المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحوث ومقالات الحقوقي السوري هيثم المالح - لتعرفوا مخابرات سورية من تعتقل



طريف السيد
15/10/2009, 08:13 PM
الاستحقاق الانتخابي -2- 2007 انتخاب رئيس الجمهورية
الحقوقي : هيثم المالح
10/5/2007
خاص لمركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية
تكتسب مسـألة انتخاب رئيس الجمهورية في سورية أهمية كبيرة ، نظراً لما أناط الدستور من صلاحيات في شخص الرئيس والتي حددها في المواد: 97 و100 و101 و104 و107 و108 و109 و111 ، بحيث تكون سلطة الرئيس واسعة مهيمنة على سائر السلطات المكونة لأجهزة الدولة.
ولعلنا نستطيع تشبيه النظام في سورية ، كما رسمه الدستور ، بالنظام الرئاسي مع توسيع في الصلاحيات زيادة عن الحدود المفروضة لها ، فمثلاً بعد أن كان إعلان حالة الطوارئ في القانون الصادر عام 1962 منوطاً بمجلس الوزراء المنعقد برئاسة رئيس الجمهورية، ووجوب عرضها على مجلس النواب في أول دورة انعقاد له ليرى رأيه فيها ، في حين أن الدستور أطلق يد الرئيس بإعلان الحالة دون عرضها على مجلس الشعب.
أطلق الدستور يد الرئيس في إصدار مراسيم تشريعية بين فترات انعقاد مجلس الشعب أو بعد انتهاء ولاية المجلس وبداية المجلس الجديد ، وأمور أخرى ليس هنا مجال لمناقشتها ، ولذلك سأكتفي بمناقشة المواد المتعلقة بانتخاب الرئيس.
حددت المادة 83 من الدستور شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية وهي :
1- أن يكون عربياً سورياً .
2- متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية.
3- متماً الأربعين من العمر ، وقد عدلت هذه المادة قبيل اعتلاء الرئيس بشار الأسد لسدة الحكم.
كما نصت المادة 84 على أن الترشيح لرئاسة الجمهورية يصدر عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث ويعرض على المواطنين لاستفتائهم فيه ، كما يجري الاستفتاء بدعوة من رئيس مجلس الشعب .
إلا أن الفقرة "3 "من هذه المادة نصت على ما يلي :
يتم انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تزيد عن ستين يوماً.
كما يتضح من نص المادة السابقة فإنه يتبين وجود تناقض بين الفقرة 3 وما سبقها ، إذ أن معنى الانتخاب هو غير معنى الاستفتاء وبالتالي فإن علينا أن نرى تفسيراً لهذه المادة من خلال المادة 25 من الدستور وخاصة الفقرات 2و3و4 منها والتي تنص على ما يلي:
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
إذاً كيف لنا أن نفهم مجموع هذه النصوص السابقة ، ونقارنها مع المواد الدستورية المتعلقة بانتخاب الرئيس ، وحصر الترشيح بشخص واحد تقدمه القيادة القطرية لحزب البعث؟.
تقرر القاعدة الحقوقية المعروفة " إعمال النص خير من إهماله"مبدأ أساسياً في تفسير النصوص وفهمها باعتبار أنه لا بد من أخذها جملة واحدة لا أن نقرأ كل نص على حده ونفسره كما يحلو لنا أو نحرف النصوص لخدمة مصالح معينة !.
أن القراءة على هذا النحو تؤدي بنا كمن يقول : " ولا تقربوا الصلاة".
معلوم أن المعاهدات الدولية تعلو على القوانين المحلية حين تعارضها ، وعلى هذا فإنني سأدرج هنا نصاً من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي انضمت إليه سورية بتاريخ 21/4/1969.
وأدرج كذلك نصاً من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي صادق عليه مجلس الشعب السوري بالقانون رقم 50 الصادر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 15/12/2006 :
أ‌- فيما يتعلق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد نصت المادة 25 منه على مايلي:
يكون لكل مواطن دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة "2" ، الحقوق التالية ، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
أولاً – أن يشارك في إدارة الشؤون العامة ، أما مباشرة وأما بواسطة ممثلين يختارون بحرية .
ثانياً – أن ينتَخب أو ينُتخب في انتخابات نزيهة تجري دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري ، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ثالثاً- أن تتاح له ، على قدم المساواة مع سواه ، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
ب‌- فيما يتعلق بالميثاق العربي لحقوق الإنسان فقد نصت المادة 33 منه على ما يلي :
"لكل مواطن الحق في شغر الوظائف العامة في بلده" .
من قراءة هذه النصوص يتبين لنا :
أولاً – أن لكل مواطن في أي بلد عربي صادق على العهد المدني للحقوق المدنية والسياسية ، وعلى الميثاق العربي لحقوق الإنسان أن يتقدم لشغل المناصب العامة .
ثانياً – فيما يتعلق بسورية فإنه يترتب على القيادة القطرية لحزب البعث ، ومن ثم مجلس الشعب أن يتسلما أي ترشيح من أي مواطن تتوفر فيه شروط الترشيح لرئاسة الجمهورية ثم يعرض مجلس الشعب أسماء المرشحين على المواطنين لإجراء الانتخابات ، وهنا لا بد لنا من التذكير بأن اقتصار الترشيح على شخص واحد يتعارض مع الاتفاقيات الدولية والعربية ، ومع روح الدستور ، ومتطلبات العصر ، ويرسل رسالة واضحة إلى المواطنين بأننا نتبنى نظاماً وراثياً وليس جمهورياً انتخابياً .
أن المرحلة التي تمر بها سورية والمنطقة العربية بمجملها تدعو الجميع لأن يتفهموا متطلبات هذه المرحلة ، التي أن استطعنا استيعابها وفهمها والتكيف مع متطلباتها ، سوف تنقذنا مما يحاك لنا ولمنطقتنا من دسائس ومؤامرات تتخذ من شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان متكأ لفرض سيطرتها وأحكام مخططاتها وقبضتها ، وعندها لات ساعة مندم.
ولئن نص الدستور في المادة 84 السالفة الذكر على أن الترشيح يصدر عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث فإنني أرى أن الطريق القويم والذي يتماشى مع نصوص الدستور المبينة آنفاً ، ولا أظنها تتنافى مع رؤية سيادة الرئيس الحالي الدكتور بشار الأسد والذي أعتقد أنه يرحب بمساواة المواطنين له في الترشيح للرئاسة كما يرحب بالمزاحمة السياسية الشريفة، إعمالاً للنصوص السابقة وخاصة مبدأ تكافؤ الفرص.
ولعلي هنا اقتطف مقاطع من خطاب القسم للرئيس بشار الأسد حين توليه رئاسة الجمهورية :
" وعلى كل مواطن شريف أن يضع نفسه في موضع مماثل لما أشرت إليه وأن يحمل نفسه المسؤولية وأن يؤمن بالشرعية حتى لو يكن في وضع يسمح له بتطبيق أفكاره فالمنصب لا يعطي المسؤولية بل العكس هو الصحيح هو يأخذها من الإنسان الذي يمتلكها ويسمح له فقط أن يمارسها من خلال الصلاحيات التي يمنحها له":
" ولكن للقيام بالتحرك المطلوب ونحن واثقون من بلوغ النجاح لا بد من أن تتوافر لدينا مجموعة من الأدوات أهمها : الفكر المتجدد وأعني به الفكر المبدع الذي لا يتوقف عن حد معين ولا يحصر نفسه في قالب واحد جامد ، وكم نحن بحاجة إليه اليوم وغداً لدفع عملية التطوير قدماً إلى الأمام ، والبعض يعتقد أن الفكر المتجدد مرتبط بالسن أي يغلب وجوده عند الشباب وهذا غير دقيق تماماً فبعض الأشخاص يدخلون سن الشباب وقد تحجرت عقولهم باكراً:
والبعض الآخر من كبار السن يفارق الحياة وعقله ما يزال يضج بالحيوية والتجدد والإبداع" ....
