المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على هامش تزايد النزعة الدينية



الشاعرمحمدأسامةالبهائي
02/02/2007, 01:05 AM
على هامش تزايد النزعة الدينية أقدم هذه الدراسة لمنتدانا الواتاوى

ــــــــــــــــــــــــــ
العلاقة بين الإسلام والغرب: الرؤية الغربية
اتخذت العلاقة بين الغرب والإسلام أوجهاً متعددة، واتسمت في غالب الأحيان بالحدة والتوتر، ولاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكنها أصبحت أكثر تعقيداً في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد حوادث الحادي عشر من أيلول، حيث أفصح الغرب عن طبيعته العدوانية، واتهم الإسلام بأنه يختزن في صلب تشريعاته الإرهاب والعنف، فأضحى الإرهاب سمة كل عربي ومسلم. إزاء هذه التطورات، كان لا بد من إجلاء المفاهيم الملتبسة، ونفي سمة الإرهاب عن الإسلام، وكذلك وضع قواعد للتعامل مع الغرب، ما جعل سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله يفرد مساحة واسعة لبلورة الصورة الحقيقية للإسلام، بأنه ـ أي الإسلام ـ يرفض الإرهاب جملة وتفصيلاً، وأنه يدعو إلى الحوار لحل المشكلات العالقة، مميزاً في الوقت نفسه بين الإدارات الغربية والشعوب الغربية، وبين العالم الأوروبي والعالم الأمريكي.

الرؤية الغربية للإسلام

وحيث يتّهم الغرب العالم العربي والإسلامي بأنه يختزن ثقافة إرهابية، يرى سماحته أنّ المنطلقات التي يتم التعامل على أساسها مع الغرب، تنبع من روح الإسلام ومن صلب تشريعاته، بحيث يرفض الإسلام الإرهاب، كما يعتبر سماحته أنّ هناك فهماً غربياً ملتبساً للإسلام، ويتبين ذلك في قوله:

"إننا نحاول أن نحاور العالم، سواء كان غربياً أو شرقياً، على أساس أن الحوار هو الوسيلة الحضارية الإنسانية للدعوة، ولكن المشكلة التي حدثت أخيراً بفعل بعض التعقيدات أو بعض الأوضاع، وخصوصاً عندما وقعت أحداث 11أيلول (سبتمبر) في أمريكا، جعلت الإدارة الأمريكية الحالية تستفيد من هذا الحدث، لتشنّ حرباً عالمية على الإسلام والمسلمين، بحجة الحرب على الإرهاب، على أساس أن الإسلام دين يرعى الإرهاب والإرهابيين وما إلى ذلك، من خلال تأكيدهم النقاط الملتبسة في فهم الإسلام، كمسألة الجهاد وما إلى ذلك.

ونحن كنا ـ وما زلنا ـ نؤكد منذ 11أيلول (سبتمبر)، أن الإسلام لا يقرّ هذه الوسائل، وأنّه إذا قام بعض المسلمين ببعض الأعمال التي تصنف في دائرة الإرهاب وتثير الجدل، فهذا لا يعني أن المسلمين بأجمعهم يتحركون في هذه الخطوط المرتكزة على العنف. وإذا أردنا أن نستخدم هذا المنطق في الحكم على عالم إسلامي لمجرد قيام بعض أفراده بوسائل العنف غير المبرّر، فإننا نجد أن هناك في الغرب أكثر من منظمة إرهابية تقتل الناس الأبرياء بطريقة أو بأخرى، سواء في أمريكا أو أوروبا أو سواهما"(1).

"لذا نقول: إن العدالة في الحكم على الأشياء تقتضي الدقة في دراسة معطيات الاتهام أو معطيات الحكم. ولذلك، فإننا نعتقد أن حديث الغرب الأمريكي بالذات، وبعض أنماط الغرب الأوروبي عن الإسلام بأنه دين إرهابي لمجرد بعض الأوضاع التي حدثت من حالات العنف، هو حكم غير عادل وغير مبرّر، ولا يمكن أن يتقبّله أي منطق ديني أو حضاري.

