المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التكامل الإنساني بين الأنثى والذكر



وديع العبيدي
03/02/2007, 07:41 PM
وديع العبيدي
التكامل الإنساني بين الأنثى والذكر
- صفحات من كتاب الأنثى- [2]

[في استطاعتكم أن تخنقوا صوت الدفّ، وأن تحلّوا أوتار القيثار، ولكن، مَن الذي يستطيع أن يأمر القبّرة، بأن لا تغني!] – جبران

المرأة في اللغة:
المرأة صفة (Gendar)- مؤنثة- للانسان (Human) ، مثلها مثل الرجل صفة مذكرة للانسان. والانسان في اللغة تركيب مثنى مفرده (إنس) وتم تثنيته بإضافة (الألف والنون) للتعظيم أو المبالغة مثل عدنان وقحطان وشملان وفضلان وسلمان أو سليمان وسُعدان، والمفرد منها [عدن وقحط وشمل وفضل وسلم وسُليم وسعد] على التوالي. ولا يجوز تأنيث المثنى في العربية، لأن المثنى مثل جمع التكسير (مؤنث) أصلاً، فلا يصح تأنيث المؤنث أو تذكير المذكر. وفي الاستعمال: كانت عيناه تنظران جهة السقف. فاستلزم ورود المثنى (عينان) تأنيث الفعلين [كانت، تنظران]. أو: تسابقت سيارتان في وقت واحد، ولا يقال تسابق سيارتان. لأن (المثنى) يعامّل مُعامَلة (المؤنث). وفي ذلك يقول المفكر الراحل هادي العلوي.. [الإنسان في العربية من (المستوي) حسب اصطلاح اللغويين، أي الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث فيقال: هو إنسان، وهي إنسان. هذا إنسان وهذه إنسان. ولا يجوز تأنيثه إلى إنسانة.] فالتأنيث من الأخطاء الشائعة واجبة الاجتناب.
ويورد في كتابه (فصول عن المرأة) الجذر اللغوي لاشتقاق الألفاظ المتعلقة بالمرأة.. [مرأة مؤنث مره. ومرء في السامية القديمة: مرا ومؤنثه مراة ويعني السيد المولى. ورد في نص آرامي: "مراي ملك آشور"، أي مولاي ملك آشور. وهو في السريانية (مار)، ويلقب به شيوخ الدين: مار فلان بن فلان.. وتطور معناه ولفظه في العربية إلى مرء ومرأة، ويعني الرجل وأنثاه. وليس له جمع من جنسه. ومرأة لها عدة صيغ، فإلى جانب مرأة نقرأ امرأة ومرة ومراة، والأخيرة على اللفظ السامي القديم. والمرة والمراة هما الدارجان في لغة الكلام المعاصرة والأولى أشيع وتستعمل الثانية في النسبة غالباً.(..) وتدخل أل التعريف على المرأة والمرة ولا تدخل على (إمرأة) إلا في الشواذ. وجمع المرأة نساء ونسوة ونسوان. والنسبة إلى الجمع نسائي ونسوي ونسواني. والنسوان هي الدارجة في لغة الكلام المعاصرة. (أما أصل لفظة نساء فهو..) متطور عن سامية أقدم. ففي العبرية "نشيم" والمفرد منه (أشه) على غير لفظ الجمع كما في نساء ومرأة. والنساء متطورة عن "نشيم". ].
*
الوجه المؤنث للخصوبة..
المرأة أم وأخت وزوجة. تفيض، حنان ورعاية ومحبة. تعطي بدون أن تسأل. وتقدم بدون أن تأخذ. وتخدم وهي سيّدة البشرية. منحها الخالق صفته، ووضع فيها روحه، ولولا أن الله كائن، لكانت هي الخالقة. ولذلك كانت الخصوبة من صفات الأنثى. والخصوبة هي القدرة على الخلق والعطاء. وكلّ ما له صفة الخلق والعطاء فهو مؤنث. كالأرض التي تنبت النبات من قبل أن يكُ شيئاً، والشمس التي تمنح الضوء والحرارة، والروح التي تهب وتلهم وتصنع.
