المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطوف من موازين النور: من الملاحق للنورسي / حازم ناظم فاضل



حازم ناظم فاضل
30/09/2009, 12:12 AM
قطوف من موازين النور اخترتها من كليات رسائل النور لبديع الزمان سعيد النورسي ، ترجمة : احسان قاسم الصالحي :

(8) قطوف من موازين النور: من الملاحق للنورسي / ترجمة :احسان قاسم الصالحي


 ونحن وان لم نكن قد نجونا بعد من شرور النفس الأمارة وأحابيل شياطين الجن والإنس إلا أننا نجد الذوق واللذة في الانهماك للعمل في حقل هذه الخدمة القرآنية المقدسة . فلئن قصرنا في العمل ولم نتمكن منه بما يستحق هذه الخدمة الجليلة فحسبنا أننا داخلون فيها والحمد لله، وإنما الأعمال بالنيات ( خلوصي).
 إن خزينة المجوهرات مهما كانت مليئة وغنية ونفيسة، لابد أن يكون دلالها والبائع لها، على معرفة بأصول البيع والشراء . إذ لو لم تكن له تلك القابلية أو المعرفة فان ما يملكه من الخزائن الثمينة وما فيها من الأمتعة القيمة تحجب عن أنظار الناس أي لا يكون قد أدى ما يستحقها من قدر ( صبري ).
 يا أخي ! اعلم إن الحياة اثمن شيء في عالم الموجودات وان ما يخدم الحياة هو أرقى واجب من بين الواجبات كلها، وان السعي لصرف الحياة الفانية إلى حياة باقية هو أغلى وظيفة في الحياة .
 من المعلوم أن العمر قصير جداً، والوظائف المطلوبة كثيرة جداً، فالواجبات اكثر من الأوقات، فإذا تحريت ما في دماغك من معلومات، مثلما فعلته أنا، ستجد بينها ما لا فائدة له ولا أهمية من معلومات تافهة شبيهة بركام الحطب . لقد قمت أنا بهذا الضرب من البحث والتفتيش، فوجدت شيئاً كثيراً مما لا فائدة له ولا أهمية .
 نعم ! انه لا تردد قطعاً في بذل تلك الهدية العظيمة، هدية الحياة في سبيل الرب الجليل الذي أنعمها علينا . ( الحافظ علي ).
 إن الأغصان الدانية تقلم وتقطع لترتفع الشجرة وتعلو وتصان من الأحياء المضرة . فليس لتلك الأغصان حق الاعتراض على ذلك العمل قطعاً. حيث إنها لو ظلت على ما هي عليه ربما يقطعها حيوان مضر، وتتفسخ جذورها وتعدم.( الحافظ علي ).
 إن الذين يحملون على أكتافهم أعباء خدمة الإيمان والقرآن والتي هي بمثابة خزينة الحق والحقيقة العظيمة الرفيعة يفتخرون كلما انضم إليها أكتاف قوية متعاونة معهم، فيشكرون ربهم .
 حذار حذار من فتح باب النقد فيما بينكم . ان ما يستحق النقد خارج الصف كثير بل كثير جداً . فكما أنني افتخر بمزاياكم، واجد الراحة والسلوان من مزاياكم التي حرمت منها، واعدها كأنها عندي وأنا المالك لها، فانتم كذلك عليكم النظر إلى مزايا إخوانكم على هذا النمط . فليكن كل منكم ناشراً لفضائل الآخرين .
 إخواني الأعزاء ! إن أستاذكم ليس معصوماً من الخطأ، بل الخطأ الاعتقاد انه لا يخطئ . ولكن وجود تفاح فاسد في بستان لا يضر بالبستان، ووجود نقد مزور في خزينة لا يسقط قيمة الخزينة .
 اعلموا يا اخوتي ويا رفقائي في الدرس ! إنني اسر إن نبهتموني بكل صراحة لأي خطأ ترونه عندي. بل أقول : ليرض الله عنكم إذا قلتموه لي بشدة. إذ لا ينظر إلى أمور أخرى بجانب الحق. إنني مستعد لقبول أية حقيقة كانت يفرضها الحق ، وان كنت أجهلها ولا اعرفها فاقبلها واضعها على العين والرأس ولا أناقشها وان كانت مخالفة لأنانية النفس الأمارة .
