المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوما ما !!



هانى عادل
30/01/2007, 02:38 PM
يـوما مـا


هل نظرت مرة في صباح أحد الأيام بعد أن استيقظت مباشرة في المرآة .. و بيد تحاول أن تزيل أثر بخار مترسب فوقها و عيون نصف مغلقة تحاول أن تتبين وجهك . لقد فعلها هو هذا الصباح .. و لكنه ما لبث أن عاد مرة أخرى في هدوء تام داخل كادر المرآة بعد أن ابتعد .. ليدلك عينية .. مقتربا من المرآة ليجد أن وجهه .. اختفى .

كان يعرف نفسه و اسمه و مكانه و زمانه .. حتى أن حارس بيته كان يحييه كالعادة . و رجال الأمن في عملة تعرفوا عليه و فتحوا له الباب على مصراعيه .. و في مكتبة كل من تحت يده .. عاملوه بشكل طبيعي . الكل تعرف عليه ما عدا واحد .. هو .

ألقى حقيبته فوق أريكته .. و فك رباط عنقه في ضيق .. و ضغط فوق أزرار الريموت ليخفض من إحساسه بالحرارة الشديدة . و ارتمى على كرسيه دافعا إياه إلى الخلف مغمضا عينية تتسارع أنفاسه . و تتقاتل الأفكار و الصور في رأسه .. و فجأة فتحها تكاد تخرج من محجريها .. ضاغطا بيده على رأسه .. صارخا " من أنا ؟ ". اندفع حرسه الخاص و سكرتيرته على أثر صرخته و حاولوا مساعدته و لكنه دفعهم بعيدا عنه و خرج مترنحا يتمايل كل ما حوله و كأنه في سفينة تتقاذفها الأمواج .

فتح الباب إلى الطريق .. إلى الشارع .. مغمض العينين .. فاتحا ذراعية مستقبلا تيار الهواء القوي ساحبا إياه بأنف متلهفة . و بعد لحظات من التنفس بعمق شديد .. شهيق زفير .. فتح عينه .. و لكنه لم يجد الشمس . ظلام . لم يكن لدية اختيار .. لذا فقد تحرك دون أن ينظر خلفه .. تتثاقل قدماه في خطواتها .. و يختفي من طريقة تدريجيا ضوضاء الناس .. ملامحهم .. اياديهم الممتدة نحوه .. حتى .. تلاشوا تماما و أصبح وحده .

سار ينظر حوله بعيون طفل وليد يرى العالم لأول مرة .. هنا و هناك لم يكن سوى أكوام من القمامة و الصناديق الفارغة . بين الأبراج العالية كانت تتكون .. وبينها وجد الأوراق .. تلك الأوراق التي زين بها حائط غرفته الصغيرة عندما كان شابا .. إنها أوراق أحلامه .. كلها .. كانت .. هنا . بين أكوام القمامة . أمسك أو حاول أن يمسك بإحداها .. ولكنها تحولت إلى رماد حمله الهواء حتى وصل إلى فتحة صغيرة تحت قدميه .. تطل منها عيون بريئة خائفة سرعان ما اختفت .. و سرعان ما نزل إليها .. ليجدهم مجموعة من الأطفال مع أمهم .. خائفين مرتعدين .. يقفون في جانب من هذه الحفرة الحقيرة التي انتشر فيها هوام الأرض ملتصقين في بعضهم البعض . حاول الاقتراب منهم ليهدئهم و لكنهم ابتعدوا في رعب صارخين .. و ما أن حاول لمسهم حتى صرخوا صرخة كادت تخرق أذنه .. و تحولوا إلى رماد وضاع صوتهم في غياهب المكان .

تراجع خائفا .. و خرج مسرعا يطارده غراب يشدة من ملابسة .. قاومه و هرب مرتعدا.. حاول الإحتماء بشجرة .. تساقطت أوراقها و تفتتت .. حاول الهرب في طريق آخر .. ولكن المتاريس منعته .. فإستمر في الدوران حول برجه .. ووصل الى عربته .. أمسك بابها لم يفتح .. وتحولت الى كتلة مصمته تنكمش في ذاتها .. ابتعد ناظرا نحوها ونحو ذلك الغراب في خوف .

حاول العودة لأوراق أحلامة ولكنه وجد الأرض خلفة غائرة عند كل خطوة من خطواته .. و رأى الغراب يقترب منه فاسرع هاربا -تغور الأرض خلفة حول برجه- وعند بابه توقف .. وحط الغراب على الأرض يحفر بمنقاره الأرض ناظرا بين الحين والأخر نحوه . لم يكن هناك سوى خطوة يخطوها لتكتمل الدائرة حول برجه . و فجأة .. علت الصرخات و اندفع الناس من باب البرج خائفين .. ينظرون نحوه في غضب شديد ووقفوا بعيدا عنه متكاتفين .

بينما نظر هو الى برجه .. تلك الكتلة السوداء التي انتشرت فيها النقط البيضاء .. والتي أخذت تتلاشى واحدة تلو الأخرى .. ولم يبق سوى نقطة واحدة فقط باقية في أعلاه . ثبت في مكانه حائرا .. شعر بأن الهواء ينسحب من حولة .. و بأن صدرة يضيق . بينما ينظر الكل نحوه في ترقب .. و الغراب ما زال يحفر في الأرض .. بينما أخذت النقطة البيضاء تضعف شيئا فشيئا .. و أوراق أحلامة تسقط من أعلى البرج فوق رأسة . نظر الى الجميع يعتصر الدمع .. و شهقوا حين ..
أغمض عينية .
هانى عادل

عبلة محمد زقزوق
01/02/2007, 12:40 PM
هـكذا تضيع عنا هويتنا ولا ندرك كنيتها إلا في لحظات النزع الأخير فنحاول التشبث بالحياة لنعيد تصحيح الأوراق ... فتبتعد عنا صحائفنا وجميع الهوام ... ولا يبقى أمامنا إلا وجه الكريم نلقاه .
تقديري لكاتب استطاع قيادة المداد بمهارة الفكر الروحاني ليصل بنا لحقيقة أمرنا ... فإلى اللَّه المآل .

هانى عادل
02/02/2007, 01:10 AM
أ عبلة
سيدتي الفاضلة
شكرا على مرورك الكريم وردك
بالفغل نحن تائهون وفي النهاية ..
لا نعلم .. ننسى ..
أن هناك نهاية ..
تحياتي