المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حركة الشواف في الموصل 1959



ابراهيم خليل العلاف
18/10/2009, 08:00 PM
حركة الشواف في الموصل 1959
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل

ليس القصد من كتابة هذه المقالة نكأ الجراح ،أو لوم الآخرين، أو النبش بالماضي.. وإنما القصد هو أخذ العبرة والاستفادة من الدرس وملخص هذا الدرس أن العراق لم يستفد يوما من التناحر والصراع الدموي.. وهو في كل الأحوال بحاجة إلى لم الشعث ،وتوحيد الصفوف، وشد الأحزمة للبناء وإعادة تأسيس الدولة وتحقيق متطلبات السيادة وتأمين الحرية للعراقيين كل العراقيين فهم يستحقون الكثير من الخير والسعادة والرفاهية .وعلى هذا الأساس نقول أن حركة الشواف المسلحة التي وقعت في الموصل سنة 1959 ويسميها الناس ثورة الموصل أو ثورة الشواف أو حركة الشواف لم تكن ثورة الضباط العسكريين بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر جحفل اللواء الخامس فحسب، بل كانت حركة القوى الوطنية، والقومية ،والإسلامية في الموصل وبالأحرى كانت ثورة جماهير الموصل كلها والتي عرف عنها تمسكها بعروبتها وبدينها الإسلامي وبمبادئها الاصيلة . ويقينا أن أهالي الموصل كانوا قد شعروا بتفرد الزعيم (العميد )الركن عبد الكريم قاسم، وكان آنذاك يشغل منصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، وابتعاده عن أهداف ثورة 14تموز 1958، وتفريطه بزملائه من قادة وضباط قادة الثورة، وفسحه المجال لتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي،والمقاومة الشعبية والاتحادات والنقابات ووسائل الأعلام المؤيدة لهم ، آنذاك، لإبعاد العراق عن محيطه العربي، ومعاداة الأحزاب والقوى القومية وترسيخ فكرة الجهورية العراقية الخالدة أي قطع الطريق أمام كل محاولة للوحدة أو الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة( مصر وسوريا ) والتي كان قيامها في شباط 1958 ، يمثل استجابة لحلم العرب في الوحدة العربية .
لقد أطلق الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ،العنان للشيوعيين (لكسر شوكة القوى القومية) على حد تعبير جريدة (اتحاد الشعب) في عددها الصادر يوم 28شباط 1959. وحين قرر الحزب الشيوعي ومنظمة أنصار السلام التي سيطر عليها الشيوعيين عقد مؤتمرهم لم يجدوا غير الموصل مدينة يعقدون فيها هذا المؤتمر ، فبدأت وفودهم تصل المدينة منذ مطلع آذار-مارس 1959، وصاروا يسيرون في شوارع الموصل ويعبثون بأمنها ويتهددون ويتوعدون بالقضاء على ممثلي التيار القومي_الإسلامي. وكان من المقرر أن يعقد المؤتمر في 6اذار 1959 استكمالاً لمؤتمر سابق عقدوه في الموصل كذلك في كانون الثاني 1959 وعرف بمؤتمر مار كوركيس ، والذي حضرته وفود وممثلون عن الأحزاب الشيوعية في بعض بلدان العالم . فضلا عن أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وأعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل، وقد كان من ابرز نتائج ذلك المؤتمر وضع الخطط الكفيلة بالقضاء على القوى القومية في الموصل والتي رفعت شعار المعارضة لحكم قاسم ،ولفرديته المطلقة، ولسيطرة الشيوعيين على مقدرات الدولة ومؤسساتها.ومما أكد ذلك ما جاء في كتاب حكمت الهيثم (اسم مستعار ) والموسوم : (مذكرات شيوعي عراقي ) والمنشور في القاهرة سنة 1960 من أن خالد بكداش السكرتير العام للحزب الشيوعي السوري، حضر المؤتمر وألقى كلمة قال فيها : (( جئنا اليوم لنتفق على الكيفية التي نزيح بها الفئات الرجعية المتآمرة من أمامنا ... )) .أما سكرتير حزب توده الإيراني سايم رضا فقال أن 850 عضوا مسلحا من أعضاء حزبنا على أتم الاستعداد لخوض المعركة ... )) .
