بنده يوسف
02/10/2009, 05:31 AM
تركيا بين حرفين
" قراءة فى حركة تركيا الحضارية والفكرية والأدبية بين حرفين ؛ محاولة لفهم الهوية التركية ، بعدما حاولت بعض الأقلام تقديم تركيا من خلال قراءة ومنظور واحد ؛ ليكون المثال المحتذى ، وخالص الشكر والتقدير للراقية الفاضلة الأستاذة : منى مصطفى الباحثة فى الدراسات التركية بالجامعة المصرية ، لما تناولته معنا من جلسات نقاش وحوار معرفة ، يرتقى برفعة حسها الأدبي والعلمى ، فلها منا جزيل الشكر على حوارها ونقاشها الواعى "
كل مجتمعات الشرق نالت نصيب من التغيير فى الهوية والمسار الحضارى ، وتشابهت أنماط وآلية هذا التغيير فى بعض من هذه الدول الشرقية – ففى مصر يرسل محمد على باشا بعثات طلابه إلى فرنسا وإيطاليا ليعودوا بوجه مصر الحداثى الجديد ، وعلى يد الطهطاوى تترجم التليماك ويتفجر من حكاياتها والفاظها عهد جديد فى كل شئ ؛ مفهوم الحكم والسلطة والمواطن والمشاركة السياسية ؛ ومفهوم الأدب وغايته والحلة الجديدة منه بالأنماط الجديدة للأدب ؛ الرواية وحكاية الطفل والمسرح ،...... .
وفى ايران فى عهد القاجار ظهرت المشروطة أو مايسمى بالحركة الدستورية ، وكانت تعد العامل الاكبر فى تغيير وجه إيران على كافة الجوانب السياسية والإجتماعية والأدبية ؛ فالمشروطة أظهرت حالة من التغيير طال كل شئ حتى تعبيرات الشعراء ، وسطور المقال ، وظهر حالة من أهمية التجديد الحضارى والوعى السياسي والمشاركة ؛ حتى أن الايرانيون سموا مجلس البرلمان لحظتها بــ ( عدالت خانه ) أى بيت العدل .
وفى تركيا فى عهد السلطان عبد المجيد تلا رشيد باشا أمام كبار رجال الدولة والشعراء والسفراء فى ميدان قصر
( كلخانه ) ما عرف بفرمان التنظيمات ، ومنه يتغير مناخ تركيا السياسي والعسكرى والحضارى ، وتدخل تركيا فى مرحلة التواصل مع تمدن الغرب وحداثته على كافة نواحى وأوجه الحياة .
الإتصال بثقافة الآخر فى حد ذاته كان يمثل تهمة يبنى عليها الرافض كل توجيه إتهاماته لأصحاب التنوير والتجديد ؛ فالمراقب لشخصية تنويرية كرفاعة الطهطاوى من خلال أعماله او من خلال نافذة ثقافية كمجلة ( روضة المدارس ) التى كانت تمثل وجه مصر الثقافى والتعليمى على مدار سنوات ثمانية ؛ يدرك أن كل التهم التى وجهت لشخص كرفاعة جاءت من وضع الرافض له فى خانة ( المتآمر ) وما نسميه الآن بمنهج نظرية المؤامرة .
فالمشاهد لحركة الطهطاوى الحضارية يجد أنها كانت تخدم فكرة التجديد ؛ أى تحريك ماء التراث القديم ، وخروجه من مرحلة الركود والعطن ، ولم يكن الأمر يمثل حالة من الإنسلاخ أو نفض الذات كما صور البعض ؛ وإنما إيصال الذات لحالة العنفوان الحضارى بإتصالها بمصادر حضارة تعيش حالة من النضج الحضارى .
كل هذه الحركات التحديثية ، لم تحمل نوايا الإنسلاخ ومحو الهوية ، ولا حتى الإندماج بمعنى الإنصهار وإنما التواصل والتلقي المعرفى والحضارى .
لكن فى تركيا الثورة الكمالية ، أو بلغة التعريف اليساري ( الإنقلاب الكمالى ) يتباين الغاية من هذا الإتصال الحضاري ، فكمال اتاتورك يقدم على حركة تلاقت مع أهداف كثير من مستشرقى الغرب فى تغيير شكل البيت الشرقى بما يخدم حضارتهم أكثر مما يخدم الشرقى نفسه ، فالمستشرق ماسينيون تمنى أن تكتب العربية فى مستعمرات فرنسا بالحرف اللاتينى ليعزلهم عن ثقافتهم العربية والشرقية ويندمجوا بهوية المستعمر الجديدة .
وكارل فولرس يسبق ماسينيون فى رغبته ، فيشرف على دار الكتب فى مصر ، ويعمل على نبذ الحرف العربي ليحرم العربي من كنوز دار الكتب ، والإنجليزى سلدون ولمور الذى تولى القضاء بالمحاكم الأهلية بالقاهرة ، عمل بإستناده على الإحتلال الإنجليزى على القضاء على الثقافة العربية بدعوته إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية ؛ والامثلة عديدة ...........
