المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجاء النقاش يكتب عن نسيم- قلب الأسد



monashazly
25/10/2009, 09:24 PM
رجاء النقاش يكتب عن نسيم قلب الأسد- نديم قلب الاسد كما في مسلسل رأفت الهجان


الأهـــــرام اليومى .. الأحد 5 من مايو 2002

كل مجتمع إنساني حي يحتاج أبناؤه إلي أمثلة عليا يفكرون فيها ويحبونها ويجعلون منها نموذجا يحاولون أن يسيروا علي هداه‏,‏ وقد كنا ونحن شبان صغار نشعر بالبهجة والطرب ونحن نسمع أو نقرأ عن مصطفي كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وطلعت حرب ومصطفي النحاس وسيد درويش وطه حسين والعقاد وزكي مبارك والشيخ المراغي وسميرة موسي عالمة الذرة التي استخسروها فينا وقتلوها بعد حصولها علي الدكتوراه في أمريكا سنة‏1952,‏ فهذه الأسماء وغيرها كانت بالنسبة لنا منارات تحمل إلينا مجموعة من المعاني الجميلة وتفعل في نفوسنا فعل السحر‏,‏ لأننا كنا نجد فيها الإلهام الذي يحركنا إلي الأمام‏.‏ ولا أظن أن حياتنا كان يمكنها أن تسقيم في شيء بدون أمثال هذه الأسماء القادرة علي أن تنهض بالنفوس‏,‏ وخاصة نفوس الشباب والناشئين‏.‏
والواقع أنه يمكننا أن نسأل أي إنسان أو أي مجتمع عن مثله الأعلي‏,‏ وعندما نحصل علي الإجابة يكون لدينا مفتاح حقيقي لفهم هذا الإنسان أو هذا المجتمع‏,‏ والخلاصة‏:‏ قل لي من هو مثلك الأعلي؟ أقل لك من أنت‏.‏
ولعل من الحقائق المؤلمة الآن والتي لابد لنا من الاعتراف بها أن أجيالنا الجديدة حائرة في البحث عن مثل أعلي تهتدي به‏.‏
ولو سألنا شبابنا عن ذلك فأغلب الظن أنهم لن يجدوا مايقولونه‏,‏ وقد يجيب بعضهم بأن مثله الأعلي هو مليونير أو مطرب أو ممثل أو نجم من نجوم الكرة البارزين‏,‏ ولابأس أن تكون بعض هذه النماذج أمثلة عليها‏,‏ ولكن المثير للقلق أنها في الغالب تكون كذلك بسبب الثراء والشهرة دون أي سبب آخر‏.‏ وليس هذا مثلا أعلي له قيمة وتأثير‏,‏ فالمثل الأعلي هو الذي نتعلم منه الوطنية أو الأخلاق أو الثقافة أو الاجتهاد العظيم في سبيل عمل نؤديه أو رسالة نخدم بها أنفسنا ونخدم المجتمع الذي نحن جزء منه‏.‏ والمثل الأعلي لايكون في نوع العمل الذي يقوم به الإنسان وإنما يكون في طريقة العمل ودرجة الإخلاص والإتقان فيه‏.‏
وقد كان من أجمل ما قرأته في الفترة الأخيرة كتاب جديد لزميلنا الكاتب الصحفي نبيل عمر هو ذئب المخابرات الأسمر‏,‏ فهذا الكتاب فيه جهد متميز للبحث عن مثل أعلي‏,‏ وهو دراسة ممتعة متعمقة لشخصية رجل المخابرات المصرية البارز محمد نسيم المولود سنة‏1927‏ والذي رحل عنا‏2000.‏ ومحمد نسيم لم يكن مليونيرا ولازعيما ولانجما غارقا في الأضواء ولكنه كان رجلا وطنيا مخلصا لبلاده‏,‏ وكان نزيها وشريفا في كل ما أداه من أعمال‏,‏ فلم يسقط ولم ينحرف ولم يسرق ولم تخنه أمانته ورجولته في المواقف العسيرة‏,‏ وكان محمد نسيم مثلا أعلي في اتقانه التام لعمله وأمانته فيه وحرصه علي أدائه بصورة دقيقة‏,‏ أي أنه في كل ما أنجزه كان يعمل بمعنويات عالية‏,‏ وكان يتحمل المصاعب بإرادة لاتلين‏,‏ ويكفي أن نعلم أنه تعرض مرارا للتهديد بالقتل‏,‏ وتعرض لما هو أدهي وأشد‏,‏ أي للتهديد بخطف أولاده وحرمانه منهم‏,‏ ولكن الرجل النزيه الأمين الذي أخلص لعمله وأتقنه ظل علي مستواه دائما في الأداء السليم‏,‏ فكان يسهر علي واجباته ويستعد لها ويؤديها ـ برغم خطورتها ـ كأنه مقبل علي فرح من أكبر أفراح الحياة‏.‏ وتلك هي الجوانب التي يتشكل منها ما يمكننا أن نسميه بأسم المثل الأعلي في شخصية محمد نسيم‏,‏ فالذي يقرأ قصة حياته كما كتبها نبيل عمر في كتابه الجميل يجد فيها صورة حية