حدثت خلال الأشهر الواقعة بين كانون الثاني-يناير وآذار-مارس 1959 مصادمات بين القوى القومية والإسلامية من جهة، والشيوعيين ومن والاهم من جهة أخرى، وبدت المدينة وكأنها كتلتين: كتلة قومية تنادي بشعار الوحدة العربية وبدعم نضال العرب وبعودة وجه تموز العروبي، وكتلة تنادي بشعار الاتحاد الفدرالي والصداقة السوفيتية والجمهورية العراقية الخالدة .وقد وجد الصراع طريقه إلى النقابات ومنها على سبيل المثال نقابة المعلمين ،فخلال انتخابات النقابة التي جرت في 23 كانون الثاني –يناير 1959 خاض التيار القومي –الديني في الموصل الانتخابات تحت اسم موحد وهو (القائمة الجمهورية )التي كان يمثلها محمد غانم العناز وعز الدين السردار وهشام الطالب ونذير حنون ورياض رشاد ألبنا عن البعث وكان يمثل الاتجاه الإسلامي غانم حمودات، وعبد الحافظ سليمان،واحمد الكبيسي (الاخوان المسلمين ). أما المستقلين فمعظمهم من ذوي الاتجاه القومي العربي ومنهم يوسف ذنون، وحسين الفخري ،ومحمد علي ذنون، وسالم محضر باشي ،في حين كانت (القائمة الديمقراطية ) تمثل الفئات والعناصر ذات التوجه الشيوعي وبعض عناصر الحزب الوطني الديمقراطي . وكان لكل كتلة وسائلها في الصراع من مقاه ومكتبات ونوادي، فللقوميين مكتبة باسم العروبة وللشيوعيين مكتبة باسم المهداوي(نسبة إلى العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة المعروفة بمحكمة الشعب )، وهكذا أخذت الأمور تسير من سيء إلى اسوأ خاصة بعد أن تم الإصرار على إخضاع الموصل بقوة وعنف .وقد قام العقيد الركن عبد الوهاب الشواف بالاتصال بالعناصر الوطنية والقومية التي شكلت تجمعا قوميا _إسلاميا ضم القوميين بمختلف أجنحتهم من ناصريين وحركيين وبعثييين وممثلين عن التيار الإسلامي وعلماء الدين وممثلي عدد من الأحزاب العلنية مثل حزب الاستقلال. وقد سمي ذلك التجمع ب (التجمع القومي –الديني ) . وجرت اجتماعات هذا التجمع في دور بعض من كان يمثل تلك التيارات أمثال المحامي سعد الله الحسيني ويمكن الإشارة إلى أن من ابرز ممثلي التجمع القومي- الإسلامي فضلاً عن سعد الله الحسيني ،عبد الباري الطالب، وغانم حمودات، وهاشم عبد السلام، وقاسم المفتي، وفخري الخيرو.وقد اتصل قادة التجمع بتنظيم الضباط الأحرار في الموصل والذي أعيد تشكيله بعد فترة قصيرة من نجاح ثورة 14 تموز 1958 وجرى الاتفاق على تنسيق الجهود للوقوف ضد الشيوعيين .
في 22 شباط 1959 أقام الطلبة القوميون في المجموعة الثقافية- وكانت تضم دار المعلمين وثانويات الزراعة والصناعة والتجارة - احتفالاً كبيرا لمناسبة الذكرى الثانية لقيام الجمهورية العربية المتحدة وكانت بحق مناسبة استفاد منها القوميون لتأكيد أهدافهم ونشاطاتهم المناؤئة لسياسة قاسم الخارجية التي نأت بالعراق عن شقيقته الجمهورية العربية المتحدة وقد تحدث في ذلك الاحتفال عدد من الطلبة والمدرسين ولعل من أبرز الذين تحدثوا قحطان محجوب، ونديم احمد الياسين، ورافع دحام التكريتي. ولم يقتصر الأمر على طلبة المجموعة الثقافية فقد أقام طلبة الثانوية الشرقية احتفالاً مماثلا تحدث فيه بعض الطلبة أمثال عصام عايد، وعباس علي شريف، وأسامة الياور، وعماد الحسيني،وطالب احمد.وقد تأزم الوضع إلى درجة كبيرة وتطور الخلاف الفكري إلى اشتباكات بالأيدي بين الطلبة وجرح عدد من الطلبة وفصل وابعد عدد من المدرسين القوميين وجاءت لجنة تحقيقية من بغداد برئاسة الدكتور صديق الاتروشي (وزارة التربية ) وقررت نقل مدرسين من المجموعة إلى مدن الجنوب عقوبة لهم بتهمة التحريض ضد الحكومة .
