المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حلقة جديدة من مسلسل الدكتور صابر / 2 - 10



الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
24/09/2009, 09:24 PM
مسلسل الدكتور صـابـر / الحلقة 2 - 10

تأليف الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
استاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً


أنهى "صابر" دراسته الجامعية في آب (أغسطس) سنة (1956)، وحصل على شهادة (الليسانس) في الكيمياء, وقـد رعى حفلة التخرج الملك (فيصل الثاني) ووزع الشهادات على الخرجين بنفسه، والتقطت لصابر صورة معه إلا أن والدة صابر حرقتها بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ومقتل الملك، وذهبت صورة لـذكرى لن تعود !
اقيمت بمناسبة تخرج وجبة جديدة من الطلبة حفلة ساهرة في حدائق دار المعلمين العالية في منطقة الوزيرية , أحياها المطرب ناظم الغزالي ، وبعد انتهاء الحفلة سهر "صابر" تلك الليلة مع بعض رفاقه في احد ملاهي بغداد وشرب لأول مرة في حياته قدحاً من "البيرة" لم يستذوقها ولم يتمكن من إكمالها,.. فسخر منه رفاقه ولم يكترث لذلك وشاركهم المداعبة و الغناء والتمعن بالفنانات, فأزداد بهـن هياماً ، فهو لم ير إلا الوجوه المـحـجـبـة بالعباءة والبوشي (غطاء الوجه) لـنـسـاء الـعـراق في الخمسينات ، ألا نادراً في بعض احياء بغداد الراقية, وإذا به الآن أمام مجموعة من النساء شـبه العاريـات , لا يسترهـن سوى ورقة الـتوت التي تجعـل الناظر لها كالأبله!
وهكذا هام "صابر" بتلك المشـاهد، فهو ولأول مرة يتطلع لمفاتن المرأة، فأهتزَّت عواطفه وتشنجت حواسه ، وازداد رغبة في تكرارمثل تلك المتعه وتقرب أكثر وأكثر إلى ذلك المخلوق المسمى "امرأة" وكتب تحت
احدى صور مارلين مونرو, اجمل جميلات العالم آنذاك, ...(وخلق الله المرأة).
عاد صابر إلى مسقط رأسه، فهنأه الجميع على نتيجة تخرجه من الجامعة، وخاصة أفراد أسرته، وتمنى له الجميع وظيفة جيدة يفتخرون بها أمام المعارف والأقارب، وبالخصوص والدته, التي كانت تتمنى لقب, (أم الدكتور)، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بعد سنين طويلة !
حاول "صابر" بعد تخرجه من الجامعة أن يكمل دراسته العليا في الخارج واتصل بأحد أبناء مدينته الدارس في أمريكا لكي يحصل له على قبول، إلا أن ذلك الإنسان لم يكن شهماً وخيب آمال "صابر"، فقد ذكر له كل مساوئ الحياة في أمريكا !
إضافة إلى كل ذلك لم يجد التشجـيـع من والديه واخوانه, وهكذا ضاعت الفرصة على "صابر"، وبقى على أمل الحصول على "بعثة" عن طريق الجامعة، حيث كانت نتيجة تخرجه من الجامعة جيدة جداً تـؤهله للحصول على أية بعثة لخارج العراق لنيل شهادة (الدكتوراه)، إلا أن شروط القبول تستوجب العمل لدى وزارة التربية والتعليم كمدرس في مداسها لمدة لا تقل عن الثلاثة سنين، ولذا انتظرصابرأوامرالتعيين للخريجين الجدد، إلا أنها لم تصدر ذلك العام في وقتها المعتاد، وراح يتطلع لمجالات عمل أخرى، غير التي تعلنها الدولة.
علم صابر عن وجود بعض الأعمال لدى شركة النفط في مدينة كركوك ، ولهذا صار بأمس الحاجة لـمن يزكيه للحصول على وظيفة في مجال اختصاصه ( الواسطة) !
