المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أم محمد... الممثل الشرعي الوحيد!



غالب ياسين
05/02/2007, 02:27 PM
"ابني شهيد أوجع العدو ولم يمت في الاشتباكات المخزية"...!

إنه قول فصّل لوالدة شهيد، وينسب لأم فلسطينية جداً... قالته رويدة، أم محمد، منجبة فدائي عملية أم الرشراش (إيلات) الأخيرة... هنا، لا تهم الأسماء، ولا رقم الاستشهادي في قائمة تضحيات مسيرة شعب الشهادة النضالية الطويلة، ولا تهم مُكنيات الأماكن في خارطة وطن ذبيح يعيش بصمود أسطوري ملحمة بقاء مريرة... المهم هو: أوجع العدو... ولم يمت في الاشتباكات المخزية!

كانت فلسطينية جداً، عندما أخبرت من يهمهم الأمر بأنه قال لها أنه "سيخرج ليستشهد، وودعته وأنا أبكي، وقلت له الله يوفقك، ودعوت له بأن ينجح في تنفيذ عملية استشهادية، واستجاب الله لدعائي"..!

وكانت فلسطينية جداً، عندما أخبرتهم بوصية من ودعته بدعواتها الطيبات، عندما قالت لهم:

"كان هدف محمد أن يتوقف الاقتتال الداخلي، وقال لي قبل أن يخرج لا بد من أن تصحو حماس وفتح... أن الاقتتال بينهما جريمة لا يستفيد منها إلا العدو".

أم محمد، لم تنشغل بما أثارته عملية محمد من ردود أفعال تباينت، ولم تتوقف أمام توصيف أجهزة إعلام عربية لها بالانتحارية! كما أنها لم تأبه لمسارعة الجيران من ذوي الرحم إلى التأكيد بأن محمداً في طريقه إلى الاستشهاد لم يعبر إلى فلسطينه من حدودهم... لم تلق بالاً لحكاية كيف وصل مشروع شهيدها إلى هدفه ليستشهد، ولم تندهش عندما اعترف أعدائه بأن ضابط احتياط منهم نقله بسيارته قبل ساعات من تنفيذ العملية... المهم أن ابنها أوجع العدو ولم يمت في الاشتباكات الأخوية المخزية..!
وأم محمد ربما لم تسمع بأن المتحدث باسم البيت الأبيض قد دان "بشدة التفجير الإرهابي في إيلات"... لكن، لعلها في حالة من تعلم سلفاً، كأي فلسطيني آخر، بأن طوني سنو سوف لا يفرّق، وهو يدين "المنظمات الإرهابية الفلسطينية"، بين الذي ينفذ مثل هذه العمليات ومن توقف عن التنفيذ، كما لا شك لديها في أن الناطق باسم ذاك البيت إياه سوف يحمّل حكومة السلطة البلاسلطة المسؤولية كاملة عن "تقاعسها" في الحيلولة دون تنفيذ مثل هذه العملية، ولسوف يعبر قولاً ومالاً عن دعمه لرئاستها في عراكها مع حكومتها لتستمر الفتنة. وهو إذ ينحاز هنا إلى الرئاسة ضد الحكومة، فلكي يؤدي انحيازه إلى حرق الأخضر واليابس وإكراماً لعيون إسرائيله... وسوف يكون مثار سخريتها بحق أن يصلها أن سنو هذا يقول بأن أخفاق حكومة السلطة في منع هذه العمليات، تلك التي يتم الحرص على التأكيد بأنها لم تصل أهدافها عبر الحدود جميعاً، "سوف يؤثر لا محالة على العلاقات (غير الموجودة) بين تلك الحكومة والمجتمع الدولي"... في قاموس أم محمد، وبالرجوع إلى تجربتها الشخصية، مصطلح "المجتمع الدولي" هذا يعني أولئك الذين أسهموا في نكبة شعبها وضياع وطنها وشرعنة اغتصابه سابقاً، ومن يحمون العدوان ويتسترون على فطائع الاحتلال لاحقاً، ويحاصرون "البانتوستانات" أو المعتقلات الكبيرة التي تجري فيها الاشتباكات المخزية بين الضحايا راهناً... هذا المجتمع الدولي وفق السائد في وقائع الأيام الفلسطينية هذه هو الغرب لا أكثر ولا أقل... بيد أن شر البلية ما يضحك، والفلسطينيون تعودوا على مثل هذا النوع من الضحك، هو كون سنو قد أردف: "ويقوّض طموحات الفلسطينيين في إقامة دولة لهم"!!!

