المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأضرحة في المغرب بين التصوف والإشراك



ميرفت ادريس
24/09/2009, 01:02 PM
الأضرحة المقدسة:
في المغرب لا تشكل رؤية ضريح وليٍّ أو مزار أمراً غير عادي، فأينما ولّى المرء وجهه إلا ويصادف القبة ضريحٍ أو مزار، قصصٌ كثيرة وحكايات حيكت عن قدرات هؤلاء الأولياء الخارقة وعن كرامات غير عادية كانوا يأتون بها في حياتهم، ويعتقد الكثير من الناس أن هذه الكرامات ما زالت حاضرةً وفاعلةً حتى بعد الممات، ولهذا يُقبل الناس على زيارة أضرحة هؤلاء الأولياء، وعلى قدر أهمية صاحب الضريح يكون البناء وشكله من حيث السعة والكبر وفنون الزينة، هذا ضريح مولاي إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية العلوية في المغرب عام 789 يعرف باسم "الزرهون" نسبة إلى المدينة التي يقع فيها، وهي كذلك اسم الجبل المقامة عليه المدينة، بالقرب من مدينة مكناس، يعود نسب مولاي إدريس وفق مصادر التاريخ إلى الرسول الكريم، فهو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، ومن هنا تنبع أهمية زيارة الضريح، كان الضريح وكبرت المدينة من حوله لما تحوّل إلى مزار، ويصح القول إن كل أنشطة المدينة تقوم نتيجة وقوع الضريح بين جنباتها، للمدينة سبعة أبواب تؤدي كلها إلى الضريح، هذه ساحة المدينة الرئيسة وهي مركزها التجاري أيضاً، يتقاطر الزوار على الضريح من كل أنحاء المغرب كباراً وصغاراً خاصةً في المناسبات الدينية مثل مناسبة المولد النبوي التي تصادفت مع زيارتنا للضريح، حتى السواح يأتون للزيارة أيضاً، لكن لسوء حظهم فإن العادة المتبعة من قبل المشرفين على الضريح تقضي بعدم السماح لغير المسلم من الدخول إلى باحة الضريح، يطلق أهل المغرب على زيارة ضريح بـ "الحج المسكين" لمن لا يستطيع الحج إلى البيت العتيق، ويعتقد الشريف فاطم الشبيهي أحد المقيمين على الضريح أن الدعاء عند الضريح مستجاب ولهذا يزروه الناس للترحم عليه وتذكر تاريخه المجيد.
الشريف فاطم الشبيهي (ضريح مولاي إدريس الزرهوني): الزوار الذين يحجون إلى الضريح يفدون عليه من مختلف المدن المغربية وكذلك من بعض الدول العربية، حيث أن هناك بعض البعثات التي تأتي إلى هنا لزيارة الضريح والوقوف على المآثر الخالدة التي أسسها الملوك العلوييين بهذه المدينة، الزوار يفدون إلى ضريح مولاي إدريس أيام العطل الدينية والوطنية وكذلك ليلة القدر المباركة حيث يفد عدد من الزوار لإحياء هذه الليلة في ضريح مولاي إدريس، وفي ليلة المولد النبوي الشريف وكذلك في المواسم مواسم مولاي إدريس التي تعرفها المدينة في شهر أغسطس من كل سنة.
باسم الجمل: وهذا ما يقوم به سعيد الذي يأتي من مدينة طنجا لزيارة الضريح كلما سنحت له الفرصة، ويقول إنه من أحفاد مولاي إدريس، ويحضر أطفاله معه ليتعرفوا على جدهم كما يقول.
سعيد: هذه الزيارة فيها صلة الرحم، فيها صلة الرحم للأطفال لأن جدهم هذا، وصلة رحم ولكن لا ندخل في البدع المعروفة، أزور بزيارة مسنونة بدعاء نقرأ القرآن ترحماً عليه، ونرجو بركاته.
باسم الجمل: لا تقتصر زيارة مولاي إدريس على أهل المغرب فقط وإنما من خارج المغرب أيضاً مثل اليمن.