للإخلاص والاتقان والاستعداد السليم لأداء الواجبات وحب العمل والايمان بالوطن والرضا بأن يكون ناجحا دون أن يطمع في جزاء استثنائي أو منصب فيه بريق أو مال كثير‏.‏ ذلك لأن فرحة الإخلاص والاتقان كانت وحدها عند هذا النموذج الانساني الرائع هي خير الجزاء وقد عاش محمد نسيم راضيا ورحل عن دنيانا وهو راض مرتاح النفس والضمير‏.‏
إنجازات محمد نسيم كثيرة‏,‏ والزميل نبيل عمر يقدمها لنا في كتابه الجديد كأنها باقة من أجمل الزهور‏.‏ فمحمد نسيم هو صانع الأسطورة التي نعرفها جميعا باسم رأفت الهجان‏,‏ ونحن نقول عنها إنها أسطورة لغرابتها التي تشبه الخيال‏,‏ ولكنها ليست من الخيال في شيء‏,‏ وإن كانت أعلي وأجمل من الخيال‏,‏ إنها أسطورة واقعية مائة في المائة‏,‏ وبطلها مواطن مصري بالغ الذكاء والحيوية إسمه رفعت علي سليمان الجمال‏1919‏ ـ‏1982‏ وهو من دمياط‏,‏ وعائلته فيها موجودة ومعروفة‏,‏ ونحن رأينا قصته علي شاشة التليفزيون في المسلسل الرائع الذي كتبه الفنان الكبير الراحل صالح مرسي‏.‏ وكان هذا المواطن في البداية مهددا بأن يكون صعلوكا ولكنه استطاع أن يكون بطلا‏,‏ وأن يخترق أقوي حواجز الأمن الاسرائيلي‏,‏ وأن يقدم لمصر خدمات رائعة كان لها أثرها الكبير في حرب التحرير التي خضناها سنة‏1973,‏ ولم تعرف اسرائيل حقيقته أبدا الا بعد إذاعة المسلسل التليفزيوني‏,‏ وظلت حتي ذلك الوقت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي تظن أن رأفت الهجان هذا كان من أبنائها المخلصين‏,‏ ورأفت الهجان هو الأداة التي سهر عليها محمد نسيم وأحسن صنعها وتدريبها وحمايتها والإشراف عليها وترسيخ مشاعرها الوطنية وتمكينها من أداء ما قدمته من خدمات جليلة للوطن‏.‏
ومحمد نسيم له أدوار أخري جبارة غير الاشراف الكامل علي شخصية رأفت الهجان فهو الذي أشرف أيضا علي عملية نسف الحفار الضخم الذي أعدته إسرائيل لنهب بترول خليج السويس‏,‏ وقد تم تدمير هذا الحفار سنة‏1970‏ تحت إشراف الأستاذ الكبير أمين هويدي مدير المخابرات في ذلك الوقت‏,‏ أما التخطيط والتنفيذ والعمل الشجاع الجريء فقد تم علي شواطيء ساحل العاج في إفريقيا علي يد محمد نسيم ورجاله المخلصين‏,‏ مما هز إسرائيل وأوجعها وأقنعها أن المصريين ليسوا رجالا من القش‏.‏
ومحمد نسيم هو الذي أشرف علي مغامرة كبري هي تهريب السياسي العربي الكبير عبد الحميد السراج من سجن الانفصاليين في دمشق ـ وأوصله سالما إلي القاهرة سنة‏1962.‏
في كل هذه التجارب وغيرها مما يشبهها كانت حياة محمد نسيم دائما في قلب الخطر‏,‏ وكانت احتمالات النجاة من هذه المخاطر محدودة‏,‏ ولكن محمد نسيم كان رجلا وطنيا وأمينا ودقيقا في حساباته وأداء واجباته‏,‏ وكان إلي جانب ذلك كله يتمتع بشعور ديني عميق‏,‏ وكيف لا يتدين من يلقي بنفسه في مخاطر هائلة‏,‏ أولها معروف‏,‏ وآخرها لا يعلم به أحد الا الله؟‏.‏ وقد كتب الله النجاح والنجاة لمحمد نسيم في كل المخاطر والمغامرات‏.‏
كان الاسرائيليون يطلقون علي محمد نسيم اسم الذئب الأسمر‏,‏ وكان هو يكره هذه التسمية‏,‏ لأن الذئب فيه غدر وخيانة وعدوان‏,‏ أما أصدقاء نسيم وزملاؤه في الكلية الحربية فكانوا يسمونه محمد نسيم قلب الأسد‏,‏ أما نبيل عمر مؤلف الكتاب الجميل الممتع عنه فيسميه باسم محمد نسيم ابن البلد حيث يقول في صفحة‏197:‏ كان نسيم ابن بلد من حي الجمالية بالقاهرة‏,‏ وكان معروفا بالجدعنة والشهامة والمروءة والوطنية والدم الحامي والصبر علي المكاره والحرص علي الفضائل‏,‏ والذين عرفوا نسيم وقطعوا مسافة الود إلي قلبه أجمعوا علي أنه رجل بمعني الكلمة‏,‏ يتحمل المسئولية‏,‏ ولا يتخلي عن مساعديه حتي لو كلفه الموقف حياته‏,‏ وأنه كان سترا وغطاء لكل من احتاج إلي الستر