عند الحديث عن أتاتورك تكون الكتابات كما اعتدنا بين التمجيد والتحقير ؛ لكن ليقترب المراقب من أى متحف من متاحف كمال اتاتورك ، هى كثيرة صحيح ؛ فكل مكان حل به مصطفى كمال صار متحفاً ، فى قونية ، بورصه ، ازمير ، اوشاك .
كأن اتاتورك أراد تركيا أن تخرج من تقديس الرمز الدينى ، إلى تقديس الرمز العسكرى ، لكن ليكن متحفنا متحف كمال اتاتورك فى استانبول فى شارع "خلاصكار غازي" في منطقة شيشلي ، على بعد محطتان من منطقة التقسيم الشهيرة باستانبول ، تدخل المتحف تجد لوحة عملاقة تأطر الوجه الجديد لتركيا وهى ( الأبجدية اللاتينية ) ، أعلى هذه الأبجدية تجد صورة كمال أتاتورك تتصدر اللوحة ، هكذا فعل وهكذا أراد ..........
بين ليلة وضحاها يستقيظ التركى ليجد نفسه لا يعرف نفسه ، وإلى يومنا يعيش حالة من الإزدواجية وشتات الهوية .
عزلت الأبجدية الجديدة ؛ التركى عن كل مصادر تراثه القديم ، وتلقفته هوية الاغتراب ، وعاش الاغتراب فى كل شئ الهوية والحرف والفكر ، حتى أنه عندما أراد التواصل مع موروثه بعدما ضاقت عليه حالة الاغتراب وعدم القدرة على الإندماج والانصهار بالغرب ؛ أعاد قراءة هذا التراث بشكل يخرجه عن معناه الحقيقى كأن يكتب أحد كتاب الترك اليوم عملاً بعنوان مولانا الرومى وتأسيس هوية الإلحاد والوجودية ، عمل الكاتب على أنسنة تراثه لتستسيغ أفكاره على تقبله ، ولكن للآسف عاش حالة أخرى من الفصل والاغتراب .
لايمكن مقاربة اتاتورك بالطهطاوى فى هدفية حركته بأى شكل من الأشكال ، فاتاتورك كان صريحاً فى حركته ، وهى عزل التركى عن كل مصادر ثقافته الشرقية ، التى كانت تفيض عليه من الرسم العربي للغة ، ولم يكن هناك ثمة دلالة على غاية التجديد والإحياء ، وإنما البتر والمسخ لهوية كانت والآن بادت .
محو الذاكرة الحضارية
فكرة محو الذاكرة الحضارية لم يبتدعها اتاتورك فقد سبقه سامي فراشري (1850-1904) فكان أول من دعا إلى كتابة الألبانية والتركية بحروف لاتينية . لكن اتاتورك كان ديكتاتوراً بمعنى الكلمة استغل عصاه فى فرضية حرفه على تلميذه .
فالمظاهر التى أبداها مصطفى كمال تنم عن شخصية عنصرية أكثر منها وطنية ، فتنكره للحرف الكردى وللهوية الكردية جعل منه حتى يومنا هذاً رمزاً للكره والعداء عند الكرد . فلم تكن أفكاره ترسم دولة المواطن التركى والمواطنة ، بقدر ما كانت ترسم دولة العنصر التركى .
يصدر اتاتورك قانوناً يحرم الرسم العربي فى اللغة التركية ، ويحفز أساتذة اللغة على نفى كل مفردة غير تركية من اللغات الحضارية المساهمة فى تكوين الارث التركى ، الفارسية والعربية والكردية .
يرفع الأذان باللغة التركية ، وتقام الصلاة بالتركية ، وحينما يعترض رجال الدين ، يرد اتاتورك " ألا يعرف الله التركية !!! "
وكأن اتاتورك لايدرك أنه صنع أزمة ........ وكأن هؤلاء هم فاعليها .
كل من أصر على النمط القديم ؛ عُلق جسده أمام مسجده ، أو شنق باسم الدستور الجديد ، وعاشت البلاد حالة من المرار لازالت ذكراها فى الأذهان حتى الآن .
ومع الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية ؛ كانت النوايا صريحة ، فلا هى حداثة أو تطوير وإنما محو ذاكرة وتغريب ؛ ففى هزلية ساخرة ؛ المصاحف والكتب الدينية جُمعت ووضعت على ظهور جمال ، يقودها رجل بهيئة عربية متجهاً بها صوب الجزيرة العربية ، والجمال يصحبها لافتة تقول : " قدمت من الصحراء ، فلتعد إلى الصحراء، وفدت من العرب، فلترجع إلى العرب ".