 اخوتي ! نحن في اشد الحاجة في هذا الزمان إلى القوة المعنوية تجاه الضلالة والغفلة. فأنا مع الأسف باعتباري الشخصي ضعيف ومفلس . فليست لي كرامة خارقة كي اثبت بها هذه الحقائق. وليست لي همة قدسية كي اجلب بها القلوب. وليس لي دهاء علوي كي اسخر به العقول، بل أنا بمثابة خادم متسول أمام ديوان القرآن الكريم .
 إن المهمة الجليلة في هذا الوقت هي خدمة الإيمان . إذ هي مفتاح السعادة الأبدية .
 إن هذا الزمان، زمان الجماعة فالأهمية والقيمة تكونان حسب الشخصية المعنوية للجماعة. وينبغي ألا تؤخذ بنظر الاعتبار ماهية الفرد المادية الفردية الفانية ولا سيما شخص ضعيف مثلي لا حول له ولا قوة فإن منحه أهمية تفوق قيمته ألف درجة وتحميل كاهله ألوف الأرطال وهو الذي لا يتحمل رطلاً واحداً لاشك انه ينسحق تحت الحمل هذا .
 كما أن صورة النجاسة في المرآة ليست نجسة، وصورة الحية لا تلدغ، وصورة النار لا تحرق، كذلك لا ضرر من الخواطر النجسة والقبيحة والكفرية التي ترد دون رضى من المرء، وتتمثل في مرايا القلب والخيال دون اختيار منه، فقد تقرر في علم الأصول: إن تصور الكفر ليس كفراً وتخيل الشتم ليس شتماً .
 إن طلاب رسائل النور تحت حماية رحمة الله ونظارة عنايته . ولما كانت مشقات الدنيا تورث الثواب والأجر الأخروي وإنها عابرة زائلة كذلك، ينبغي أن تقابل تلك المصائب بالثبات والصمود مع التحلي بالصبر الجميل ضمن الشكر .
 انه لا يمكن قبول حسن الظن المفرط نحوي ومنحي مقاماً وأهمية تفوق حدي ألف درجة، إلا إذا كان باسم رسائل النور وخدمتها، وكونها داعية ودلالة إلى جواهر القرآن الكريم..
 يا سعيد ! كن صعيداً، في نكران تام للذات وترك كلي للأنانية، وتواضع مطلق كالتراب، لئلا تعكر صفو رسائل النور وتقلل من تأثيرها في النفوس .
 نعم ! إن إيمان شخص واحد إنما هو مفتاح ونور لعالم ابدي خالد أوسع من هذه الدنيا، ولهذا فان رسائل النور تكسب المتعرض إيمانه للهلاك ملكاً اعظم من هذه الكرة الأرضية، وتورثه سلطنة أجدى منها، وتمنحه فتوحات اعظم منها .
 إن خاصية هذا العصر العجيبة هي غلو المسلمين في السذاجة وتسامحهم وتجاوزهم عن خطيئات جناة رهيبين، إذ لو رأى أحدهم حسنة واحدة من شخص ارتكب ألوف السيئات وتعدى على حقوق ألوف العباد، سواء على حقوقهم المعنوية أو المادية، ينحاز إلى ذلك الظالم لأجل تلك الحسنة الواحدة . وبهذه الصورة يشكل أهل الضلالة والطغيان الأكثرية العظمى من الناس رغم انهم قلة قليلة جداً، وذلك لموالاة أولئك السذج لهم . ولأجله ينزل القدر الإلهي المصيبة العامة التي تترتب وتنبني على خطا الأكثرية . بل إن عملهم هذا يعين على دوام المصيبة واستمرارها ، بل على شدتها . حتى يقولوا هم بأنفسهم : نعم نحن نستحق هذه المصيبة .
 ينبغي النظر إلى الأمور بمنظار رسائل النور، والسعي في الخدمة السامية بجد اكثر وشوق اعظم كلما ازدادت المشكلات . لان فتور الآخرين وتخليهم عن الخدمة مدعاة لإثارة غيرة أهل الهمة وتحفيز شوقهم ،إذ يجد نفسه مضطراً إلى حمل شيء من أعبائهم ومهماتهم، بل ينبغي له ذلك .
