لطفي زغلول
03/02/2007, 10:19 AM
ألأقصى المبارك
والمنبر الجديد
لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com
بعد أربعة عقود من حادثة إحراقه الآثمة ، وتحديدا في الحادي والعشرين من شهر آب / أوغسطوس 1968 على أيدي عنصري متطرف ، ها هو الأقصى المبارك يعود له منبر جديد طال انتظاره له ، وقد صمم على نمط منبر الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أحرق آنذاك . والمرء لا يسعه في هذا المقام إلا أن يزجي آيات الشكر والامتنان لكل الأيادي العربية والاسلامية التي ساهمت في تمويله وتصميمه وتركيبه ، ويدعو الله أن يباركها .
واذا كنا نحن في فلسطين قد فرحنا بهذا الإنجاز الذي يعيد للأقصى المبارك ما فقده من رونقه وبهائه ، إلا أننا في نفس الوقت يساورنا القلق خشية على ثالث الحرمين الذي ما زال منذ إحراقه أول مرة يواجه مسلسلا لا ينقطع من التهديدات والتحديات ، والعالم الإسلامي
بأنظمته السياسية ومؤسساته المعنية لا يبدي حراكا أو اهتماما ، وكأن الأمر لا يعنيه . أوكأن الأقصى ليس جزءا من العقيدة والتاريخ الإسلاميين .
ولسنا نتجنى على الحقيقة حين نؤكد أن حال الأنظمة العربية والاسلامية الصامتة والعاجزة واللاهية التي يفترض أنها صاحبة الشأن – أن هذه الحال قد أصبحت مواتية لاسرائيل حتى تخوض معركة الأقصى لعدة أسباب اولاها استكمال السيطرة والسيادة على كامل القدس . وثانيتها فرض أمر واقع على الفلسطينيين الذين يعتبرون القدس عاصمتهم السياسية ويطالبون بالسيادة عليها وعلى المسجد الأقصى . وثالثتها فرض أمر واقع على العرب والمسلمين الذين يعتبرون القدس جزءا لا يتجزأ من تاريخهم وعقيدتهم ، الا أنهم أصبحوا في حال لا تمكنهم من فعل أي شيء ازاء كل النوايا والمخططات الاسرائيلية أيا كان حجمها واتجاهها وتأثيرها .
ان اسرائيل وهي تخطط هذه الأيام للاستيلاء على القدس نهائيا ، والسيطرة على مجمع الأقصى المبارك والتحكم في شؤونه ، لا تخوض معركتهما لأول مرة . فمنذ احتلال القدس عام 1967 كانت هناك محاولات إحراق الأقصى المبارك ، وكانت هناك الاقتحامات المتكررة له . وما تحكمها في مداخله وعدد المصلين وتحديد سني أعمارهم ، وتسللها الى أساساته ، وحفر الانفاق تحته الا مؤشرات لها دلالتها ، ولا تأتي محض صدفة ، أو انها مدرجة في نطاق " مسؤولياتها الأمنية " تجاهه . وحديث هذه التهديدات بناء كنيس يهودي في البلدة القديمة قريب جدا من الأقصى المبارك ومواجه له .
الا أن الأخطر من هذا كله ما يبيته له من يسمون " أمناء الهيكل " الذين يخططون لاقامة الهيكل الثالث المزعوم على " انقاض " الأقصى . وهم بغية اسباغ قدر من الجدية على دعواهم هذه ، هيأوا ما سموه " حجر الأساس " وطافوا به مرارا في شوارع القدس متحدين كل المشاعر الاسلامية . أو ثمة ما هو أدهى وأمر بناء كنيس في ساحته تطبيقا لما ينادون به من تقاسم بين المسلمين واليهود .
لقد تمادت السياسات الاسرائيلية كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ، وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ، كون هذا الفعل الاسرائيلي لا يلقى ادنى رد فعل عليه من قبل الانظمة العربية والاسلامية ، والتي اصبحت قضية القدس لا تحتل ادنى مساحة من اجنداتها السياسية ، الامر الذي اضاء ضوءا اخضر مستداما للحكومات الاسرائيلية كي تعمل براحتها على تنفيذ كل مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا شبرا من ايدي اصحابها الشرعيين ، ولتصبح اسرائيل " قيّمة " على مقدساتها التي يفترض انها وقف لكل المسلمين .
فلسطينيا ، لقد ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين قضية ذات ابعاد متعددة . فالى جانب كونها عاصمة سياسية لدولتهم الفلسطينية العتيدة التي يصرون ان تتبوأ مكانها على خارطة العالم السياسية ، فهي قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة اشقائهم الروحية في العروبة والاسلام . وحسبها انها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها عرج الى السماء .
