المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التربية الرياضية ومكانتها في المجتمع



نعمان عبد الغني
05/10/2009, 03:41 PM
التربية الرياضية ومكانتها في المجتمع
بقلم الاستاذ نعمان عبد الغني
namanea@yahoo.fr

يفهم كثيرٌ من الناس تعبير ” التربية البدنية ” فهماً خاطئاً، ولذلك كان من الواجب العمل على توضيح المقصود بهذا التعبير في عقول الطلبة . فبعض الأفراد يعتقدون أن التربية الرياضية أو البدنية هي مختلف أنواع الرياضات، وآخرون يفكرون في التربية البدنية على أنها عضلات وعرق، وهي بالنسبة لمجموعة أخرى تعني ” اذرعاً وأرجلاً قويةً ونوايا حسنة “، ويرى آخرون أنها تربية للأجسام، كما أنها بالنسبة للبعض عبارة عن التمرينات البدنية التي تؤدى على العد التوقيتي (1 – 2 – 3 – 4 ) ، ولهذا تعرف التربية البدنية على أنها ” جزء متكامل من التربية العامة – ميدان تجريبي هدفه تكوين المواطن اللائق من الناحية البدنية والعقلية والاجتماعية وذلك عن طريق ألوان من النشاط البدني اختيرت بغرض تحقيق هذه الأغراض ” (بوتشر ، 1983 : 17 ).

والتربية الرياضية هي ” التربية الشاملة المتزنة للفرد في جميع الجوانب البدنية والنفسية والحركية والاجتماعية، كما تساعد على الارتفاع بالمستوى المعرفي والثقافي باختلاف ألوان الأنشطة الرياضية وتعددها ( إبراهيم ، وفرحات ، 1998 : 45 ).
كما أن التربية الحديثة في المجتمعات العصرية تتجه اتجاهاً قوياً نحو إعداد الأفراد إعداداً شاملاً كي يستطيعوا من خلالها تحقيق قدر كبير من الفهم والاستيعاب لمكونات الحضارة بفلسفتها ومنجزاتها وتطلعاتها، وليكونوا قادرين على تحمل أعباء وتحديات هذا العصر، وليساهموا في تحقيق التقدم والازدهار لمجتمعاتهم وقد حظيت التربية الرياضية باهتمام بالغ في معظم هذه المجتمعات باعتبارها جزءاً مهماً من التربية العامة حيث أصبحت متطلباً رئيسياً في المناهج التعليمية منها وعلماً قائماً بذاته كسائر العلوم الأخرى ، وهذا ما جعل التربية الرياضية مفهوماً تربوياً واضحاً لها أهداف تسعى لتحقيقها عن طريق برامجها المتنوعة لتسهم في تنمية المهارات الضرورية لقضاء أوقات الفراغ، وفي إكساب الأفراد الصحة الجسمية، والتعليمية، الاجتماعية، والروحية باعتبار أن الفرد وحدة متكاملة ، وإذا كان للتربية والتعليم إسهام عظيم في تنمية وتقدم الأمم، فان للتربية الرياضية بأوجه نشاطاتها المختلفة دورها الفعال في عمليات التحديث، وقد أسهمت الدراسات والبحوث العلمية التي أجريت في مجال التربية وعلم النفس في إبراز أهمية الوحدة المتكاملة للفرد مما أدى إلى تغير جوهري في فلسفة ومفهوم التربية الرياضية، ومن ثم لم تعد التربية الرياضية تهتم بتربية البدن فحسب ، بل أصبحت تهتم بالفرد ككل وذلك من خلال تنمية جوانبه البدنية والاجتماعية والعقلية والنفسية ( الحمامي ، 1976 : 12 ).
ويرى الباحث أنه عند سؤال الناس بمختلف فئاتهم عن مفهومهم للتربية الرياضية، فالنتيجة ستثير الدهشة . ومما سبق فالبعض يرى أن التربية الرياضية هي المهارات الترويحية أو هي تعليم الخلق الرياضي، أو هي تنمية اللياقة البدنية، بل منهم من يراها على أنها هي الرياضة أو التدريب الرياضي على وجه التحديد.
