدارية السوداء مضامين العرض شحنة درامية مأساوية تنم عن مدى قسوة العالم الذي تحول إلى قوة مادية قاهرة.
وعليه، فهذا العرض المسرحي الذي ألفه وأخرجه عبد الواحد الزوكي ينتمي إلى المسرح المفتوح المليء بمجموعة من النظريات المسرحية الدسمة التي تحيلنا على المسرح الشرقي الروحي والسحري الذي كان يدعو إليه كل من بريخت وأنطوان أرطو وگوردون گريگ و أوجينيو باربا قصد تمثله سينوغرافيا كمسرح بديل للمسرح الأرسطي الغربي كما يتجسد في مسرح النو والكابوكي ومسرح التوبنگTopeng والمسرح الهندي الكاطاكالي Kathakali . ويظهر ذلك التمثل واضحا في هذه المسرحية من خلال استعمال قناع التنين الصيني والحضرة العرفانية الإسلامية وروحانيات الشرق العربي (الخطاب الديني والصوفي). وقد تأثر المخرج أيما تأثر بمسرح القسوة ومسرح اللامعقول الذي يمثله كل من ألفريد جاري وصمويل بكيت وأداموف ويونسكو وأرابال. ولا يقوم المسرح " عند هؤلاء – حسب الدكتورة نهاد صليحة في كتابها" المدارس المسرحية المعاصرة"، ص: 120- على مناقشة أو عرض الأفكار والقضايا الجادة وإنما يهدف أساسا إلى تفريغ جميع الأفكار والقضايا من جديتها وإظهار عبثيتها عن طريق تغيير شكل العرض المسرحي تغييرا جذريا بحيث يصبح لوحة تتسم في آن واحد بالعبثية والهزلية".
إذاً، يتكئ المخرج عبد الواحد الزوكي على المسرح الرمزي والمسرح الشرقي مع الاستفادة من المسرح الغربي من خلال نظرية المسرح الأسود ومسرح اللامعقول والاعتماد على المسرح الفقير كما عند گروتوفسكي عبر استثمار الإمكانيات الصوتية والحركية عند الممثلين،وهذا ما فعله المخرج مع أعضاء فرقته.
ولقد استعان المخرج على مستوى الإكسسوارات بالقنديل والشمعة وقناع التنين الذي يتحول إلى كرسي علاوة على الصناديق السحرية والجدارية السوداء التي توحي بالظلمة والخوف والحزن وقسوة العالم الإنساني. وقد استعمل كذلك تقنية المسرح الشامل من خلال توظيف الجسد حركيا وتقنية إمذيازن الريفية لتشكيل رؤية احتفالية طقوسية وأنتروبولوجية فطرية.
هذا، وقد تبنى المخرج لغة أمازيغية متوترة دراميا، كما شغّل حوارا مفككا يوحي بالغرابة واللامعقول و تشتت الأفكار التي تعبر عن غرابة الواقع وعبثيته الوجودية. كما يتسم الحوار بالسخرية والتهكم والمفارقة واللعبية، والانجذاب نحو الخطابات الرمزية والسحرية كالخطاب الروحاني والصوفي والخطاب الموسيقي. أما من حيث البناء الدرامي، فقد بدأت المسرحية ببرولوگ Prologue تجريدي أسود طويل نسبيا يتسم بالملل والرتابة؛ كما أنه غير وظيفي في إيقاعه البطيء جدا، وبعد ذلك يسود الصمت المطبق لينتقل العرض إلى الحوار Dialogue الذي يجسد لوحات متداخلة ومركبة تقطعا وتفككا يصعب استيعابه وفهمه بكل دقة. وتنتهي المسرحية بما بدأت به من صراخ اليتم والارتباط بالفضاء الأمومي. ومن ثم، تتحول المسرحية إلى شبكة من الدوال الرمزية والعلامات السيميائية المعقدة من البداية حتى النهاية Epilogue.
ولقد توفق عبد الواحد الزوكي في عمليته الإخراجية والسينوغرافية من خلال التوفيق بين الأدوار اللسانية والأدوار الحركية الجسدية، وتدريب الممثلين تدريبا حسنا طبقا لتعليمات ستانسلافسكي. كما أظهر الممثلون قدرات هائلة في التمثيل فوق خشبة المسرح من خلال التنقلات الركحية واستعمال الجسد الرياضي والحركات الطقوسية والأداء الغنائي والموسيقي مع الاستعانة بالتقنيات الخلفية Play back . ويقوم الزي الأسود بتشخيص الكتل الدرامية وتفجير مشاعر الحزن والتوتر الدرامي ، ومن هؤلاء الممثلين البارعين الذين جسدوا الأدوارالركحية خير تجسيد نذكر: محمد التاعدو وعزيز إفلت وجبران الملوكي ومحمد لقويري ..
أما على مستوى الديكور، فقد كان وظيفيا وموحيا سيميائيا ويتسم بالحيوية والحركية ، إذ ينتقل الديكور مماهو بشري ليتحول إلى ماهو شيئي مادي. ومن هنا ، تعج الساحة الركحية بالدينامية التفاعلية والحركية التواصلية.
وإذا كانت الملابس السوداء تحيل على المسرح الأسود بقسوته وحزنه التراجيدي، فإن الملامح لم تظهر بشكل واضح، ولم يستغل المكياج استغلالا جيدا لتشخيص الوجوه المتحركة فوق الخشبة بكل رمزيتها وأبعادها الدلالية المتقمصة.
ويلاحظ أن هناك ضعفا في استعمال المؤثرات الصوتية والتقنية نظرا لقلة الإمكانيات المادية والمالية وضعف في التكوين المسرحي والتقني خاصة أن مدينة الناظور تفتقر إلى المعاهد الثقافية والدرامية وقاعات التمثيل.
وأخيرا، فعلى الرغم من بعض الهنات الإخراجية والتقنية والصوتية،وتفكك النص دلاليا ، وكثرة الصمت الرتيب، والتصنع في توظيف التقنيات والنظريات المسرحية بشكل تعسفي أحيانا، وغموض الرسالة وعدم وضوح المضامين أحيانا أخرى، فإن مسرحية"ثشومعت" مسرحية ناجحة بممثليها الشباب الذين أظهروا كفاءة عالية في مجال التمسرح الدرامي ، وهي ناحجة أيضا بسبب غناها الثري بالنظريات الإخراجية والتقنيات الجديدة أكثر من العروض التي تقدمت بها الفرق المسرحية المنافسة. ويمكن القول بأن العرض كان نصا مسرحيا شاملا وتمسرحا تجريبيا رائعا وفنا جامعا لكل النظريات والتصورات المعروفة في مجال فن المسرح شرقا وغربا.