" لأن الخطأ بأشكاله المختلفة سيبقى ملازماً للحياة وإذا لم يعالج فإنه يتفاقم ، والعلاج لا يهدف إلى الانتقام والتشفي وإنما للردع ولا يقصد به صاحب الخطأ فقط بل كل من يخطر في باله أن يقع فيه....
" فالمجتمع هو الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة . فإذا كانت هذه الطريق غير صالحة تعثر التطوير وتأخر أو توقف . وهذا بمفهوم النسبي يعني التراجع إلى الوراء . وهذه إحدى الصعوبات الموجودة في واقعنا ... ودراسة هذا الواقع تحتاج إلى التركيز على المعوقات التي تبقيه على حاله دون تغيير إلى الأفضل ... وهذا بحاجة إلى مشاركة فعالة من كل الجهات خارج إطار الدولة وداخله كي يساهم كل الفئات والشرائح في إيجاد الحلول".
" وهو منطق التعاون والانفتاح على الآخرين وهو لا ينفصل عن الفكر الديمقراطي بل يتقاطع معه في مواقع عديدة . وهذا يعني أن امتلاك الفكر الديمقراطي يعزز الفكر والعمل المؤسساتي . فإلى أي مدى نحن ديموقراطيون وما هي الدلائل على وجود الديمقراطية أو عدمها ، هل هي في الانتخاب ؟ أم في حرية النشر؟ أم في حرية الكلام؟ أم في غيرها من الحريات والحقوق؟ أقول ولا واحدة من كل ذلك . فهذه الحقوق وغيرها ليست الديمقراطية بل هي ممارسات ديمقراطية ونتائج لها وهي تنبني جميعها على فكر ديمقراطي وهذا الفكر يستند على أساس قبول الرأي الآخر ، وهو طريق ذو اتجاهين حتماً وبشكل أكيد أي ما يحق ليّ يحق للآخرين ،وعندما يتحول الطريق باتجاه واحد يتحول إلى أنانية وفردية . أي لا نقول يحق لنا كذا أو كذا بل يجب أن نقول يحق للآخرين حقوق معينة ،فإذا كان هذا الحق يجوز للآخرين من وجهة نظرنا أصبح لنا الحق نفسه . فإذا الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقاً لنا ، والفكر الديمقراطي هو الأساس ، والممارسات الديمقراطية هي البناء ، وبكل تأكيد جميعنا يعلم أن الأساس عندما يكون ضعيفاً فإن البناء يكون مهدداً بالتداعي والسقوط عن أول هزة أو من دون أي سبب ظاهر ، وبمعنى آخر أن كل أساس صمم لبناء معين ما سيحمله.
أي هذا الأساس لهذا البناء ، وذلك الأساس لذاك البناء . أي تبديل بين الأساسين يعني إنذاراً بالخطر.
مقترحات : إنني هنا من واقع فهمي لنصوص الدستور والقوانين النافذة ومن استقرائي لما ورد من كلمات الرئيس الدكتور بشار الأسد سيما بعد هذه التجربة التي مر بها في مسؤولية الرئاسة ، أعتقد أن على القيادة القطرية لحزب البعث أن تفسح المجال للمواطنين الذين يرغبون أن يرشحوا أنفسهم للرئاسة الأولى ، بأن تمرر هذه القيادة أسماء هؤلاء المرشحين إلى مجلس الشعب الذي عليه أن يتحمل مسؤولية المستقبل وينهض بجزء من مهام التغيير الديمقراطي في سوريه انسجاماً مع المرحلة الدولية ، ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
إنني أرنو إلى اللحظة التي تعطى الأولوية فيها للعودة إلى تأسيس النظام الجمهوري والابتعاد عن تكريس مبدأ الملكية تحت اسم الجمهورية ، وإن في طرح شعارات " إلى الأبد " وما سواها تتناقض تناقضاً واضحاً مع النظام الجمهوري ، فالخلط في هذا الموضوع لا يؤدي بنا إلى أي تغيير نحو مستقبل مشرق يعيد للشعب دوره الأساسي في المشاركة في بناء الدولة ورقابة السلطة بعيداً عن الاستبداد والإقصاء والانفراد بالرأي وتكريس الشخصنة.
أن شعبنا في سورية يملك إمكانيات هائلة، وعقولاً فذة ، وشخصيات هامة خاضت تجارب الحياة على مدى حاضر الأمة ، وهي جديرة بأن يفسح لها المجال لتقدم ما لديها من إمكانات وحلول لواقعنا المرير ، وأنه من الظلم أن يجري احتكار الترشيح بشخص واحد ولعل ذلك يكون محركاً للتغير في المستقبل .
وتأسيساً على ما سبق فأنني أدعو كل مواطن يجد في نفسه الكفاءة لشغل منصب رئاسة الجمهورية أن يتقدم للترشيح عبر القيادة القطرية لحزب البعث ومجلس الشعب.
أملا أن أكون قد قدمت رؤية أقرب لواقعنا وحافزاً لمواطنينا في كل مكان للدفع نحو الإصلاح ، والله من وراء القصد .
-------------------------------------------------
النكوص:
المحامي هيثم المالح
أخبار الشرق – 15 أيلول/ سبتمبر 2009
لعله من المفيد العودة غالباً إلى التاريخ واستقراء ما تم من أحداث، أو ما قيل حول الإصلاح أو بلغة العصر"تطوير وتحديث"على اعتبار أننا بتنا أسرى مصطلحات القادة أو الحكام، ونخاف من مخالفتهم، لأن في مخالفتهم يكمن الهلاك.
في الماضي القريب حين اعتلى الرئيس الدكتور بشار الأسد سدة رئاسة الدولة أطلق عدة أفكار في خطاب القسم أقتطف منها ما يلي:
(فإذا أردنا ان نعالج مشكلة ما فيجب أن نتناولها من بدايتها وليس من نهايتها وأن نعالج السبب قبل النتائج وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفنا وعن بعض العادات والمفاهيم التي أضحت عائقاً حقيقياً في طريق أي تقدم فالمجتمع هو الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة.فإذا كانت هذه الطريق غير صالحة تعثر التطوير وتأخر أو توقف.وهذا بالمفهوم النسبي يعني التراجع إلى الوراء.وهذه إحدى الصعوبات الموجودة في واقعنا، ودراسة هذا الواقع تحتاج إلى التركيز على المعوقات التي تبقيه على حاله دونما تغير إلى الأفضل... وهذا بحاجة إلى مشاركة فعالة من كل الجهات خارج إطار الدولة وداخله كي تساهم كل الفئات والشرائح في إيجاد الحلول... إلخ وهو منطق التعاون والانفتاح على الأخرين وهو لا ينفصل عن الفكر الديمقراطي بل يتقاطع معه في مواقع عديدة.وهذا يعني أن امتلاك الفكر الديمقرايطي يعزز الفكر والعمل المؤسساتي...فإلى إلى مدى نحن ديمقراطيون وما هي الدلائل على وجود الديمقراطية أو عدمها هل هي في الانتخاب أم في حرية النشر أم في حرية الكلام أم في غيرها من الحريات والحقوق أقول ولا واحد من كل ذلك... فهذه الحقوق وغيرها ليست الديمقراطية بل هي ممارسات ديمقراطية ونتائج لها وهي تنبني جميعها على فكر ديمقراطي وهذا الفكر يستند على أساس قبول الرأي الآخر... إلخ).
بعد سنوات عشر من حكم الرئيس الذي يجمع في يدية كافة السلطات، ولا غروفي ذلك فقد تم تفصيل الدستور على المقاس الرئاسي الذي يناسب السلطة، ونتجاوز ذلك فنقول بعد هذه السنوات العشر فماذا لدينا اليوم في مجال الحريات وحقوق الإنسان؟
حين بدأ عهد الرئيس كان المجتمع متعطشاً للحراك بعد أن مضى عليه زمن طويل في ظل أنظمة استبدادية.فأنشئت المنتديات الفكرية، بغرض الحوار بين المواطنين، وكان يحضر في هذه المنتديات أعضاء معروفون من حزب البعث الذي يقود بقوة الدستور في مادته الثامنة الدولة والمجتمع، وعن هذا الطريق كان يجري الحوار بين المجتمع والسلطة، كما نشطت تجمعات للعمل المدني، وكذلك جمعيات لحقوق الإنسان.