كان شـيخ مدينه الشطرة في ذلك العهد وأبيها الروحي ,الـحـاج خيون آل عبيد , رئيس عشائر العبوده, ومن رجالات الدولة ,حيث تربطه علائق وثيقة برموز الدولة، فهو عضو بمجلس الأعيان، وصديق للعائلة المالكه والسياسي المخضرم نوري السعيد.
كانت عائلة صابر لها مكانة مرموقة ومتينة بشيخ المدينة, وبهذا تمكن من الحصول على توصية مكتوبة من الشيخ خيون الى وزيرالداخلية آنذاك ( سـعيد قزاز), وبعد أيام حمل "صابر" الرسالة وتوجه إلى بغداد.
استقبل الوزيرصابر بكل ترحاب وكتب بدوره رسالة إلى مديرشركة نفط كركوك، وتوجه الى شركة النفط في مدينة كركوك, وبعد مواجهة المسؤول العلمي في تلك الشركة طُلبَ منه التريث لبضعة أيام حتى يحين موعـد المقابلة.
لـم يكن " صابر" متحمساً لتلك الوظيفة, وغض النظرعنها ولم يراجع أو يستفسرعن النتيجة في مركز الشركة في بغداد، وهكذا ضـاعت فرصة لن تعوض ولن تتكرر! راح صابر يتسكع مع زملائه بانتظار أوامرالتعيين في وزارة التربية, ليصبح مدرساً في إحدى المدارس الثانوية في محافظة الناصرية (ذي قار)، حيث التعيين يتم وفق مسقط راس طالب التعيين لفترة لا تقل عن الثلاثة سنين.
تأخرت أوامر التعيين في تلك السنة أكثر من المعتاد، وظهرت بوادر تغيير سياسية عديدة داخل الوطن وخارجه، وبعد ثلاثة اشهر, أصدرت الحكومة قانون خدمة الأحتياط العسكري يخص خريجي الكليات، وأنشأت كلية خاصة لذلك الغرض سُميت :
بـ "كلية الاحتياط",... الدراسة فيها لمدة سنة واحدة عملي ونظري يتخرج الطالب منها برتبة ملازم ثان (نجمة واحدة)، ثم يلتحق في مدرسة عسكرية متخصصة مثل مدرسة المشات والمدفعية والمخابرات (أي الاتصالات) لمدة ثلاثة أشهر، كل حسَب تخصصه، وكان تخصص "صابر" قد أتاح له الدخول لمدرسة المخابرات اي الأتصالات اللاسلكية التي كان مقرها معسكر الوشاش، والذي تحول بعد (ثورة الرابع عشر من تموز 1958) إلى منتزه الزوراء في جانب الكرخ.
كانت فترة دراسة "صابر" في كلية الأحتياط ممتعة لحد ما, ولا يتذكر أموراً ذات شأن سوى زيارة رئيس الوزراء آنذاك, المدعو (نوري السعيد) والذي يعتبر من أبرز الساسة العراقيين لصلته بعلائق وثيقة مع بريطانيا، ولذا أطلقت عليه الأحزاب القومية
والتقدمية اسـم (عميل الاستعمار),...وتشاء الصدف أن يمر السيد نوري السعيد بمعسكر كلية الأحتياط وخلفه مجموعة من حراسه ومن ضباط الكلية الكبار, وقد كان "صابر" جالساً على رصيف احد شوارع الكلية مع لفيف من زملائه،... ولما مـرَّ رئيس الوزراء من أمامهم القى التحية بكل تواضع على جمع الطلبة, وقال: ( السلام عليكم ),... فردوا زمـرة صابر التحية، ثم أمرهم احد ضباط الكلية بالوقوف، فأطاع الطلبة الأمر وتوجه الزائر, نوري السعيد نحوهم , والتفوا حوله, وراح يحدثهم ,... وقال:
أنكم تتهموننا بالعمالة للأستعمار!!... الا إننا, ووفق تجاربنا لا يمكن أن نستغني عن بريطانيا، فالعراق لا يملك قدرات ذاتية ليطور نفسه، ولا بد من الاعتماد على الخبرات البريطانية، فنحن لحد الآن لا نجيد حتى صناعة الإبرة !!... وإن كل ما نستورده من بريطانيا ضروري، وقد أرسلنا العديد من زملائكم للدراسة هناك ونأمل أن يعودوا وتذهبون انتم بعدهم وتكونوا كادراً مهماً لنهضة الوطن في كل المجالات المهمة !!