الزيارة زيارة شرعية، السلام عليكم أهل الديار والمؤمنين ورحمكم الله وغفر لكم، كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة، هذا هو الغرض الشرعي من الزيارة في شريعة الإسلام، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول لابن عباس رضي الله عنهما: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) هم أهل فضل عند الله سبحانه وتعالى ولكن يبقى المسؤول هو الله، لا يصرف السوء إلا الله ولا يعطي الخير إلا الله، (وما بكم من نعمة فمن الله)لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةًَ ولا نشوراً، لهم جلالة قدر عند الله رب العالمين سبحانه وتعالى، هذا لا ينكره إلا جاهل.
باسم الجمل: كل شيء في الضريح وحوله يصبح مقدساً، عتباته جدرانه وحتى ماؤه، وعليه فهناك طقوس على الزائر القيام بها، وكذا إحضار بعض الهدايا، فأول ما يدخل الزائر إلى حرم الضريح يقوم بإشعال الشموع التي يكون قد اشتراها هديةً للضريح، حيث أصبح الشمع صناعة رائجة في المغرب لهذا الغرض، ومن ثم يغسل الزائر يديه أو وجهه من ماء النافور التي تتوسط باحة الضريح والتبرك فيها.
الشريف فاطم الشبيهي (ضريح مولاي إدريس الزرهوني): مطلوب من الزائر أن يؤدي ركعتين تحية المسجد أولاً لأن الضريح مسجد، ثم التوجه إلى قبر المولى إدريس وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة.
باسم الجمل: ينظر الكثير من عامة الناس إلى الولي على أنه همزة الوصل بينهم وبين الخالق عزّ وجلّ، وأن الأولياء يظلون أحياءً حتى بعد مماتهم حسب معتقدات البعض، بحيث يواصلون التدخل والتوسط عند الله عزّ وجلّ لأجل تلبية مطالب قاصديهم، فترى البعض وقد أتى عاقداً النية الخالصة إيماناً بأن مطلبه سيلبى، قوة النية هي المحدد الرئيس لتلبية المطلب، وعلى قدر شدة النية وهمتها تتحقق المطالب المقصودة، وتقضى الحاجيات بناءً عليها، وعادةً ما يتم التعبير عن النيّة بالخشوع وإظهار الرهبة الممزوجة بالخشوع أثناء حضرة الضريح، إضافةً إلى قيمة الهدية المهداة وحجم القربان المقدم، فرقة المنشدين هذه تأخذ حصة الأسد من الهدايا والتبرعات، وهم عادةً ما يكونون من الأشراف أي متحدرين من نسل مولاي إدريس، يقدم الزوّار إليهم الهدايا ويحصلون بالمقابل على قراءة بعض آيات القرآن أو بعض الأدعية للزائر، مثل هذه المشاهد تقع في الكثير من الأضرحة، خاصةً الكبيرة منها، فمن مكناس توجهنا إلى فاس حيث تحتضن بعضاً من الأضرحة أهمها ضريحي مولاي إدريس الثاني والضريح سيدي أحمد التيجاني مؤسس الزاوية التيجانية ذات الانتشار الكبير في أكثر من بلد إسلامي.
زيارة الأضرحة ممارسة دينية راسخة في المغرب
باسم الجمل: هنا أيضاً يأتي الزوار حاملين الهدايا على أنواعها، ويأدون نفس الطقوس من حيث تلمس الضريح وتقديم الشموع والمال وماء الزهر، ومن الملاحظ أن غالبية زوّار الأضرحة من النساء لميلهن للاعتقاد بقدسية أصحاب الأضرحة وتوسطهم عند الباري عزّ وجلّ، يشكل الضريح مِفصلاً مهماً في الثقافة المجتمعية المغربية، وحوله تقوم أنشطة دينية ومجتمعية تُعطي أهل المغرب نمطية مسلكية قلما تجدها في مكان آخر، زيارة الأضرحة ممارسة دينية راسخة وقديمة في المغرب، ويقول السيد عبد اللطيف البقدوري إمام وخطيب ومسجد دلا سكينة في الرباط بأن زيارة الأضرحة ظاهرة لها ارتباط وثيق في الدين علامة على تعظيم هؤلاء الناس لعمل قدموه للمجتمع.