وكان التأنيث (قديماً) في أسماء الرجال دالة على التعظيم، كقولهم: عنترة وجبلة ورؤبة وبركة وحنظلة والمغيرة وورقة وحياة وشعبة. وحتى أيام قريبة كان تأنيث أسماء الذكور، دالة على (تحبيبهم) أو التحبّب إليهم وإشعارهم بالحبّ و (الدلع)، كالقول: سمورة وفضولة وحمادة. وترى الباحثة سهام الفريح ذلك من علائم تكريم المرأة في المجتمع [ففي عصر ما قبل الاسلام مثلاً أسموا أكثر آلهتهم أسماء أنثوية، وأسبغوا عليها صفات قلما يتجلى بها الآلهة الذكور.]. والأم التي تعتزّ بولدها، تكسيه بثياب الفتاة، وتترك شعره طويلاً، وتضفره كالفتيات.
*
من (الجنس) إلى (النفس)..
لجنة دراسات اجتماعية معاصرة، قامت بتجربة، صورت فيها وجوه عينة من الأزواج. ثم قامت بتقطيع الصور (البورتريه) من النصف. وفي خطوة ثالثة، حاولت ايجاد نصف الوجه المناسب لكل وجه. وقد كشفت النتيجة أن النصفين الأكثر انسجاماً وتشابهاً في كثير من الحالات، كانا لنفس الزوجين في الحقيقة. واستنتج منه، أن الأزواج الذين يعيشون سوية مدة طويلة، تتكون لهما كثير من الملامح والخصائص المشتركة في الوجه والسلوك مع مرور الوقت، أو في طرائق التفكير والشعور. ويمكن تأكيد ذلك بالملاحظة الاجتماعية المباشرة. فيمكن تخمين أن فلان هو زوج فلانة أو قريبها، أو بالعكس، من مراقبة الشكل الخارجي أو بعض مظاهر السلوك والحديث (الشكل مرآة النفس). وهي نفس الملاحظات التي يمكن رصدها بين الأخوة والأخوات في العائلة. هذا الاكتشاف المتأخر، يفسّر أحد مظاهر المنطق الاجتماعي القديمة، إذ يجري تداول ألفاظ (الأخ والأخت) بين الزوجين، كما في العراق القديم، أو بعض أطراف مصر حتى هذا اليوم.
فالرجل يعتزّ بزوجته يقول لها: يا أمي ويا أختي، كناية عن الاعتزاز وليس المعنى الحرفي. والمرأة تدعو زوجها وأبناءها بصفات الأم أو الحبيبة. ومنه.. في قصة ابراهيم وسارة ، [أنا أعرف أنك امرأة جميلة. فما أن يراك المصريون حتى يقولوا هذه هي زوجته فيقتلوني ويستحيونك. لذلك قولي أنك أختي، فيحسنوا معاملتي من أجلك، وتنجو حياتي بفضلك.]- عق/ (تك 11:12-13)، كذلك [قد جئت إلى جنّتي يا أختي، يا عروسي.]/ (نش 1:5). وتدعو الزوجة زوجها مثل أخيها، [ليتك كنت أخي الذي رضع ثدي أمي، حتى إذا التقيتك في الخارج أقّبّلك وليس من يلومني! ثم أقودك وأدخلك بيت أمي التي تعلمني الحبّ، فاقدّم لك خمرة ممزوجة من سلاف رمّاني.]- عق/ (نش 1:8-2). - فالعلاقة الحقيقية هي إشباع نفسي وروحي وليس مادي فقط-. ولا أجمل من أن يكون الرجل لزوجته أباً وأخاً واختاً. أي تتلاشى بينهما الفوارق المادية والجسدية ويصبحان روحاً واحدة أو روحين في جسد، كما يقول العشاق، يتحد الرجل والمرأة بالجسد أو يكونان جسداً واحداً.. [لهذا، فأنّ الرجل يترك أباه وأمه ويلتصق بإمرأته، ويصيران جسداً واحداً.] – عق/ (تك 24:2). ويرى الأب سهيل قاشا، أن صيغ الخطاب المزدوج هذه، من الإرث الرافديني القديم*. ولها دلالة واضحة على المكانة التي حظيت بها المرأة في المجتمع، المكانة المتبادلة للذكر والأنثى في المجتمع الانساني، والتي تتفوق فيها العلاقة النفسية على الفوارق الجنسية، أو تكاملها بالأحرى، وهو ما يذهب إليه هادي العلوي لدى الساميين عموماً. قبل أن تبدأ النظرة إلى المرأة بالتراجع والتردي بالتدريج حتى تبلغ درجات مشينة في مجتمعات معينة.