ثم إننا كمسلمين نعمل على أساس صداقة العالم، ونفرّق بين الإدارات الغربية، حتى الأمريكية منها، وبين الشعوب الغربية، وقد لاحظنا أن كثيراً من شعوب الغرب، بما فيها أمريكا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا، قامت بالتظاهر على مستوى مئات الألوف ضد الحرب التي أثارتها الإدارة الأمريكية في العراق وفي أفغانستان وما إلى ذلك"(2).

الحوار وسيلة حضارية

لذلك، يعتبر سماحته أن الإسلام ليس في مواجهة مع الغرب، وأنه "ليس هناك أية مشكلة بين الإسلام والشعوب الغربية، وإذا كانوا يختلفون معنا في بعض المبادىء، فإن الوسيلة التي نتبعها من خلال تعاليم الإسلام مع هؤلاء، هو أسلوب الحوار بين الإسلام والغرب، ليطرح المسلمون خططهم الحوارية في ما يفكرون فيه في العالم كله"(3).

وللدلالة على صحة ذلك، يقول سماحته، إنّ "هناك الكثير من الغربيين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، ولم يتعرض لهم أحد إلا في حالات بسيطة قد يحدث مثلها في الغرب، وفي المقابل، نجد الملايين من المسلمين الذين يعيشون في الغرب، ولم يربكوا حياة الواقع الغربي، بل تعايشوا مع الغربيين بشكل طبيعي جداً. إن هناك متطرفين في المسلمين، كما إن هناك متطرفين في الغرب. أليست هناك حالات عنصرية ضد الأجانب في الغرب؟ ولكنّنا لا نقول إن الغرب كله متعصّب أو عنصري، وكذلك هناك متعصبون في المسلمين، حتى ضد المسلمين بعضهم مع بعض. ولكن لا نقول إن الإسلام عنصري أو متعصّب. وهناك آية في القرآن تتحدث عن الأسلوب الذي يحوّل الأعداء إلى أصدقاء، وهي تخاطب اليهود والنصارى معاً، ليأتوا مع المسلمين إلى الفكر الذي يلتقون عليه، ثم للحوار في ما يختلفون فيه، فالإسلام يعترف بالآخر ويتعايش معه، وقد اعترف الإسلام باليهود والنصارى وتعايش معهم في كل تاريخه، وهو يؤمن بالحوار في ما يختلف فيه كل الناس، ولا يبتغي القوة سبيلاً لفرض الفكر، معتمداً، كما أسلفنا، الحوار والإقناع وسيلة"(4).

أما عن نظرة الغرب إلى الدول الإسلامية القائمة على أنها دول محكومة بفكرة الدين، فينفي سماحته "صفة الديني عن هذه الدول، ويعتبر أنها تأخذ من الدين وسيلة للتأثير على الآخرين فقط، لأن أغلب الحكام يظلمون الناس، والدين يدعو إلى العدل، كالكثيرين الذين يعطون لأنفسهم اسم الديمقراطية، ولكنهم يستغلونها لحساباتهم الخاصة"(5).

الدور البريطاني:

أما عن دور بريطانيا السلبي في المنطقة، ولاسيما بالنسبة للقضية الفلسطينية، حيث تم سلب فلسطين وتشريد شعبها، فيتمنى سماحته على بريطانيا، "وهي من أقوى الدول الأوروبية، أن لا تكون على هامش أمريكا في سياستها. إننا في الشرق نشعر أن بريطانيا فقدت استقلالها السياسي، وأنها كانت قادرة على قيادة الاتحاد الأوروبي لو ابتعدت عن أن تكون على هامش السياسة الأمريكية. إن أمريكا تستخدم بريطانيا لإضعاف أوروبا، وهذا أمر لا يشرّف الشعب البريطاني، ونحن نتصور أن أوروبا معدّة لتكون أكثر إنسانية مع الشعوب في العالم الثالث من أمريكا، فعلى بريطانيا لعب الدور الأوروبي بدلاً من أن تلعب الدور الأمريكي، ونحن مستعدون للانفتاح على أوروبا بشكل كبير جداً"(6).