ولا نستطيع أن نقول أن هذا الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة كان سليماً وخالياً من الأخطاء، ولكن ينبغي لنا أن نلتمس العذر لمن انطلق للعمل المدني هذا فلقد ران على المجتمع زمن طويل عُزل فيه عن المشاركة في قضاياه سواء من الناحية السياسية او من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فالوقوع في الأخطاء أمر متوقع وينبغي علينا التماس العذر في ذلك.
وما أن مضى وقت قصير على هذا الحراك حتى عمدت السلطة إلى إغلاق المنتديات ثم ملاحقة كافة تجمعات المجتمع المدني والتضييق عليها بما فيها جمعيات حقوق الإنسان التي حاول بعضها أن ينأى بنفسه عن الدخول في المساجلات السياسية أو معتركها إلا ان الأجهزة الأمنية – على ما يبدو- لم يرق لها الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة الميّت لينهض بها من جديد، فراحت هذه الأجهزة بجميع أنواعها وفروعها، مدنية وعسكرية- سياسية وغير سياسية، تمارس اعتقالات خارج إطار القانون، وهنا أحب أن أشير إلى أنه من غير المقبول أن يحتج علي أحد بحالة الطوارئ التي ناقشناها طويلاً والتي نجزم أنها لم تعد موجودة قانوناً.
راحت الأجهزة الأمنية تمارس اعتقالات وتضييقاً على المواطنين في كل مناحي حياتهم طالت جميع فئاتهم وانتماءاتهم، فمن معتقلي التيار الإسلامي وهم الغالبية العظمى تغص بهم السجون إلى معتقلي الآراء والحراك السياسي من أمثال معتقلي إعلان دمشق.
وأخيراً وليس آخراً اعتقال الزميل المحامي مهند الحسني الذي يترأس منظمة لحقوق الإنسان - سواسية- على خلفية عمله الحقوقي في رصد محاكمات محكمة أمن الدولة العليا التي هي من القضاء الاستثنائي، وبرغم أنه كان قد تذاكر مع رئيس المحكمة وأعلمه بعزمه في القيام بهذا الرصد، وحصل على الضوء الأخضر في ذلك إلا أن الأجهزة الأمنية رأت في خطوته رأياً آخر فاعتقلته وألبسته التهمة التي اعتادت ألباسها لأمثال الزميل، إشاعة أخبار أو أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة، هذه التهم الجاهزة التي سبق وأن كتبت حولها وبينت فضفاضة هذه المصطلحات وضبابيتها، ومع ذلك فالزميل أضحى بين القضبان، بل وراحت إدارة السجن تمعن النيل منه وانتهاك حقوقه فوضعته في المكان الذي يضم نحواً من سبعين معتقلاً على خلفية الجرائم الماسة بالشرف، دعارة... إلخ وما إليها، وبذلك استهدف الزميل ليس فقط بحجز حريته ولكن بالمساس بكرامته محامياً وناشطاً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان جل عمله هو رصد محاكمات محكمة استثنائية وطرح أحكامها على الجمهور ليحكم عليها.
في الأنظمة الديمقراطية يتقدم المرشحون على الشعب ببرامجهم الانتخابية ويتم محاسبتهم حين انتهاء ولايتهم النيابية عن الشعب وهم بدورهم يحاسبون الرئيس المنتخب من قبلهم أما في الأنظمة التي تسود معظم مناطقنا في العالم العربي فالمرشحون لمجالس النيابات عن الشعب ليس لديهم برامج انتخابية وبالتالي لايستطيعون محاسبة الرؤساء لأنهم هم أنفسهم لا يحاسبون وينتظر كل واحد منهم رضاء السلطان حتى يعاد انتخابه.
إن نظرة على واقعنا في سوريا نجد تراجعاً في ميدان الحريات العامة وحقوق الإنسان ونكوصاً عما عرض على الشعب منذ بداية رئاسة الرئيس بشار الأسد وحتى الآن، وبينما يزداد الفساد ويتسع بل ويتعمق في المجتمع، في الوقت الذي تتسع فيه الهوة بين فئات الشعب بحيث يزداد الفقير فقراً بينما يزداد الأغنياء غناً وتخمة على حساب لقمة الشعب فمن الذي يحاسب من؟!
----------------------------------
الشفافية والمساءلة
المحامي هيثم المالح
2008-09-25
يتصف النظام السوري بانعدام الشفافية والانغلاق على الذات والتعتيم على أي خبر ومنع انتشاره ،حتى يستمر الشعب غائباً عن قضاياه ،كالمثل القائل الزوج:" آخر من يعلم" فإذا كان الزوج آخر من يعلم فإن شعبنا في سورية حتى الآن لا يعلم عن مصيره وأوضاعه ومستقبله شيئاً ،ذلك أن النظام الحاكم مارس استراتيجية التعتيم على كل مستوى وفي كل النواحي حتى في الحوادث التي ليس لها علاقة بالسياسة العامة أو بمستقبل البلاد.
في منتصف عام 1980 حين كنت مع زملاء لي من النقابيين محامين ومهندسين وغيرهم، الذين زج بهم في السجن دون مسوغ قانوني، حيث كنت في السجن التابع للمخابرات العامة – أمن الدولة- في كفر سوسة، فوجئنا في أحد الأيام بعدم وصول الطعام أو الخبز إلى السجن وحرم السجناء جميعاً حتى من الطعام السيئ الذي كان يقدم لنا.
حاولت في تلك الأثناء محاورة السجانين واستدراجهم فعلمت منهم أن أبواب السجن الخارجية مغلقة تماماً، وهم لا يستطيعون الخروج أو حتى إحضار طعامهم الخاص، وبعد فترة من الزمن أنجلت الأخبار وعلمنا أنه في ذلك اليوم المشؤوم تم تطويق السجن الذي كنا فيه من قبل مجموعة من سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد بهدف الدخول وتصفيتنا، إلا أن أمراً ما حدث منع وقوع المجزرة، ثم علمنا أن مجموعة من سرايا الدفاع هذه تقدر بمئة عنصر بقيادة ضباط في السرايا نفذت مجزرة في سجن تدمر راح ضحيتها نحواً من تسمعائة سجين عزلاً قتلوا ضمن غرفهم في السجن، كما توالت الأخبار عن إعدامات كثيرة تحت مظلة أحكام غير قانونية صدرت عن محاكم الميدان العسكرية راح ضحيتها آلاف من المعتقلين،كما قتل البعض دون محاكمة.
كل هذه الأخبار تسربت للناس دون أن تمارس السلطة أي إعلان عن هذه الحوادث سواء كانت مغطاة بإحكام خارج القانون أو بدون هذه الأحكام، وقد شرعن هذه الجرائم القانون رقم 49 لعام 1980 الذي صدر عن مجلس الشعب مخالفاً للدستور ولقانون العقوبات وللمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان.
حتى الآن لم تعمد السلطة إلى طي ملف المفقودين سواء في السجون أو أثناء الحوادث المؤسفة التي وقعت في الفترة الممتدة بين عامي 1980 و1990، ومعلوم أن من انتقل إلى الدار الأخرة ليس مقطوعاً من شجرة وإنما ينتمي إلى أسرة أوزوجة أو غير ذلك، ويترتب على الغياب غير المعروف حتى الآن آثار اجتماعية سيئة تنعكس سلباً على هؤلاء الناس الذين فقدوا أباً أو أخاً أو زوجاً000 إلخ .
هنا لا بد للدولة ان تتحمل مسؤوليتها في هذا المجال واستمرار التكتم والتجاهل والإنكار يزيد من الاحتقان ولا يؤدي إلى خير، وقد غطى كل ذلك المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968 في مادته 16 التي شرعنت ارتكاب الجريمة بحماية مرتكبيها.