3- المسرحية الأمازيغية " أنّان إينّي ن- زمان" لعمرو خلوقي


من الملاحظ أن مسرحية" أنّان إينّي ن- زمان" للمؤلف والمخرج عمرو خلوقي مسرحية مركبة من ثلاثة فصول أو ثلاث لوحات مشهدية سينوغرافية متراكبة تنتهي بفواصل تغلق فيها الستارة التي تشكل الجدار الرابع الوهمي الفاصل بين الممثل والجمهور. وقد كتبت هذه المسرحية بلغة أصيلة ومعتقة بالتليد من الألفاظ المعجمية التي تنتمي إلى أمازيغية الريف . كما أنها مسرحية تاريخية واجتماعية تستعين بالفلكلور الشعبي والرقص والغناء. وتستغرق مدة العرض مع فجوات الفراغ والاستراحة لتغيير الديكور ساعة واحدة تقريبا.
ويعتمد عمرو خلوقي في هذه المسرحية على أقوال الحكماء من أجدادنا الأمازيغيين الذين كانوا يحرصون على القيم الإنسانية النبيلة كالحوار والتعايش والتفاهم والتعارف الحضاري والتمسك بالهوية الأمازيغية والتشبث بالأرض وعدم التفريط في اللغة الأمازيغية والتمسك بحضارتنا الريفية وعدم الازدراء بها كما يدل على ذلك الديكور والإكسسوارات التي توحي بالأصالة الأمازيغية والفعل الثقافي والإرث الحضاري الذي يشكل الوعي الأمازيغي. وتستند المسرحية إلى الذاكرة المسترسلة و ثنائيات: الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة والمثال والواقع.
ويظهر من خلال مضمون العرض أن النص المسرحي تحريضي لأنه يدعو إلى الدفاع عن الأمازيغية باعتبارها لغة الهوية وكتابة الكينونة ومعايشة الواقع. كما ينطلق الكاتب من رؤية إنسانية كونية منفتحة يذوب فيها الإنساني داخل المحلي والوطني. وينتقد بجرأة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد وخاصة الفقر والبطالة والتفاوت الاجتماعي والهجرة. كما ينتقد المسؤولين عن المدينة من رجال السلطة والبرلمانيين وممثلي الجماعات المحلية على تقاعسهم ولامبالاتهم و تفريطهم في المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه المدينة وسكانها .
ويستحضر عمرو خلوقي لوحة يطغى عليها البكاء الساخر أو البكاء التراجيدي الضاحك حينما يستعرض حياة الفلاح والراعي الأمازيغي في صراعه مع الطبيعة والواقع والفقر مصورا عجزه عن الزواج وتحمل مسؤولية الأسرة، لكن المرأة على الرغم من ذلك تكن له كل العشق والمحبة مادام يحب أرضه ويتشبث بكينونته الحضارية وهويته الأمازيغية. وتتحول المرأة هنا إلى الأرض والوطن، كما يتحول النسر في العرض إلى أرض الصمود والشهامة والقوة والاستبسال كما تجسده المقاومة الريفية من الناحية التاريخية.
ويدافع عمرو خلوقي عن الفنان الريفي" أمذياز" الذي كانت له سمعة سيئة داخل المجتمع الأمازيغي بمنطقة الريف من خلال تمثل أغانيه بطريقة كوريغرافية تشيه رقصة أحيدوس الأطلسية. ويدافع المؤلف أيضا عن الحرية " تيرلي" والحلم الأمازيغي من أجل تثبيت اللغة الأمازيغية والحفاظ على الهوية والكينونة الريفية من خلال ممارسة طقوسها الأنطروبولوجية والثقافية والطبيعية. لذلك يحضر خطاب الموت وخطاب الحضرة الصوفية في المسرحية ليعلن الكاتب/ المخرج بأن الأمازيغيين قد فرطوا كثيرا في هويتهم الحضارية واللغوية من خلال فعل القتل والذبح والنبذ.