هكذا تغير المناخ ، وحدثت حالة من البتر لأمس واليوم حيث انعزلت حركة الأدب عن ماضيها وتراثها ، وظهر لنا الأدباء بوجهين : أديب التراث وهو ما يمثل روح الشرق ، وأديب المعاصرة وهو مايمثل الأديب صاحب الروافد الغربية .
صار القلم يستمد مداده من محبرة غربية ، ولم يعد هناك مايسمى بالإنسجام والتواصل بالموروث ، لم يعد يعرف المثقف أسماء أدبية طالما عمرت المنابر الثقافية بحروفهم بداية من شناسي ــ وخالد ضيا اوشاق ــ وسامي باشا زاده ــ وحسين رحيم غيوربينار ــ وأحمد حكمت مفتي – وضيا باشا ؛ كل الموروث صار كأنه يعبر عن أمة بائدة أو عن موروث لمرحلة من إحتلال عدو ، والآن تلفظه النفوس .
حتى التاريخ ؛ صاغته السياسة ، فطالما التاريخ وجدناه يكتب بلغة سيف السلطة ، ولا يرسم إلا وجه واحد .
رسمت صورة التاريخ القديم فى ذهنية التركى بشكل ملئ بالصور المرعبة والموحشة ، ولم يعد يعرف التركى صورة واضحة لتاريخ تركيا إلا الصورة التى رسمها اتاتورك ، حتى من حاول إيضاح الحقائق ، وإسقاط اتاتورك من عتبة القداسة ؛عدوه عدواً للأمة التركية جمعاء ، صار اتاتورك رمز كل مقدس ، ومادونه رمز للدنس .
حاولت المؤسسة الكمالية الحفاظ على رسم هذه الصورة وعدم إهتزازها فى ذهنية التركى بكل سبيل وطريق ، حتى أنها منعت نشر اى مذاكرات شخصية لكل شاهد عصر حاكى أحداث تلك الفترة .
فمذكرات السلطان عبد المجيد وهو آخر سلطان عثمانى ، ممنوعة بحالة من الحجر ؛ فلم تنشر حتى الآن ، وتحتجزها لجنة التاريخ التركى بعلة إساءتها للرمز القومى مصطفى كمال اتاتورك ، وغيرها من المذاكرات للقادة العسكر الذين عايشوا اتاتورك ؛ صارت مذكراتهم أغلى من الجوهر وتحتجزها حزائن من فولاذ .
البعث ينهض
رغم الآلة الحادة التى حفر بها اتاتورك حروفه فى أذهان التركى ؛ إلا أن مبضعه عانى الكثير ، وأفشلته حقائق الأيام .
وما قام به الشيخ سعيد بيران من ثورة كانت نواتها العشائر الكردية لدرجة أنها أربكت الحكومة التركية وهددت ثبات نظامها ، وتم القضاء على الثورة ، وإعدام كل من شارك فيها ، حتى أنها شوهت فى مبناها وهدفيتها وترسم فى التاريخ التركى اليوم بأنها ثورة إنفصالية .
كان الشيخ بيران يمثل أحد الوجوه التى رفضت الوجه الكمالى ، وأعلنت رفضها بالنار والثورة ، إلا أنه كان هناك تيار آخر حاول الحياد ، واتخذ من ساحة العقول السبيل نحو التغيير ، فالشيخ بيران طالب من الشيخ سعيد النورسي على لسان حسين باشا الإنضمام للثورة وإمدادها برجال رسائل النور ؛ إلا أن النورسي كان معارض للتغيير من خلال هذا الطريق ، ورد قائلاً برسالة نصية إلى الشيخ سعيد : " "إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام، وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء، فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية، وأنا أيضًا لا أستلُّه عليهم" .
ورغم سلمية حركة وإتجاه الشيخ سعيد النورسي ؛ لم ينجُ بديع الزمان من قبضة السلطة الكمالية الحديدية ؛ فنفي مع الكثيرين وشردوا من مكان لآخر وكأنهم عار على مجتمعهم ؛ نفى إلى بودرو وهناك يلتف حوله الناس ، فيواصل المنفى إلى بارلا ، استغل النورسي رحلات منفاه فى التواصل مع الأرض والسماء ، فكان يلقى دروسه على تلميذه ، ويتفكر فى حركة قدرة الله فى الكون ، ويملى على تلميذه رسائل إيمانية فكرية عرفت باسم رسائل النور ، فعرف طلابه باسم طلاب النور .
برغم تنوع الإتجاهات الفكرية فى مبنى المجتمع التركى ؛ إلا أن جماعة النور حققت التغيير الأكثر لحاظاً فى وجه تركيا فبدأت الرسائل تنسخ على يد نساخ كعهد الإسلام الأول ، فالمطابع يحرم فيها طبع أى نص له ملمح دينى ، وتناسخت الرسائل من بيت إلى بيت ومن يد إلى يد ، وظلت حركة طلاب النور تعمل فى الظلام ، فأى مؤسسة لها وجه دينى يتم إغلاقها ، ولذلك ليس لطلاب النور إلا العمل فى الظلام .