 نعم، ان المدنية الدنية الظالمة قد عوقبت بكفرانها بالنعمة الإلهية وعدم إيفائها الشكر لله، تجاه ما انعم عليها سبحانه من الخوارق الحضارية، لصرفها تلك الخوارق إلى الدمار حتى سلبت سعادة الحياة كلياً وأردت الناس الذين يعدون في ذروة الحضارة والمدنية إلى أدنى من دركات الوحوش الضالة ،وأذاقتهم عذاب جهنم قبل الذهاب إليها
 اخوتي ! إن مسلكنا دفاع لا اعتداء، تعمير لا تخريب، ونحن محكومون لا حكام . فالذين يتعدون علينا كثيرون لا يحصون . ولاشك أن في مسلكهم حقائق مهمة هي بضاعتنا نحن، فلا حاجة لهم إلينا في انتشار الحقائق فلهم الألوف ممن يقرأونها وينشرونها، فنحن بسعينا لمعاونتهم تتزعزع كثير من الوظائف التي وضعت على كاهلنا ونكون وسيلة إلى ضياع ما يجب محافظته من أسس وحقائق رفيعة تخص الطوائف، كل على حدة .
 فما دامت خدمة الإيمان والقرآن أسمى من أية خدمة في هذا العصر، وان النوعية تفضل الكمية ،وان التيارات السياسية المتحولة المتغيرة وأحداثها المؤقتة الزائلة لا أهمية لها أمام خدمات الإيمان الثابتة الدائمة بل لا ترقى لمقارنتها ولا يمكن أن تكون محوراً لها، فينبغي الاطمئنان بما منحنا ربنا سبحانه وتعالى من مرتبة نورانية مفاضة علينا من نور القرآن المبين .
 فيا اخوتي الأحبة ! الثبات الثبات ،الوفاء الوفاء .. إن طريقنا في السمو والرقي هو الغلو في الارتباط والتساند فيما بيننا والسعي لنيل الإخلاص والاخوة الحقة، بدلاً من الغلو في حسن الظن والتطلع إلى مقامات أعلى من حدنا .
 إن خاصية هذا العصر هي أنها تجعل المرء يفضل - بعلم - الحياة الدنيا على الحياة الباقية. حتى اصبح تفضيل الزجاج القابلة للكسر على الألماس الباقية عن علم، يجري وكأنه دستور وقاعدة عامة .
 نعم، إن الأضرار الطفيفة الموقتة للحياة الدنيوية الفانية القصيرة بالنسبة للحياة الأخروية الخالدة إنما هي كلسع الذباب . بينما أضرار الحياة الأخروية هي كلدغ الثعابين .
 إن هذه الدنيا دار عمل وليس موضع اخذ الأجرة فثواب الأعمال الصالحة وثمراتها وأنوارها تمنح في البرزخ والآخرة وان جلب تلك الثمرات الباقية إلى هذه الدنيا وطلبها في هذه الدنيا يعني جعل الآخرة تابعة لهذه الدنيا .
 إن هذا العصر قد غرز حب الحياة الدنيوية في الإنسان وأجراه في عروقه فجرحه جروحاً بالغة ،حتى ان شيخاً هرماً وعالماً وتقياً صالحاً يطلب أذواق الحياة الأخروية في الدنيا لجريان حكم الأذواق الحياة الدنيوية فيه أولاً .
 إن هذا الزمان - لأهل الحقيقة - زمان الجماعة، وليس زمان الشخصية الفردية وإظهار الفردية والأنانية. فالشخص المعنوي الناشئ من الجماعة ينفذ حكمه ويصمد تجاه الأعاصير. فلأجل الحصول على حوض عظيم، ينبغي للفرد إلقاء شخصيته وأنانيته التي هي كقطعة ثلج في ذلك الحوض وإذابتها فيه وإلا ستذوب حتماً تلك القطعة من الثلج، وتذهب هباءً وتفوت الفرصة من الاستفادة من ذلك الحوض أيضاً .
 في مثل هذه الأوقات العصيبة، وأمام هذه الأحداث الجسام فان اعظم قوة لدينا - بعد قوة الإخلاص - هي قوة " الاشتراك في الأعمال الأخروية " إذ يكتب كل منكم في دفتر أعمال اخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الإمداد والعون إلى قلعة التقوى وخنادقها .