هذا، ولقد انتقد عمرو خلوقي الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي الناتجين عن التوزيع السيئ لثروات البلاد. كما ندد بالقيم المنحطة التي تنخر المجتمع الأمازيغي كالحسد والحقد والكراهية والاستلاب والتقليد الأعمى والانسياق وراء بريق الحضارة الغربية بدون وعي ولا تفكير. و يثور على الكاتب على المنظومة التربوية التي لاتولد إلا البطالة وتسكع الأجيال وأطفال البراءة في الشوارع والأزقة بدون مستقبل آمن ولا غد معسول.
ومن ثم، يمكن القول بأن مسرحية عمرو خلوقي مسرحية رمزية تتحول فيها الدوال الأيقونية وعلامات الديكور و العناصر السينوغرافية بكل مكوناتها البصرية والضوئية إلى رموز إحالية تشير إلى الهوية الأمازيغية وحضارة الريف الأمازيغي المغربي.
ومن حيث البناء الفني، فالمسرحية مركبة بطريقة كلاسيكية من خلال الجمع بين مجموعة من اللوحات المشهدية المتفاوتة في الطول، كما تحضر العلبة الإيطالية لتستلب منا الفرجة الأصيلة وتعلبها في قوانين المسرح الأرسطي بوحداته الثلاث( وحدة الحدث، ووحدة الزمن، ووحدة المكان). وعلى الرغم من وجود بعض الأطفال الذين يشاركون في أداء أدوار اجتماعية وتاريخية داخل نسق العرض، فإن المخرج يتكئ على المسرح المنودرامي أو المسرح الفردي ؛ لأن الأطفال مجرد كومبارس أو شخصيات عرضية دورها بسيط جدا وحصتها من الحوار ضئيل و خطابها اللفظي والحركي مفكك إلى حد كبير. كما أن هؤلاء الأطفال لم يتلقوا تدريبات كافية على مستوى التمسرح، ولم يعرفهم المخرج كيف ينتقلون فوق خشبة الركح، وكيف يتحاورون تشخيصا وتوترا، ولم يشغلهم كذلك كوريغرافيا، ولم يلقنهم أبجدية المسرح ،بل علمهمهم بسرعة بعض الحركات، وزودهم ببعض الحوارات المختصرة المبتسرة غير الواضحة لكي يؤدوها بشكل آلي وغير منسجم.
وعليه، يستعمل عمرو خلوقي في عرضه المسرحي تقنية الراوي اليوناني Le Choeur كما في تراجيديات سوفكلوس وخاصة مسرحيته " أوديب"، وجان أنويل Jean Anouilh في مسرحيته "أنتيغون/Antigone. ولكن سرعان ما يتحول الراوي إلى ممثل في أدوار شتى كزوج وخطيب وصوفي وحكيم. أي تتعدد أدوار الشخصية الرئيسية كما في المسرح الفردي، ولكن لم يشغل عمرو خلوقي هذه الشخصية تشغيلا كافيا على مستوى التمسرح السينوغرافي والتواصل الحركي في كل أبعادهما الرمزية والسيميائية والشاعرية والدرامية والتناصية كما عند عبد الحق الزروالي في كثير من عروضه المنودرامية، بل بقيت المسرحية ثابتة على مستوى التمسرح الدرامي، إذ نلاحظ ضعفا في الصوت، وضعفا في التواصل مع الجمهور على مستوى التلفظ اللساني، وهذا الضعف نجده كذلك عند الأطفال الصغار وخاصة لدى الطفلة التي لم توفق تماما في إيصال صوتها إلى الجمهور المتفرج. ويعني هذا أن عمرو خلوقي لم يمرن حنجرته وحناجر الأطفال جيدا.