ظل الأمر هكذا حتى تنامى تيار طلاب النور ، وكانت الإنفراجة الأولى عندما ساندت الجماعة الحزب الديمقراطى بقيادة عدنان مندرس ؛ نكاية فى الحزب الجمهورى ، وبرغم علمانية مندرس إلا أنه كان يحمل روح الديمقراطية ، والقومية الرحبة ، فعاد الأذان بالعربية ، وعادت الدروس الدينية ، وفتح أول معهد دينى ،وعادت لتركيا شئ من لباسها القديم ، ورغم أن العيون لحظتها ملئت بدموع الفرح ، وسجدت الأعناق شكراً لله ؛ إلا أن هناك من خاف على وجه تركيا العلمانى ، وثار على مندريس ، وخرج الجيش بسيفه مرة أخرى ليسقط الهلال ، ويعدم مندريس وتنطفأ فرجة الأمل طوال عهود حزبية تداولت ادوارها بين حزب الشعب والحزب الجمهورى وحزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم ؛ إلى أن يبزغ للحزب الإسلامى نجوم تتناوب بين الإسلامية وبين الليبرالية ، فمع ظهور حزب الرفاة بقيادة أربكان تعيش تركيا حالة من التغيير والديمقراطية ، وطال التغيير كافة أوجه تركيا ، فأعاد لتركيا دورها فى مسار قضايا العالم الإسلامى ، وبعقليته الهندسية أدخل تركيا فى طفرة صناعية ، ورغم محاولة اربكان تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلماني ، إلا أن التغيير الذى أحدثه أربكان أزعج مراكز العلمانية من انتزاع جذورها ، فخرج السيف ( الجيش ) مرة أخرى لينتزع هلال أربكان ، وحتى يومنا هذا يتلون الهلال بألوان لا تثير عليه سخط عيون السيف ، بداية من الفضيلة حتى العدالة والتنمية .
ورغم أن الجيش فى تركيا هو حامى الحرملك الكمالي ؛ فعندما تتقدم إلى الخدمة العسكرية ، ترى مدى الذعر من تسرب الوجه الإسلامى لبنية الجيش ، فيتم التحرى عن المتقدم للخدمة العسكرية بشكل يحدد مصيره بين المقدس والمدنس ؛ بل ربما تجد لحظة الكشف الطبي ، البحث عن أى دلالة تدل على على كون الجندى يصلى أم لا ؛ كالعلامة السوداء التى تتكون فى جنب القدم من جلسة قعود الصلاة .
ورغم كل هذا الحصار بقوة السيف الكمالى لم تمنع هذه القوة وجه التغيير القادم من الحركات المغايرة للعلمانية الكمالية على وجه تركيا ، فحركة طلاب النور ؛ صارت المفرخة التى يبزغ منها كل يوم فصيل إسلامى جديد ، فظهرت جماعة فتح الله كولن ، وجماعة الجيل الجديد ، وجماعة وقف الزهراء ، وجماعة الخدمة ، وجماعة آسيا الجديدة ، وكل هذه الجماعات لايظهر الخلاف واضحاً بينها ، فالخلاف فيما بينهم أشبه بالخلاف بين الشيخ محمد عبده والأفغانى ، فمحمد عبده كان يرى الإصلاح من خلال منظمة التربية والفكر ؛ فى حين الأفغانى كان يرى الإصلاح لا ثبات له دون الوصول للمؤسسة النظامية ، هكذا الخلاف كان بينهم فى منهج الإصلاح .
أسهمت كل هذه الحركات مع الجماعات صريحة الهوية الصوفية فى تغيير وجه تركيا وتخفيف حدة العزلة بين ماكان ومايكون . وأسهمت فى عودة كثير من المؤسسات التى حافظت على الوجود الإسلامى امام الشراسة العلمانية الكمالية ، فأسسوا مئات المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية ، وبضع جامعات خاصة ، أشهرها جامعة الفاتح ، مع إنشاء قاعدة إعلامية عريضة تخدم الوجه الإسلامى بتركيا كمجلة سيزنتى ، ومجلة الأمل الجديد ، ومجلة فونتن ، ومجلة إيكولوجي ، وجريدة آسيا الجديدة ، وجريدة الجسر ، ومجلة الوقت ،.......
بل هناك بعض من الإذاعات أشهرها إذاعة مورال ذات الخط الإسلامى التوفيقى ، وصاحبة الوجوه الإذاعية المحبوبة فى الأوساط التركية كمحمد باقسو ، وجمال اوشاق ، وياوز بهادير اوغلو ....... وكل هذه المؤسسات تخدمها قاعدة إقتصادية صاحبة مشاريع كبرى له الدور الأكبر فى تحديث وضع تركيا الإقتصادى ووضعها على الخارطة الإقتصادية مع المنافس الأوروبي .