 الانشغال بالأمور الفاسدة فساد أيضاً .
 نحن إذن مع أننا مفلسون ليس لنا شيء أننا أصبحنا خداماً و دلالين في معرض أغلى المجوهرات .
 إن الرياء لا يدنو من الفرض والواجب والشعائر الإسلامية واتباع السنة النبوية الشريفة واجتناب الحرام فإظهار هذه الأمور ليس من الرياء قطعاً ،إلا إذا كان الشخص قد جبل على الرياء مع ضعف شديد في الإيمان بل إن إظهار العبادات التي تمس الشعائر الإسلامية اجزل ثواباً من إخفائها بكثير.
 انه لا تعد من الرياء والعجب قط تلك الأطوار والأوضاع الرفيعة التي يقتضيها مقام أداء الواجب الديني، وجعل الناس يتقبلونه قبولاً حسناً. اللهم إلا إذا كان الشخص يسخر تلك الوظيفة الدينية طوع أنانيته ويستغلها لأغراضه الشخصية .
 إن في كل حادثة يد الإنسان ويد القدر معاً، ولكن الإنسان يظلم حيث ينظر إلى السبب الظاهري، بينما القدر يعدل لأنه يرى السبب الخفي لتلك المصيبة .
 انه في خضم التيارات الرهيبة والحوادث المزلزلة للحياة، ينبغي أن يكون الإنسان على ثبات وصلابة لاتحد بحدود، وضبط للنفس لا نهاية له واستعداد دون حدود للتضحية .
 فانتم يا اخوتي محتاجون ومكلفون في هذه العواصف الهوج اكثر من أي وقت آخر بالحفاظ على ترابطكم واتحادكم وغض النظر عن تقصيرات إخوانكم وعدم نشر الانتقاد فيما بينكم . حذار حذار أن يمتعض أحدكم من الآخر .. فلا ينتقدن أحدكم الآخر .. وبخلاف ذلك فإن إظهاركم ولو قليلاً من ضعف يستغله أهل النفاق فيلحقون بكم أضراراً بليغة .
 فأسفاً، وألف أسف لأهل العلم ولأهل التقوى الضعفاء الذين يتعرضون - في الوقت الحاضر - إلى هجوم ثعابين مرعبة، ثم يتحججون بهفوات جزئية شبيهة بلسع البعوض فيعاونون بانتقاد بعضهم البعض تلك الثعابين الماردة ،ويمدون المنافقين الزنادقة بأسباب لتدميرهم وتحطيمهم، بل يساعدوهم في هلاك أنفسهم بأيدي أولئك الخبثاء.
 ولو حدث تعد وتجاوز علينا، فلا تقابلوه حتى بالدعاء عليهم . إذ إن ذلك المتجاوز أو المتعرض أيا كان، هو أخونا من حيث الإيمان لأنه مؤمن. حتى لو عادانا، فلا نستطيع أن نعاديه بمثل عدائه، حسب ما يرشدنا إليه مسلكنا. لان هنالك أعداء شرسين وحيات لاذعة ونحن لا نملك سوى النور، لا الصولجان، والنور لا يؤلم، بل يلاطف بضيائه، ولاسيما الذين هم ذوو علم فلا تثيروا غرورهم العلمي إن كانوا على غرور وأنانية.
 إن دفع الضلالة والفساد سهل ويسير إن كانت آتية من الجهل ،بينما إزالتها عسير جدا ان كانت آتية من العلم .. ففي هذا الزمان تأتى الضلالة من العلم . لذا لا يمكن إزالتها وإنقاذ من تردى فيها من الجيل المقبل إلا بان يكون لديهم مؤلفا كاملا كرسائل النور .
 أشاهد في كل أمر عسير اثر الرحمة الإلهية ولمعة عنايته تعالى. فلا تتضايقوا إن سعيكم وهمتكم ومعاونتكم لي تزيل كل ضيق وينشر السرور والانشراح دوما .
 إن المظالم والذنوب التي ترتكب في هذا الزمان لا تدع مجالا لطلب الرحمة من الله. وحتى الحيوانات الأبرياء تتأذى من جرائها .
 انه لكثرة اختلاط الحرام في الأموال والأرزاق بسبب تفشي الحيل والغش والرشوة .. يسلب الناس حق الترحم عليهم بسبب الظلم أو عدم الشكر أو خلط الحرام بأموالهم .