وقد أحسن المخرج لما وظف تقنية المخرج الألماني برترولد بريخت أثناء تكسير الجدار الرابع وإشراك الجمهور في التفاعل والتواصل من خلال التصفيقات المتكررة والضحكات المسترسلة المتتالية. ولكن هذا التواصل اللفظي وغير اللفظي لم يكن كافيا ولا مقنعا بسبب عدم إتقان الأطفال لأدوارهم كما يجب. فالتصنع والتسرع ظاهران بشكل جلي على مسار العرض المسرحي، وهذا هو العيب الكبير الذي أثر على عرضه المسرحي سلبا ونقصا. أما النص فكان جيدا وممتازا لأنه نص واقعي وحضاري شامل، ويدعو إلى القيم الإنسانية والكونية النبيلة. لذلك تتفوق هذه المسرحية على باقي العروض المنافسة بجودة النص، لكن العرض كان ضعيفا سينوغرافيا وإخراجا تنقصه الجودة والصقل والانسجام والاتساق وضعف تأهيل الممثلين الصغار.
و موسيقيا، نلاحظ في كثير من الأحيان عدم الانسجام بين الموسيقا والأحداث الدرامية وحركات الممثلين، وبقيت الأدوات الموسيقية شبه صامتة لاتؤدي دورها الحقيقي ، وذلك عندما التجأ المخرج إلى تقنية الصوت الاسترجاعي الخلفي Play back ، كما تنقصه الكفاءة الغنائية والضرب على الأدوات الموسيقية. ويلاحظ أيضا أن هناك تنافرا واضحا بين العود على مستوى الصدى الخلفي والهجهوج الذي يستعمله المؤلف/الممثل توهيما وخداعا على المستوى الفني. كما أن هناك فراغا يلاحظ على مستوى تشغيل مساحات الضوء والمؤثرات الصوتية وعدم استثمار الكوريغرافيا بشكل جيد، وبالتالي، يغيب الجسد والتواصل الفضائي فوق خشبة الركح. وعلى الرغم من توظيف الماكياج، فإنه لا يعبر وظيفيا عن قسمات وملامح الممثل في علاقته بالدور الذي يؤديه فوق الخشبة. ويعني هذا أن المخرج عمرو خلوقي لم يستثمر بشكل جيد مجموعة من المكونات والأدوات السينوغرافية، وظلت مغيبة مما أثرت سلبا على العرض سينوغرافيا.
وعلى الرغم من هذه الهفوات السينوغرافية والإخراجية التي قللت من قيمة العرض المسرحي، فإن المخرج عمرو خلوقي له مستقبل كبير في مجال التأليف والإخراج، ولكن عليه بالدراسة الدرامية نظريا وتطبيقيا، سماعا ورؤية. وعليه أيضا أن يطلع على كتب المسرح ومعرفة أحدث النظريات في فن التمسرح والإخراج، و ضرورة التواصل مع زملائه المخرجين سواء أكانوا مغاربة أم عربا أم أجانب. وأنصحه كذلك بالانفتاح على تجارب الآخرين لمعرفة ماعندهم وماعنده من خلال المقارنة والمقايسة الإبداعية لتفادي كل النواقص والعيوب المشينة التي قد تؤثر سلبا على مسرحياته في المستقبل. وأقول لعمرو خلوقي بأن له أيضا غدا زاهرا في التأليف المسرحي بأمازيغية الريف ؛ لأن نصوصه التي كتبها شاهدة على قدراته الفنية الهائلة وخياله الإبداعي الخصب. ونتمنى له النجاح والتوفيق في مساره الدراسي والبحث الدرامي، وسننتظر منه إن شاء الله أعمالا درامية أخرى ترضي السمع والبصر و حدس الجمهور الأمازيغي المحترم الذي يحب المسرح ورجال المسرح. وأريد بكل صدق وغيرة أن تكون مدينة الناظور العزيزة بفعل هذه التظاهرات الثقافية واللقاءات الإبداعية والفنية فضاء للتلاقح الفكري والتفاعل الحضاري ومركزا إشعاعيا للآداب والفنون الجميلة، بعد أن عانت المدينة من آثار مرحلة الجفاف الثقافي وعايشت بكل مرارة سنوات التهميش والإقصاء والنبذ واللامبالاة.