لو استعرضنا الأوضاع العامة في بلدنا الحبيب لا نجد في أعمال السلطة الحاكمة أية شفافية وهي لا تزال تمارس أعمالها بغاية التكتم والانغلاق .
في منتصف عام 2005 وقعت حادثة مروعة، تتلخص في أن حاملة دبابات تعطلت مكابحها وكشف سائقها ذلك أثناء دخوله إلى أحد المعسكرات ،إلا أن ضابطاً أمره بتحميل دبابة بإصرار وتم ذلك بعد جدل بين الطرفين، إلا أن ركب الدبابات الذي كان يفترض أن تكون فيه هذه الناقلة كان قد سبقها ومن ثم خرج هذا السائق لوحده من الثكنة وعلى متن الحاملة دبابة، وأثناء وصوله على المحلق الجنوبي مفرق داريا وكانت – سيارة طالبات متجهة إلى المدرسة- لم يستطع سائق الحاملة إيقافها وأنفلتت الدبابة وسحقت سيارة المدرسة وعدداً من السيارات التي كانت تقف على الإشارة، ومات عدد لا يقل عن خمسين شخصاً بين تلميذة وركاب السيارات التي سحقت، وتم تطويق المكان ومنع التصوير والإعلام من الاقتراب، ووصل الأمر إلى أن مديرة مدرسة الطالبات حظرت على أهاليهم التحدث بالموضوع، وللخوف والرعب الذي عشش في النفوس لم ينبس هؤلاء ببنت شفه ،مع العلم أن هذه الحادث من الحوادث المرورية الذي لا يمس سياسة الدولة داخلياً أو خارجياً وفيما أعلم فإن جهة إعلامية لم تنشر أي خبر عنهم، كما لا يعلم أحد حتى الآن ما إذا كان قد فتح تحقيق في الحادث وما هي نتائج التحقيق.
منذ أشهر قليلة وقع عصيان في سجن صيدنايا العسكري وتواترات الأخبار عن جسامة ما حدث في السجن وتسربت الأخبار عن قتلى يقدر عددهم بمئة قتيل وأن أسلحة سربت إلى السجناء وغير ذلك.
تم تطويق موقع السجن – وهذا طبيعي ويقع في معظم سجون العالم- وتم تفريغ مشفاً عسكرياً من المرضى ومنع الاقتراب منه، ونقل الجرحى والقتلى إليه وحظِّر على الأطباء مغادرته حرصاً على التكتم على الأحداث، وقد مضى عدة شهور على الحادث دون أن تعمد السلطة إلى نشر أي خبر أو تصديرأي بيان لمسؤول حكومي، ومنعت زيارة السجناء ووقعت أسرهم بالغم والهم والألم الدائم في الوقت الذي كانت فيه المراجعات لا تفتأ ترد إلى مكتبي من أهالي السجناء من موكلين وغيرهم ،لم استطع أن أشفي غليل هؤلاء، أو أروي نفوسهم العطشى إلى أخبار أبنائهم داخل السجن، ولا يعرف هؤلاء من يراجعون وإلى من يلجؤون؟! وتناقلت أخبار عن دفن جثث تحت جنح الظلام في قطنا وغيرها من المواقع، ولم يجر تسليم أية جثة لأهلها.
من يتابع أخبار التلفاز يقع في الحيرة لوصف ما يجري هنا، فنشاهد مثلاً أن بناء وقع في الباكستان وذهب ضحيته – كذا شخص-، أو أن قطاراً خرج عن مساره في الهند أو انهياراً للأبنية في مصر000 إلخ كل هذا نشاهده على التلفاز، أما في نظر السلطة السورية فنحن ليس لدينا أية مشكلات سوى ما يثيره هؤلاء الناس الذين يطالبون بحقوقهم السياسية منها – أحزاب أو هيئات- أو الاجتماعية – المجتمع المدني وحقوق الإنسان-.
تناقلت وسائل الإعلام عن محاكمة جرت لعبد الحليم خدام – وهو يستحق ذلك – وحكم عليه بالسجن المؤبد لأنه انشق عن النظام، بينما لم يستطع أحد محاكمته وهو على رأس السلطة.
ارتكب رفعت الأسد مجزرة تدمر وسلط زبانيته على رؤوس المسلمات في الشوارع لنزع حجابهن واستهدف السلطة وكان جزاءه أن أخرج من البلاد ومعه المليارات من الدولارات، بينما لم نسمع عن مشروع أي محاكمة له.
طالبت مراراً المسؤولين على كافة المستويات بإغلاق ملف المفقودين والدور المصادرة والمهجرين خارج القطر، وقلت أن مساءلة من ارتكب جريمة هو أمر مشروع ولكن منع المواطن من العودة إلى بلده يتنافى مع القوانين المحلية والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان، وقلت لا بد من إغلاق هذه الملفات العالقة التي هي من أسباب الاحتقان الداخلي، إلا ان الغريب أنه حين نطالب بإجراء مصالحة وطنية نتلقى الجواب بإننا لسنا متخاصمين!.
وقعت أحداث دامية وأليمة في الثمانينات وقابلت السلطة هذه الأحداث بفكر الانتقام وليس بفكر الإصلاح و تقصي أسباب الأحداث التي وقعت حتى يمكن اجتثاثها.
قال قيصر في جوابه على سؤالٍ لكسرى قولة مشهورة" إذا انتقمنا فعلى قدر السبب لا على قدر الغضب"، وقد قلنا إن ما وقع سابقاً يستوجب منا الوقوف والمراجعة ثم المصالحة.
في فتح مكة، الذي -حرياً بنا أن نستفيد من دروسه -، قال الرسول الأعظم الذي لاقى ما لقاه من أهله وشعبه في مكة من اضطهاد وقتل وتشريد وتجويع، قال لهم" اذهبو فأنتم الطلقاء" فهو لم يعمد إلى الانتقام ممن ظلموه واضطهدوه وأجبروه على ترك وطنه، حين قدر عليهم بل عاملهم بلطف وشهامة وفتح صفحة للمصالحة.
من المفارقات العجيبة أن تمارس السلطة اعتقالات لا حدود لها ولا ضابط في صفوف المثقفين في حين لا نجدها تحرك ساكناً لمحاكمة الذين ارتكبوا الجرائم والفساد وحاولوا القفز على السلطة.
دمر محافظ ريف دمشق سابقاً غوطتها الشهيرة ودمر مياهها وسمح البناء في محيط دمشق عشوائياً من أجل الرشى والفساد، وحول هذه الواحة الجميلة إلى كتل أسمنتية عشوائية ولا يوجد من يحاسب ، فعجباً كيف أنقلبت المفاهيم.
أنني من موقعي محامياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان أطالب السلطة كما طالبتها مراراً وتكراراً وعلى أعلى المستويات بما يلي :
1- ممارسة الشفافية في جميع أعمال السلطة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الناس اليومية.
2- طي الملفات العالقة – مفقودين –دور مصادرة – مهجرين .
3- إلغاء كل قانون استثنائي يتعارض مع الدستور والقوانين الأخرى والمعاهدات الدولية.
4- إلغاء القضاء الاستثنائي برمته .