وقد عبرت تلك الاحتفالات عن قوة التوجه الوطني والقومي في الموصل الأمر الذي جعل الشيوعيين يصرون على تفجير الموقف بالموصل بغية تحقيق أهدافهم في وضع حد لنشاطات القوميين والإسلاميين .
حاول العقيد الركن الشواف، تفادي المواجهة، وذهب الى بغداد واطلع الزعيم الركن عبد الكريم قاسم على حقيقة الموقف، لكن الزعيم أصر على عقد المؤتمر ، وإزاء الفوضى التي حدثت اثر انتشار عناصر أنصار السلام الذين وصلوا الموصل وتحديهم لأهلها الذين أغلقوا بوجوههم المطاعم والحوانيت، انعقد المؤتمر وألقيت الخطب المضادة للتوجهات الوطنية والقومية .ولم يكتف المؤتمرون بذلك بل اخذوا يطوفون في الشوارع ويرددون الشعارات المناوئة لأهل الموصل وللتوجه القومي ..وحدثت مصادمات في بعض محلات المدينة ،وحاول القوميون والإسلاميون التعبير عن استنكارهم لما يجري فردت العناصر الشيوعية ومن التف حولها من تجمعات أنصار السلام بإضرام النار في المكتبات والمقاهي القومية وعلى اثر ذلك اضطرت القيادة العسكرية في المدينة إلى وضع حد لهذه الفوضى ،فأصدرت أمرا بمنع التجوال ولكن الأمن لم يعد إلى حاله، عندئذ أقدم العقيد الركن عبد الوهاب الشواف صباح الأحد 8 من آذار 1959 على إعلان العصيان على بغداد مطالبا قاسم بالتنحي عن السلطة ودعوة مجلس السيادة القائم آنذاك لممارسة سلطاته الدستورية ،ومما جاء في البيان الأول الذي أذيع في وقت متأخر من صباح الأحد الثامن من آذار 1959 ووقعه العقيد الركن عبد الوهاب الشواف على انه قائد الثورة :)) إن الزعيم خان ثورة 14 تموز، وعاث بمبادئها وأهدافها ،ونكث بالعهد وغدر بإخوانه الضباط الأحرار ونكل بهم،وابعد أعضاء مجلس الثورة الأشاوس ليحل محلهم زمرة انتهازية ... لاتملك من رصيد التأييد الشعبي غير التضليل والهتافات والمظاهرات ... وأطلق للإذاعة والصحف عنان الفوضى لتخاصم جميع الدول وتشنها حربا عدوانية على الجمهورية العربية المتحدة التي جازفت بكيانها من اجل إنجاح ثورتنا ودعم كيان جمهوريتنا واستهتر بدستور جمهوريتنا المؤقت وسلب مجلس السيادة ...كل مسؤولياته الدستورية ... )) .لكن قاسم اندفع وأرسل الطائرات لقصف مقر قيادة الشواف وقصف المدينة فحدث التراجع واختل التوازن وفشلت الثورة بعد استشهاد الشواف واستغل الشيوعيون الوضع وبدأوا صفحة دموية حيث قتلوا وسحلوا عددا من المواطنين وذهب ضحية هذه العملية أكثر من (102) مواطنا .وقدم قادة الثورة وضباطها وعدد من الضباط الأحرار إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة وصدرت أحكام الإعدام ضدهم فاعدموا رحمهم الله، ومنهم الشهيد ناظم الطبقجلي والشهيد رفعت الحاج سري والشهيد نافع داؤد والشهيد احمد شهاب.