وفلسطينيا أيضا ، لقد شكلت القدس باقصاها المبارك - باحاته ، أسواره ، مصلاه المرواني – وصخرتها المشرفة جزءا لا انفصام له من القضية الفلسطينية . وعلى شرفه بذل الفلسطينيون الغالي والنفيس وضحوا وما زالوا يضحون ويذوقون الأمرين على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي ، جراء انتفاضتهم التي فجرها انتهاك حرمة الأقصى ، فكانت انتفاضة الأقصى التي دخلت هذه الأيام عامها الخامس ، وهي الانتفاضة التي أثبت الفلسطينيون فيها أنهم أمناء حقيقيون على قدسهم وأقصاها المبارك ، في حين تخاذل الآخرون من العرب والمسلمين .
الا ان الايمان بالحق والاصرار على استرجاعه من قبل اصحابه الشرعيين شيء ، وما جرى وما زال يجري على ارض القدس من تغييرات اساسها التهويد الجغرافي والديموغرافي من قبل الاحتلال الاسرائيلي هو شيء آخر . وهذا الشيء الآخر له خطورته كونه يأتي تنفيذا لمخطط افتراس القدس المستمر ، هذا المخطط الذي تفرز كل حركة من تحركاته تحديا سافرا للعرب والمسلمين اينما كانوا وتواجدوا بعامة ، والفلسطينيين بخاصة . الا ان الاخطر من ذلك ان السياسة الاسرائيلية ايا كانت الوان طيفها تستثني الحديث عن القدس من اية تسوية مع الفلسطينيين ، ولا تشكل من منظورها مدخلا الى اعتراف الانظمة العربية والاسلامية باسرائيل او التطبيع معها .
عربيا واسلاميا ، صحيح أن القدس هي عاصمة دولة الفلسطينيين السياسية والروحية العتيدة ، الا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يبقوا وحدهم دون العرب والمسلمين في الميدان للدفاع عن القدس والأقصى المبارك . ان القدس أيضا جوهرة التاريخين العربي والاسلامي ، وهي بأقصاها المبارك وصخرتها المشرفة وبكل مقدساتها الأخرى تظل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي يفترض انها مقدسات اسلامية على المسلمين جميعا واجب حمايتها والدفاع عنها .
أما أن تترك في مهب الأطماع والتربصات فهذا تخل ليس عن مساحة جغرافية من العالمين العربي والاسلامي فحسب ، وانما تخل قد يصل لا سمح الله الى درجة التنازل عن مساحة من العقيدة والتاريخ . وسلام على القدس الشريف ، سلام على الأقصى المبارك ، فان لهما ربا يحميهما ، وشعبا يفديهما .
والمنبر الجديد
لطفي زغلول
www.lutfi-zaghlul.com
بعد أربعة عقود من حادثة إحراقه الآثمة ، وتحديدا في الحادي والعشرين من شهر آب / أوغسطوس 1968 على أيدي عنصري متطرف ، ها هو الأقصى المبارك يعود له منبر جديد طال انتظاره له ، وقد صمم على نمط منبر الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أحرق آنذاك . والمرء لا يسعه في هذا المقام إلا أن يزجي آيات الشكر والامتنان لكل الأيادي العربية والاسلامية التي ساهمت في تمويله وتصميمه وتركيبه ، ويدعو الله أن يباركها .
واذا كنا نحن في فلسطين قد فرحنا بهذا الإنجاز الذي يعيد للأقصى المبارك ما فقده من رونقه وبهائه ، إلا أننا في نفس الوقت يساورنا القلق خشية على ثالث الحرمين الذي ما زال منذ إحراقه أول مرة يواجه مسلسلا لا ينقطع من التهديدات والتحديات ، والعالم الإسلامي
بأنظمته السياسية ومؤسساته المعنية لا يبدي حراكا أو اهتماما ، وكأن الأمر لا يعنيه . أوكأن الأقصى ليس جزءا من العقيدة والتاريخ الإسلاميين .
ولسنا نتجنى على الحقيقة حين نؤكد أن حال الأنظمة العربية والاسلامية الصامتة والعاجزة واللاهية التي يفترض أنها صاحبة الشأن – أن هذه الحال قد أصبحت مواتية لاسرائيل حتى تخوض معركة الأقصى لعدة أسباب اولاها استكمال السيطرة والسيادة على كامل القدس . وثانيتها فرض أمر واقع على الفلسطينيين الذين يعتبرون القدس عاصمتهم السياسية ويطالبون بالسيادة عليها وعلى المسجد الأقصى . وثالثتها فرض أمر واقع على العرب والمسلمين الذين يعتبرون القدس جزءا لا يتجزأ من تاريخهم وعقيدتهم ، الا أنهم أصبحوا في حال لا تمكنهم من فعل أي شيء ازاء كل النوايا والمخططات الاسرائيلية أيا كان حجمها واتجاهها وتأثيرها .