نظرة العالم الإسلامي إلى الغرب:

أما في ما يخص المزاج العام للعالم الإسلامي اليوم، في نظرته إلى الغرب، فإنّ سماحته يميّز بين أوروبا وأمريكا، ويعتبر أن أوروبا أكثر فهماً لقضايا العرب والمسلمين من أمريكا، ويعلل ذلك بقوله:

المزاج العام في العالم الإسلامي السياسي، يشعر بأنه ضد السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل بالمطلق ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام، ويعتقد أنّ أوروبا هي أكثر فهماً للقضية الفلسطينية وللعالم العربي والإسلامي من أمريكا، لأن مواقفها أكثر اعتدالاً. إنما ليس للعالم الإسلامي عقدة من الغرب، لأن عهد الاستعمار الغربي قد انتهى، ونحن نعرف أن للغرب مصالح في العالم العربي والإسلامي، ولكننا نريد للغرب احترام مصالحنا، لتكون العلاقات مرتكزة على مصالح متبادلة، ونحن ندعو إلى حوار بين الغرب والإسلام. وليس صحيحاً أن الإسلام ضد الغرب، بل هو ضد كثير من السياسات الغربية، والاحتلال السياسي لا يعني العداء، بل يعني المعارضة، تماماً كما هو الغرب في الفكرة الديمقراطية، فهو يعترف بالمعارضة الداخلية والخارجية. ولكن المشكلة أن بعض الإدارات الغربية، ومنها الإدارة الأمريكية، تنادي بحرية العالم، ولكنها تريد حرية السياسة الأمريكية لا حرية الشعوب"(7).

"وهذا ما سمعناه من الرئيس بوش الذي أعلن بصراحة "إما أن تكونوا معنا وإما أن تكونوا مع الإرهاب"، وقد قلنا له لسنا معكم ولسنا مع الإرهاب، وعندما طلبنا منهم تحديد مفهوم الإرهاب لم يقبلوا، واعتبروا أن نضال الشعب الفلسطيني إرهاباً، وأنّ إسرائيل تدافع عن نفسها، وأنها لا تمارس أيّ نوع من أنواع الإرهاب مع الفلسطينيين. إن الرئيس بوش لم يكن ديمقراطياً في المسألة السياسية، وكان ضد حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، لأنه لا يعترف إلا بحقوق الإنسان اليهودي.

إن بوش يسمح باجتياح إسرائيل للمدن والمخيمات الفلسطينية وقتل الشعب الفلسطيني، ويعتبر ذلك دفاعاً عن النفس، بينما لا يعتبر حركة مقاومة الفلسطينيين دفاعاً عن النفس وهم يقاومون الاحتلال، ونحن لسنا ضد اليهود كدين، فقد عاشوا معنا (أي مع الإسلام) مدّة 14 قرناً دون أن نضطهدهم ونلغيهم، كما عاش النصارى معنا، لأننا نؤمن بالحرية الدينية، ونحن لم نضطهد اليهود بل اضطهدهم الغرب. ولكن الغرب ساعد اليهود على اضطهادنا في احتلال فلسطين وطرد أهلها منها. إننا نعتبر اليهود معادين للسامية، لأننا ساميون"(8).

بين العمليات الاستشهادية والعمليات الانتحارية:

وفي مسألة التمييز بين العمليات الاستشهادية والعمليات الانتحارية، حيث اعتبر الغرب أن سماحته هو أول أطلقها، فنجد أنه يميّز بينهما،حيث يقول:

"الواقع أني لست أول من أطلقها، ولكني دافعت عنها وفرقت بينها وبين العمليات التي توجه ضد الأشخاص في حالة السلم، ولذلك استنكرنا ما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) ، وقلت إنها عمليات انتحارية وليست استشهاداً، لأنه لا يجوز استخدام ركاب الطائرات، والاعتداء على الموجودين في مركز التجارة العالمي، لمجرد المعارضة للسياسة الأمريكية، وقلنا إذا كنا نعارض السياسة الأمريكية، فنحن لا نعادي الشعب الأمريكي، ولا نقبل الاعتداء عليه وعلى الشعوب الغربية، حتى لو اختلفنا معها سياسياً"(9).