بعد انتهاء الدراسة بكلية الاحتياط، نال "صابر" رتبة ملازم ثان، وارتدى الزي العسكري، وتبختر في مشيته ولفت له الأنظار بوسامته وشبابه،... فتمادى في مجونه مع رفاقه في بغداد، ولم يتعرض لأي ضيق مادي، وصار في حوزته آلاف الدنانير، فوالده يغدق عليه المال في مناسبة وفي غير مناسبة، وراتب الجيش كان سخياً بالمقارنة مـع الراتب الذي يتقاضاه خريج الكلية في وظائف الدولة المدنية !
في صبيحة الرابع عشر من تموز سنة 1958،.. وبينما كان "صابر" يغط فـي نوم عميق في مـسقط رأسه" الشطرة " سمع أصواتاً غريبة من جهة سوق المدينة، فنهض مفزوعاً، وجاءه واحداً من أبناء عمومته ليخبره عن المظاهرات التي عمت أسـواق المدينة بسبب اندلاع ثورة في بغداد,.. ومقتل الملك وسيطرة الجيش على الحكم !
لم يستوعب" صابر" ما سمع، فقد كانت الثورة مفاجأة هزته هزاً، فهرع مذعوراً نحورفاقه وشاركهم فوراً في تلك المسيرة المؤيدة لقادة الثورة , ثم قرر ورفاقه السفر الى بغداد,...و بعد ساعات, سـمعوا وهم في السيارة المتجهة نحو العاصمة,.. صوت الموسيقى والأناشيد الوطنية من الأذاعة العراقية و هي تحرض جماهير بغداد للتوجه لقصر الـرحـاب الذي تسكنه العائلة المالكة ،...وما ان وصلوا بغداد حتى سـمعوا الأنباء المحـزنـة , فقد استسلم الملك وكل عائلته ورفعوا الراية البيضاء ، ..إلا أن أحد الضباط المتواجدين امام القصر سـمع اطلاقاً للنار,... واعتقد بوجود مكيدة من حراس ا لقصر الملكي, فأطلق النارعلى من كانوا يرفعون الراية البيضاء في شرفة القصـر,..وقتل وجرح الكثير منهم , ومن بينهم الشاب (الملك فيصل الثاني)، .. حيث نقل فوراً إلى المستشفى وفارق الحياة في اليوم التالي، وحزن عليه معظم أبناء الشعب ، فقد كان صغيراً ولم يمض على حكمه إلا سنتان، وكان خاله عبد الإله (الوصي) هو الذي حكم العراق بعد مقتل الملك غازي والد فيصل بحادث سيارة مزعوم!
وهكذا حزن الناس على الملك، وفرحوا لـما آل إليه مصير الوصَّي وأعوانه، وانهار الحكم الملكي ليحل محله النظام الجمهوري، وبدأت أسـماء قادة الثورة تعلن على الجماهير, تدريجياً,اضافة الى الأناشيد الوطنية وتكرار قراءة البيانات الثورية,ومنها:
" ايها المواطنون, ياجماهير بغداد, لقد انتهى العهد الملكي وانبثق العهد الجمهوري.."
وهكذا احتــشـدت الجماهير الثائرة, مبتهجة بـســقوط النظام الملكيي. ...ولم تشــاهد اية قطعات عســكرية تفرض نفســها للفصــل بين النظام الســابق وبين ضــباط الثورة .