وفي هذا عدل وحق
---------------------------------------------
القضاء في التشريع السوري
المحامي هيثم المالح
- 18-02-2008
المحامي هيثم المالح (رئيس جمعية حقوق الإنسان في سوريا) مقدمة: يمثل القضاء الحصن الأخير لحماية الأمة و أفرادها بمواجهة بعضهم بعضا و بمواجهة السلطة و بقدر ما يكون القضاء قويا مستقلا راسخا تكون حريات الناس و أموالهم و أرواحهم و أعراضهم مصونة محصنة كريمة . و لو مررنا من امام مبنى قصر العدل في دمشق لوجدنا عبارة (العدل أساس الملك) تزين واجهته ، و هذه العبارة لم تكن موجودة سابقا حين كان القضاء مستقلا قويا محصنا . فالعدل أساس الملك و عماده و هو سبيل الناس إلى السعادة و سبيلهم إلى الأمن و قد أمر الله عز و جل به في محكم التنزيل فقال : (إن الله يأمر بالعدل و الاحسان ) سورة النحل آية 9 (اعدلوا هو أقرب للتقوى ) سورة المائدة آية 8 ( و إذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى ) الانعام 152 ( و قل آمنت بما أنزل الله من كتاب و أمرت لاعدل بينكم ) الشورى 15 (و اقسطوا ن الله يحب المقسطين ) الحجرات 9 ( و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 508 (و لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد 15 . و الرسول الكريم (صلى الله عليه و سلم ) حض على العدل و أنذر من الجور بعذاب شديد و مما قاله (اتقوا الله و اعدلوا) (إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله) (عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة) . كما نادى الخلفاء الراشدون بالعدل فأبو بكر رضي الله عنه قال في أول خطبة له (الضعيف فيكم قوي عندي حتى أخذ الحق له و القوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه إنشاء الله). و عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيما كتبه لأحد عماله (و أما العدل فلا رخصة فيه في قريب و لا بعيد و لا في شدة و لا رخاء و العدل و إن رئي لينا فهو أقوى و أطفأ للجور و أقمع للباطل... ) و قال فيما كتبه لأبي موسى الأشعري ( .. آس بين الناس في وجهك و مجلسك و عدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك و لا ييأس ضعيف من عدلك) و قال شيخ الاسلام ابن تيمية (إن الناس لم يتنازعوا في ان عاقبة الظلم و خيمة و عاقبة العدل كريمة و لهذا يروى إن الله ينصر الدولة العادلة و إن كانت كافرة و لا ينصر الدولة الظالمة و إن كانت مؤمنة) . و نادت بالعدل ايضا الشريعة المسيحية فقد جاء في إحدى رسائل القديس بولص الموجهة إلى روما(إن الله عادل و كل منا يدان بحسب أعماله إن الله متناهي العدالة ) . و في الشرائع القديمة نودي بالعدل فهذا حمورابي يقول (ناداني الالهان أل و بال أنا حمورابي لكي أقوم بما يعود على خير البشر و أجعل الحق سائدا في هذه البلاد و أقضي على الشرير و الفاسق و أمنع الظالم من الاضرار بالضعيف). و توزيع العدل خاص بالله العلي القدير فقد قال في كتابه الكريم (إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين ) الأنعام 57 (و الله يحكم لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب) الرعد 41 . كما أنه خاص بالرسل فقد قال تعالى (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) سورة ص 36 . و قد استعار القضاة هذه الصفة الالهية صفة توزيع العدل بين الناس فغدو ألسنته التي تنطق بالحق و تقول بسيادة القانون و يحكمون فتنفذ احكامهم دون أن يتركوا لأحد بعدهم أي مقال لأنها عنوان الحقيقة و الصواب و هم يعصمون المظلوم و يحمون الضعيف و يحملون الناس على العيش في حياة لا محل فيها للطغيان أو الاستعلاء أو التعسف) . فهل يمكنهم أن يحققوا كل ذلك ؟ أن يشيعوا الطمأنينة بين الناس في أرواحهم و أموالهم و حرياتهم و شرفهم إذا لم يكن الجهاز الذي يؤلفون جزءا من كيانه سلطة قائمة بذاتها مستقلة عن باقي السلطات؟ لا مؤسسة أو إدارة كباقي مؤسسات الدولة أو اداراتها ؟ أو كان القضاة كسائر موظفي الدولة لا حصانة فعلية لهم تعصمهم من الخضوع إلى أي مؤثر خارجي يحول بينهم و بين العمل في إطار الحق و العدالة حصانة تساعدهم على أن يكون ما يقومون به بمنجاة من الخوف و من تعسف أو طغيان أو هوى فيأتي عملهم محققا للعدل مطبقا لسيادة القانون !! كلا، لن يتمكن القضاة من تحقيق هذا الأمر و لن تتمكن السلطة القضائية من بلوغ هذا الهدف إذا لم يعترف بالقضاء سلطة مستقلة تقف على قدم المساواة مع باقي السلطات في الدولة، و إذا لم يعترف للقاضي بحصانة تتيح له أن يقف صامدا أمام التيارات الجارفة كافة، فلا ينجرف معها و لا ينساق، فيبقى عزيزا بعيد المنال أيا كان القرار الذي يصدره ما دام منبعثا من ضميره ووجدانه حتى ذلك الذي يغيظ السلطة الحاكمة . و إذا كان القاضي يملك أغلى ما لدى الانسان حريته و حياته و ماله و شرفه فإن عمل القاضي يختلف عن عمل أي موظف كان و بالتالي كان بد من الاعتراف بأمرين اثنين : أولهما : استقلال السلطة القضائية . و ثانيهما : استقلال القضاة في عملهم، إذ ما جدوى استقلال القضاة اذا لم يعترف بالقضاء سلطة ذات كيان مستقل. و ما جدوى استقلال القضاء دون القضاة إذا أقحمنا عليه أشخاصا غير متخصصين تحت ستار أي باعث كان و ما فائدة هذا الاستقلال أيضا إذا اعتدينا على حيدة القضاء و زججنا به في خضم السياسة و متاهاتها فغدا جزءا من إرادة الحاكم! - فيما مضى من عجالة بينا مكانة القضاء و ضرورته لحياة سليمة قويمة فماذا عن القضاء في سورية؟ - و في بحثنا هذا سوف نتعرض لحصانة القاضي ثم للسلطة القضائية في التشريع السوري مرورا بالتشريعات السابقة و نخلص إلى النتيجة التي يؤول إليها البحث. أ – حصانة القاضي في التشريع السوري: لن نعود إلى العقود البعيدة و لكن سنتعرض لحصانة القاضي بدءا من عام 1961 ، فقد صدر في هذا العام المرسوم التشريعي رقم 98 تاريخ 15/11/1961 و الذي طرأت عليه عدة تعديلات بعد صدوره، و بمقتضى هذا القانون و تعديلاته يراد بالحصانة صيانة القضاة من العزل و النقل. و العزل : الصرف من الخدمة ،و النقل: النقل من بلد لآخر أو من وظيفته المحددة في مرسوم تعيينه إلى وظيفة أخرى (م 92) و يتمتع جميع القضاة من حكم و نيابة بالحصانة من العزل (م92/1) باستثناء القضاة الذين لم يمض على تعيينهم في القضاء ثلاث سنوات (م93/1) . و بالنسبة لحصانة النقل فإن جميع القضاة يتمتعون بها (م92) باستثناء قضاة النيابة العامة حيث يتم نقلهم بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير العدل، و قضاة الحكم الذين لم يمض على تعيينهم في القضاء ثلاث سنوات، و القضاة الذين طلبوا النقل خطيا، و القضاة الذين