عبد اللطيف البقدروي: هي ظاهرة طبعاً لها ارتباط وثيق بالدين، لأن تعظيم هؤلاء الناس إنما كان لأجل صلاحهم فمنهم من تميز بالعلم، ومنهم من تميز بالصلاح والتقوى، ومنهم من تميز بشرف انتسابه الديني من الشرفاء المنتسبين للذرية النبوية، ومنهم من سهر وعُرف بتقديم النفع والخير للناس وهذه كلها مقاصد شرعية، وأفعال محمودة شرعاً يُشكر صاحبها، ويثاب ويستوجب شكر الناس وعرفانهم على ذلك.
باسم الجمل: أما الدكتور عبد الغني منديب أستاذ علم النفس بجامعة محمد الخامس في الرباط يقول بالرغم من وجود خطاب ديني مناوئ لزيارة الأضرحة ولبعض الطقوس المرتبطة بها فإن الناس يصرون على زيارتها اعتقاداً منهم بشفاء الأمراض وربط العهود والمواثيق والاستخارة والتظلم والتخلص من سوء الحظ والطالع إضافة إلى السياحة الدينية.
د. عبد الغني منديب (أستاذ علم النفس - جامعة محمد الخامس): هناك خطاب فقهي مناوئ لهذه المعتقدات والممارسات المرتبطة بها، بيد أن هذا الخطاب الفقهي المناوئ المناوئ والرافض لا يجد صدىً له داخل الفئات العريضة والواسعة، بمعنى أن التوسط توسط الأولياء لدى الله هو جزء من الإسلام كما يدركه ويفهمه عامة الناس في المجتمع المغربي، أي أن إذا كانت هذه الأضرحة موجودة فلأنها تؤدي أدوار ووظائف، ولا أعتقد أن هؤلاء الناس الذين يقبلون على التعامل مع الأضرحة يتمثلون عملهم ويتمثلون لجوئهم لهؤلاء الأولياء كشرك أو كتدخل، هو فقط استجارة إذا جاز التعبير استجارة بأولياء صالحين ناس لهم.. وصلوا إلى قمة من التصوّف ومن الفضيلة والعلم أيضاً والعلم الفقهي، ولهذا فهم يستجيرون بهم لكي يوصلونا إذا جار التعبير دعواهم إلى الذات الإلهية.
زيارة الأضرحة ممارسة دينية راسخة في المغرب
: وهذا ما تحسه لدى زيارة الأضرحة، حيث تتنوع مقاصد الناس من الزيارة كل حسب حاجته، هذه المرأة جاءت لتبرك ملابس قريب لها مصاب بمرض جلدي، ظناً منها أنها بغسلها بماء الضريح فإن المريض سيشفى عندما يلبس الملابسة المغطسة بهذا الماء ثانية. عند الضريح تشعر بأنك خارج نطاق الحياة اليومية العادية، وبمجرد أن يدخل الزائر إلى حرمة الضريح فإن سلوكه يختلف، حتى الأطفال يشعرون بتغير، تراهم يلهون ولكن ضمن قواعد القداسة المحسوس بها في المكان من قبل الجميع، أما الكبار فيحيون جلسات ذكر كل مجموعة وطريقتها الخاصة، عند صلاة العشاء يغلق الضريح أبوابه ويتدفق الناس لأزقة فاس الضيقة وهي أسواق المدينة القديمة، مليئة بكل أنواع الطعام والحاجيات، وأنت فيها ينتابك إحساس يدفعك إلى الوراء، إلى تاريخ بعيد للمدينة وكأن أيام بقيت على حالها هنا، صباح اليوم التالي قصدنا الزاوية التيجانية في مدينة فاس حيث قبر السيد أحمد التيجاني مؤسس الزاوية، هذه مكتبة جامعة قرويين، أزقة المدينة القديمة ضيقة بحيث لا تتسع إلا لشخصين اثنين يسيران جنباً إلى جنب، ولهذا ترى أهل المدينة يجمعون القمامة على ظهور الحمير، هنا الزاوية التيجانية حيث يقع ضريح سيدي أحمد التيجاني وهو أيضاً مسجد تابع لمريدي الزاوية، والتيجانية طريقة صوفية نافلة المقصد بها التقرب إلى الله كما يقولون، فهي مجموعة أذكار يلتزم بها المريد، اليوم هو آخر أيام الاحتفالات بالمولد النبوي، ولهذا قدم المريدون لإحياء الذكرى من أنحاء مختلفة من المغرب، وآخرين من أفريقيا.