 وفي الحقيقة، انه من الصعوبة بمكان، الحفاظ على سر الإخلاص في خضم الصراعات المتنافرة للتيارات الحالية، ومن العسير الحيلولة دون جعل الدين وسيلة لمكاسب دنيوية، لذا فان أفضل علاج لهذا هو الاستناد إلى العناية الإلهية وتفويض الأمر إلى توفيق رب العالمين بدلاً من الاستناد إلى قوة التيارات الحالية. .
 إن جميع المسائل العظمى التي ينهمك بها أهل الدنيا إنما تدور ضمن الدستور الظالم، دستور الجدال والصراع وفي نطاق الحياة الفانية ،بأبشع صورها واظلمها حتى يضحي في سبيلها بالمقدسات الدينية حصولا على حطام الدنيا ،لذا يلقيهم القدر الإلهي في عذاب جهنم معنوية من خلال جرائمهم التي يرتكبونها .
 إن الذين اتخذوا السياسة هدفا لهم يأتي الدين لديهم في المرتبة الثانية ويكون حكمه حكم التابع . أما المتدين حق التدين فيرى العبودية لله تعالى أعظم غايته في الكون، فلا ينظر إلى السياسة نظر العاشق الولهان، بل ينظر إليها - حسب مرحلتها - في المرتبة الثانية والثالثة ويستطيع أن يجعلها أداة طيعة للدين والحقيقة . إذ بخلافه يهون من قيمة الألماس الثمينة إلى قطع زجاجية تافهة .
 إن اعظم إحسان أعده في هذا الزمان واجل وظيفة ،هو إنقاذ الإنسان لإيمانه والسعي لإمداد إيمان الآخرين بالقوة . فاحذر يا أخي من الأنانية والغرور وتجنب من كل ما يؤدي إليهما، بل ينبغي لأهل الحقيقة في هذا الزمان نكران الذات، ونبذ الغرور والأنانية، وهذا هو الألزام لهم ، لان اعظم خطر يأتي من الأنانية والسمعة، فعلى كل فرد من أفراد أهل الحق والحقيقة أن ينظر إلى تقصيرات نفسه ويتهمها دائما ويتحلى بالتواضع التام .
 إن حقيقة خالدة دائمة لا تبنى على أشخاص فانين زائلين . ولو بنيت عليهم لنجم ظلم وإجحاف شديدان إذ المهمة التي لها الدوام والكمال من كل جانب لا تربط بأشخاص معرضين للفناء، ومبتلين بالإهانات . فان ربط الأمر بهم، تصاب المهمة نفسها بضرر بالغ .
 إن الكرامات والكشفيات إنما هي لبث الثقة في نفوس السالكين في الطريقة من الناس العوام الذين يملكون إيمانا تقليديا ولم يبلغوا مرتبة الإيمان التحقيقي، وهي أحيانا لتقوية الضعفاء ممن تساورهم الشكوك والشبهات .
 من المعلوم أن مئات من رياض الدنيا لا توازي شجرة من أشجار الجنة، وذلك لان الأولى فانية والثانية خالدة . وان أحاسيس الإنسان المادية وهي أحاسيس مطموسة تعجبها اللذة العاجلة، فتفضل ثمرة حاضرة على روضة آجله من رياض الجنة الباقية، لهذا لا يسأل طلاب النور الأذواق الروحانية والكشفيات المعنوية في الدنيا . فلا تستغل النفس الأمارة هذه الحالة الفطرية في الإنسان .
 إن ما نراه من حصيلة خدمتنا وجهدنا في ترسيخ الإيمان وتحقيقه في قلوب ألوف المؤمنين، لكاف لخدمتنا هذه ،بحيث لو ظهر من هو بمرتبة عشرة أقطاب من الأولياء الصوفية، واستطاع سوق ألف من الناس إلى مراتب الولاية، فان عمله هذا لا ينقص من أهمية عملنا وقيمته ولا من ثمراته شيئا .
 اخوتي ! عليكم بمنتهى الحيطة والحذر .. وإياكم إياكم أن تفتحوا باب النقاش مع العلماء . بل يجب التعامل معهم بالحسنى والمصلحة على قدر الإمكان، فلا تتعرضوا لغرورهم العلمي حتى لو كان أحدهم ميالا إلى البدع ومستحدثات الأمور . لان الزندقة الرهيبة تجاهنا . فيجب عدم دفع هؤلاء المبتدعين إلى صف الملحدين .