أمضوا ثلاث سنوات فأكثر في الوظيفة المحددة في مرسوم تعيينهم، عندما تقضي الضرورة بنقلهم، و القضاة الذين ينقلون ترفيعا من فئة إلى فئة أخرى ،و القضاة المحكوم عليهم من قبل مجلس القضاء الأعلى بعقوبة أشد من عقوبة قطع الراتب، و معاونوا القضاة الابتدائيين و الشرع و التحقيق (م93/2) . و لا يجوز نقل القاضي أو ندبه إلى وظيفة أدنى من فئته (م84) أو نقله إلى ملاك آخر في الدولة إلا بناء على طلبه و موافقة مجلس القضاء الأعلى (م85 /1 ) . كما لا يجوز أن يجتمع في محكمة واحدة قضاة حكم أو قضاة نيابة عامة تربطهم ببعضهم مصاهرة او قرابة من الدرجة الرابعة فما دون، و إذا وقعت مصاهرة أثناء وجود القاضيين في محكمة واحدة فعلى أحد الفريقين أن يقدم طلبا بنقله و إلا ينقل الصهر (م88) ،أي ان الصهر هنا يفقد حصانة النقل بالنسبة لهذه الحالة فقط حتى و لو كان يتمتع بها في الأصل، و لم يسمح هذا التشريع بإقامة الدعوى الجزائية على القضاة بصدد الجرائم التي يرتكبونها أثناء قيامهم بالوظيفة أو خارجها إلا من قبل النائب العام للجمهورية بناء على اذن من لجنة قضائية مؤلفة من رئيس محكمة النقض و اثنين من أقدم مستشاريها، أو بناء على طلب من مجلس القضاء الاعلى عندما يتبين له أثناء محاكمة القاضي المسلكية وجود جرم جزائي، و ليس للمدعي الشخصي أن يحرك دعوى الحق العام في هذه الجرائم (م114) . و نشير بهذا الصدد إلى قضاة مجلس الدولة و هو المجلس الذي ينظر في الدعاوى الادارية فقد نص القانون رقم 55 لعام 1959 على أن أعضاء مجلس الدولة من درجة مستشار مساعد فما فوق غير قابلين للعزل أما النواب فيمكن عزلهم إذا لم يمضوا ثلاث سنوات متصلة في وظيفتهم أو في وظيفة مماثلة لها يتمتع شاغلها بالحصانة فيها. و مع ذلك إذا اتضح أن أحدا من هؤلاء قد فقد الثقة و الاعتبار اللذين تتطلبهما الوظيفة القضائية أحيل على التقاعد بمرسوم من رئيس الدولة بعد موافقة اللجنة المشار إليها في المادة (64) السابقة و تتألف لجنة التأديب و التظلمات من قضاة من المجلس المذكور برئاسة رئيس المجلس و قد نصت المادة (66) من القانون (55) على طريقة تأليف اللجنة . و بحسب هذا التشريع ترفع حصانة النقل عن قضاة الحكم متى أريد ترقيتهم من فئة إلى أخرى ( و ليس من درجة إلى درجة ضمن المدينة ) كما و ترفع عن القضاة الذين أمضوا ثلاث سنوات فأكثر في مراكزهم عندما تقضي الضرورة بنقلهم، كما أنه يمكن نقل قضاة الحكم إلى ملاك النيابة العامة أو العكس بقرار يصدر عن وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى (م83) دونما حاجة لموافقة القاضي. إن حصانة القاضي من العزل لا يعني عدم قابلية صرفه من الخدمة على الاطلاق، إذ يمكن أن يتم ذلك إذا صدر قرار عن مجلس القضاء الاعلى بعزله بوصفه مجلسا لتأديب القضاة إذا ارتكب أعمالا من شانها أن تشين مسلك القاضي و تعيبه و في هذه الحالة يمكن ايقاع عقوبة العزل بحق القاضي الذي أثبت عجزا أخلاقيا و يصدر مجلس القضاء الاعلى قراره بالأكثرية . و على هذا فإن هذا التشريع قد و كل امر البت في موضوعات القضاة من تعيين و ترفيع و نقل و عزل و تأديب إلى هيئة قضائية صرفة و هي مجلس القضاء الأعلى و قد كان تأليفه من سبعة قضاة برئاسة رئيس محكمة النقض ،الامر الذي يؤكد حصانة القاضي و استقلاله ،و يتناول اختصاصه قضاة الحكم و النيابة العامة على حد سواء، باستثناء نقل القضاة الأخيرين الذي يتم بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل فقط دونما حاجة للرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى . و لقد أتت تشريعات كثيرة بدءا من القرار رقم 124 تاريخ 15/6/1923 و من بعده القرار رقم 238 تاريخ 2/6/1928و كذا المرسوم التشريعي رقم 15 تاريخ 19/10/1946 و المرسوم 80 تاريخ 30/6/1947 و المرسوم التشريعي رقم 19 تاريخ 10/7/1952 و المرسوم التشريعي رقم 133 تاريخ 8/10/1953 ، و في عهد الوحدة صدر قانون السلطة القضائية رقم 56 لعام 1959 ثم أعقبه المرسومين التشريعيين رقم 23 و 40 لعام 1966 و جميع هذه المراسيم تناولت حصانة القضاة و كان آخرها المرسوم التشريعي رقم 32 تاريخ 6/2/1968 الذي سمح فيه للسلطة التنفيذية بأن تصرف كل موظف أكمل الخامسة و الخمسين من عمره أو تجاوزت خدماته الثلاثين عاما بناء على اقتراح الوزير المختص و بذا تكون حصانة العزل قد رفعت عن كل قاضي تتوافر فيه احدى الحالتين السابقتين . و الامر الذي نلاحظه من التشريعات المتقدمة كثرتها و الكثرة تخلق في السلطة القضائية جوا من عدم الاستقرار النفسي و الطمأنينة اللذين لا بد منهما للقاضي في عمله ، و ان رفع الحصانة ينعكس أثره على المتقاضين أكثر مما ينعكس على القضاة. ب – السلطة القضائية في الدساتير السورية و النصوص التشريعية الأخرى: السلطة القضائية في الدستور: مرت السلطة القضائية بالعديد من الحالات خلال فترة الاستقلال: أ‌- الدستور السوري لعام 1953 : لقد أضفى الدستور أهمية كبيرة للقضاء و حرص على استقلالية القضاء فنص في المادة 113 على ما يلي:(1- تؤلف المحكمة العليا من سبعة أعضاء يسمى أحدهم رئيسا لها . 2- يشترط في العضو أن يكون : أ-متمتعا بشروط المرشح للنيابة . ب‌- حاملا اجازة الحقوق من الجامعة السورية أو ما يعادلها. ج- متما الأربعين من عمره. د- قد مارس القضاء و المحاماة و التدريس الجامعي أو أحد هذه الأعمال مدة لا تقل عن عشر سنوات) و في نص في المادة 118 على ما يلي: (1- يؤلف مجلس القضاء الأعلى من سبعة أعضاء : أ ـ رئيس المحكمة العليا رئيسا. ب- اثنين من أعضاء المحكمة العليا تختارهما المحكمة . ج- الأربعة الأعلى مرتبة من قضاة محكمة التمييز . 2 - يشرف هذا المجلس على شؤون قضاة الحكم المتعلقة بمهمتهم.) و المادة 119 (لرئيس مجلس القضاء الأعلى و لوزير العدل حق تقديم الاقتراحات بتعيين قضاة الحكم و ترفيعهم و نقلهم و تأديبهم و عزلهم وفقا لاحكام القانون و يبت مجلس القضاء الاعلى في هذه الاقتراحات بقرار يتخذه بالأكثرية المطلقة و يبلغه إلى وزارة العدل لتنفيذه بمرسوم أو بقرار وفقا لأحكام القانون.) ب ـ في عام 1962 جاء المرسوم التشريعي رقم 120 تاريخ 11/9/1962 فنصت المادة 3 منه على ما يلي(يلغى نص المادة 65 من قانون السلطة القضائية المشار إليه و يستعاض عنه بالآتي - يؤلف مجلس القضاء الأعلى على الوجه الآتي : - - رئيس محكمة النقض رئيسا . - النواب الثلاثة لرئيس محكمة النقض. - الأمين العام لوزارة العدل. - أقدم مستشاري محكمة النقض. عند غياب رئيس محكمة النقض أو أحد نوابه أو رئيس محكمة الاستئناف يحل محله من يليه في الأقدمية من ملاك محكمته و عند غياب الامين العام يحل محله أقدم