" قراءة فى حركة تركيا الحضارية والفكرية والأدبية بين حرفين ؛ محاولة لفهم الهوية التركية ، بعدما حاولت بعض الأقلام تقديم تركيا من خلال قراءة ومنظور واحد ؛ ليكون المثال المحتذى ، وخالص الشكر والتقدير للراقية الفاضلة الأستاذة : منى مصطفى الباحثة فى الدراسات التركية بالجامعة المصرية ، لما تناولته معنا من جلسات نقاش وحوار معرفة ، يرتقى برفعة حسها الأدبي والعلمى ، فلها منا جزيل الشكر على حوارها ونقاشها الواعى "
كل مجتمعات الشرق نالت نصيب من التغيير فى الهوية والمسار الحضارى ، وتشابهت أنماط وآلية هذا التغيير فى بعض من هذه الدول الشرقية – ففى مصر يرسل محمد على باشا بعثات طلابه إلى فرنسا وإيطاليا ليعودوا بوجه مصر الحداثى الجديد ، وعلى يد الطهطاوى تترجم التليماك ويتفجر من حكاياتها والفاظها عهد جديد فى كل شئ ؛ مفهوم الحكم والسلطة والمواطن والمشاركة السياسية ؛ ومفهوم الأدب وغايته والحلة الجديدة منه بالأنماط الجديدة للأدب ؛ الرواية وحكاية الطفل والمسرح ،...... .
وفى ايران فى عهد القاجار ظهرت المشروطة أو مايسمى بالحركة الدستورية ، وكانت تعد العامل الاكبر فى تغيير وجه إيران على كافة الجوانب السياسية والإجتماعية والأدبية ؛ فالمشروطة أظهرت حالة من التغيير طال كل شئ حتى تعبيرات الشعراء ، وسطور المقال ، وظهر حالة من أهمية التجديد الحضارى والوعى السياسي والمشاركة ؛ حتى أن الايرانيون سموا مجلس البرلمان لحظتها بــ ( عدالت خانه ) أى بيت العدل .
وفى تركيا فى عهد السلطان عبد المجيد تلا رشيد باشا أمام كبار رجال الدولة والشعراء والسفراء فى ميدان قصر
( كلخانه ) ما عرف بفرمان التنظيمات ، ومنه يتغير مناخ تركيا السياسي والعسكرى والحضارى ، وتدخل تركيا فى مرحلة التواصل مع تمدن الغرب وحداثته على كافة نواحى وأوجه الحياة .
الإتصال بثقافة الآخر فى حد ذاته كان يمثل تهمة يبنى عليها الرافض كل توجيه إتهاماته لأصحاب التنوير والتجديد ؛ فالمراقب لشخصية تنويرية كرفاعة الطهطاوى من خلال أعماله او من خلال نافذة ثقافية كمجلة ( روضة المدارس ) التى كانت تمثل وجه مصر الثقافى والتعليمى على مدار سنوات ثمانية ؛ يدرك أن كل التهم التى وجهت لشخص كرفاعة جاءت من وضع الرافض له فى خانة ( المتآمر ) وما نسميه الآن بمنهج نظرية المؤامرة .
فالمشاهد لحركة الطهطاوى الحضارية يجد أنها كانت تخدم فكرة التجديد ؛ أى تحريك ماء التراث القديم ، وخروجه من مرحلة الركود والعطن ، ولم يكن الأمر يمثل حالة من الإنسلاخ أو نفض الذات كما صور البعض ؛ وإنما إيصال الذات لحالة العنفوان الحضارى بإتصالها بمصادر حضارة تعيش حالة من النضج الحضارى .
كل هذه الحركات التحديثية ، لم تحمل نوايا الإنسلاخ ومحو الهوية ، ولا حتى الإندماج بمعنى الإنصهار وإنما التواصل والتلقي المعرفى والحضارى .
لكن فى تركيا الثورة الكمالية ، أو بلغة التعريف اليساري ( الإنقلاب الكمالى ) يتباين الغاية من هذا الإتصال الحضاري ، فكمال اتاتورك يقدم على حركة تلاقت مع أهداف كثير من مستشرقى الغرب فى تغيير شكل البيت الشرقى بما يخدم حضارتهم أكثر مما يخدم الشرقى نفسه ، فالمستشرق ماسينيون تمنى أن تكتب العربية فى مستعمرات فرنسا بالحرف اللاتينى ليعزلهم عن ثقافتهم العربية والشرقية ويندمجوا بهوية المستعمر الجديدة .
وكارل فولرس يسبق ماسينيون فى رغبته ، فيشرف على دار الكتب فى مصر ، ويعمل على نبذ الحرف العربي ليحرم العربي من كنوز دار الكتب ، والإنجليزى سلدون ولمور الذى تولى القضاء بالمحاكم الأهلية بالقاهرة ، عمل بإستناده على الإحتلال الإنجليزى على القضاء على الثقافة العربية بدعوته إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية ؛ والامثلة عديدة ...........