حفناوى احمد
25/10/2009, 10:33 PM
مقال رائع وجميل وبه كثيرا من العبر للشباب من أمثالنا ، وفقكى الله يا أخت منى الشاذلى على هذا المجهود

monashazly
25/10/2009, 10:35 PM
و الله كنت أعتقد ألى اليوم السابعة مساءابتوقيت القاهرة أن كل هذه الشخصيات خيالية من نسج خيال المؤلف

معروف محمد آل جلول
27/10/2009, 03:12 AM
الأخت المحترمة ..منى ..
لايهتم بالوطنيين إلا وطني مثلك ..
فلك كل التقدير..
والتقدير أيضا لمؤلف الكتاب ..ولصاحب المقال ..
هذا المقال الذي يتناول سيرة موضوعية لبطل مصري ..قومي النزعة ..إسلامي التوجه ..
ويمكن وضع عنوان خاص للمقال:"الرجل الجيش"..
ذلك أن الأعمال التي قام بها تهد الجبال ..وعجز ت عنها جحافل الجيوش..
حيث يفتتحه كاتبه بأسف ،وحسرة على ما آل إليه السلوك التربوي في وطننا ..حين ينحرف المسار بأبنائنا فيخطئون في فهم معاني القدوة ..يرونها في الشهرة والثراء ...و..
ثم يرشدهم بحزم وحماس بالغين إلى شرح مفهوم القدوة من خلال شخصية وطنية عظيمة :"محمد نسيم".
هذا البطل الذي قدم خدمتين جليلتين للشعوب العربية بأسرها ..وليس مصر وحدها ..تدريب ومتابعة شخص البطل الفولاذي"رأفت الهجان"..وتدمير الحفار الإسرائيلي الضخم ..
وقد ركز الكاتب على دلالات العظمة الحقيقية الممثلة في الصرامة والصمود والتفاني في آداء الواجبات الوطنية ،والحزم والعزم ..والإخلاص والوفاء ..وقبلها وبعدها ..
التوكل المطلق على الله وحده ..وهذه العقيدة إذا ما تمكنت في النفسية البشرية صنعت المعجزات ..
نجاحه في عقيدته ..

الأخت منى ..
لك ..وللمؤلف ..ولكاتب المقال..ولمحمد نسيم ورأفت الهجان ..
الفردوس وما تحوي ..
نعم ..
بمثل هؤلاء نعتز ..ونفخر ..
خالص تحياتي..