أم محمد تعلم حتى أكثر من كل، أو أغلب الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً أكثر من طرفي "الاشتباكات المخزية"، أن دولة سنو المزعومة هي وهم خالص... هي أخدوعة... وأن سلطة أوسلو قبلها لا تعدو أحبولة قاتلة، وأن احتراب طرفيها اليوم ما هو إلا العملية الانتحارية بعينها... لكن أم محمد تفرق بين مقاوم استدرج ومساوم يتنازل مع سبق الإصرار... بين متمسك بسلطة بلاسلطة أو سيادة، ومحكومة باتفاقات كارثية هو يرفضها أصلاً، وبين من غدا الاعتراف بالعدو مطلبه العلني، وأصبحت "الرباعية" مرجعيته النضالية القصوى، أو كأنما مهمته التي ارتضاها لنفسه قد رست على النطق باسمها، فاستقوى بالحصار المضروب من حول أهله على خصمه داخل البيت، والمؤسف أنه قد بدا لذويه وكأنما هو من أوكل إليه حصراً الدفاع عن اشتراطات المحتلين!

أم محمد... تتفق معنا عندما قلنا ذات يوم، في ذات مقال، أن ما يجري من صراع بين طرفي السلطة على تلك السلطة، ما هو إلا صراع ديكة في قفص أوسلوي وتحت احتلال... ودعاية مجانية للمحتل...
...وإذا كان الكثيرون قد تكالبوا لإدانة عملية محمد الموجعة للعدو وغير المخزية لأمه، بل مدار افتخارها، فإنها بدورها أيضاً لديها ما تدينه، مثل:

أولاَ: هذه الهستيريا الشارعية، التي تأخذ أصحابها العزّّة بالاثم... هذه العبثية الأوسلوية سقفاً ومساراً ومآلاً، والتي تأتي بعد حقبة من التكاذب الذي لن يوصل إلا إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم... التكاذب الذي فرّخ جملة من المصطلحات المضللة الفاقدة لمضامينها، مثل:

ترداد مقولة "الاقتتال الداخلي خط أحمر"، في حين أن الدم القاني المسفوح مجاناً وبلا وازع أو مانع قد تضرجت به جدران غزة الثكلى...

شعار "الوحدة الوطنية"، المرفوع أبداً وغير المتحقق دائماً، في حين أنها وحدة منشودة لكنها تستحيل دونما التوافق على برنامج حد أدنى، يرضي كافة الفلسطينيين وطناًُ وشتاتاً، فصائل، وقوى مجتمع مدني، شخصيات وفعاليات وكفاءات... وتستحيل في ظل وجود برنامجين نقيضين، وأحدهما مقاوم والآخر مساوم... ويجرنا هذا إلى حيث ترداد مصطلح أكثر زيفاً مثل "برنامج الإجماع الوطني"، هذا الإجماع الذي لم يتحقق يوماً بعد السطو على الميثاق الوطني لمنظمة التحرير والعبث ببنوده الموحّدة للأرض والإنسان الفلسطيني عندما تم اقتراف خطيئة إلغاؤها، أو نحرها في تلك الاحتفالية المعروفة بين يدي كلينتون في غزة!

مقولة الحوار الوطني، والذي يستوجب حول كنهه التساؤل المشروع: وبين من ومن؟! وحول ماذا يدور؟

أهو على القبول بالتسوية أو التصفية للقضية أم حول كيفية وضع إستراتيجية للمقاومة واكتناه سبلها والتوافق على تكتيكات مواصلتها، حتى التحرير والعودة؟!

على إعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة إعادة الاعتبار لميثاقها، أم على "الشراكة"، وفق المصطلح الذي درج مؤخراً، في "منظمة التمرير"؟!

...وصولاً إلى حكاية ترتيب البيت الفلسطيني، دون الخوض في ماهية هذا الترتيب إيجاباً أم سلباً، بمعنى ترتيبه صموداً وممانعة ومقاومة أم قبولاً بالإملاءات وتوافقاً على تسوية تقود إلى تصفية؟!

بالمناسبة، أم محمد حتى الآن لا تفهم مصطلحات أخرى لطالما ترددت من حولها، مثل: "السلام العادل والشامل"، ولسان حالها يتساءل دائماً، ترى أي سلام عادل وشامل، دون يافا وحيفا وبئر السبع... دون عودة اللاجئين... دون عودتها هي إلى ديارها؟!

