المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية "أرياز ن- وارغ " للمخرج المتميز فاروق أزنابط



الدكتور جميل حمداوي
03/02/2007, 03:34 PM
مسرحية "أرياز ن- وارغ " للمخرج المتميز فاروق أزنابط


الدكتور جميل حمداوي

يعد فاروق أزنابط من المخرجين الرواد المهمّين في مدينة الناظور في مجال الإخراج المسرحي وخاصة المسرح الأمازيغي المكتوب باللغة الريفية. ويشاركه في هذه الريادة كل من الأستاذ فخر الدين العمراني وسعيد المرسي وعبد الواحد الزوكي وفؤاد أزروال و عمرو خلوقي وشعيب مسعودي.... لكن يتميز فاروق أزنابط عن هؤلاء بقدراته الهائلة في مجال التمثيل وتقمص الأدوار الدرامية الصعبة التي يعجز عنها الآخرون. ومن أهم مسرحياته الناجحة مسرحية" أرياز ن- وارغ/ رجل من ذهب" التي ألفها الكاتب المسرحي القدير والمجتهد أحمد زاهد ، وقد عرضت بمسرح محمد الخامس بالرباط ونقلتها إذاعة التلفزة المغربية في رمضان 2006م..

1- الجوانب الدلالية في المسرحية:

ترتكز مسرحية " أرياز ن- وارغ / رجل من ذهب" للكاتب المحترم أحمد زاهد على مقومين دلاليين وهما: المقوم التاريخي الذي يتمثل في صراع المقاومين الريفيين مع الأعداء الإسبان والخونة من أبناء جلدتهم ك أقرقاش وبويوزان، والمقوم الرومانسي العاطفي الذي يجمع المقاوم عمرو والحسناء الريفية خدوج ، وتنتهي هذه التجربة الغرامية بالزواج. وهكذا يشتغل أحمد زاهد على المكونين الحدثين: التاريخي والرومانسي على غرار مسرحيات فيكتور هيگو (مسرحية هرناني Hernaniمثلا). ومن هنا يتداخل التوثيق التاريخي مع الإيقاع الرومانسي الذي أثرى المسرحية وأغناها دراميا وتمسرحا بشاعرية التوتر والفعل الوجداني الدينامي المؤثر.
هذا، ويستقرىء المخرج من خلال عرضه حيثيات معركة" أظهار أبران " التي قتل فيها الكثير من قواد الجيش الإسباني وضباطه الكبار. وقد أظهر المقاومون الريفيون شجاعة كبيرة وبسالة منقطعة النظير. لذلك تبدأ المسرحية بلوحة القائد العسكري الإسباني الذي يأمر أقرقاش بالبحث عن المجاهدين الريفيين ومعرفة أماكن اختبائهم والبحث عن مصدر أسلحتهم وكيف يموّنون ويموّلون. وننتقل بعد ذلك إلى مشهد ثان يحاول فيه أقرقاش استمالة عمرو الذي يتظاهر بالحمق والخبل على الرغم من كونه من المتآزرين مع المجاهدين، يتحلى بالخلال الفاضلة كالوفاء والتضحية والإخلاص لوطنه. وينتقل العرض إلى الموقف الرومانسي لإزالة الرتابة الذكورية عن طريق استحضار خدوج المدللة في موقف عاطفي رومانسي حيث تسقي عشيقها الظمآن بحفنة من الماء الصافي الذي تستجلبه بكل فرح ومحبة من بئر القرية. ومن هنا ، تتجسد عاطفة الحب والرغبة في الزواج على خشبة الركح وتثير انتباه الجمهور وتعاطفهم مع هذا الموقف الوردي الذي سرعان ما سيعكره أقرقاش بمجونه واستهتاره ، ودخول القائد مع مجموعة من جنوده. وتتعدد المشاهد الدرامية وتتعاقب في صيرورتها الإيقاعية، ولكن أحسن مشهد مسرحي داخل العرض سينوغرافيا هو مشهد سمر النساء عندما تجتمع لوازنة أم عمرو ( لويزا بوسطاش) مع خدوج ووفاء مراس لغربلة الزرع وشرب الشاي والخوض في ماجريات القبيلة كالحديث عن المجاهدين وتوحش الإسبان الذين يجربون الأسلحة الفتاكة وخاصة القنابل النووية في أجساد الريفيين، كما يتناول حديثهن مشاكل النساء وأحوال المحبين والعشاق والمتزوجين والمتزوجات وحالة الجوع والفقر والقحط التي بدأت تجتاح منطقة الريف، والسخرية من فقيه القبيلة الذي أصبح زير النساء. ولكن أهم ما في هذا المشهد هو ما رددته وفاء مراس من أغنيات الإيزري بصوتها الصداح ووجهها الصبوح الجميل. وقد أتقنت دورها بشكل رائع وهذا ينبئ لها بمستقبل مشرق وغد أفضل في مجال المسرح. وينتهي العرض المسرحي بدخول الراوي ليعرض دلالات معركة" أظهار أبران " ونتائجها وآثارها على الريفيين، لننتقل بعد ذلك إلى محاكمة عمرو بعد أن غدر به الخائن البياع بويوزان وخليلته وفاء مراس التي غدرت صديقتها خدوج فأفشت بسر عمرو المجاهد البطل إلى بويوزان الذي كان سببا في مقتله. وتتخلل هذه المسرحية لوحات لعبية يقوم بها الأطفال الصغار الذين يقدمون فرجة" قنوفر/الاختباء" وفرجة لعبة ”الاستسقاء” الريفية:

" أووث أيا نـــــــزار أتـــــمغار بطاطـــــــا
أذي مغار محمــــد أذي كسي لكــــلاطا"
وتعريب الإيزري هو:
اهطــــــــــل يامطر لتنضج البطاطـس
ليكبـــــــــــر محمد ويحمل بندقيـــــته.

وعليه، فهذه المسرحية الأمازيغية تنبني على حدثين متكاملين ومتقاطعين: الأول تاريخي، والثاني عاطفي رومانسي. تبدأ بمشهد الراوي وتنتهي أيضا بنفس المشهد الذي سيعلن تراجيدية الموقف بعد مقتل عمرو البطل. وبهذا يكون نص أحمد زاهد عبارة عن وثيقة تاريخية سينوغرافية تؤرخ لفترة الريف إبان الحماية. ويستحق هذا النص إذا توسع فيه الكاتب كثيرا وحوله إلى سيناريو ولقطات مشهدية حركية أن يحوّل إلى فيلم وثائقي تاريخي حربي وإنساني متميز في تقنياته وفضاءاته مع اختيار مخرج كفء وممثلين لهم دراية كبيرة في فن التمثيل والتشخيص الجسدي والحركي.

2- الجوانب الفنية والتقنية:

من يتأمل مسرحية" أرياز ن- وارغ" للمخرج القدير فاروق أزنابط، فإنه سيخرج بانطباع أولي ألا وهو أن العرض بني بطريقة كلاسيكية وبجدارية طبيعية واحدة وبديكور معماري واحد لم يتغير طوال عرض المسرحية. ومادامت المسرحية قد بنيت على حدثين على غرار المسرحيات الجديدة، فكان من الأفضل أن يغير المخرج في بنية المكان مع تغيير بنية الإيقاع الزمني لكي تكون المسرحية متميزة بالجدة الفنية. وكان عليه أن يختار مثلا فضاء مليلية ليبين لنا استعداد الحكام الإسبان لمجابهة المقاومين الريف. وبعد ذلك ينتقل إلى فضاء الريف، وفي نفس الوقت يتغير الإيقاع الزمني مع تغير المكان، وذلك بإدخال الماضي في الحاضر والعكس صحيح أيضا.
ويلاحظ كذلك أن المسرحية دائرية في بناء تركيبها وهندستها المعمارية ، إذ تبدأ بتقنية الراوي السارد Le chœur وتنتهي بتقنية الراوي لتتخللها محاكمة عمرو عسكريا. وهذا ما جعل المسرحية ذات طابع تراجيدي مبنية على المأساة بمقتل البطل الإنساني المقاوم.
ومن حيث التقنيات المسرحية والإخراجية، فقد وظف فاروق أزنابط تقنية الراوي، وقد أحسن المخرج تشخيص هذا الدور بصوته الجهوري الرائع وحنجرته المؤثرة البليغة وقامته السامية الدالة على الهيبة والوقار والشموخ في بداية المسرحية ونهايتها. كما التجأ المخرج إلى توظيف تقنية " ووث أيا نزار/اهطل يامطر" و"ثاسريث أوكشوظ/ عروسة الخشب"، و"هلارارو"، ولعب الأطفال مثل " أقنوفار/الاختفاء"، وتشغيل الإيزري و"لايارا لابويا"، والاستعانة بالأغنية الملتزمة المعاصرة عندما استثمر المخرج شريط" أياون "حول ملحمة " أظهار أبران ". إذاً، فالمسرحية غنية بالنظريات المسرحية والطقوس الاحتفالية وفن البساط وتوظيف الفلكلور الشعبي الريفي والإثنوغرافي كما يظهر في حفل الزواج وطريقة اللباس والعيش.