*
المرأة والميثولوجيا القديمة..

الميثولوجيا ، أو (الاسطورة)، هي أبسط مراحل التفكير والتأمل البشري في الوجود ، ومحاولة لوضع تفاسير لظواهر الطبيعة، قريبة من الواقع، تمتزج فيها المادة بالخيال، أو المعقول باللا معقول. ومن أمثلة ذلك تصوير الميثولوجيا الصينية الفضاء الكوني [OM] على شكل بيضة أو دائرة تتكون من قسمين متماثلين في الشكل والحجم مختلفين في (اللون) والقطبية، وفي مركز كلّ منهما - نواة- يدعيان [(JIN/JANG)= male/ female] أي (مؤنث ومذكر).
لا شكّ أن الانسان القديم وقف حائراً أمام ظاهرة [الأنوثة/ الذكورة] ، سيما في التماثل شبه الكلي بينهما، باستثناء جهاز الخصوبة، وهو نفس الفارق لدى الانسان والحيوان. بينما تنعدم هذه المفارقة في النبات الذي يستطيع تلقيح نفسه بنفسه بمساعدة الريح أو عامل خارجي. يومها لم يكن العلم متقدماً لمعرفة طرق تكاثر الأميبا (طريقة الانشطار العشوائي) واليوغلينا (الانشطار الطولي) وعودة كل مقطع لينمو إلى فرد مكتمل. ثمة حيوانات أخرى تستطيع تعويض أي جزء من أجسامها، يتعرض للقطع أو التلف ، والنمو ثانية إلى حيوان كامل. وما يسمى - لدى البشر- بظاهرة (الإتلاف والإخلاف) عندما تتعرض أجزاء من خلايا البشرة أو الخلايا العظمية لدى الانسان للتلف أو الانقطاع، فتقوم بتعويض نفسها والنمو إلى بشرة سليمة وعظم سليم كالسابق. ومن المحتمل، أن هذه الظاهرة الجزئية استمرار للظاهرة الكلية في البدايات، اختزلتها التغيرات البيولوجية الفسلجية والمورفولوجية التي مرّ بها تطور الكائن الحيّ، جراء تحسّن ظروف الحياة البيئية، عبر العصور.
*
فرضية (من وحدة الوجود إلى) وحدة الكائن..