عند الحديث عن أتاتورك تكون الكتابات كما اعتدنا بين التمجيد والتحقير ؛ لكن ليقترب المراقب من أى متحف من متاحف كمال اتاتورك ، هى كثيرة صحيح ؛ فكل مكان حل به مصطفى كمال صار متحفاً ، فى قونية ، بورصه ، ازمير ، اوشاك .
كأن اتاتورك أراد تركيا أن تخرج من تقديس الرمز الدينى ، إلى تقديس الرمز العسكرى ، لكن ليكن متحفنا متحف كمال اتاتورك فى استانبول فى شارع "خلاصكار غازي" في منطقة شيشلي ، على بعد محطتان من منطقة التقسيم الشهيرة باستانبول ، تدخل المتحف تجد لوحة عملاقة تأطر الوجه الجديد لتركيا وهى ( الأبجدية اللاتينية ) ، أعلى هذه الأبجدية تجد صورة كمال أتاتورك تتصدر اللوحة ، هكذا فعل وهكذا أراد ..........
بين ليلة وضحاها يستقيظ التركى ليجد نفسه لا يعرف نفسه ، وإلى يومنا يعيش حالة من الإزدواجية وشتات الهوية .
عزلت الأبجدية الجديدة ؛ التركى عن كل مصادر تراثه القديم ، وتلقفته هوية الاغتراب ، وعاش الاغتراب فى كل شئ الهوية والحرف والفكر ، حتى أنه عندما أراد التواصل مع موروثه بعدما ضاقت عليه حالة الاغتراب وعدم القدرة على الإندماج والانصهار بالغرب ؛ أعاد قراءة هذا التراث بشكل يخرجه عن معناه الحقيقى كأن يكتب أحد كتاب الترك اليوم عملاً بعنوان مولانا الرومى وتأسيس هوية الإلحاد والوجودية ، عمل الكاتب على أنسنة تراثه لتستسيغ أفكاره على تقبله ، ولكن للآسف عاش حالة أخرى من الفصل والاغتراب .
لايمكن مقاربة اتاتورك بالطهطاوى فى هدفية حركته بأى شكل من الأشكال ، فاتاتورك كان صريحاً فى حركته ، وهى عزل التركى عن كل مصادر ثقافته الشرقية ، التى كانت تفيض عليه من الرسم العربي للغة ، ولم يكن هناك ثمة دلالة على غاية التجديد والإحياء ، وإنما البتر والمسخ لهوية كانت والآن بادت .
محو الذاكرة الحضارية
فكرة محو الذاكرة الحضارية لم يبتدعها اتاتورك فقد سبقه سامي فراشري (1850-1904) فكان أول من دعا إلى كتابة الألبانية والتركية بحروف لاتينية . لكن اتاتورك كان ديكتاتوراً بمعنى الكلمة استغل عصاه فى فرضية حرفه على تلميذه .
فالمظاهر التى أبداها مصطفى كمال تنم عن شخصية عنصرية أكثر منها وطنية ، فتنكره للحرف الكردى وللهوية الكردية جعل منه حتى يومنا هذاً رمزاً للكره والعداء عند الكرد . فلم تكن أفكاره ترسم دولة المواطن التركى والمواطنة ، بقدر ما كانت ترسم دولة العنصر التركى .
يصدر اتاتورك قانوناً يحرم الرسم العربي فى اللغة التركية ، ويحفز أساتذة اللغة على نفى كل مفردة غير تركية من اللغات الحضارية المساهمة فى تكوين الارث التركى ، الفارسية والعربية والكردية .
يرفع الأذان باللغة التركية ، وتقام الصلاة بالتركية ، وحينما يعترض رجال الدين ، يرد اتاتورك " ألا يعرف الله التركية !!! "
وكأن اتاتورك لايدرك أنه صنع أزمة ........ وكأن هؤلاء هم فاعليها .
كل من أصر على النمط القديم ؛ عُلق جسده أمام مسجده ، أو شنق باسم الدستور الجديد ، وعاشت البلاد حالة من المرار لازالت ذكراها فى الأذهان حتى الآن .
ومع الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية ؛ كانت النوايا صريحة ، فلا هى حداثة أو تطوير وإنما محو ذاكرة وتغريب ؛ ففى هزلية ساخرة ؛ المصاحف والكتب الدينية جُمعت ووضعت على ظهور جمال ، يقودها رجل بهيئة عربية متجهاً بها صوب الجزيرة العربية ، والجمال يصحبها لافتة تقول : " قدمت من الصحراء ، فلتعد إلى الصحراء، وفدت من العرب، فلترجع إلى العرب ".