وقد نجح المخرج في استغلال الإكسسوارات الريفية وتوظيفها توظيفا إيحائيا وسيميائيا وخاصة" ثهيذورث/ الهيدورة" و"رباقي/المهراس" و"أندو". كما توحي الأزياء بأصالة الريفيين وخاصة الجلابة الريفية " البرنوس" و" أسرهام" و" أرزاث" و"ثاسبناشت" و"ثقندورث" و" دفين" و" ريزار/ الإزار"،و"ثيسغناست" و" أمهظور" و" أحزام"....ونستحضر ضمن هذه الأصالة اللباسية والتجميلية ظاهرة الوشم التي كانت تزين المرأة الريفية وتزيدها حسنا وجمالا علاوة على حلق الرؤوس دون أن ننسى طعام الكسكس الذي تقدمه لوازنة للجماعة احتفالا بابنها عمرو المجاهد البطل أثناء الاستعداد للزواج ب خدوج . وقد تمثل فاروق أزنابط ماقاله ابن خلدون عن الأمازيغيين خير تمثل، إذ قال: يعرف البريربأكل الكسكس، ولبس البرنوس، وحلق الرؤوس .
ويستند الديكور إلى جدارية تجسد واجهة القبيلة بمزارعها وطبيعتها الخلابة، ومنازل ريفية تحيط بفناء خارجي واسع "رمراح". وقد أحسن الفنان الطيب المعاش رسم هندسة الديكور وتنميقه فنيا وتشكيليا وسيميائيا.
أما فيما يتعلق بتقنيات الإنارة، فقد كانت المشاهد تتأرجح بين ثنائية الظلمة والنور، ولكن الأحداث بقيت محصورة في نطاق فصل الصيف ؛لأنه فصل الحصاد والمقاومة وجني الثمار وإقامة الحفلات والأعراس. وقد استعان الكاتب بتقنية التناوب الضوئي والتبئير المحوري والإرصاد الفضائي عن طريق تركيز الضوء على بقعة ركحية معينة. وقد أحسن المخرج في توزيع خشبة الركح بين ماهو خلفي وأمامي، وبين نقاط التواصل المسرحي بما فيها: الوسط واليمين واليسار. فأغلب الأحداث الدرامية المهمة تدار أدوارها في وسط الركح. أما الأدوار الهامشية فتمسرح إما في اليمين وإما في الوسط.
ونلاحظ أيضا في بداية المشهد الأول نوعا من الرتابة وكثرة الفراغات ونوعا من الملل بسبب انعدام الحركية و حيوية التمسرح والفعل الدرامي، ولكن سرعان ما ننتقل بعد ذلك إلى مشاهد أكثر ديناميكية ودرامية وحوارا وتواصلا.
وتعتمد المسرحية في عرضها السينوغرافي على ممثلين أكفاء موهوبين يمتلكون قدرات متميزة في التمثيل والتشخيص المسرحي ونفتخر بهم أيما افتخار. وأحسن دور نسائي في الحقيقة أدته وفاء مراس بحركات معبرة، وبوجهها الموحي سيميائيا، وصوتها الجميل المتدفق بالأغاني الرائعة التي تجذب الجمهور المتعطش إلى الفرجة الأمازيغية الريفية، والدليل على ذلك تصفيقات المتفرجين الحارة وضحكهم المستمر في القاعة. ونثمن كذلك تجربتي لويزا بوسطاش في دور لوازنة، ودور سعيدة المصلوحي النجمة الصاعدة في دور" خدوج ". أما على المستوى الرجولي، فقد تفوق فاروق أزنابط مخرجا وممثلا بخطابه الشاعري كراو وعسكري، وأقنعنا فعلا بحركاته الدرامية وصوته المعبر. أما الحسن العباس والطيب المعاش فقد أديا دورين رائعين من خلال تجسيد الأول لدور القائد العسكري المتسلط، والثاني لدور البياع الخائن. كما نشيد بدور مصطفى بنعلال في شخص عمرو ،والممثل الذي تقمص دور بويوزان على هدوئه المعبر وتجسيده لدور الخائن المهادن للمستعمر الأجنبي بطريقة موحية على المستوى الدرامي والسينوغرافي. أما ممثلون الكومبارس فقد أدوا بنجاح كل ما تطلب منهم الموقف المسرحي والدرامي لتجسيده حركيا وتمسرجه إنسانيا بإتقان وحب للفعل المسرحي تحت قيادة وتأطير المخرج الرائع فاروق أزنابط.