وينطبق على مجتمعنا العربي إلى حد كبير، بل يتعداه في سوء الفهم والإدراك الخطأ لمفهوم التربية الرياضية، ولقد أوضحت دراسة ” صبحي حسانين ” أن تلاميذ بعض المدارس في جمهورية مصر العربية تسيء فهم المعنى الحقيقي للتربية الرياضية ، بالرغم أننا نفترض أنهم يتلقون برنامجاً متكاملاً في التربية عند دخولهم المدارس . لهذا فان التربية الرياضية والبدنية في مسارها التاريخي كانت دوماً انعكاساً لواقع مجتمعنا كما أنها صورة للفلسفة الاجتماعية، والتربوية السائدة فطالما ارتبطت أهداف التربية الرياضية بالأهداف التربوية ولم يذكر التاريخ نجاح أي برنامج لتربية الرياضية إلا في سياقاتها التربوية والاجتماعية (المحامي ، والحولي ، 1990 : 17 ).
كذلك التربية الرياضية تعبير ذو شقين : الشق الأول ( التربية) والثاني (الرياضة) . وبسهولة يمكن استنتاج أن التربية الرياضية هي : لون من التربية وأسلوب من أساليبها يتم عن طريق النشاط الرياضي، وهي ذلك الجانب المتكامل من التربية الذي يعمل على تنمية الفرد وتكييفه : جسمياً، وعقلياً، ووجدانياً، واجتماعياً، عن طريق الأنشطة البدنية المختارة، والتي تمارس تحت إشراف قيادة صالحة لتحقيق أسمى القيم الإنسانية، أو هي تربية الفرد عن طريق النشاط الحركي أو البدني أو عن طريق اللعب، فالتربية الرياضية ما هي إلا تربية عامة ولكن عن طريق استغلال ميل الأفراد للحركة والنشاط البدني ، ولهذا يمكن القول أن التربية الرياضية ما هي إلا مظهر من مظاهر التربية، وتهدف إلى ما تهدف إليه التربية العامة من حيث تكوين الأفراد وتوجيههم وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم وصالح المجتمع الذي يعيشون فيه (ملوخية ، 1987 : 4 ).
ومما سبق يمكن القول أن معنى التربية والتربية الرياضية يشتركان بنفس التعريف حيث أن التربية تعمل على تكوين شخصية الفرد وإحداث تغير في جميع جوانب الشخصية، والتربية الرياضية أيضا تعمل على تنمية الفرد تنمية شاملة من جميع النواحي ليس من ناحية البدن فحسب وإنما تهتم بالفرد ككل وذلك من خلال تنمية جوانبه البدنية والاجتماعية والعقلية والنفسية
إن التربية الرياضية هي ” تربية الفرد عن طريق النشاط الحركي أو البدني أو عن طريق اللعب وما هي إلا تربية عامة ولكن عن طريق استغلال ميل الأفراد للحركة والنشاط البدني ” ، فيمكن أن يتعلم الفرد الطاعة والتعاون عن طريق الألعاب المتنوعة الكثيرة . لهذا يمكن أن نقول أن التربية الرياضية ما هي إلا مظهر من مظاهر التربية وتهدف إلى ما تهدف إليه التربية العامة من حيث تكوين الأفراد ، وتوجيههم وإرشادهم إلى ما فيه صالحهم وصالح المجتمع الذي يعيش فيه .
كما يشير “عمر موسى” إلى مكانة التربية الرياضية في مجال التربية، في أنها تمثل احد أركان السياسة التعليمية، والبرنامج التربوي العام فهي تهدف إلى نمو الأطفال نمواً متزناً متكاملاً من النواحي الصحية ، والنفسية ، والعقلية ، والاجتماعية ، وان التربية الرياضية بصفة خاصة تزودنا بخبرات واسعة ، وتعتبر عاملاً هاما في تكوين الفرد لكي يساعد نفسه بنفسه، ولكي يستطيع أن يقوم بخدمات للمجتمع الذي يعيش فيه . وهي تساير وتكمل الخبرات الأخرى للبرامج التعليمية والتربوية عامة . أي أنها تربية عامة عن طريق استغلال ميل الأفراد للحركة والنشاط البدني، ولذا كان من الضروري إلمام المدرس أو القائد أو المدرب بها الماماً كافياً يتضمن سلامة التوجيه ( موسى ، 1996 : 1-2 ).
2- علاقة التربية الرياضية بالتربية العامة :
كما أن العلماء اتفقوا في مطلع العصر الحديث على أن نضوج الفرد يسير في أربع اتجاهات متوازية هي : نضج عقلي، ونضج اجتماعي، ونضج نفسي، ونضج بدني (موسى ، 1996 : 4).