هكذا تغير المناخ ، وحدثت حالة من البتر لأمس واليوم حيث انعزلت حركة الأدب عن ماضيها وتراثها ، وظهر لنا الأدباء بوجهين : أديب التراث وهو ما يمثل روح الشرق ، وأديب المعاصرة وهو مايمثل الأديب صاحب الروافد الغربية .
صار القلم يستمد مداده من محبرة غربية ، ولم يعد هناك مايسمى بالإنسجام والتواصل بالموروث ، لم يعد يعرف المثقف أسماء أدبية طالما عمرت المنابر الثقافية بحروفهم بداية من شناسي ــ وخالد ضيا اوشاق ــ وسامي باشا زاده ــ وحسين رحيم غيوربينار ــ وأحمد حكمت مفتي – وضيا باشا ؛ كل الموروث صار كأنه يعبر عن أمة بائدة أو عن موروث لمرحلة من إحتلال عدو ، والآن تلفظه النفوس .
حتى التاريخ ؛ صاغته السياسة ، فطالما التاريخ وجدناه يكتب بلغة سيف السلطة ، ولا يرسم إلا وجه واحد .
رسمت صورة التاريخ القديم فى ذهنية التركى بشكل ملئ بالصور المرعبة والموحشة ، ولم يعد يعرف التركى صورة واضحة لتاريخ تركيا إلا الصورة التى رسمها اتاتورك ، حتى من حاول إيضاح الحقائق ، وإسقاط اتاتورك من عتبة القداسة ؛عدوه عدواً للأمة التركية جمعاء ، صار اتاتورك رمز كل مقدس ، ومادونه رمز للدنس .
حاولت المؤسسة الكمالية الحفاظ على رسم هذه الصورة وعدم إهتزازها فى ذهنية التركى بكل سبيل وطريق ، حتى أنها منعت نشر اى مذاكرات شخصية لكل شاهد عصر حاكى أحداث تلك الفترة .
فمذكرات السلطان عبد المجيد وهو آخر سلطان عثمانى ، ممنوعة بحالة من الحجر ؛ فلم تنشر حتى الآن ، وتحتجزها لجنة التاريخ التركى بعلة إساءتها للرمز القومى مصطفى كمال اتاتورك ، وغيرها من المذاكرات للقادة العسكر الذين عايشوا اتاتورك ؛ صارت مذكراتهم أغلى من الجوهر وتحتجزها حزائن من فولاذ .
البعث ينهض
رغم الآلة الحادة التى حفر بها اتاتورك حروفه فى أذهان التركى ؛ إلا أن مبضعه عانى الكثير ، وأفشلته حقائق الأيام .
وما قام به الشيخ سعيد بيران من ثورة كانت نواتها العشائر الكردية لدرجة أنها أربكت الحكومة التركية وهددت ثبات نظامها ، وتم القضاء على الثورة ، وإعدام كل من شارك فيها ، حتى أنها شوهت فى مبناها وهدفيتها وترسم فى التاريخ التركى اليوم بأنها ثورة إنفصالية .
كان الشيخ بيران يمثل أحد الوجوه التى رفضت الوجه الكمالى ، وأعلنت رفضها بالنار والثورة ، إلا أنه كان هناك تيار آخر حاول الحياد ، واتخذ من ساحة العقول السبيل نحو التغيير ، فالشيخ بيران طالب من الشيخ سعيد النورسي على لسان حسين باشا الإنضمام للثورة وإمدادها برجال رسائل النور ؛ إلا أن النورسي كان معارض للتغيير من خلال هذا الطريق ، ورد قائلاً برسالة نصية إلى الشيخ سعيد : " "إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام، وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء، فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية، وأنا أيضًا لا أستلُّه عليهم" .
ورغم سلمية حركة وإتجاه الشيخ سعيد النورسي ؛ لم ينجُ بديع الزمان من قبضة السلطة الكمالية الحديدية ؛ فنفي مع الكثيرين وشردوا من مكان لآخر وكأنهم عار على مجتمعهم ؛ نفى إلى بودرو وهناك يلتف حوله الناس ، فيواصل المنفى إلى بارلا ، استغل النورسي رحلات منفاه فى التواصل مع الأرض والسماء ، فكان يلقى دروسه على تلميذه ، ويتفكر فى حركة قدرة الله فى الكون ، ويملى على تلميذه رسائل إيمانية فكرية عرفت باسم رسائل النور ، فعرف طلابه باسم طلاب النور .
برغم تنوع الإتجاهات الفكرية فى مبنى المجتمع التركى ؛ إلا أن جماعة النور حققت التغيير الأكثر لحاظاً فى وجه تركيا فبدأت الرسائل تنسخ على يد نساخ كعهد الإسلام الأول ، فالمطابع يحرم فيها طبع أى نص له ملمح دينى ، وتناسخت الرسائل من بيت إلى بيت ومن يد إلى يد ، وظلت حركة طلاب النور تعمل فى الظلام ، فأى مؤسسة لها وجه دينى يتم إغلاقها ، ولذلك ليس لطلاب النور إلا العمل فى الظلام .