We are joined, we are one
with the human race*

وبإضافة قليل من الخيال، لهذه الفكرة، يخطر سؤال، فيما إذا كان الانسان المتكون من جنسين -اليوم- ، كائناً واحداً مزدوج الجنس أو قادراً على الاخصاب الذاتي، - ذات يوم-. وهي ترجمة حرفية للتصور الصيني مضافاً إليها علاقات التجاذب التي ينتجها اختلاف القطبية. الأشياء المتشابهة تنجذب لبعضها. النوع يحنّ للنوع والجنس يحنّ للجنس. لكن هذا الحنين ليس تماثليا تعادليا وانما تكامليا تواصليا. إن إشكالية العلاقة الحسيّة بين الجنسين (الشوق والحنين والحاجة) أنها غير متناهية ، قابلة للارتواء الوقتي ولكن غير قابلة للاكتفاء والانتهاء. فكما ينجذب القطب السالب للموجب، تكون حرارة الشوق والحنين التي تشدّ جانبي الكائن الإنساني لبعضهما. ونفس الحالة قائمة في جانبي الجنس الحيواني المرتبطين بمشاعر الحنين والشوق، التي يعرف مربّو الحيوانات صفاتها، فيسهلون التقاء القطبين عند هياجها، تفاديا للعنف والتدمير الذي يدفع الحيوان في حال عدم الارتواء، بسبب تحوّل الطاقة (الجنسية) المتراكمة إلى طاقة (عضلية) هوجاء تعطل مكانزم العقل والشعور. فالاتحاد بين الجنسين، المعبّر عنها في الميثولوجيا القديمة، والمستعارة - لغوياً- في التوراة والانجيل، [الالتصاق]- (ويصيران جسداً واحداً)، تحقيق للاكتمال أو العودة إلى الأصل (الذي كان). وفي العهد الجديد [فكما أن المرأة أخذت من الرجل، فأن الرجل يكتمل بالمرأة.] *. فالمنطق هنا يعتمد على قصة الخليقة في العودة للاتحاد. ولدى الكاتبة الهام منصور، [هو وهي يشكلان أنثى شبه كاملة، (أو) و ذكر شبه كامل]. فالظاهرة - الجنسية- ليست عضوية فسلجية، أو اجتماعية تناسلية (دوام النسل)، وانما ما يترتب عليها من مشاعر وأشواق وأعراض تلمّ بالنفس والروح وتداهم الفكر والعقل، وتكون مصدر سعادة ولذة، أو شقاء وإحباط.
ان جانباً كبيراً من تعاسة الجنس البشري وشقائه تعود في الأصل إلى ما يعرف غربة الروح أو وحشة الجسد، وهي تعابير متفاوتة عن حالة تعطل الحواس أو عدم وجود آلية منتظمة متساوقة ومستمرة لتحقيق الاشباع. ولأسباب متعددة لا يحظى الاشباع الحسي بمكانة لائقة في المجتمع المعاصر. وتعمل الأعراف الاجتماعية والدينية والقوانين الوضعية والمدنية على تهميشها وتدميرها. وبالنسبة لكثيرين، فأن ظروف تلبية تلك الأحاسيس والحاجات النفسية والحسية موضوع ثانوي، لأنه لا يخدم في المنظومة الاقتصادية الرأسمالية التي يقوم عليها المجتمع البشري. وإذا كان الاحجام عن ذلك أو عدم تيسر الظروف الملائمة، إشكالية اجتماعية مرضية، فالأزرى منه، عدم إتاحة الفرصة المناسبة للتعبير عن تلك الحاجات وتصويرها في الحياة اليومية، وإسدال أحجبة [ممنوع/ عيب/ حرام] عليها. وعدم مساواة الجنسين في هذه المعادلة. والطريف ذكره، أن بعض المجتمعات تبيح أساليب التعبير عن البغضاء والكراهية والسوء والانتقام، ولكنها تمنع منعاً باتاً ما يتعلق بالحبّ والمحبة (!!).
*
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإشارات والرموز..
- قك= قرآن كريم، عق= العهد القديم، عج= العهد الجديد، تك= سفر تكوين، نش= سفر نشيد الانشاد،
- الأب سهيل قاشا – مقتبسات شريعة موسى من شريعة حمورابي – بيروت – 2003. كذلك : صموئيل نوح كريمر- طقوس الزواج ونشيد الانشاد- ترجمة: بديعة أمين.
- الهام منصور- أنا هي أنت- رواية- دار رياض الريس- لندن- 2000
- * رسالة بولس الأولى لأهل كورنثوس- اصحاح (11: 12)- عج.
- Life Application Bible- by: International Bible Society- 1997
- sung by: Jimmy Sumerville – from film: Orlando
- – AICHEMY-the Art of Transformation - Jay Ramsay
- سهام عبد الوهاب الفريح – المرأة العربية والابداع الشعري- دار المدى- ط1/ 2004- المقدمة – ص7.
- فاطمة با بكر محمود – المرأة الأفريقية بين الإرث والحداثة- دار كمبردج للنشر- ط1- 2002/ ص217
- Ronald Wright – Short Story Of Progress- London- 2005
- هادي العلوي – الأعمال الكاملة (6)- فصول عن المرأة- دار المدى- ط2/2003- ص11، 9، 153 على التوالي.