خاتمـــــــــة:

وبناء على ماسبق ذكره، نقول بكل موضوعية وبدون إطراء مبالغ فيه: إن عرض مسرحية" أرياز ن- وارغ/رجل من ذهب" للمخرج فاروق أزنابط لعرض ناجح بكل مقاييس النجاح لما يتسم به من تميز في السينوغرافيا، وروعة في الديكور، وإتقان في الأداء والتشخيص من قبل الممثلين الأكفاء الموهوبين، واستثمار تناصي ذكي لمجموعة من النظريات المسرحية والإخراجية المعاصرة،وتوظيف الأشكال المسرحية الفطرية التي أثرت الجانب الاحتفالي والفلكلوري و جعلت الفرجة ممتعة ومفيدة في آن معا. وعلى الرغم من هذا النجاح الكبير الذي حققته المسرحية، فيبقى عرض المخرج فخر الدين العمراني لمسرحية" أرياز ن- وارغ" في نسختيها الأولى والثانية متميزا بحيويته وديناميكية التمسرح وتراجيدية مواقفه الإنسانية وتفاعل الجمهور مع العرض تفاعلا كبيرا عبر عمليات التطهير والاندماج العاطفي والانجذاب الوجودي واستحضار الهوية المحلية والكينونة الأمازيغية. وهذا الحكم لا ينقص من مكانة فاروق أزنابط باعتباره من رواد الإخراج الأمازيغي، ولامن قيمة الممثلين الكبار الذين شاركوا في مسرحيته الرائعة والذين أدوا أدوارهم الركحية أحسن أداء.


ملاحظة:
جميل حمداوي، صندوق البريد 5021، الناظور 62002، المغرب؛
jamilhamdaoui@yahoo.fr
www.jamilhamdaoui.com