لـجأ نوري السعيد, (السياسي المخضرم), الى اصدقائه مـن عائلة الأستربادي الغنية والتي تسكن مدينة الكاظمية، الا انه لم يتقن المخطط وراح يتخبط في تنقله وعبر نهر دجلة لجانب الرصافة بواسطة عبارة صغيرة تدعى (البلًم), ولما شعر بوجود جمهور من الناس في الشريعة أمر صاحب (البلم) بالعودة, .. وحاول التنقل من مكان الى آخر ليجد الملجأ عند اصدقاءه , الا انه توجس من تسريب اخبارية بوجوده , وخرج متخفياً باللباس الشعبي للمرأة العراقية, ( العباءة السـوداء والبوشية),..الا انه لم يحسبها جيداً, وظلً مـحتذياً حذائه الرجالي , ولهذا لفت نظراحد جنود الأنضباط العسكري من المتواجدين في الشارع , فأرتاب الجندي من المنظر غير المألوف , وبعد ان تعرف على هويته, ايقن ان هذا هو المطلوب من الدولة,..فاطلق عليه النار من مسدسه وارداه قتيلاً،.. وما ان علم الجمهور بحقيقة المقتول,... حتى سحلَته وسارت به بأتجاه شارع الرشيد لعدة ساعات إلى أن تمزق إرباً إرباً !
بدأت بعد أيام تتضح سياسة زعماء الثورة والتفتْ الجماهير حولها، إلا أنها انقسمت بعد اشهر الى مؤيد لسياسة الأتحاد الفدرالي والصداقة مع الأتحاد السوفيتي (روسيا) ,
وفئة أخرى مؤيدة للوحدة الفورية مع مصر،... وقد تزعم الفئة الأولى رئيس الوزراء وقائد ثورة تموز عبد الكريم قاسم والتف حوله الشيوعيون وكافة القوى التقدمية،.. إما الفئة الثانية, فقد رفعت شعار الوحدة الفورية , معلنة ولائها لعبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء و اول من دخل بغداد و أذاع البيان الأول , طالباً من الجماهير التوجه الى قـصر الرحاب, وهو القصر الذي يسكنه عبد الأله, خال الملك فيصل الثاني .
التف حول عبدالسلام عارف قوى اليمين, و كل المطالبين بالوحدة الفورية، إضافة لكل القوى المـعـارضـة للحركات التقدمية أو ما يسمى بقوى اليسار.
تكونت الحكومة العراقية الجديدة برآسة الزعيم عبدالكريم قاســم , اضافة الى وزارة للدفاع,
والعقيد عبدالسـلام عارف , نائب رئيــس الوزراء ووزيرا للداخلية.
صـار جلياً ولاء قاســم الى العراق اولاً, ...وليــس الى الوحدة تحت قيادة جمال عبدالناصــر, قائد ثورة 23 تموز(يوليو), 1952 في مصــر, الا ان عارف اســتقطب الجماهيرالعراقية المتحمسـة للوحدة العربية الفورية مع مـصـر.
وبعد اقل من شــهرين من نجاح ثورة الرابع عـشـر من تموز 1958 اختفى عبدالســلام من مركزه القيادي في ثورة تموز, بســبب الأختلاف الفكري مع عبدالكريم حول هوية العراق, والأكثر من هذا فقد عمل قاســم على منع القاهرة لتكون عاصـمة الدول العربية المتحدة, وبتلك الوســيلة اثارغضـب عبدالناصــر, وقام بتهديده بواســطة الناصــريين و العديد من ضــباط الجيــش العراقي , ولذا استعان قاســم بالشــيوعيين لحماية نظامه !
انقســم العراقيون الى قــسمين , القــسم الأول يتكون من الأصــوات التي تحرض العراقيين العرب للولاء الى جمال عبدالناصــر, ضــد عبدالكريم قاســم, وقســم آخر, يتكون من اعضاء الحزب الشــيوعي , الذين تربعوا على المراكز المـرمـوقـة في وزارات الأقتصـاد, والتعليم , واالحقوق!