 حب الظهور وكسب إعجاب الناس .. كل ذلك مناف ومخالف للإخلاص الذي هو أساس من أسس مسلك النور وطريقه . فنحن نجفل ونهرب مذعورين من هذه الأمور باعتبارنا الشخصي ، ناهيك عن الرغبة فيها .
 إذا مت تزداد خدمة النور - للقرآن والإيمان - وتتوضح وتتبين بإخلاص أتم، بلا حساد ولا اتهامات، فضلاً عن النجاة من آلام التكلف الثقيلة المقيتة، والخلاص من أثقال العجب وأضرار التصنع بدلا من ذوق جزئي موقت لا أتحراه - في هذا الزمان - ولذة ناشئة من رؤية فتوحات النور بنظر الدنيا .
 إن هناك تيارات قوية تجعل أهل الإيمان في حيرة من أمرهم حيث تبدل الشعائر الإسلامية، ويشن هجوم عنيف على القرآن والإيمان، لذا لا ينبغي فتح باب المناقشة في الأمور الفرعية الجزئية التي تسبب الاختلاف إزاء هذا العدو اللدود . .
 إنه لا يليق بالمؤمن الحصيف ولا بوظيفته المقدسة في هذا الوقت أن يهمل الذين ينزلون ضرباتهم القاضية بالإسلام فعلا ممن يستحقون اللعنة والذم بألوف المرات ويذهب إلى أزمان غابرة ليتحرى في الأحوال التي لم يأمر الشرع بالتحري فيها والتي لا جدوى منها بل فيها ضرر. .
 إن من الضروري ترك العداء الصغير الطفيف الداخلي لدى هجوم الأعداء الضخام الخارجيين. إذ بخلاف ذلك سيكون الأمر في حكم العون للعدو الكبير الخارجي. ولهذا فعلى المنحازين من المسلمين إلى جهة من الجهات ضمن دائرة الإسلام، أن يتناسوا تلك العداوات الداخلية موقتاً، كما تقتضيه مصلحة الإسلام.
 إن المسلم يختلف عن أفراد الأمم الأخرى، إذ لو تخلى عن دينه فلا يكون إلا إرهابيا فوضويا لا يقيده شيء أيا كان، بل لا يمكن إدارته بأي من وسائل التربية والإدارة إلا بالاستبداد المطلق والرشوة العامة .
 إننا لا نجعل الدين أداة للسياسة، فليس لنا غاية إلا رضاه تعالى، ولن نجعل الدين أداة لا للسياسة ولا للسلطة ولا للدنيا برمتها . هذا هو مسلكنا .
 إن اخطر شيء في هذا الزمان هو الإلحاد والزندقة والفوضى والإرهاب. وليس تجاه هذه المخاطر إلا الاعتصام بحقائق القرآن .
 إن الذين يشنون هجومهم على الدين يريدون أن يرجعوا بالبشرية إلى عهود البداوة والجهل بقانون أساس ودستور جار لديهم متسترين باسم المدنية، والذي يفني سعادة البشرية وراحتها وعدالتها وسلامتها فهم يريدون أن ينفذوا هذا القانون في بلادنا المنكوبة فيزرعون بذور الشقاق والاختلاف وبلبلة الأفكار بالتخريب وصولا إلى مآرب شخصية وإشباعا للحرص والعناد .
 إن رسائل النور التي هي ثمرة واحدة ونتيجة عظيمة كلية لنشاط العلم والمعرفة في الشرق جديرة بأن تلقى اهتمام العاملين للإسلام وهذه الأمة والعالم الإسلامي . .
 حذار حذار .. لا تفسحوا المجال لانتقاد بعضكم البعض الآخر فيستغل أهل الضلالة اختلاف مشاربكم وعروقكم الضعيفة وحاجاتهم المعاشية . صونوا آراءكم من التشتت بإقامة الشورى الشرعية بينكم، اجعلوا دساتير"رسالة الإخلاص" نصب أعينكم دائماً.


* ملاحظة:الاسماء الواردة في نهاية بعض الفقرات هم تلاميذ الاستاذ النورسي .