4- مسرحية" أحلام فنان" لعبد الله عبد اللاوي :


يقدم الأستاذ عبد الله عبد اللاوي مسرحيته" أحلام فنان" في قالب المسرح الفردي على غرار المسرحيات المنودرامية التي قدمها الفنان المغربي المشهور عبد الحق الزروالي. بيد أن تجربة المسرح الفردي عند عبد الله عبد اللاوي تقريرية مباشرة وسطحية في تعاملها الدرامي، بينما تجربة عبد الحق الزروالي تجربة دسمة بفعل التمسرح الثري بله عن تكامل النص في إيقاعاته الشاعرية والدرامية وتداخل الخطابات المرجعية مع الخطابات التناصية في إطار قالب درامي رمزي غني بالإحالات التناصية. وتتكامل عند عبد الحق الزروالي الرؤية الإبداعية والرؤية الإخراجية من خلال انسجام المكونات اللسانية واللغوية مع المكونات الضوئية والبصرية والموسيقية؛ مما يشكل ذلك وحدة عضوية ينصهر فيها المكون الدلالي مع المكون السينوغرافي. وهذا لاينطبق إطلاقا على تجربة عبد الله عبد اللاوي الذي اعتمد على السرد والخطاب الشعاراتي بدون أن يخلق تمسرحا شاعريا دراميا موحيا. أي إنه لم يستثمر كل مكونات المسرح الموجودة بشكل فعال وجيد نظرا لانعدام الإمكانيات المادية والمالية ونقص في التكوين المسرحي.
وقد اعتمد المؤلف/ المخرج على تكسير الجدار الرابع بمفهوم بريخت لخلق التواصل الحميمي بين الجمهور. وفعلا نجح في ذلك أيما نجاح كما يتجلى ذلك في ردود الجمهور عبر التصفيق والتعليقات والتشجيعات ولغة التصفير والضحك وخاصية التطهير التراجيدي الأرسطي.
هذا، وقد استند المخرج عبد الله عبد اللاوي إلى المسرح الفقير الذي دعا إليه گروتفسكي من خلال الاعتماد على قدراته التمثيلية الحركية والصوتية معوضا بذلك النقص الحاد في الآليات الموسيقية والتقنيات الضوئية. وقد توفق في تشغيل الكوريغرافيا بمحاكاة البشر في مشيهم وتقليد حركاتهم وشكل بطونهم وظهورهم من خلال عملية التقويس والانحناء والاستواء. ولكن هذا الاستثمار الجسدي غير كاف ولم يستغل دراميا بشكل جيد.
وتعبر الجدارية الخلفية المغطاة بقصاصات الصحف خير تعبير عن وضعية الفنان الذي يحلم بإخراج فيلمه إلى ساحة الوجود ،ولكنه يفتقر إلى الإمكانيات المادية والمالية. ومن ثم، يلتجئ بعد أن فقد حبيبته ليلى إلى أبيه ليساعده، ولكنه يرفض لأنه أولى بأن يكون موضوعا للفيلم الذي يعده ابنه ، خاصة أنه شارك في كثير من الحروب مع فرنسا التي خرج منها بخفي حنين. وبعد ذلك،لم ييأس الابن الفنان فتوجه حيال أمه وصديقه قدور، ولكنه لم يجد سوى الطرد والازدراء والسخرية من الفيلم والواقع الفني. وفي الأخير، يقصد المركز السينمائي قصد الحصول على الدعم، بيد أنه يجده فضاء للأشباح المخيفة وسماسرة السراب والكائنات المرعبة القاهرة. وفي