فجرت تلك الظروف, مجموعة من الضــباط للمحاولة بأنقلاب ضــد عبدالكريم قاســم , في مدينة الموصــل, ســنة 1959, ..حيث بدأ بكشـف المؤيدين القوميون العرب الموالين لجمل عبد الناصــر, وبين الموالين لثورة تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاســم , والذي بدأ بســماع هتافات في المظاهرات التي كانت تجوب شــوارع بغداد كل يوم تقريباً,.. وقد كان بعضـهم يردد :
" وحـده,...وحده ,.... يا ســلام ", اي اننا نطالب عبدالســلام عارف بأعلان الوحدة الفورية مع مصـرالعربية.
اما الفئة الأخرى, فأنها تنادي :
" اتحاد فدرالي ,صـداقه ســوفتيه ", و يعني, انهم يطالبون عبدالكريم قاســم بالفدرالية
والصـداقة مع الأتحاد الــسوفيتي, آنذاك, " روســيا الأتحادية في الوقت الحاضــر".
ان تلك الهتافات في اعلاه, وســعت مـن الخلافات بين قطبي قادة الثورة, عبدالكريم قاسـم وعبدالسلام عارف, فقد بدأ الصــراع ســرياً وبعد ذلك, تطور وصـارعلنياً,.. وقد حدثت المواجه العلنية عند اعلان قـانـون الأصــلاح الزراعي , واســتنادا الى ذلك القانون فأن شــيوخ العشــائر, فقدوا مراكزقـوتـهـم الأجتماعية, حيث قسمت اراضيهم بموجب هذا القانون الى اجزاء صـغيرة وزعت على الفلاحين.
احدث ذلك القانون هزة عنيفة بين كبارالأقطاعين, ولذا توجه العديد منهم صــوب بغداد, والمدن العراقية الكبرى, مكونين جبهة معارضـة واسـعة ضــد قاسم قائد الثورة .
ونتيجة لتلك الظروف, تعرض الزعيم قاســم الى محاولة اغتيال, في تشــرين الثاني (اكتوبر), 1959.
كان العقيد عبدالســلام عارف من اشــد المعجبين بالرئيــس جمال عبدالناصــر, وتراءى له امكانية ربط العراق بالمســيرة القومية ووحدة العراق الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة , ( مصـر وسـوريا), معتقدا ان ذلك سـيحمي النظام الحديث في العراق ويحقق الوحدة العربية, حلم الأمة العربية الذي طال انتظاره.
وعلى اية حال, فأن الزعيم عبدالكريم قاســم, ينظر للوحدة بعين العطف, وغير نافر منها, الا انه لا يريدها فورية بنفــس رؤيا الأحزاب القومية والوطنية, ... وان بناء المصالح القومية المشــتركة مع العالم العربي, يجب ان تســبقه عدة مواثيق قبل الولوج بالوحدة الفورية.
كما ان عبدالكريم قاســم كان على علم تام بطموحات رفيقـه العقيد عبد الســلام عارف, ولهذا, وفي ايلول(ســبتمبر), 1958, اقاله مـن كل مراكزه القيادية, .. ثم نفاه الى خارج العراق كســفير للعراق في المانيا الأتحادية. ولقد كان لذلك الحدث صــداه المدوي, وســبب في انقســام العراقيين الى قســمين.
وبعد وقت قصــير, ضـمن قاســم عودة, الزعيم الكردي, الســيد مصـطفى البرزاني, من منفاه في الأتحاد السـوفيتي, واحياء الحزب الكردي الوطني الديمقراطي,.. كما افلح قاســم في عودة الروح للحزب الشــيوعي العراقي, ليكون بمواجهة خصـومه من القوميين العرب. وعلى اية حال, فقد ســمح للحزب الشــيوعي بأصدار صـحيفة الحزب علنياً, وعمل على تنشـيط الأحزاب الموالية لأنصـارالســلام , ورابطة حقوق المرأة, واتحاد الفلاحين والشــبيبة, واتحاد الطلبة.