وكانت المدرسة أثناء العصور الوسطى في الغرب والشرق تعني عناية فائقة بالنضج العقلي على حساب بقية أنواع النضج، ثم ظهرت الفلسفات التربوية التي تدعو للاهتمام بأنواع النضج الأخرى، فكانت الدعوة بالنضوج البدني هي المحور الذي دارت عليه فلسفة التربية الرياضية في مطلع القرن العشرين ، ولكن الإنسان يعتبر وحدة لا يمكن تقسيمه إلى عقل ونفس وبدن ثم تربطه بالناس علاقات اجتماعية، لذلك تطورت فلسفة التربية الرياضية من مجرد وسيلة مساعدة على النضوج الكامل للإنسان في عقله، وفي نفسه، وفي علاقاته، مع أنها تدور حول بدنه، وهكذا أصبحت التربية الرياضية جزءاً هاما في نطاق عملية التربية، ولعل السر في ذلك راجع إلى أن الأطفال يقبلون على التربية الرياضية إقبالا تلقائياً وبشغف ظاهر . فدرس التربية الرياضية يوفر عدة مجالات يمكن أن يتحقق فيها توجيه الطلاب نحو إتمام عمليات نموهم بنجاح.
فالتربية الرياضية لا تهدف إلى تكوين الفرد من الناحية الجسمانية فقط، وليس هو غرضها الأساسي بل إن أغراضها أسمى من هذا, فهي تكون الفرد تكويناً متزناً من جميع نواحيه الجسمانية والخلقية والعقلية والاجتماعية والنفسية ، وهذا فضلاً عما يكتسبه الفرد من معلومات تتعلق بالصحة من حيث النظافة والسلوك الصحي كما تزداد المعلومات العامة للفرد وذلك باحتكاكه واختلاطه مع مجتمعات خارجية مختلفة والتفاعل معها اجتماعياً وثقافياً ( الشوبكي ، 2004 : 13 ).
ويتضح مما سبق أن التربية الرياضية هي جزء لا يتجزأ من التربية العامة ولا يمكن فصل التربية الرياضية عن التربية بشكل عام وذلك لان طبيعة الإنسان البشري لا يمكن تجزيء جوانب شخصيته؛ فالتربية الرياضية تعمل على نمو الإنسان نمواً متزناً من جميع جوانب شخصيته، وهذا ما أجمع عليه المؤلفون والكتاب.
3- التربية الرياضية في المجتمع الحديث :
من مبادئ المجتمع العصري الحديث الذي يرمي إلي النظر للمستقبل أن يؤمن بقيمة الفرد وحريته وسعادته، ويعني ذلك الاهتمام بجميع جوانب الفرد الجسمانية والتعليمية والعاطفية والاجتماعية والروحية . ففي التركيز على احد جوانب النمو وإغفال الجوانب الأخرى وتعطيل لقدرات الفرد والحد من نموه في ذلك افتراء على سعادة الفرد ومصلحة الجماعة. ولذلك كان الاكتمال الشامل لنماء شخصية المواطن في مجتمعنا الحديث وهو الهدف الأسمى لجميع المجهودات التعليمية والتربوية. إن المهمة الكبرى للتربية الرياضية في مجتمعنا، هي أن تقوم بدورها في تنمية الشخصية المتكاملة من خلال النهوض بالمستوى البدني، والرياضي للنشء وهذا يعني أن التربية والرياضة لا تقتصران فقط على تنمية قدرات الأداء البدني والرياضي، ولهذا كان من المهم أن يتضمن التخطيط للتربية الرياضية إتاحة الإمكانات الكافية لتحقيق مستوى عالياً من اللياقة الوظيفية للأجهزة العضوية، ومستوى عالياً لقدرات الأداء البدني لإعداد الفرد إعداداً صحيحاً ووظيفياً لمقابلة احتياجات المستقبل في المجتمع الحديث ( موسى ، 1996 : 7-8 ).
إضافة لما سبق يمكن القول أن للتربية الرياضية دور فعال في الإسهام في الحفاظ على الصحة، وتحسينها وكذلك في تحسين قدرات الأفراد على مقاومة الأمراض، فهي تساهم في مساعدة الجيل الطالع ليحيا حياة صحيحة سليمة، فالطريق للملعب يغني عن زيارة الطبيب، وهذا بناءً على ما أجمع علية الكتاب والمؤلفين في هذا المجال