ان اسرائيل وهي تخطط هذه الأيام للاستيلاء على القدس نهائيا ، والسيطرة على مجمع الأقصى المبارك والتحكم في شؤونه ، لا تخوض معركتهما لأول مرة . فمنذ احتلال القدس عام 1967 كانت هناك محاولات إحراق الأقصى المبارك ، وكانت هناك الاقتحامات المتكررة له . وما تحكمها في مداخله وعدد المصلين وتحديد سني أعمارهم ، وتسللها الى أساساته ، وحفر الانفاق تحته الا مؤشرات لها دلالتها ، ولا تأتي محض صدفة ، أو انها مدرجة في نطاق " مسؤولياتها الأمنية " تجاهه . وحديث هذه التهديدات بناء كنيس يهودي في البلدة القديمة قريب جدا من الأقصى المبارك ومواجه له .
الا أن الأخطر من هذا كله ما يبيته له من يسمون " أمناء الهيكل " الذين يخططون لاقامة الهيكل الثالث المزعوم على " انقاض " الأقصى . وهم بغية اسباغ قدر من الجدية على دعواهم هذه ، هيأوا ما سموه " حجر الأساس " وطافوا به مرارا في شوارع القدس متحدين كل المشاعر الاسلامية . أو ثمة ما هو أدهى وأمر بناء كنيس في ساحته تطبيقا لما ينادون به من تقاسم بين المسلمين واليهود .
لقد تمادت السياسات الاسرائيلية كثيرا فيما يخص اغتصاب القدس ، وغذت الخطى في وتيرة تهويدها ، كون هذا الفعل الاسرائيلي لا يلقى ادنى رد فعل عليه من قبل الانظمة العربية والاسلامية ، والتي اصبحت قضية القدس لا تحتل ادنى مساحة من اجنداتها السياسية ، الامر الذي اضاء ضوءا اخضر مستداما للحكومات الاسرائيلية كي تعمل براحتها على تنفيذ كل مخططات تهويد القدس ، وانتزاعها شبرا شبرا من ايدي اصحابها الشرعيين ، ولتصبح اسرائيل " قيّمة " على مقدساتها التي يفترض انها وقف لكل المسلمين .
فلسطينيا ، لقد ظلت القدس بالنسبة للفلسطينيين قضية ذات ابعاد متعددة . فالى جانب كونها عاصمة سياسية لدولتهم الفلسطينية العتيدة التي يصرون ان تتبوأ مكانها على خارطة العالم السياسية ، فهي قبل هذا وذاك عاصمتهم وعاصمة اشقائهم الروحية في العروبة والاسلام . وحسبها انها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ومسرى الرسول الأعظم محمد صلّى الله عليه وسلم ومنها عرج الى السماء .
وفلسطينيا أيضا ، لقد شكلت القدس باقصاها المبارك - باحاته ، أسواره ، مصلاه المرواني – وصخرتها المشرفة جزءا لا انفصام له من القضية الفلسطينية . وعلى شرفه بذل الفلسطينيون الغالي والنفيس وضحوا وما زالوا يضحون ويذوقون الأمرين على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي ، جراء انتفاضتهم التي فجرها انتهاك حرمة الأقصى ، فكانت انتفاضة الأقصى التي دخلت هذه الأيام عامها الخامس ، وهي الانتفاضة التي أثبت الفلسطينيون فيها أنهم أمناء حقيقيون على قدسهم وأقصاها المبارك ، في حين تخاذل الآخرون من العرب والمسلمين .
الا ان الايمان بالحق والاصرار على استرجاعه من قبل اصحابه الشرعيين شيء ، وما جرى وما زال يجري على ارض القدس من تغييرات اساسها التهويد الجغرافي والديموغرافي من قبل الاحتلال الاسرائيلي هو شيء آخر . وهذا الشيء الآخر له خطورته كونه يأتي تنفيذا لمخطط افتراس القدس المستمر ، هذا المخطط الذي تفرز كل حركة من تحركاته تحديا سافرا للعرب والمسلمين اينما كانوا وتواجدوا بعامة ، والفلسطينيين بخاصة . الا ان الاخطر من ذلك ان السياسة الاسرائيلية ايا كانت الوان طيفها تستثني الحديث عن القدس من اية تسوية مع الفلسطينيين ، ولا تشكل من منظورها مدخلا الى اعتراف الانظمة العربية والاسلامية باسرائيل او التطبيع معها .
عربيا واسلاميا ، صحيح أن القدس هي عاصمة دولة الفلسطينيين السياسية والروحية العتيدة ، الا أن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يبقوا وحدهم دون العرب والمسلمين في الميدان للدفاع عن القدس والأقصى المبارك . ان القدس أيضا جوهرة التاريخين العربي والاسلامي ، وهي بأقصاها المبارك وصخرتها المشرفة وبكل مقدساتها الأخرى تظل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي يفترض انها مقدسات اسلامية على المسلمين جميعا واجب حمايتها والدفاع عنها .
أما أن تترك في مهب الأطماع والتربصات فهذا تخل ليس عن مساحة جغرافية من العالمين العربي والاسلامي فحسب ، وانما تخل قد يصل لا سمح الله الى درجة التنازل عن مساحة من العقيدة والتاريخ . وسلام على القدس الشريف ، سلام على الأقصى المبارك ، فان لهما ربا يحميهما ، وشعبا يفديهما .