"أما في فلسطين، فهناك حالة حرب بين إسرائيل والفلسطينيين، والوضع مختلف تماماً، فإسرائيل تقتل المدنيين في حالة الحرب، والفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم فيقتلون المدنيين في حالة الحرب. إن الإسرائيليين قتلوا الأمن الفلسطيني، ولذلك يسعى الفلسطينيون لقتل الأمن الإسرائيلي، وليس لقتل المدنيين. فالحرب إذاً هي بين أمن وأمن، والمدنيون يسقطون هنا وهناك في حالة حرب. فلو أنّ إسرائيل انسحبت من مناطق احتلال أراضي الفلسطينيين، فإن الفلسطينيين لا يتعرّضون للمدنيين. والمقصود من "الأمن"، أن إسرائيل جعلت الفلسطينيين يعيشون حالة الحرب المطلقة، فقتلت الأولاد والنساء والشيوخ والرجال، ودمّرت المزارع والبيوت والشجر، وحاصرت الفلسطينيين الذين فقدوا الأمان والشعور بالأمن، واستعملت كل الأسلحة حتى التي لا تستعمل إلا في الحروب الكبرى، كطائرات ال"أف 16"، فلم يكن أمام الفلسطينيين ليدفعوا هذه الجبال من الضغوط عن أنفسهم إلا استهداف الحالة المدنية الإسرائيلية، ليس لأنهم يحبون قتل المدنيين، بل لأنهم لا يملكون طريقاً غير هذا الطريق. فإسرائيل قصفت المدن ودمرت البيوت فوق رؤوس أصحابها. ونحن نسأل: حين قصفت أمريكا هيروشيما؛ هل ألقت القنبلة الذرية على عسكريين أم على مدنيين؟ ولقد قتلت أمريكا آلاف المدنيين من الأفغان، ودفنتهم تحت دورهم، وقالت هذا من شؤون الحرب، وهناك أخطاء تحصل في الحرب، فأي عاقل يصدّق الخطأ. ولذلك يقول الفلسطينيون هذا منطق الحرب"(10).

بين نظرة الغرب ونظرة سماحته للحركات الإسلامية

وإذا كان هناك من يعتبر أنّ نقد سماحته المستمر للحركات الإسلامية يلتقي مع نقد الغرب لها، فإنّ سماحته يميز بين نظرته للحركات الإسلامية، ونظرة الغرب لها، وذلك كما في قوله:

أعتقد أن مشكلة الغرب أنه يطرح المسألة في شكل شمولي، ويحاول أن يعطي حكماً مبرماً وساحقاً مفاده أن الحركات الإسلامية تمثل التخلف، ونحن نرفض ذلك، لأننا نعرف أن ثمة حركات تملك الرؤية المعاصرة والأسلوب الواقعي للعمل الإسلامي، وتحاول أن تنفذ من الكثير من الفجوات في الواقع السياسي. قد لا نتكلم إيجابياً عن هذه الحركات، بشكل عام، لكن لا يجوز إلا أن نسجل لها بعض الإيجابيات في مسألة المرونة الواقعية. عندما ندرس الآن تجربة الحركة الإسلامية في تركيا، نجد أنها ـ بقطع النظر عن مفرداتها الفكرية والثقافية ـ قد استطاعت أن تتمرد على كل هذا الجدار العلماني الذي حاول أن يصادر الإسلام في هذا البلد، واستطاعت أن تحصل على أكبر قاعدة شعبية من خلال شعاراتها الإسلامية، إضافة إلى السلوك العام لأكثر من قيادة إسلامية، وحاولت بطريقة أو بأخرى أن تمارس المرونة في اختراق بعض الفجوات في النظام العلماني، أو في السياسات الدولية والإقليمية. إن هذه التجربة التركية لا بد من أن تدرس. وكذلك التجربة الإيرانية، لأن البعض يرفعها إلى السماء، والبعض الآخر يسقطها إلى الحضيض. القضية ليست كذلك، لأنها لا تمثل تياراً واحداً، بل خطوطاً تفصيلية متنوعة. ربما يتحدث البعض عن إيجابيات في التيار الإصلاحي (في إيران)، والبعض الآخر يرى إيجابيات في التيار المحافظ، باعتباره يحرص على استقامة الفكر الإسلامي وما إلى ذلك. لذلك علينا دائماً أن ندرس كل حركة إسلامية بإيجابياتها وسلبياتها، وأن نعرف أن الحركات الإسلامية مثل الحركات العلمانية، لا تعيش في المطلق، ولا تتحرك خارج الظروف الموضوعية التي تحيط بها، وعندها لا يكفي أن ننادي بالعدل، في حين أنّنا محاصرون بألف موقع من مواقع الظلم. ولا يكفي أن نؤمن بالفكرة أو نحرّكها في الوجدان الشعبي لننتصر، بل لا بد لنا من أن ندرس الأرضية لنتحرك عليها"(11).

