المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريد



عبدالستار زيدان
19/10/2009, 12:43 PM
خرج من قريته التي تتطل على الميناء . متسللاً .. لم يشعر بخروجه أحد . ولن يفتقد وجوده كائن . وكأنه كائن ما كان .. حتى كلاب الطرقات الضالة لم تودعه بنباحها .. خرج عازماً ألا يعود .. ولمن يعود ؟
راحت أسفاره المتنقلة بين البلاد تأكل من عمره وأيامه . وهو غير مهتم . يكسب كثيراً , وينفق ما يكسبه على أى شئ . وكل شئ ..لا هدف له ولمّا يدّخر ..
نبش البياض سواد شعره .. فزع أمام المرآة .. وقرر العودة والإستقرار . ولكن لن يعود هكذا ..
وفى عجلة .. ادخر ما يكفى رحلة العودة .. عهد بسفينته لمن يهتم بأمر مظهرها وشكلها ..
اتجه شطر بلده وقريته .. وسفينته الصغير متزينة كعروس يوم زفافها .. عاد مترقباً متوجساً .. هل سيتذكره أهل قريته .. هل شعر أحد بغيبته التى طالت ..
وعلى مد البصر .. تجمع أهل القرية عن بكرة أبيها فى الميناء .. لإستقبال السفينة الباهية الألوان .. أشرعها القوية الفضفاضة تناطح السماء فى عز وكرم ودلال..
استقبلوه استقبال الفاتحين المنتصرين .. تذكروه واحتضنوه .. فتحوا له أبواب بيوتهم .. طمع فى نسبه. الوجهاء وأعالى القوم.. وهو نادم كل الندم أنه أضاع هباء أمواله .. لم يأت لهم بهدايا تليق بحفاوتهم تلك .. وما معه الآن لا يكفى بداية مشروع يناسب مكانة هم وضعوه فيها ..
قرر العودة والخروج .. ولكن هذه المرة سيدخر كل أمواله .. سيملئ سفينته لهم بالهدايا ..سيأتي لهم من كل بلد هدية وهدايا . نعم هذا ما يستحقون . هم أهله ووطنه وكل شئ له فى هذه الدنيا ...
خرج متسللا ... وراح يجوب البلاد .. يعمل ويعمل . يدخر الأموال .. ويشترى لأهله الهدايا .. امتلأت السفينة بكل الألوان .. حرير من الهند وبخور ومرجان .. سجاد يدوى من إيران .. عاج وصندل من الجنوب .. وبعد عامين .. قرر العودة
اقترب من الميناء فرحاً .. ينظر إلى الهدايا متفاخراً .. ويتوقع نظرة الإعتزاز والامتنان فى أعينهم ... ولكنه اكتشف أنه لم يهتم بتجميل السفينة وتزيينها ..
راح يقترب بسفينته .. ولا أحد هناك فى انتظاره هذه المرة .. تعجب . لعلهم لم يلحظوا سفينته على المدى .. أرسى سفينته .. ثبت حبالها .. وما أن إنتهى ..
وجد الناس يتدافعون فى الميناء أفواجاً .. انشرح صدره .. فتح لهم قلبه وذراعيه ..لكنهم تجاوزوه .. وراحوا يترقبون وصول سفينة أخرى .. زاهية الألوان .. وتناطح أشرعتها السماء فى عزة ودلال .
(تمت)