وهي تنظر بريبة إلى مقولة "الحل الدائم"، الذي يعني بالنسبة لها وفي حقيقة الأمر التصفية النهائية لقضيتها... ربما لهذا لم تحرص كونداليسا رايس في جولتها الأخيرة في المنطقة على الالتقاء بها واختارت سواها!!!

...وقد نمضي في تعداد مثل هذه المصطلحات الرائجة المروّجة، ونكتفي بهذا الغيض من الفيض... وعودة إلى إدانات أم محمد أو إلى ثانيها:

تدين أم محمد، انتهازية بعض قوى الساحة الوطنية، التي تظل المتفرجة أو المحايدة، تلك التي تقف من صراع ديكة القفص الأوسلوي المحاصر على ذات المسافة، أو تلك التي أسقط في يدها فاحتارت مع من تقف فلجأت إلى الوعظ والإرشاد، واكتفت بالولولة والثبور ومضغ الشعارات، وعادت إلى سيرتها الأولى، قوى "ديكورية" عاجزة، ولا تحسن، والدم يراق، إلا إصدار البيانات ولوك التحذيرات وإبداء الاستعداد للقيام بالوساطات... أم محمد تقول: لا حياد لأحد!!!

ثالثاً: تدين من نفضوا أيديهم من قضية قضايا الأمة المركزية في فلسطين لكي يحمّلوا الفلسطينيين وحدهم وزر تصفيتها، عندما قالوها، وقد دسّوا حينها ضمناً السم في الدسم: منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وعنوا، كما أثبتت الأيام، اذهبوا أيها الفلسطينيون فقاتلوا مع ربكم فنحن هاهنا قاعدون... اقلّعوا شوككم بأنفسكم، ونحن مهمتنا الدعاء لكم... لسنا ملكيين أكثر من الملك... الخ!

...تدين المتفرجين والمُحاصِرين مع من يحاصر الفلسطينيين من أمتهم، وكل دعاة التسوية التصفية، والمطّبعين مع عدوهم القومي... والندّابين اليوم فقدان الوحدة وضياع الحوار، أو الشامتين أحياناً... من أولئك الذين يلقون باللائمة على الفلسطينيين المقتتلين ليبرؤوا أنفسهم، وينسون تحميل الاحتلال كامل المسؤولية، هذه التي يشاركه فيها بجدارة العجز والتقاعس العربي...

...وتدين شاحنات السلاح القادم عبر الحدود الممنوعة على المناضلين لجندرمة الرئاسة عبر المعابر العدوة لتقارع بها ميليشيات الحكومة... ولا تفهم كيف يسمحون بهذا في حين يمنعون أو يعيقون وصول المال الشحيح لإطعام الجوعى!

... ومع كل هؤلاء تدين الجيوب البخيلة والمصارف العربية الحصيفة، تلك التي تمتنع عن فعل الخير أو التي تحتفظ بأموال الدعم أو التبرعات، أو قل حتى الصدقات، التي ترصد فيها لصالح جوعى الحصار دون أن توصلها لهم حتى تلقيها إشعار أمريكي غير وارد..!

...وأخيراً، أم محمد كفّت عن إدانة غير مجدية لجبهة أعدائها في الخارج، أو ذاك "المجتمع الدولي" الغربي، لكن يحزنها حتى العظم تواطؤ العجز العربي... وهي إذ لا تنشغل كثيراً باستقالة حلوتس أو مصير بيرتس ونهاية أولمرت، أو فضيحة كتساف، أو تداعيات قبلة رامون، يشغلها بالإضافة إلى همها المزمن الهم العراقي والسوداني والصومالي، وما يستجد من هموم أمتها... ويسعدها أيما سعادة أن محمداً عندما ترجّل وقّع في أم الرشراش بدمه الزكي على وثيقة وحدة قاعدتي الأخوين المتناحرين من طرف السلطة البلاسلطة... تلك القواعد الوطنية المناضلة المجاهدة، التي من شأنها دائماً أن لا تتوحد أو تتفرق إلا على فلسطين..!

... وبعد، ألا تستحق أم محمد هذه منصباً اعتبارياً هو الناطق الرسمي باسم وجدان أمة مغيّبة بكاملها من محيطها إلى خليجها... وفي غياب المنظمة أو تغييبها، أوليست جديرة وحدها اليوم بصفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني!

http://www.alhaqaeq.net/