وفي مارت (مارس), 1959, اقام الحزب الشــيوعي مهرجاناً للســلام في مدينة الموصــل (ثالث اكبر المدن العراقية في شــمال العراق), مما اثارمحاولة انقلاب لدى الضباط الأحرارمن القوميين العرب في حامية موقع الموصــل, بقيادة عبدالوهاب الشــواف,... الا انه لم يوفق وتم القضاء على تلك المحاولة بســرعة.
اصــبح الحزب الشــيوعي اكثر فعالية, وقد ثبت حضــوره في كافة الفعاليات الســياســية. وفي مايــس1959, ... خرجت جماهير غفيرة من اهالي بغداد والمحافظات المجاورة لها, في مظاهرات صــاخبة, جابت شــــوارع بغداد هاتفة بمطالبة قاســم بضـم ,.. الحزب الشــيوعي للحكومة العراقية, واجراء انتخابات مبكرة والســماح للحزب الشـيوعي الى قبة البرلمان. وقد كانت هتافاتهم واهازيجهم تردد :
" ســبع ملايين تريد حزب الشـيوعي بالحكم "
( فقد كان تعداد النفوس في العراق في ذلك الحين ســبعة ملايين). ولذا,.... فأن هذا الموقف الجديد دفع بقاســم الى الحذر مـن الـحزب الشــيوعي.... وعلى اية حال, فأنه حاول ان يضع الحزب تحت الأختبار, وقربه من الحكومة, حيث عين عضو من الحزب الشـيوعي ,... وهي, الدكتورة " نزيهة الدليمي", كوزيرة للبلديات, اضافة الى عضــوين من الحزب الشــيوعي في مراكز حكومية مرموقة. وقد تبين لقادة الحزب الشــيوعي ان تلك المكاســب قد تســاعدهم على تغيير طريقة حكم عبد الكريم قاســم, ومن ثم تنمو لديهم القابلية لـتـحـد يه.
كما ان حزب البعث آنذاك, راح يخطط عدة وسائل للأستيلاء على السلطة ومنها أغتيال عبدالكريم قاسـم!
وهكذا, وبعد مرور دقائق على الســاعة الســادســة مســاءاً, ليوم الســابع مـن شهر تشــرين اول ( اكتوبر), 1959, قام البعثيون بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء عبدالكريم
قـاسـم في " شــارع الرشــيد ", في منطقة الســنك, ولكنها فشلت ,.. الا انها ادت الى مقتل سـائقه واصابته بجروح في ذراعه.
وبعد معالجة الزعيم عبدالكريم قاســم مـن اصـابتة الخطيرة في ذراعه في مســتشـفى الســلام في بغداد, غادر المســتشــفى بعد ثمانية اســابيع. وقد انطلقت بعد الأعلان عن محاولة الأغتيال, مظاهرات جابت شــــوارع بغداد وهي تهتف بأهازيج حماســية, مثل " عاش تضـامن الجيـش ويً الشعب, وارواحنه, فدوًه لأبن قاســـم"
وعلى اية حال, فأن تلك المظاهرات, لم تتمكن من الغاء حقيقة قوة قاســم الســياســية المعتمدة على ثقته من مسـاندة ضباط الفيالق العســكرية له.
قام قاســم بمناورات متعددة لضـرب وتنافــس الكتل الســياســية مع بعضـها البعض, ليمنع هيمنةجمال عبدالناصر على العراق , ويبقى هو القائد الأوحد الذي يملك القوة,.... وقد كان يعمل طيلة 20 ســاعة يوميا, في مقرعمله وســكنه في وزارة الدفاع في باب المعظم ,.... ولم يمتلك ســكن خاص به او بأحد المقربين له, وعاش ومات وهو بالبدلة العسـكرية, كما كان يكرر:" انا لا املك غير هذه البدلة العسكرية احيا واموت فيها!".

يتبع في الحلقة / 3