توسع الدكتور هاشم عبد الرزاق صالح الطائي في أطروحته الموسومة : (( ثورة الموصل 1959: دراسة تاريخية ) والتي قدمها إلى مجلس كلية الآداب –جامعة الموصل 1999في دراسة الأحداث، فأشار إلى أوضاع الموصل قبيل الحركة وأثناءها وبعدها ، ووقف عند تصاعد حدة الصراعات السياسية والتخطيط للحركة وتبلور فكرتها وإخفاقها وأسباب ذلك ثم صدى الحركة عربيا وإقليميا ودوليا وقال إن الشيوعيين شكلوا محاكم صورية في بناية مديرية الشرطة بالموصل أطلق عليها فيما بعد بالمحكمة القصابية نسبة إلى رئيسها عبد الرحمن القصاب(1927 -2007) العضو البارز في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي في الموصل وكان من أعضاء المحكمة عادل سفر وشاكر أللهيبي، واستخدمت المقاومة الشعبية أداة لتنفيذ أحكامها ويذكر مدير شرطة الموصل آنذاك ياسين درويش في شهادته أمام المجلس العرفي العسكري الأول والذي شكل في معسكر الوشاش ببغداد سنة 1960 لمحاكمة المتهمين بحوادث الموصل 1959 : (( في صباح يوم 10 آذار 1959 احتل مهدي حميد غرفة نائب مدير الشرطة ومعه عبد الرحمن القصاب، وعمر الياس، وعدنان جلميران ،وخليل عبد العزيز رئيس اتحاد الطلبة، وبعض المقاومين الشعبيين وبعض الاهلين ومن ثن بادرت تلك الزمرة بجلب الأشخاص وإجراء المحاكمات الكيفية . ومما يجلب الانتباه أن العقيد فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة بارك تلك المحاكم وقال : (( إن غضب الشعب إذا وصل منتهاه يكون التنفيذ السحل في الشوارع ،ولايمكن لأحد أن يحاسب الشعب مطلقا بل نقول مرحى وألف مرحى ... !! )) .ولاننكر أن بعض حوادث القتل كانت بدوافع ثأرية ،وتصفية حسابات ،ونتيجة أحقاد اجتماعية ناتجة عن وجود خلافات بين بعض الأسر الموصلية، أو بسبب التفاوت الاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا آنذاك في المجتمع الموصلي .
كتب الكثير عن الحركة : أسبابها ونتائجها وقيل بأنها كانت بحق ردة فعل وطنية وقومية وإسلامية ضد توجهات عبد الكريم قاسم وانفراده بالحكم معتمدا على مساندة ومحالفة الشيوعيين ..وقيل أنها كانت مؤلفة من صفحتين تنفذ الأولى في الموصل،وتنفذ الثانية في مبنى وزارة الدفاع ببغداد حيث يعقد مجلس الوزراء اجتماعاته وتضمنت الصفحة الثانية قيام نخبة من الضباط بإحاطة المكان وإرغام قاسم على التنازل عن سلطاته. ولأسباب عديدة لم تنفذ سوى الصفحة الأولى فانتكست الثورة. كما قيل أن الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) هي التي دفعت العقيد الركن عبد الوهاب الشواف للقيام بالثورة.
ومهما يكن من أمر فان فهم حركة الشواف 1959 لايمكن أن يكون إلا في النظر إليها على أنها: (صفحة من صفحات الصراع بين الحركة القومية العربية والحركة الشيوعية ) ذلك الصراع الذي شهده العراق، وبعضا من الدول العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لذلك فحركة الموصل حركة وطنية صرفة ،لكن ذلك لايعني أنها لم تكن ذات بعد قومي.. فلقد طلب قادتها العون من الجمهورية العربية المتحدة لأنها كانت ،آنذاك ، قاعدة لحركة التحرر العربية. ولايتسع هذا الحيز لمتابعة هذا الأمر لكن لابد من الإشارة إلى أن وسائل أعلام حكومة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم (1958_1963) في بغداد رددت مقولة مفادها "إن ماحدث في الموصل يعد ( مؤامرة) قامت بها الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا)، وان الرئيس جمال عبد الناصر قد وافق على نقل الأسلحة من سوريا إلى ( المتآمرين ) في الموصل" .