"إن المشكلة في تقويم الحركات الإسلامية، هي أن بين الناس من ينظر إليها على أساس الأسود أو الأبيض في المطلق. ونحن نعرف أن الظروف الموضوعية التي تحيط بنا قد تحولنا إلى اللون الرمادي. لست من الذين يرفضون اللون الرمادي في المطلق، بل أعتقد أن حركتنا حتى في الجانب الشرعي، يمكن أن تنطلق في الجو الرمادي على أساس درس الأصلح والأهم"(12).

الدوائر الغربية تحرك البعد الديني بخبث

أما في ما يخص سبل مواجهة الحملات المتنامية ضد الإسلام والمسلمين، فيقول سماحته: "إن ما نشهده من حملات متصاعدة ضد الإسلام تأخذ بعداً عالمياً في توجهاتها وأبعادها، يتجاوز المسألة الثقافية إلى المسألة السياسية، وتتوسع دائرة الهجمة لتغدو هجوماً متصاعداً على القضايا العربية والإسلامية، ولذلك نستطيع القول إننا أمام حرب سياسية تستهدف ذاتية الإسلام الثقافية والفكرية والمفاهيمية، وتتوسع حركتها وتمتد على طول خطوط المواجهة السياسية والميدانية، ليُصار إلى إسقاط أية ثغرة في الواقع على الإسلام، أو للتشهير بالمفاهيم الإسلامية من خلال بروز فئة من المسلمين في مسألة استخدام العنف، حتى وإن كان الأمر في نطاق الدفاع عن النفس، بل وصلت الهجمة إلى مستوى الملاحقة والتهديد لكل من يتجرأ على قول الحقيقة في المسألة اليهودية أو في ما يتعلّق بممارسات الصهاينة شبه اليومية، وخصوصاً في فلسطين المحتلة"(13).

إننا في الوقت الذي نشهد استغلالاً إسرائيلياً ويهودياً إلى أبعد الحدود لما تعرض له اليهود في أوروبا، وتضخيماً متصاعداً لذلك، نرى في المقابل أن العرب والمسلمين فشلوا في استخدام شعار معاداة السامية في مواجهة اليهود. فاليهود من أعراق وأشتات مختلفة وليسوا كلهم من الساميين، والعرب ساميون أقحاح، ولذلك فإن العدوان على العرب وعلى المسلمين الذين عربهم القرآن وعرّبهم الإسلام، هو معاداة للسامية، وإسرائيل تمثل المصداق الأبرز لهذه المعاداة، من خلال عدوانها المتواصل على العرب والمسلمين وقضاياهم، ومن خلال زرعها لبذور الفتنة في المنطقة، ومن خلال مجازرها وعدوانها المستمر ضد الشعوب العربية والإسلامية"(14).

"إن المشكلة لا تكمن فقط في ما يخطِّط له الآخرون على مستوى الدوائر الغربية أو الأميركية التي خضعت للعبة اليهودية، أو للضغط أمام السيطرة المتنامية للصهاينة على الكثير من وسائل الإعلام الغربية، وأمام تحول اليهود إلى كتلة سياسية وإعلامية فاعلة على مستوى الغرب، بل إنها تكمن أيضاً في هذا التقصير العربي والإسلامي، وهذا العجز الذي قد يكون مقصوداً ومفتعلاً في كثير من الأحيان، في عدم استخدام كل أسلحة المواجهة. ونحن نتساءل أمام هذا "الفائض" الإعلامي على مستوى الفضائيات الناطقة أو الموجهة باللغة العربية: لماذا لا تنطلق فضائيات عربية وإسلامية موجهة باللغة الإنكليزية أو الفرنسية؟ أم أن المسألة تكمن فقط في التوجه إلى الجمهور العربي والإسلامي؟ أو للبحث عن كل السُبُل التي تبعدنا عن عالمية المواجهة، ولنبقى في نطاق التصدي الذاتي بعيداً عن التحديات الكبرى التي تستهدفنا كعرب وكمسلمين"(15).