قضاة الادارة المركزية . و إن قراءة سريعة للنصوص السابقة تعطينا فكرة واضحة عن مكانة القضاء و استقلاله في الدساتير السابقة لدستور عام 1973 ، و اتجاه المشرع لأن يجعل من الجهاز القضائي جهازا متميزا يضم خيرة الناس علما و سمعة و خبرة. ج – في الدستور السوري لعام 1973 : فصل الدستور السوري تحت الباب الثاني سلطات الدولة فأتى على شرح السلطة التشريعية تحت عنوان الفصل الأول ثم أتى على السلطة التنفيذية تحت الفصل الثاني و نص على أجهزة السلطة التنفيذية بان جعل رئيس الجمهورية رأسا لهذه السلطة و شرح كيفية ترشيحه و انتخابه من المادة 83 حتى المادة 114 و من دراسة هذه المواد يتجلى لنا أن رئيس الجمهورية يهيمن هيمنة كاملة و تامة على جميع السلطات و يحكم قبضته عليها بشكل لا يدع لها مجالا للحركة إلا وفق مشيئته فهو يمثل مركزا أقوى من مراكز بعض الملوك أو الأمراء إنه مركز مطلق لا معقب لحكمه أو لرأيه فلذا جاء الدستور مهيئا لسلطة مطلقة للسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الجمهورية و لئن كنا لسنا بصدد شرح صلاحيات رئيس الجمهورية فإنما نتعرض لها حتى يكون انتقالنا لشرح أوضاع السلطة القضائية انتقالا واضحا يسلط الضوء على النواحي كافة التي تحكم هذه السلطة ! لقد خص الدستور السوري لعام 1973 في الفصل الثالث بحث السلطة القضائية في المواد من 132 و حتى 138 كما يلي: المادة 132(يرأس رئيس الجمهورية مجلس القضاء الأعلى و يبين القانون طريقة تشكيله و اختصاصه و قواعد سير العمل فيه) المادة 133(1- القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون . 2- شرف القضاة و ضميرهم و تجردهم ضمان لحقوق الناس و حرياتهم.) المادة 134 (تصدر الاحكام باسم الشعب العربي في سورية ) المادة 135 (ينظم القانون الجهاز القضائي بجميع فئاته و أنواعه و درجاته و يبين قواعد الاختصاص لدى مختلف المحاكم) المادة 136 (يبين القانون شروط تعيين القضاة و ترفيعهم و نقلهم و تأديبهم و عزلهم) المادة 137 (النيابة العامة مؤسسة قضائية واحدة يرأسها وزير العدل و ينظم القانون وظيفتها و اختصاصاتها). المادة 138 (يمارس مجلس الدولة القضاء الاداري و يعين القانون شروط تعيين قضاته و ترفيعهم و تاديبهم و عزلهم). و لئن كان الفصل قد جاء تحت عنوان السلطة القضائية إلا أنه لم يذكر بأن هذه السلطة هي سلطة مستقلة بل إن المادة 132 قد بينت أن رئيس الجمهورية و الذي هو في الوقت ذاته رئيس السلطة التنفيذية يرأس مجلس القضاء الاعلى و لئن كانت المادة 133 قد بينت بأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون إلا أن هذا النص لا يعود له معنى حين يقحم القضاة في خضم السياسة فيغدو القاضي حزبيا تابعا لسلطة حاكمة مستبدة و بالأحرى هو جزء في عجلة النظام!! مقدمات أدت إلى نتائج: إن ما حدث في سوريا إنما هو تهيئة كاملة للطلاب بأن يكونوا حزبيين و تأطيرهم بالنظام سواء عن طريق الزامهم و هم في مراحل الدراسة الابتدائية لأن ينخرطوا في منظمة طلائع البعث أم حين يصبحون في مراحل الدراسة الثانوية بالانخراط فيما يسمى شبيبة الثورة حتى إذا واصلوا دراستهم الجامعية ثم تخرجوا من كليات الحقوق أضحى لزاما عليهم حتى يقبلوا في سلك القضاء أو حتى يجدوا لهم عملا أن يكونوا حزبيين و بذا تكون مراحل التهيئة السابقة قد أتت على شخصيتهم المستقلة و أضحوا كالعجينة بيد الخباز و بالتالي فإن معنى استقلال القاضي في حكمه و شخصيته و آرائه تكون قد أصبحت في مهب الريح ناهيك عن تدخل الاجهزة الأمنية فؤق كل ذلك في تعيين القضاة و إرسال التقارير عنهم مما يجعلهم خاضعين مسقبلا لهذه الاجهزة. و أما عن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية: فاذا لم تكن السلطة القضائية سلطة مستقلة تماما عن السلطة التشريعية بأن لا يحجب حق التقاضي عن الناس بأي تشريع و تحت أي مسمى و ان لا تلغى الأحكام القضائية أو يعطل نفاذها و بان لا تمس حصانة العزل أو النقل تحت أية حجة كانت، لما كان لاستقلال القضاء عن السلطة التشريعية أي معنى، لانها تستطيع بسط هيمنتها على هذه السلطة متى شاءت و تحت ستار النصوص القانونية ، وهو الأمر الجلي الواقع في سوريا إذ لامعنى للأحكام القضائية التي تصدر عن القضاء لأن نفاذها رهن بإجازة سلطات أخرى سواء تنفيذية أم تشريعية و لأن عددا من المراسيم و القوانين صدرت بحجب حق التقاضي أمام العدالة و هي أكثر من ان تحصى . ولو عدنا إلى نصوص قانون السلطة القضائية الحالي لوجدنا أن حصانة القاضي هي حصانة اسمية ووهمية فقد ترفع حصانة النقل عن قضاة الحكم متى أريد ترقيتهم وعن القضاة الذين أمضوا مدة ثلاث سنوات فأكثر في مراكزهم عندما تقضي الضرورة بنقلهم في حين أن التشريعات السابقة لم تكن تسمح بالنقل إلا بموافقة القاضي الخطية حتى لو كان من أجل ترقية (المادة 79 من المرسوم التشريع رقم 80 لعام 1947 والمادة 96 من المرسوم الاشتراعي لعام 1946 ) كما أن التشريع الحالي سمح بنقل قضاة الحكم إلى النيابة العامة (مادة 83) دون موافقة القاضي وبهذا تكون حصانة القاضي هشة وعرضة للسلب . - و أما عن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية: فاذا لم تكن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية بعدم تدخل هذه السلطة في تعيين القضاة و حماية مرتباتهم و ترقيتهم و خضوع القضاة لنظام خاص بالمسؤوليتين التأديبية و المدنية و بعدم تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية أو قرارات مجلس القضاء الاعلى فان هذه السلطة لا تكون مستقلة استقلالا تاما. - إلا أننا لو عدنا إلى نصوص القانون لوجدنا أن المادة 65 من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم 98 لعام 1961 المعدلة نصت على ما يلي:(يؤلف مجلس القضاء الأعلى على الوجه الآتي: - رئيس الجمهورية ينوب عنه وزير العدل رئيسا . - رئيس محكمة النقض عضوا. - النائبان الاقدمان لرئيس محكمة النقض عضوا. - معاون الوزير لوزارة العدل عضوا. - النائب العام عضوا. - رئيس ادارة التفتيش القضائي عضوا. اذا تغيب معاون الوزير أو رئيس التفتيش يكمل النصاب مدير ادارة التشريع و في حالة غياب احد الأعضاء الاخرين يكمل النصاب أقدم المستشارين في محكمة النقض. و هكذا أضحى وزير العدل يرأس السلطة القضائية، فضلا عن أن اكثرية المجلس تابعة لوزير العدل و هم معاون الوزير و النائب العام و رئيس ادارة التفتيش. و بذا فلم تعد هذه السلطة سلطة مستقلة و انما دائرة من دوائر الدولة يديرها وزير العدل . و من نافلة القول أننا نجد أن وزراء ليس لهم الخبرة القضائية الكافية يرأسون مجلس القضاء الاعلى الذي يضم فيه قضاة أمضوا عمرهم كله في خدمة القضاء فكيف يمكن لنا أن نفسر ذلك؟؟ هل نستطيع أن نقول أن السلطة القضائية بعد ما تقدم من بحث هي سلطة مستقلة ؟ كلا و ألف كلا!! الأقضية الاستثنائية: و لكن كيف تم تجريد القضاء من سلطته المستقلة و تم الاعتداء على حياده من نواح أخرى؟ إن انشاء الأقضية الاستثنائية أسلوب شاذ من أساليب النظم الشمولية التي لا تقبل اختصاص القضاء العادي في جرائم او منازعات بعينها و لا شبهة في أن انتزاع ولاية القضاء العادي في صدد منازعة أو جريمة بعينها يكشف عن انحياز في المعاملة و إلا فلو كان الأمر أمر احتكام إلى القانون لما كان هناك محل لأن تشكل محاكم أو لجان خاصة و حتى لو لم تعط هذه الجهات سلطات استثنائية يتجاوز بها حدود القانون العام و تنتهك بها ضماناته ،فان تأليف هذه المحاكم و اللجان بحد ذاته انتهاكا لمبدأ حيدة القضاء(عن بحث للأستاذ نصرت ملا حيدر في مجلة المحامون). لقد دأب المشرع في سورية على انشاء العديد من المحاكم و اللجان الاستثنائية بغرض سلب القضاء اختصاصاته و منها: 1- المحاكم العسكرية التي وصفها رجال الفقه الدستوري بأنه أسلوب شاذ لا يأتلف مع قيام القضاء العادي كسلطة مستقلة كما لا يأتلف مع الأسلوب الديمقراطي في الحكم و قد أتت دساتير عديدة منها عربية على منع انشاء مثل هذه المحاكم. 2- و من هذه المحاكم محاكم الميدان العسكرية التي لا تتقيد بأصول و لا تتقيد بالعقوبات و القضاة فيها لا يشترط تخرجهم من كلية الحقوق و لا يربطهم باقانون أي رابطة، و التي يكون من اختصاصها أصلا محاكمة العسكريين في حالات محددة، إلا أن مرسوما تشريعيا قضى بتوسيع صلاحيات هذه المحاكم لمحاكمة المدنيين. 3- كذلك من هذه المحاكم محكمة أمن الدولة العليا المنشأة بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968 المعدل و أحكام هذه المحكمة يصادق عليها رئيس الجمهورية الذي له حق تعديلها أو الغائها أي أن أحكام هذه المحكمة خاضعة لرقابة السلطة التنفيذية و تصديقها و لا رقابة عليها لاية جهة قضائية . 4- كما أن القوانين أحدثت لجانا خاصة مثل لجان تحديد الأجور للعمل الراعي و لجان تسريح العمال و سواها. 5- محكمة الأمن الاقتصادي و التي لا يوجد لديها ضوابط القواعد القانونية العادية و المحاكمات فيها غير علنية كما يمنع على المحامين الاطلاع على الملفات، و بذا تغدو أشبه بالأجهزة السرية. كل هذه المحاكم الاستثنائية و اللجان سلبت القضاء اختصاصه و حصرت عمله في نطاق محدد و نالت من حيدته و هيبته. ما هو الواقع : عقب الثامن من آذار كان من بواكير المراسيم التي أصدرها مجلس قيادة الثورة مرسوم العزل المدني اذ أتى هذا المرسوم على تشميل بعض الاشخاص بالعزل المدني ثم جاء مرسوم آخر فاعتبر المعزول مدنيا مصروفا من الخدمة (لا سابقة لهذا المرسوم فيما أعلم). و قد شمل هذا المرسوم أحد القضاة هو الاستاذ أحمد الراشد الذي انتدب لرئاسة المحكمة العسكرية التي حاكمت من سمي المشتركون في فتنة حلب و التي ذهب ضحيتها عدد من خيرة ضباط الجيش و قد حكمت المحكمة على المدعو ابراهيم العلي بالاعدام الا أن المذكور كان له دور بارز فيما أعقب الثامن من اذار و من هنا يمكن لنا أن نفهم كيف صدر مرسوم العزل المدني و معلوم أن القاضي يتمتع بحصانة العزل . فإذا بهذا المرسوم يفتئت على القانون والدستور ويعتدي على قاض قائم بعمله عقابا له على حكم اصدره . وفي عام 1966 كنت معارا للعمل في القضاء الليبي فأصدرت السلطة مرسوما تشريعيا قضى برفع الحصانة عن القضاء وتم صرف اربعة وعشرين قاضيا كنت انا منهم وكان منهم رئيس محكمة النقض الأساذ عبد القادر الاسود احد اكبر الرجالات القضائية في سورية وكان ايام الوحدة رئيسا لمحكمتي النقض السورية والمصرية ، وشمل ايضا الاستاذ الكبير علي الطنطاوي وآخرين ، وقد زعم من أصدر المرسوم ان المصروفين من الخدمة غير متوافقين مع الثورة ! .(المرسوم في نهاية البحث ) . وأخيرا إن القضاة هم سلطان الحق الذي لابد منه لسلطان القوة ، لأن القوة بدون الحق تعني البطش وسلب الحقوق في حين ان سلطان القوة من اجل الحق هو التقويم للباطل وفعله والإنقاذ للإنسان من التخبط في شريعة الغاب . ولايوجد في الحكومات البشرية سوى قوتين ضابطتين : قوة القانون وقوة السلاح .وإذا لم يتول قوة القانون قضاة فوق الخوف وفوق كل ملامة وتأثير فإن قوة السلاح ستسود حتما وبذلك تؤدي إلى سيطرة النظم العسكرية على النظم المدنية . (نصرت ملا حيدر ، المرجع السبق ) . وفوق كل ذلك فإن معظم أجهزة الدولة ترفض تنفيذ الأحكام القضائية ومع أن من يمتنع عن تنفيذ أي حكم قطعي يقع تحت طائلة المعاقبة القانونية فإن اجتهادا قضائيا خاطئا منحرفا قضى بعدم جواز مساءلة الوزير الممتنع عن تنفيذ الأحكام القضائية إلا من قبل رئيس الجمهورية . (صدر هذا الاجتهاد عن إدارة التسريع التابعة لوزارة العدل ) . مما تقدم لنا يتضح لنا كيف انهار القضاء انهيارا كاملا في سورية ، وبالحقيقة فإن ثمة اغتيالا تشريعيا منظما لهذا الجهاز القضائي الهام والذي لاغنى عنه في أي مجتمع من المجتمعات ، وهو حصن الأمة الأخير لحماية المواطنين في أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وحريتهم . وإنني من منبر الفكر أدعو جميع المسؤولين لتلافي هذا الانهيار وإلا ... وبعد أليس من المفيد أن نستعرض بعض الإحداثات في قصر العدل والتي تبين أن السلطة التنفيذية ومن يقف وراءها من تنظيمات حزبية قد تغلغلت إلى صميم القضاء وكيانه وسلبته حريته واستقلاله . فلو دخل الواحد منا قصر العدل فماذا يجد : 1- قاعة للفرقة الحزبية . 2- قاعة البيعة . 3- محكمة الأمن الاقتصادي في الطابق الأخير وهي مغلقة وجلساتها تتسم بالسرية وملفاتها يمتنع على المحامي الإطلاع عليها ، وهي أشبه بجهاز من أجهزة المخابرات لاعلاقة لها بالقانون . 4- صور منتشرة على جدران المحاكم بشكل يخرج القضاء عن هيبته ويحوله إلى معرض للصور لايأتلف مع الذوق العام لقصر يسعى لتحقيق العدالة . وأخيرا وليس آخار إنني أضع هذه النقاط التي أثرتها سابقا أمام المجتمع بأسره علها تجد أذنا صاغية تعيد للقضاء هيبته وحيدته وتؤمن للقضاة حصانة تحصنهم من خوف السلطان حاضرا ، والقلق من المستقبل على أسرهم وعيالهم وبذا نضمن حصنا هاما من الحصون التي تحمي المجتمع كله من غول الطغيان والعسف والجور وتطمئن الناس على مستقبلهم . والله اسأل تسديد الخطى .
---------------------------------------------------
آمل أن تتم إضافة مقالات وبحوث المحامي هيثم المالح , ليتعرف العالم على همجية نظام الإستبداد في سورية , والذي لايتحمل كلمة واحدة تنتقد سياساته الخرقاء .