أن فهم حركة الموصل 1959، ،لايمكن أن يكون إلا في النظر إليها على أنها صفحة من صفحات الصراع بين الحركة القومية العربية والحركة الشيوعية ذلك الصراع الذي تميزت به سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. لذلك فحركة الموصل حركة وطنية صرفة بمعنى أنها عمل داخلي صرف ولم يكن لأي عامل عربي أو أجنبي تأثير مباشر فيها لكن هذا لايعني أنها لم تكن ذات بعد قومي عربي. لقد طلب قادة الحركة العون من سلطات الجمهورية العربية المتحدة لأنها كانت قاعدة للثورة العربية آنذاك.
يؤكد معظم الذين كتبوا عن حركة الموصل، ومنهم أستاذي الدكتور فاضل حسين في كتابه. "وسقوط النظام الملكي في العراق"، على أن الحركة تمثل رد الفعل القومي ضد انفراد عبد الكريم قاسم بالحكم معتمدا على مساندة الشيوعيين .مع العلم أن الضباط الأحرار من القوميين حاولوا تقويم تفرد قاسم وابتعاده عن أهداف ثورة 14 تموز 1958 وبدأوا يعملون من جديد وكان عملهم ينصب على مواجهة تفرد عبد الكريم قاسم وإعادة العراق إلى محيطه العربي .. وان من هؤلاء الضباط العقيد الركن عبد الوهاب الشواف أمر جحفل اللواء الخامس في الموصل إلا أنهم لم يوفقوا ،وثمة وثائق تشير إلى أن حركة الشواف تنطوي على صفحتين الأولى تنفذ في الموصل ،وتتمثل بإعلان العصيان على الحكومة المركزية. والثانية تنفذ في بغداد مباشر وفي مبنى وزارة الدفاع حيث يعقد مجلس الوزراء اجتماعه ويقوم أثناء الاجتماع مجموعة من الضباط بإحاطة مكان الاجتماع وإرغام قاسم على التنازل عن سلطاته واعتقاله. وقد نفذت الصفحة الأولى فقط . ولسنا الآن بصدد الكلام عن أسباب فشل الثورة ، لكن لابد من التأكيد على أن الرئيس جمال عبد الناصر استجاب لطلب العون والمساعدة ،ولعب الملحق العسكري المصري في بغداد العقيد عبد المجيد فريد ومساعديه محمد المصري والعقيد طلعت صدقي ومحمد كبول دورا رئيسا باتصالهم بالضباط الأحرار في بغداد وعلى رأسهم العقيد رفعت الحاج سري واتصالهم كذلك بضابط ركن الشواف الرائد الركن محمود عزيز في الموصل، وأسفرت هذه الاتصالات عن سفر عزيز إلى سوريا عدة مرات واجتماعه بمسؤول المكتب الثاني (المخابرات ) عبد الحميد السراج. ويروي الأستاذ محمود الدرة على الصفحة 108 من كتابه : " ثورة الموصل 1959: فصل في تاريخ العراق المعاصر" قصة هذه الاجتماعات وسفر محمود عزيز إلى سوريا يوم 3 آذار 1959 أي قبل قيام الثورة بخمسة أيام ليتلقى الوعد الأكيد من السراج بتجهيز الثائرين بمحطة إذاعة، و(300) متطوع من المغاوير، وبأسلحة خفيفة، وبسرب من الطائرات أذا اقتضى الأمر لحماية قاعدة الحركة : الموصل من أي هجوم جوي يأتي من بغداد ولم تصل سوى الإذاعة وكان جهازا بدائيا يعمل على الموجة القصيرة تعطل بعد لحظات من بدء إعلان الحركة . ولأسباب عديدة لم تنفذ سوى صفحة الموصل فانتكست الثورة وفشلت،لكن من الأمور التي لايمكن تجاهلها أن حركة الموصل وإعدام قادتها عجل في سقوط نظام حكم عبد الكريم قاسم وفسح المجال لسلسلة من الأحداث التاريخية التي شهدها العراق بعد ذلك ، والتي لابد من استخلاص الدروس والعبر منها وأبرزها أن وحدة العراقيين ،وتكاتفهم،وتعاطفهم مع بعضهم البعض ، وتمسكهم بثوابتهم الوطنية والقومية ،وحبهم لوطنهم والدفاع عن حياضه، ومواجهة التحديات الأجنبية ، هي ما يجب العمل من أجله والسعي لترسيخه حاضرا ومستقبلا .