مشكلتنا أننا نسقط أو نتساقط أمام الهجمة الإعلامية والسياسية الغربية التي قد يختفي وراءها أكثر من أخطبوط صهيوني واستكباري، ولا نعمل على إنتاج إعلام متطوّر ومنفتح على مستوى العالم كله... إن الهجمة أصبحت من الخطورة في مكان، بحيث خرجت عن نطاق الاستهدافات الموسمية والمرحلية، لتدخل في سياق تهديد المصير، فها نحن نشهد في أمريكا بين الوقت والآخر، حملة منظمة ومبرمجة ضد الإسلام والمسلمين، يتحدث فيها بعض الكهنة الذين تأثروا بالدعاية الصهيونية تارة، ويتحدث فيها بعض الجنرالات تارةً أخرى، كذلك الجنرال الذي حاول الإيحاء بأن المسلمين يكرهون المسيحيين، لأن جذورهم يهودية كما قال، في الوقت الذي نعرف أن المسلمين حفظوا المسيحيين وحفظوا اليهود في كيانهم الإسلامي الواسع، وفي الوقت الذي يدعو علماء الإسلام وقادتهم ورموزهم، لا إلى حوار إسلامي مسيحي فحسب، بل إلى تعاون إسلامي مسيحي عالمي في مواجهة الإلحاد والاستكبار العالمي"(16).

إننا، كمسلمين وكعرب، نتعرض لحملة شيطانية تتوزع فيها الكثير من الدوائر الغربية الأدوار، ويسعى بعض هؤلاء جاهداً لتحريك البُعد الديني بخبث وحقد، ليصب ذلك كله في خدمة الصهيونية العالمية. ولذلك فنحن ندعو الفاتيكان كمؤسسة، إلى إدانة هذه الحملة، والتشهير بالذين يحركونها، كما ندعو العلماء الواعين ورموز الوعي والانفتاح والعلم في العالم العربي والإسلامي، إلى النـزول إلى ساحة العمل والمواجهة، للرد على هذه الهجمة الثقافية والسياسية والإعلامية المركزة، لأن المسألة أن القوم استخدموا كل الأسلحة وكل أساليب التشهير والخداع، في الوقت الذي يكف العرب والمسلمون عن استخدام أسلحة الحقيقة والأساليب المتعددة في حركة المواجهة المتصاعدة"(17).

إعداد قسم الدراسات في موقع بينات


--------------------------------------------------------------------------------

المصادر:

(1) جريدة الرياض السعودية، 28 ذو الحجة 1425هـ، الموافق 8 شباط 2005م.
(2) جريدة الرياض السعودية، المصدر نفسه.
(3) جريدة الرياض السعودية، المصدر نفسه.
(4) الحوار مع الصحافي البريطاني غرام تيرنر.
(5) الحوار مع الصحافي البريطاني غرام تيرنر.
(6) الحوار مع الصحافي البريطاني غرام تيرنر.
(7) جريدة الرياض السعودية، المصدر السابق.
(8) جريدة الرياض السعودية، المصدر نفسه.
(9) جريدة الرياض السعودية، المصدر نفسه.
(10) جريدة الرياض السعودية، المصدر نفسه.
(11) جريدة "النهار" اللبنانية، 2 محرم الحرام 1424هـ 5/3/2003م، أجرى الحوار إبراهيم بيرم ورضوان عقيل.
(12) جريدة النهار اللبنانية، المصدر نفسه.
(13) الموقف الأسبوعي، 25 شعبان 1424هـ، الموافق:21- 10- 2003م.
(14) الموقف الأسبوعي، المصدر نفسه.
(15) الموقف الأسبوعي، المصدر نفسه.
(16) الموقف الأسبوعي، المصدر نفسه.
(17) الموقف الأسبوعي، المصدر نفسه.

الشاعرمحمدأسامةالبهائي
10/03/2007, 07:29 AM
على هامش تزايد النزعة الدينية