ظل الأمر هكذا حتى تنامى تيار طلاب النور ، وكانت الإنفراجة الأولى عندما ساندت الجماعة الحزب الديمقراطى بقيادة عدنان مندرس ؛ نكاية فى الحزب الجمهورى ، وبرغم علمانية مندرس إلا أنه كان يحمل روح الديمقراطية ، والقومية الرحبة ، فعاد الأذان بالعربية ، وعادت الدروس الدينية ، وفتح أول معهد دينى ،وعادت لتركيا شئ من لباسها القديم ، ورغم أن العيون لحظتها ملئت بدموع الفرح ، وسجدت الأعناق شكراً لله ؛ إلا أن هناك من خاف على وجه تركيا العلمانى ، وثار على مندريس ، وخرج الجيش بسيفه مرة أخرى ليسقط الهلال ، ويعدم مندريس وتنطفأ فرجة الأمل طوال عهود حزبية تداولت ادوارها بين حزب الشعب والحزب الجمهورى وحزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم ؛ إلى أن يبزغ للحزب الإسلامى نجوم تتناوب بين الإسلامية وبين الليبرالية ، فمع ظهور حزب الرفاة بقيادة أربكان تعيش تركيا حالة من التغيير والديمقراطية ، وطال التغيير كافة أوجه تركيا ، فأعاد لتركيا دورها فى مسار قضايا العالم الإسلامى ، وبعقليته الهندسية أدخل تركيا فى طفرة صناعية ، ورغم محاولة اربكان تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلماني ، إلا أن التغيير الذى أحدثه أربكان أزعج مراكز العلمانية من انتزاع جذورها ، فخرج السيف ( الجيش ) مرة أخرى لينتزع هلال أربكان ، وحتى يومنا هذا يتلون الهلال بألوان لا تثير عليه سخط عيون السيف ، بداية من الفضيلة حتى العدالة والتنمية .
ورغم أن الجيش فى تركيا هو حامى الحرملك الكمالي ؛ فعندما تتقدم إلى الخدمة العسكرية ، ترى مدى الذعر من تسرب الوجه الإسلامى لبنية الجيش ، فيتم التحرى عن المتقدم للخدمة العسكرية بشكل يحدد مصيره بين المقدس والمدنس ؛ بل ربما تجد لحظة الكشف الطبي ، البحث عن أى دلالة تدل على على كون الجندى يصلى أم لا ؛ كالعلامة السوداء التى تتكون فى جنب القدم من جلسة قعود الصلاة .
ورغم كل هذا الحصار بقوة السيف الكمالى لم تمنع هذه القوة وجه التغيير القادم من الحركات المغايرة للعلمانية الكمالية على وجه تركيا ، فحركة طلاب النور ؛ صارت المفرخة التى يبزغ منها كل يوم فصيل إسلامى جديد ، فظهرت جماعة فتح الله كولن ، وجماعة الجيل الجديد ، وجماعة وقف الزهراء ، وجماعة الخدمة ، وجماعة آسيا الجديدة ، وكل هذه الجماعات لايظهر الخلاف واضحاً بينها ، فالخلاف فيما بينهم أشبه بالخلاف بين الشيخ محمد عبده والأفغانى ، فمحمد عبده كان يرى الإصلاح من خلال منظمة التربية والفكر ؛ فى حين الأفغانى كان يرى الإصلاح لا ثبات له دون الوصول للمؤسسة النظامية ، هكذا الخلاف كان بينهم فى منهج الإصلاح .
أسهمت كل هذه الحركات مع الجماعات صريحة الهوية الصوفية فى تغيير وجه تركيا وتخفيف حدة العزلة بين ماكان ومايكون . وأسهمت فى عودة كثير من المؤسسات التى حافظت على الوجود الإسلامى امام الشراسة العلمانية الكمالية ، فأسسوا مئات المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية ، وبضع جامعات خاصة ، أشهرها جامعة الفاتح ، مع إنشاء قاعدة إعلامية عريضة تخدم الوجه الإسلامى بتركيا كمجلة سيزنتى ، ومجلة الأمل الجديد ، ومجلة فونتن ، ومجلة إيكولوجي ، وجريدة آسيا الجديدة ، وجريدة الجسر ، ومجلة الوقت ،.......
بل هناك بعض من الإذاعات أشهرها إذاعة مورال ذات الخط الإسلامى التوفيقى ، وصاحبة الوجوه الإذاعية المحبوبة فى الأوساط التركية كمحمد باقسو ، وجمال اوشاق ، وياوز بهادير اوغلو ....... وكل هذه المؤسسات تخدمها قاعدة إقتصادية صاحبة مشاريع كبرى له الدور الأكبر فى تحديث وضع تركيا الإقتصادى ووضعها على الخارطة الإقتصادية مع المنافس الأوروبي .