عليان محمود عليان
19/10/2009, 09:24 AM
لقد مضى على هذه الحركة حوالي خمسين عاما ، تعاقب على العراق الكثير من الاحداث ، ولكن العبرة هو ان التسلط والتفرد وان الظلم مهم اشتد والاعتماد على الآخرين الدخلاء لن يقيم عدلا ولن يحقق استقرارا ، وان الشعوب في لحظة ستعرف طريق الخلاص.

نبيل حميد طه الخفاجي
19/10/2009, 11:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أ.د أبراهيم خليل العلاف

لقد خسرنا الحرب لاغرابة......
فقد دخلناها بالزمر والطبل والربابة
وبتلك العنتريات التي لم تقتل يوما ذبابة....

هذا ماقاله الشاعر نزار القباني أبان الهزيمة التي حورت الى مفهوم النكسة لتكون أقل وطأة على الذين أمنو بالقومية العربية ووصفوها بأنها البلسم لجروح الأمة ....
بالله عليك يادكتور أي دولة تبنت شعارات القومية العربية وقد أفلحت في توفير أقل سبل الرفاهة لمواطنيها
بالله عليك أين القومية العربية وشعبنا الفلسطيني يتوقا برد الشتاء القادم بوضع النايلون على الشبابيك.
يادكتور أن الوحدة بين سوريا ومصر ماتت أثناء الولادة أنا لا أدافع على سياسات البلد بعد 1958 فأنا حقيقة أعتبرها بداية مأساة العراق.هل كان ممكن أن ينظم العراق الى تلك الوحدة الميتة
يادكتور أن أوربا أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الولايات الأوربية الموحدة بدستورها الموحد وبعملتها الموحدة لقد بدأت بمشروع السوق الأوربية المشتركة في الثمانينات من القرن الماضي أين القوميون الذين يداعون بالحلم العربي الكبير منذ أكثر من نصف قرن الى أين وصلوا. ماذا حققوا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هذه أحداث مرة عفا عليها الزمن ولاأرى أي فائدة من الرجوع اليها.

الف شكر أيها الأستاذ الفاضل ورعاكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ا.د.عبد الكاظم العبودي
19/10/2009, 08:55 PM
[QUOTE=ابراهيم خليل العلاف;467287]حركة الشواف في الموصل 1959
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
ليس القصد من كتابة هذه المقالة نكأ الجراح ،أو لوم الآخرين، أو النبش بالماضي.. وإنما القصد هو أخذ العبرة والاستفادة من الدرس وملخص هذا الدرس أن العراق لم يستفد يوما من التناحر والصراع الدموي.. وهو في كل الأحوال بحاجة إلى لم الشعث ،وتوحيد الصفوف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
تحية للاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف

اقتبست هنا مستهل مقالتكم القيمة لاهميته اولا، ولنبل مقاصده ثانيا، وبعيدا عن ردود الفعل المرتقبة من لدن الاخوة العراقيين على ماجاء من تدوين للاحداث التاريخية القاسية التي مر بها العراق، وخاصة الموقف من احداث الموصل 1959، وما جرى بعدها من محن قاسية في الاحتكام الى التصفيات والاغتيالات المتبادلة بين أطراف القوى السياسية العراقية المختلفة. يترك الامر للتوثيق الموضوعي لكتاب التاريخ العراقي المعاصر ان يدلون بدلوهم للاسهام في تسجيل وتوثيق الاحداث كما جرت، وانت من اهل الاختصاص، كما نعرفك أكاديميا جادا ومثابرا، تدرك خصوصية مثل هذا الموضوع وحساسيته رغم مرور نصف قرن عليه... . وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها، لذا يتوجب علينا قراءة ماكتبته لنا بتبصر وحكمة وروية.