تبرك بالولي:
الشريف التيجاني الزبير (الزاوية التيجانية الكبرى): نرى في هذا الضريح المبارك محل للزيارة وليعني طلب تبرك بهذا الولي، لأنه كما تعلمون هو السبب في دخول الكثير من الأشخاص للإسلام ثم إلى هذه الطريقة، كما تعلمون الفرق بين المسجد والزاوية أن المسجد هو محل عام يحدره يعني كل المسلمين ولا يمكن للمسلم أن يقوم بالأذكار بصفة جهرية كي لا يزعج باقي المسلمين، فلهذا أُسست الزوايا، الزوايا أُسست للقيام بالأذكار الخاصة بأصحاب الطرق.
باسم الجمل: طقوس زيارة ضريح سيدي أحمد التيجاني كما لدى غالبية الأضرحة تشمل قراءة بعض من القرآن الكريم وذكر بعض الأدعية ومن ثم الطلب من الله ومتوسلين بالرسول الكريم وبصاحب هذا القبر لقضاء حاجياتهم، هذا السلوك يقود إلى التساؤل حول وقوع شبهة الشرك بالله لما يطلب حي من ميت التوسط بينه وبين الله، الأمر الذي ينفيه الشريف التيجاني الزبير ومقدم الزاوية التيجانية الكبرى.
الشريف التيجاني الزبير (الزاوية التيجانية الكبرى): مسألة الشرك الآن لا أظن أن أحداً من المسلمين يظن بأن شخصاً يعطيه أو يمنعه من شيء، الله عز وجل هو المعطي هو الأول والآخر والظاهر والباطن هذه كل المسائل الصفات التي يتصف بها الله عز وجل، كل تيجانيين يعتقدون.. وغيرهم يعتقدون هذا، وإنما أظن أن هذه المسائل حتى الإنسان الجاهل يعني لا ننكر أن هنالك فيه جهلة سواءً بالنسبة للطرق الصوفية أو غيرهم فهذا الجاهل حينما توجهه التوجيه الصحيح فهو طبيعة يلتزم به.
عبد اللطيف البقدروي: لا نعتقد أن إنساناً مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يقع في الإشراك بالله، يعني إشراك أحد في عبادته مع الله تعالى، هذا شيء مستبعد جداً ولا يخطر ببال المسلم إنما هناك أمور قد أقول قد تكون من المحظور شرعاً، ربما ترتكب من بعض عامة الناس وجهالهم وسؤالهم عن غير وعي أو عن غير إدراكهم عن جهل بحقيقة الأمور وعن جهل بحكم ذلك الفعلي من الناحة الشرعية وهذا طبعاً يقتضي من العلماء ومن الناس أهل المعرفة بالدين، أن يعملوا على توعية الناس به وتعليمهم.
باسم الجمل: تقدم الزاوية التيجانية بعض الخدمات مثل النوم والأكل للذين يفدون على هذه الزاوية بمثل هذه المناسبات من أماكن بعيدة، طعامهم بسيط خبز وزيت وشاي مغربي وهذا هو فطور الصباح، لا يوجد زمن محدد لنشوء ظاهرة الأضرحة وزيارتها في المغرب، فهناك من يعتبرها جزءاً من معتقدات شعبية تعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي في المغرب وتم تناقلها جيلاً بعد جيل ومن معتقد إلى آخر، حتى أصبحت جزءاً من المعتقدات الإسلامية في البلاد، وهناك من يعزوها إلى انتشار الصوفية في المغرب منذ القرن الثاني عشر الميلادي، أياً كانت الأسباب فإن المغرب يزخر بوجود الأضرحة والزوايا المنتشرة في طول البلاد وعرضها حتى لقب ببلد الـ 100 ألف ضريح.
منقول عن قناة العربية