المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللغة الأردية في الصحافة الباكستانية ( صحيفة صوت العصر نموذجاً ) - المبحث الرابع



إبراهيم محمد إبراهيم
03/11/2009, 06:27 AM
المبحث الرابع : اللغة الأردية في " نوائـ وقت "
تهتم الصحف والجرائد الأردية بالدرجة الأولى مثلها مثل غيرها بتوصيل الأخبار التي تنشرها وترويج وجهة نظرها بين الناس من خلال أيسر الأساليب والطرق ، وتبذل جهدها لكي تجعل القارئ يتفاعل معها بأي شكل من الأشكال بما يحقق أكبر نسبة من التوزيع في البلاد ، مستخدمة في ذلك ما يسمى بلغة الصحافة ، والتي تتميز بالتعبير المباشر ، وقصر الجمل ، وسهولة الألفاظ ، واستخدام أحدث المفردات وأكثرها لفتاً للأنظار من خلال اللغة التي يفهمها أكبر عدد من القراء فهماً صحيحاً وتاماً ، ولا شك أن اللغة الأردية هي اللغة التي تجيدها الغالبية العظمى من سكان باكستان على اختلاف أعراقهم ولغاتهم ، ولهذا فإن أثر هذه الصحف في قرائها يفوق أضعاف أضعاف الأثر الذي تحدثه الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات في الشعب الباكستاني .
وأول ما يلاحظه القارئ المتخصص على اللغة الأردية في الصحف الأردية ( ممثلة في نوائـ وقت : صوت العصر ) هو طغيان اللغة الإنجليزية عليها سواء في المفردات أو التراكيب والمصطلحات أو التعبيرات والجمل والاستشهادات ، أو حتى مسميات الإدارات والهيئات والجمعيات على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها .
والحقيقة أن استخدام الألفاظ الإنجليزية في اللغة الأردية ليس أمراً جديداً أو مستحدثاً ، فهو أمر قديم يعود إلى عدة قرون عندما جاء الإنجليز إلى شبه القارة الهندية في أوائل القرن السابع عشر الميلادي في عهد الدولة المغولية ، وأسسوا شركة الهند الشرقية عام 1600م بغرض التجارة ، ولكنها سرعان ما ثبتت أقدامها في البلاد ، وأنشأت لها فروعاً في كل أرجائها ، واستقدمت الإنجليز للعمل فيها ، ثم استقدمت آخرين وسلحتهم بحجة حماية ممتلكاتها ، وتدريجياً توغل الإنجليز في البلاد وتوغلت معهم لغتهم ، إلى أن استطاعوا في نهاية الأمر احتلال شبه القارة كلها عام 1857م بعد القضاء على الثورة التي قادها المسلمون بغرض التخلص من النفوذ الإنجليزي في البلاد ، وتمّ إلغاء اللغة الفارسية من التعامل في المصالح والدواوين الحكومية عام 1835م ، وحلت اللغة الإنجليزية محلها (14) . ومنذ أن احتل الإنجليز شبه القارة عام 1857م وربما قبلها في عام 1800م حين أنشأوا كلية فورت وليم (15) ، وحتى تأسيس باكستان واسقلال الهند عام 1947م حدث احتكاك مباشر للغة الأرية وأدبها باللغة الإنجليزية وأدبها ، فدخلت الألفاظ الإنجليزية إلى اللغة الأردية ، كما دخلت موضوعات كثيرة من الأدب الإنجليزي إلى الأدب الأردي ، وعرف الأدب الأردى أصنافاً وفنوناً جديدة فى الأدب ، وفتحت أمامه نافذة يطل منها على ما يجرى فى الآداب الغربية بشكل عام ، واطلع أدباء الأردية على الأدب والثقافة الإنجليزية بصفة خاصة ، والآداب الغربية بصفة عامة ، مما حدا بهم فى نهاية الأمر إلى الدعوة للتغيير فى الأنماط والموضوعات الأدبية ، وتقريب الأدب من الحياة والواقع بعد أن كان قد أغلق على نفسه الأبواب فى برجه العاجى الذى ابتناه لنفسه إبان حكم الدولة المغولية ، وظهر فن الرواية الأردية وكذا القصة الأردية القصيرة من فنون النثر ، وفى الشعر ظهر الشعر الحر بمختلف أشكاله ، ليس هذا فقط ، بل إن الأدب الأردى تأثر بالحركات والاتجاهات الأدبية التى ظهرت فى الآداب الغربية ، فوجدنا الرومانسية والواقعية والحركة التقدمية ، وكلها ساهمت بنصيب ملحوظ فى إثراء الأدب الأردى شعرا ونثرا . وبالتالي فإن اللغة الأردية وأدبها قدا تأثرا بالفعل من اللغة الإنجليزية وأدبها في الماضي ، وكان ذلك في وقته أمراً طبيعياً لسببين :
1 – كانت اللغة الأردية وأدبها حتى قدوم الإنجليز إلى شبه القارة الهندية ( القرن السابع عشر الميلادي ) لا يزالا في طور التكوين ، وكانا بلا شك في حاجة إلى منابع يستقيان منها ومصادر يأخذان عنها .