أنا لست مختصا بالتاريخ، ولكني قرأت وعايشت وسمعت الكثيرين ممن تحدثوا عن هذا الموضوع الهام في مناسبات عدة، ومنهم من عايشوه وكانوا من ضحايا احداثه المؤلمة.
واذا كانت العبرة من نشركم هذا الموضوع اليوم ليست "نكأ الجراح، أو لوم الآخرين، او نبش الماضي... " فأنا احييكم، واتمنى من الردود على مقالتكم ان تضع هدفكم النبيل المنوه عنه هذا نصب اعينها.
وجهة نظري الشخصية ان العقيد المرحوم عبد الوهاب الشواف كان بطلا من ابطال ثورة 14 تموز وكذلك عدد من رفاقة كالعقيد المرحوم رفعت الحاج سري الذي نظم أول خلية للضباط الاحرار من اجل تحرير العراق واسقاط النظام الملكي الخاضع للاحتلال الانجليزي. ان بعض الكتابات التاريخية والسياسية العراقية ظلمت الشواف وتنكرت لدورة وانضباطه واخلاصه للعراق وفسرت موقفه من قاسم بكثير من الجهل وعدم الاطلاع . وهذه الكتابات، شأن الكتابات الاخرى المعاكسة ظلمت آخرين أيضا في الطرف المقابل.
كما ان اندفاع الصراعات التي بدأت بين قادة ثورة 14 تموز حال انتصار الثورة وتباين مواقفهم المتباينة من قضية الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة جرت معها كوارث سياسية لازلنا حتى اليوم ندفع ثمنها فادحا من الدماء والالام والدموع، فهي بدأت بانشطار الشارع العراقي السياسي وتصارعه وتمحوره خلف العساكر وطموحاتهم في السلطة، تلك الصراعات اجهضت دور جبهة الاتحاد الوطني الموقعة بين القوى السياسية العراقية في 1956 وشتت القوى الوطنية العراقية بالانحدار بالصراع الى همجية دموية مقيتة بدأت في الموصل اولا ثم غطت كل العراق منذ 1959 والى يومنا هذا.
لازلنا ندفع فاتورة الصراع الذي جرى بين الشيوعيين وحلفائهم والقوى القومية. وما لم تقف جميع هذه القوى السياسية العراقية وقفة جادة في مراجعة تاريخها ومواقفها وأخطائها عبر نصف قرن من الصراع الدموي فان الطريق مستقبلا الى مصارحة ومصالحة وطنية سيكون طويلا وصعبا.
للأسف لم نقرأ موقفا نقديا ذاتيا جادا وصريحا من جميع القوى السياسية التي احتكمت الى التصفيات الدموية ومارست أسلوب الانقلابات العسكرية لتصفي بعضها بعضا حتى اليوم. ان الاجيال القادمة سوف تتسائل ولن تغفر لأحد عن مسؤوليته عن كل هذا الدمار الشامل التي جرته تلك الصراعات على العراق من قبل تلك النخب السياسية العراقية، بفعل قصر نظرها في تحديد الاولويات لكل مرحلة وانشغالها في الصراع من اجل السلطة باستخدام القوة .
احداث الموصل عام 1959 تبقى من الاهمية بمكان انها تؤشر موقع وزمان المفصل التاريخي الذي بدأت به انحرافات القوى السياسية العراقية بكل فصائلها من دون اعفاء لجهة دون أُخرى.
واهمية احداث الموصل أنها لازالت تعطي دروسا جديرة بالمراجعة لو حضر العقل والحكمة السياسية في معالجة الصراعات حول قضية السلطة في العراق، والموقف من البعد القومي لانتماء العراق.وحل قضية الاقليات فيه، وتبني الطريق الاسلم للتنمية له.

شكرا لكم على هذه النافذة التي يمكن ان نعود اليها مرة اخرى كي نطل من خلال دراسة الماضي على شرفة مستقبل وطننا وهو خالي من قوى الاحتلال وتسود قواه الوطنية الوحدة والتضامن من اجل خير وكرامة ومستقبل شعبنا وامتنا.