نهاية العرض، سيصاب بصدمة الاستغراب الذاتي والمكاني ولوثة الفن وشراسة الحياة وقسوة الواقع. وسيبعثر أوراق الفيلم ويمزق السيناريو الذي كان بمثابة خيبة أمل له بعد أن قضى فيه أربعين سنة إعدادا وتحضيرا. وكان يأمل بطل الركح أن يحصد فيلمه جوائز الأوسكار على غرار فيلم تيتانيك، إلا أنه لم يجن سوى السراب و الضياع والجنون. ويثور الفنان الحالم على المدرسة التي ضيعت مستقبله، لأنها لا تكون سوى أجيال عاجزة وفاشلة وغير قادرة على الإبداع وتغيير واقعها الذاتي والموضوعي.
وقد تقمص عبد الله عبد اللاوي عدة أدوار من خلال تغيير الأزياء والإكسسوارات والانتقال من مكون ديكوري إلى مكون آخر. وقد ساعدته لغته المسرحية المنفتحة على الفصحى والدارجة والأمازيغية على التواصل مع الجمهور والتفاعل معه إيجابا. ولكن التجربة في حاجة إلى دربة احترافية وصقل مهني وتثقيف فني وإبداعي.
ويوظف المخرج في هذا العرض سينوغرافيا قائمة على الضحك والفكاهة والكوميديا والباروديا الساخرة والسرد المهجن بالانتقاد وفن البساط. ومن هنا، فالمسرحية هي من النوع التراجيكوميدي لأنها تمزج بين الهزل والجد، وبين الضحك والحزن، وبين الملهاة والمأساة. كما أن الواقع الذي يعيش فيه الفنان العربي ما هو سوى واقع الوعود الكاذبة والسراب الزائف. و ينتقد المخرج الواقع الفظ بطريقة كاريكاتورية مبنية على التعيير والفكاهة والنادرة المسلية.
أما النص المسرحي فهو نص منفتح على جميع القضايا يستقرى فيه المخرج الذاكرة الشعبية والتاريخ المحلي والوطني والقومي والتركيز على كثير من الظواهر المشينة كالرشوة والبيروقراطية والاستغلال وانحطاط القيم الإنسانية والاستهتار والتسيب واللامبالاة واحتقار الثقافة والفن والأدب. ولا ننسى أن نقول بأن المخرج قد استعان يمسرح شكسبير عند تمثله قصة روميو وجولييت في تمثيل التجربة العاطفية بين قيس وليلى والتي تنتهي بالموت تضحية ووفاء للحب الإنساني الصادق.
وخلاصة القول: إن مسرحية "أحلام فنان" هي محاولة مسرحية ناجحة في بعدها التمثيلي، على الرغم من الهفوات السينوغرافية والأخطاء على مستوى الإخراج والتواصل السيميولوجي. ولكن هذه التجربة الفردية لابد أن تطعم بالثقافة النظرية والتطبيقية والاحتكاك بالمسرح الفردي واستيعاب عروض عبد الحق الزروالي الذي يعد المخرج الوحيد الذي نجح في المسرح الفردي وطنيا وعربيا. لذلك، فالقالب الفردي صعب على مستوى التطبيق الركحي والتمثل الدرامي. وأقول بكل صراحة إن المخرج عبد الله عبد اللاوي سيكون له بكل تأكيد مستقبل واعد - إن شاء الله- في مجال التمثيل والإخراج بشرط أن يواصل عمله وقراءاته وتداريبه وأن ينفتح على تجارب الآخرين.

شكــــــر وتنــــــويه:

نشكر في الأخير مندوب كتابة الدولة المكلفة بالشباب بالناظور السيد أحمد قيسامي على ما قدمه من تضحيات جسام لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية التي استقطبت نسبة كبيرة من شباب المدينة المتعطش إلى الثقافة وفن المسرح. كما نشكر ما قدمه الطاقم الإداري المرافق للسيد المندوب وخاصة سعيد بوحميدي وأحمد أبو حفص من جهود جبارة لتذليل العوائق التنظيمية والتنسيق بين الفرق والمحافظة على النظام وتحقيق احتفالية المهرجان وإثراء عرس المسرح الربيعي الذي نتمنى أن يبقى تقليدا سنويا ووساما تفتخر به كل المندوبيات الشبابية في كل المدن المغربية في شخص السيد أمحمد الكحص كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالشباب.












الصور الممثلة للتظاهرة المسرحية بإقليم الناظور:





صورة من مسرحية " أحلام فنان"







صورة من مسرحية " أنان إيني ن – زمان "



صورة من مسرحية " أحلام فنان"





صورة من مسرحية" أنان غيني ن- زمان"




صورة من مسرحية الكواليس









صورة من مسرحية " الكواليس"





صورة من مسرحية الشمعة




صور من مشاهد مسرحية" ثشومعت/ الشمعة"




صورة لكل المشاركين في العروض المسرحية من ممثلين وتقنيين وإداريين وأعضاء لجنة التحكيم











لجنـــــة التحكيـــــم










http://www.arabswata.org/forums/uploaded/1737_1170055782.doc