2 – ظلت اللغة الفارسية واللغة العربية تمثل هذه المنابع والمصادر للغة الأردية وأدبها طالما بقيت الدولة المغولية في قوتها ، ولما انفرط عقد هذه الدولة ( عام 1857م ) أخذت اللغة الفارسية والأدب الفارسي في التراجع بقدر تراجع السلطة التي كانا يعتمدا عليها في بقائهما وسيادتهما ، أي الدولة المغولية ، إلى أن كادت الساحة الأدبية في شبه القارة الهندية تخلو منهما في القرن التالي وهو القرن العشرين ، ولم يبق منهما إلا بقدر ما يكنه المسلمون لهذه اللغة وأدبها من حب واحترام نظراً لما تمثله من تراث للحضارة الإسلامية كلها ، وهناك بالطبع عوامل أخرى ساعدت على هذا التراجع ، لكن معظمها مبني على ضعف الدولة المغولية وسقوطها(16). وبانفراط عقد الدولة المغولية تحولت أنظار اللغة الأردية إلى لغة المحتلين الذين فرضوا لغتهم وثقافتهم على البلاد بقوتهم وجبروتهم .
وعلى مستوى الصحافة سنجد هذا التوغل للغة الإنجليزية واضحاً في الصحف الأردية التي صدرت في الماضي ، وعلى رأسها مجلة تهذيب الأخلاق التي أصدرها السير سيد أحمد خان في بداية السبعينيات من القرن التاسع عشر ، رغم أن السير سيد أحمد خان نفسه كان من المدافعين بشدة عن اللغة الأردية ، وكان يرى أن أهل الهند لا بد أن يدرسوا العلوم كلها بلغتهم وليس بلغة أخرى (17) ، وأثبت من خلال كتاباته أن هذه اللغة تستطيع التعبير عن العلوم المختلفة ، إلا أنه لم ينج من تأثيرها عليه ، والأكثر من ذلك أن السير سيد أحمد خان عارض قيام جامعة البنجاب (18) معارضة شديدة لأنه تقرر لها عند قيامها أن يكون مجال اهتمامها باللغات المحلية - ومن بينها اللغة الأردية – والعلوم الشرقية ، وكتب عدة مقالات بهذا الخصوص استخدم فيها لهجة قاسية تجاه هذا الأمر فقال : " لا أدري ما الذي يمكن أن تقدمه لنا أو تعلمه لنا جامعة البنجاب بتدريس العلوم واللغات الشرقية الميتة ولغة إنجليزية مكسرة " (19) . على أية حال ربما كان لهذا ما يبرره في وقته باعتبار أن الجامعة المزمع إنشاؤها ( جامعة البنجاب ) لم تعط مساحة كافية في مشروع إنشائها للعلوم الغربية واللغة الإنجليزية بالشكل الذي كان يتوقعه السير سيد أحمد خان ، والذي تحتاجه شبه القارة - طبقاً لتصوره - من أجل السير على طريق التقدم .
ونظرة بسيطة على القواميس والمعاجم الأردية القديم منها والحديث على السواء تكشف لنا العديد من الألفاظ الإنجليزية التي دخلت الأردية ، فبقي معظمه على حاله من الناحية الصوتية والدلالية ، وتحور القليل منها بما درج عليه أهل اللغة مثلما نجد في كلمة ( ربورت : Report : تقرير ) حيث أصبحت الآن تكتب هكذا ( ربت ) وهكذا .
هوامش :
14 - كانت حركة الجهاد التي قادها سيد أحمد شهيد ضد الإنجليز عام1826م تستعمل الأردية في منشوراتها ومطبوعاتها،وكانت مطبوعات ثورة التحرير1857م ومنشوراتها بالأردية كذلك ، وكذلك حركة الخلافة 1921م وغيرها.لمزيد من التفصيل انظر: جيلاني كامراني – قوميت كي تشكيل اور اردو زبان – ص 57 – إسلام آباد – باكستان 1992م .
15 - انظر : د / سميع الله – فورت وليم كالج اور اس كى خدمات – ص 5 - الهند 1989م .
16 - انظر : أيوب صابر – باكستان مين اردو كـ ترقياتي إداريـ - ص 50 – إسلام آباد – باكستان 1985م
17 - يقول سير سيد أحمد خان : " هندستان كي بهلائي صرف اس مين منحصر هـ كه تمام علوم اعلى سـ لـ كر ادنى تكـ ان كي زبان مين دئيـ جاوين : إن خير الهند يتوقف على دراستهم للعلوم من أعلاها إلى أدناها بلغتهم فقط " .سر احمد خان – مقالات سرسيد – جلد هشتم – لاهور 1962م – ص 230 .
18 - تأسست جامعة البنجاب في 8 ديسمبر عام 1869م باسم " يوني ورستي كالج لاهور " ، وأطلق عليها اسم " جامعة البنجاب : بنجاب يوني ورستي " في مايو من عام 1870م . لمزيد من التفصيل انظر : د . زاهد منير عامر – تاريخ جامعه بنجاب – بنجاب يوني ورستي – لاهور – باكستان 2002م – ص 29 .
19 - " هماري سمجهـ مين نهين آتا كه بنجاب يوني ورستي مرده مشرقي علوم اور مشرقي زبان اور توتي بهوتي انكريزي سكهلا كر هم كو كيا بخشـ كي اور هم كو كيا سكهلائـ كي " – مقالات سر سيد – الجزء الثامن – نقلاً عن : تاريخ جامعه بنجاب – ص 32 .