ابراهيم خليل العلاف
31/10/2009, 11:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ العزيز الاستاذ الدكتور عبد الكاظم العبودي المحترم
الاخ العزيز نبيل حميد طه الخفاجي المحترم
الاخ العزيزالاستاذ عليان محمود عليان المحترم
تحية عطرة وبعد
شكرا على تعقيباتكم وملاحظاتكم القيمة ولتلاحظوا ان ثمة اختلاف في وجهات النظر.. ولكن هذا لايفسد للود قضية، و((اختلاف امتي رحمة)) طالما حسنت النوايا وصدقت فلنتعود على ان يحترم كل واحد منا وجهة نظر الاخر ولكن بشرط ان ننطلق من مصالح وطننا العربي الحيوية والله يوفق الجميع لما فيه خير الامة ولابأس من ان يستمر الحوار والجدل ((وجادلهم بالتي هي احسن)) .. مع احتراماتي ومحبتي .امضاء
الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف -جامعة الموصل

وداد العزاوي
06/11/2009, 12:43 PM
الأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف
شكرا على تقديمك لهذا الوجه المأسوي للإنقلابات الدامية المتواصلة على أرض العراق وما صرنا إليه حتى حالنا اليوم، لكن سؤال يتبادر إلى ذهني وذهن كل عراقي، بعقلية مفتوحة نظيفة بعيدة عن المصالح عامة والذي هدفه الوحيد صف العراق ورقيه والمحافظة على تراثه واقتصاده، هل كنا بحاجة إلى هكذا انقلاب جاء بكل التدميرات للبنى التحتية للعراق تسلسلا من بعده،هل كنا بحاجة إلى خلق كل هذه المهازل من المسميات الحزبية الكاذبة المغطاة تحت مصالح فئوية أدت إلى تمزيق العراق ونفينا كلنا إلى عالم التخلف..؟؟ نعم تخلف وتخلف فظيع، نظرة واحدة إلى التلفاز العراقي ستجد الكم المؤلم الذي نحن فيه..؟؟؟ لاتقل قد أحادو بالانقلاب، ألم تكن هناك من الأيادي القذرة التي كانت تعمل في الخفاء على عرقلة مسيرة العراق ماقبل انقلاب سنة 1958.؟؟ ، لكنها بالرغم منذلك كان العراق يمشي خطوات متسارعة في التقدم، وكثيرا من الانجازات استمرت حتى نهاية التسعينات تنجز على مخططات أعوام ماقبل سنة 1958 ..؟؟
أتمنى من يكتب التاريخ أن يكون منصفا، كما ان نعمل جميعا لبناء حاضر العراق اليوم، علنا نقيم بعضا من مستقبل لمجتمع من أغنى دول العالم، لكنه يعيش كأفقر دولة وأكثرها جهلا وفوضوضية.
تحياتي
وداد العزاوي

ابراهيم خليل العلاف
06/11/2009, 10:16 PM
الاخت الاستاذة وداد العزاوي المحترمة

تحية طيبة شكرا على تقييمك الصادق واود الاجابة على سؤالك باختصار والاجابة هي ان احداث التاريخ تصنع نتيجة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وشخصية ونفسية ووو..... ولايوجد في التاريخ( لو )ان هتلر لم يدخل بولنده ماكان للحرب العالمية الثانية ان تحدث ولو ان نوري السعيد وطبقته الحاكمة قد استجابوا لتطلعات الضباط والسياسيين العراقيين المنتمين طبقيا الى البرجوازية الوطنية ما كان لثورة 14 تموز ان تحدث وهكذا ..الاحداث تقع كالقدر وما على الانسان الا الاستجابة ومع هذا هناك العقل ..هذا الكائن الغائب والذي يؤدي عدم استخدامه في معالجة الامور الى الكوارث .اما المؤرخ فواجبه -اختي العزيزة -:mh78:وحسب وجهة نظري على الاقل واجبه ان يعيد تشكيل الحدث كما وقع ولو كان الامر بيدنا لاوقفنا الامراض والحروب والمجاعات والتمردات وافلاس البنوك والازمات المالية ولك مني كل تقدير واحترام
الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف