المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللغة الأردية في الصحافة الباكستانية ( صحيفة صوت العصر نموذجاً ) - المبحث السادس



إبراهيم محمد إبراهيم
05/11/2009, 06:27 AM
المبحث السادس : اللغة الأردية بين الإنجليزية واللغات المحلية
كان من المفترض بعد أن قامت باكستان عام 1947م أن تتربع اللغة الأردية على عرشها الشرعي ، ولكن الواقع الحالي للغة الأردية بعد مرور ما يقرب من ستين عاماً على تأسيس باكستان ، وما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً على انفصال بنجلاديش يؤكد عكس هذا ، فلا تزال اللغة الأردية حتى يومنا هذا هي اللغة القومية فقط ، أما اللغة الرسمية فهي اللغة الإنجليزية ، وكأنه كتب على اللغة الأردية أن تبقى محرومة من حقها حتى بعد أن أصبحت منه قاب قوسين أو أدنى ، وأن تخرج بعد قيام باكستان من صراع مع اللغة البنغالية انتهى بمأساة انفصال بنجلاديش ، لتدخل في صراع آخر أكثر مرارة ، وصراعها هذه المرة مع اللغة الإنجليزية ، وهو صراع يجري على المستويين الرسمي والشعبي ، فعلى المستوى الرسمي لأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لباكستان ، وهو حق منحه من لا يملكون - وهم الرسميون - لمن لا يستحق ، وهو هنا اللغة الإنجليزية ، متجاهلين صاحب الحق الطبيعي في هذا وهو اللغة الأردية ، ولا شك أن لهذا التجاهل أثرا سلبياً بالغاً على مكانة اللغة الأردية على المستوى المحلي والمستوى الدولي أيضاً ، فعلى المستوى المحلي فقد الباكستانيون – مضطرين - اهتمامهم باللغة الأردية عندما فقدت سلطتها ، ووجهوا اهتمامهم إلى اللغة الإنجليزية التي تربعت على عرش اللغات في باكستان وتولت سلطـة قيادتها ، وهذا أمر طبيعي لدى البشر عامة ، إذ يولون اهتمامهم لمن يبدو على السطح ويكون في مركز القوة ، وعلى المستوى الدولي لم تحظ اللغة الأردية بالمكانة اللائقة بها ، وكيف نتوقع من العالم أن يقدر لغة لم يقدرها أهلها ! إنه أمر لا يحتاج إلى كثير مناقشة .
كما أن هناك صراعاً من نوع آخر بين الأردية واللغات المحلية في باكستان ، يتمثل في التعصب القومي لدي أهل كل إقليم من أقاليم باكستان الأربعة ( البنجاب والسند وبلوشستان وإقليم الحدود ) للغتهم المحلية ( البنجابية والسندية والبلوتشية والبشتو ) ، ومطالبتهم بين حين وآخر بأن يكون التعليم في مدارسهم بلغاتهم المحلية هذه ، واستجابة الحكومة في بعض الأحيان لبعض هذه المطالب تحت ضغط الحصول على أصوات الناخبين ، وهو ما يجبر اللغة الأردية على التراجع ، ويعمق الهوة بينها وبين الباكستانيين على المدى الطويل إن لم يتم التعامل معه بحكمة ، ورغم أن هذا الصراع ليس صراعاً على مستوى صراع الأردية مع الإنجليزية ، إلا أنه كما قلنا إذا لم يتم ترشيده وتوجيهه الوجهة الصحيحة لأصبح يمثل خطراً على اللغة الأردية ، وعلى باكستان نفسها ، وكما لعب الصراع اللغوي دوراً كبيراً في انفصال بنجلاديش ، يمكن أن يلعب الصراع اللغوي بين الأردية واللغات المحلية في حالة إساءة توجيهه نفس الدور في انفصال أقاليم باكستان عن بعضها البعض ، مكونة دويلات صغيرة يسهل التهامها والسيطرة عليها .
وهاتان رسالتان من قارئين من قراء مجلة ( فيملي ) الأسبوعية (30) الأولى بعنوان (بين الاقوامى زبان بر عبور كى اهميت : أهمية إجادة اللغة العالمية)،والثانية بعنوان ( بنجابى زبان كا فروغ : نشر اللغة البنجابية ) ، ونحن هنا نقدم ترجمة لنص الرسالتين لنتعرف على تفكير الباكستانيين بهذا الخصوص .
الرسالة الأولى : أهمية إجادة اللغة العالمية
" لقد صعد الإنسان إلى القمر ، ويستعد الآن للصعود إلى المريخ ، وما أريد أن أخبركم به هو أننا نحن الباكستانيين خاصة حين نذهب إلى أمريكا ، فإن المسئوليين الأمريكان في المطارات الأمريكية يقومون باستجوابنا كثيراً ، ونحن نجيبهم بلغة إنجليزية ضعيفة مكسرة ، وهذا مثال شخصي أقدمه لكم ، فقد جاءني أحد أصدقائي قبل عدة أيام وطلب مني أن أعلمه الحديث باللغة الإنجليزية لأنه مسافر إلى أمريكا بعد أربعة أيام ، ولكن كيف سيتعلم هذا العبارات والمحاورات والأمثال والقواعد والأسماء الإنجليزية في أربعة أيام ، على أية حال عندما نزل في مطار نيويورك استجوبه المسئولون هناك ، وأجابهم على أسئلتهم بلغة مكسرة ضعيفة ، وكانت النتيجة أن أعاده المسئولون الأمريكيون إلى باكستان ثانية !. ما الذي نستنتجه من ذلك ؟. إن أهل إقليم سرحد يتحدثون فيما بينهم بلغة البشتو ، ويتحدثون معنا نحن البنجابيين بلغة أردية مكسرة ضعيفة ، وأهل إقليم السند يتحدثون فيما بينهم باللغة السندية ، ويتحدثون معنا بلغة بنجابية وأردية مكسرة ضعيفة ، ونفس الأمر مع أهل إقليم بلوشستان . يجب أن تكون لغة التعليم من كراتشي إلى خيبر ( يعني في باكستان كلها ) لغة واحدة ، واللغة الإنجليزية لغة عالمية ، وعلينا لكي نساير العالم أن نتعلم اللغة الإنجليزية ونقرأ ونكتب ونتكلم بها ، وأمامنا السير سيد أحمد خان كمثال ، فلم يترك شيئاً إلا وفعله من أجل أن يتعلم مسلمو شبه القارة الهندية اللغة الإنجليزية ، حتى أنه رقص على المسرح ذات مرة من أجل جمع التبرعات ، وإجادة اللغة الإنجليزية ضرورية لأنها بالفعل أصبحت اللغة العالمية ، ومع ذلك يجب أن لا نتغاضى عن اللغة الأردية لغتنا القومية ، وعلينا أن نتحدث مع الأجانب باللغة الأردية أيضاً ، وأن يكون لدينا المترجمون ليترجموا للأجانب ما نقوله باللغة الأردية . ذات مرة زار رئيس الوزراء الصيني ( تشو اين لاي ) باكستان ، والتقى بالرئيس الباكستاني الذي كان يتحدث معه باللغة الإنجليزية ، بينما كان رئيس الوزراء الصيني يرد عليه باللغة الصينية ، والمترجم يترجم الحديث إلى اللغة الإنجليزية ، وإذا حدث نوع من الإغلاق في الترجمة كان رئيس الوزراء الصيني يقوم بالتصحيح ، وهذا يعني أن للغة القومية أهميتها ، ولكن يجب أن نجيد اللغة الإنجليزية إجادة تامة "
( محمد أنيس الرحمان – توبه تيكـ سنكهـ ).

الرسالة الثانية ( نشر اللغة البنجابية )
" سيدي ، ولدت في لاهور ، وقضيت شبابي فيها إلى أن أصبحت الآن كهلاً ، وقد قضيت سنوات من عمري في العمل ممثلاً على مسرح الإذاعة والتلفزيون ، وقمت بتجسيد أدوار بنجابية عديدة في المسلسلات ، فأنا أعشق اللغة البنجابية ، ولم لا أعشقها وهي لغتي الأم ، ومن خلالها تعرفت على العظماء من أولياء الله الصالحين مثل خواجه فريد،ميان محمد بخش ، سيد وارث شاه ، بابا بلهـ شاه ، بابا سلطان باهو ، مادهو لال حسين ، وبابا فريد كنج ، وقرأت أشعارهم الصوفية العظيمة ، وبدأت من خلالهم رحلتي في الحق ، فكتبت أشعاراً صوفية على غرار أشعار بابا بلهـ شاه ، بل وأصدرت كتاباً يضم هذه الأشعار بعنوان ( خالى بو هـ : مجرد رائحة ) عام 1968م ، وأصبحت معروفاً في هذا الميدان ، ثم أكرمني الله تعالى ونظمت معاني القرآن الكريم باللغة البنجابية أيضاً بعنوان ( قرآن سانون سمجهائـ : علمنا القرآن ) ، وهو خدمة كبيرة للدين الإسلامي ، وخدمة أيضاً للغة البنجابية ، وربما لا تجد في البنجاب كلها من من يقوم بمثل ما أقوم به ، ومع ذلك فإن الحكومة لا تشجعني بأية طريقة من الطرق ، بل ولا تثني على ما أقوم به ، في حين أن الوزير الأعلى للبنجاب السيد برويز إلهي قد تحدث مراراً عن نشر اللغة البنجابية وتطويرها ، وأنا الآن أرجو السيد برويز إلهي وزير البنجاب الأعلى أن يتكرم بنشر أعمالي وإبرازها على مستوى العامة " .
( خورشيد كمال – بير غازي رود – لاهور )
ورغم أن الرسالتين ليستا من المسئولين الحكوميين ، وبالتالي لا تعكسان اتجاهاً حكومياً ، ورغم التخبط الفكري الواضح لدى القارئين وعدم وضوح الرؤية لديهما ، لكننا سنجد من خلالهما جبهتين مخالفتين للغة الأردية إحداهما تتمثل في الميل إلى اللغة الإنجليزية ، والأخرى تتمثل في الميل إلى اللغة المحلية ، ورغم أن وجهتي النظر لهما ما يبررهما على الأقل في رأي القارئين ، لكنهما تعكسان الصورة لدى عامة الشعب الباكستاني ، وهو ما لم ينشأ من فراغ بطبيعة الحال ، وكل هذا يؤثر سلباً على وضع اللغة الأردية ، ويبعدها إلى حد ما عن بؤرة الاهتمام .
والحقيقة أن الوضع الحالي بخصوص استخدام اللغة الإنجليزية يختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي ، فهناك الآن استعمال لامحدود للألفاظ والتراكيب والجمل الإنجليزية الكاملة على لسان أهل اللغة الأردية في أحاديثهم العامة والخاصة ، وفي وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة " الإذاعة والتلفزيون " وفي كتاباتهم المتنوعة أيضاً وخاصة الصحفية منها ، وقد انعكس هذا في الصراع الداخلي لدى الباكستانيين فيما يتعلق باللغة التي يجب أن تكون لغة رسمية للبلاد ، ولذلك أسبابه المتنوعة التي نذكر منها أهمها وهي في رأينا :


1 – اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لباكستان
اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لباكستان منذ قيامها عام 1947م وحتى يومنا هذا ، وقد باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلت من أجل تنصيب اللغة الأردية لغة رسمية للدولة والنص على ذلك في دستور البلاد ، فلقد كان من المؤكد قبل قيام باكستان أنه لن تقوم للأردية قائمة إلا بقيام دولة لها تتخذ منها لغة لها وتتولاها برعايتها وهو ما تحقق بقيام باكستان ، ولكن بعد قيام باكستان كانت هناك جبهة جديدة تنتظر الأردية لتواصل حرب وجودها وهي جبهة" البنغال الشرقية "خامس أقاليم باكستان وأكبرها تعداداً في ذلك الوقت ، إذ تحدثت الصحف الباكستانيـة الصادرة في 10 ديسمبر عام 1947م عن مظاهرات واحتجاجات في مدارس " دكا " وجامعاتها ضد اتخاذ اللغة الأردية لغة رسمية لباكستان (31) ، وتطورت هذه المظاهرات إلى صدامات بين المؤيدين للأردية والمؤيدين للبنغالية سقط فيها ضحايا وجرحى ، واضطرت السلطات للتدخل ، بل وتطلب الأمر – لخطورته – أن يقوم القائد " محمد على جناح " بزيارة إلى البنغال رغم ظروفه الصحية الصعبة في التاسع عشر من مارس عام 1948م ، وأن يعلن في خطابه في " جامعة دكا " في 21 مارس 1948م أن اللغة القومية لباكستان هي الأردية والأردية فقط . فقال : " أريد أن أقول لكم بوضوح أنه فيما يتعلق بلغتكم البنغالية فإن الشائعات المغرضة التي تدور حول هذا الموضوع لا أساس لها من الصحة ، ولن تضار اللغة البنغالية بأي شكل من الأشكال ، ومن حق أهل الإقليم أن يحددوا لغة إقليمهم ، لكنى مع ذلك أود أن أقول لكم بوضوح أن اللغة الرسمية لباكستان ستكون الأردية ، والأردية فقط ، والذين يحاولون تضليلكم في هذا الخصوص هم أعداء باكستان ، فلا يمكن أن يكون هناك اتحاد بين أي شعب دون لغة مشتركة ، وبغيرها لن يستطيع هذا الشعب تحقيق أي إنجاز ، وتاريخ الدول الأخرى يشهد بذلك ، أما اللغة الرسمية لباكستان فستكون الأردية لا لغة غيرها " (32) .
وما كان على محمد علي جناح من حرج لو أيد مطالب البنغاليين في اتخاذ اللغة البنغالية لغة رسمية بدلاً من الأردية ، خاصة وأنها كما يدعي أهلها أقدم من الأردية ، وعدد البنغاليين يفوق عدد سكان باقي أقاليم باكستان الأربعة مجتمعة ، وهي فوق هذا لغة إسلامية أيضاً،لكنه بنظره الثاقب اختار الأردية وليس البنغالية ، نظراً لأن اللغة الأردية تحمل تراثاً إسلامياً يفوق بكثير ما تحمله اللغة البنغالية ، كما أن اللغة الأردية يفهمها أهل باكستان جميعاً ، على عكس البنغالية التي لا يفهمها إلا البنغاليون ، مما يجعل من الصعب اتخاذها لغة ربط بين أهل البلاد ، هذا بالإضافة إلى أن اللغة الأردية ذات سمات وهوية إسلامية أوضح بكثير من اللغة البنغالية التي تخلت عن الحروف العربية الفارسية قبل قيام باكستان بما يقرب من مائتي عام تقريباً ( 1758م ) بعد أن ظلت تكتب بها لفترة تاريخية طويلة ، بينما ظلت اللغة الأردية متمسكة بحروفها العربية رغم الصعوبات الشديدة التي واجهتها في ذلك ، سواء من غلاة الهندوس ، أو من الإنجليز المحتلين ، وقد أكد " محمد علي جناح " على هذا المعنى في خطابه الثاني بتاريخ 24 مارس 1948م بـ " جامعة دكا " حيث قال : " اللغة الأردية هي تلك اللغة التي رعاها المسلمون ، وتفهم في كل أرجاء باكستان ، وهى اللغة التي تحمل في طياتها ميراثاً عظيماً من الثقافة والتقاليد الإسلامية إذا ما قورنت بأية لغة محلية أخرى ، وتجعلنا أقرب ما يمكن إلى بلاد العالم الإسلامي ، ويقوى جانب اللغة الأردية أن الهند قد نفتها من البلاد ، وحرّمت خطها " العربي الفارسي " ، ولهذا فإن اللغة التي يمكن أن تصبح لغة رسمية لباكستان ، ووسيلة للتفاهم بين مختلف أقاليمها ، هي لغة واحدة ، وهى الأردية ، ولا لغة غيرها ، فإن كانت أقاليم باكستان تبغي الاتحاد والسير على طريق التقدم ، عندئذ ستكون لغتها الرسمية واحدة، وهى في رأيي اللغة الأردية ، والأردية فقط " .
ولكن لم ينته الأمر عند هذا الحد ، وطالت القضية واتخذت أبعادا أخرى ، وجدت ظروف ساعدت على الانقسام ، فتوفى القائد محمد على جناح فى 11 سبتمبر1949م ، وصدر الدستور الأول لباكستان فى مارس من عام 1956م ، وأصدرت الحكومة في ذلك الوقت قراراتها بأن تكون اللغة الأردية واللغة البنغالية لغتين قوميتين لباكستان ، وتداعت الأحداث ، وتدخلت الهند بكل قوتها العسكرية فى حرب شاملة ضد باكستـان فى نوفمبر وديسمبر من عام 1971م أدت إلى انفصـال باكستـان الشرقية كدولة مستقلة باسم " بنجلاديش " . وبانفصال باكستان الشرقية وقيام بنجلاديش حرمت باكستان من أحد أقاليمها الهامة ، وحرمت الأردية من منطقة كان من المفترض أن تتربع على عرش اللغات فيها بما توفر لها من سلطة سياسية تؤيدها وتمهد الطريق أمامها ، ورغم مساهمة أهل البنغال فى الإنتاج الأردى ولو بنسبة من النسب ، إلا أنه من المؤكد أن هذه النسبة لا بد ستتعرض إلى تراجع شديد قد يصل فى النهاية إلى نقطة الصفر .
وعندما صدر ثالث دساتير باكستان وآخرها - والذي لا يزال يعمل به حالياً - في 12 إبريل عام 1973م ، وبدأ العمل به في 14 أغسطس من نفس العام جاء به فيما يتعلق باللغة القومية للبلاد أن اللغة الأردية هي اللغة القومية لباكستان ، وسوف تتخذ كل الإجراءات الضرورية لجعلها لغة رسمية للبلاد في فترة لا تتجاوز خمسة عشر عاما من تاريخ العمل بهذا الدستور ، وحتى ذلك الوقت ستبقى اللغة الإنجليزية لغة رسمية للبلاد إلى أن تحل الأردية محلها ، ويحق لبرلمان أي إقليم " من الأقاليم الأربعة في باكستان " أن يسن من القوانين المناسبة التي تساعد في تطوير وتنمية اللغة المحلية للإقليم بشرط أن لا يؤدى ذلك إلى أي إضرار باللغة القومية ، وبلغت باكستان اليوم من العمر أكثر من خمسين عاماً ، لكنها لم تعترف بالأردية كأداة تعبير رسمية لها !! ، ولم تتخذ منها إلى اليوم لغة رسمية للدولة (33) .


2 – التبعية الثقافية للغرب
التبعية الثقافية للغرب والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد العبودية الثقافية والفكرية ، ويظهر بوضوح على الطبقة الحاكمة في باكستان ، وقد انعكس هذا بشكل كبير على اللغة الأردية ، وأثر كثيراً على الشعب الباكستاني نفسه (34) ، فرأى في الإنجليزية سبيل التقدم والرفعة (35) .
3 – طبيعة اللغة الأردية
تتميز اللغة الأردية بطبيعة تمكنها من استيعاب المفردات اللغوية الأجنبية من معظم اللغات ، وذلك باعتبار أنها تضم أصوات عديدة تجعل من السهل على أهلها نطق الألفاظ الأجنبية نطقاً صحيحا مثل ( الباء المثلثة ، والتاء المعدلة والجيم الفارسية والدال المعدلة والراء المعدلة والزاي الفارسية والكاف الفارسية والياء المجهولة والنون الخيشومية ) ، كما أنه يسهل بناء الجملة من أي لفظ أجنبي مع مصدر أردي فيما يسمى بالمصادر المركبة ، وهذا هو الذي مكن اللغة الأردية في فترة قصيرة من تنمية ثروتها اللغوية ، وزاد في معدل تطورها على المستوى اللغوي والأدبي ، وفوق هذا وذاك لا يوجد نص مقدس ( كالقرآن الكريم ) يضع لها حدوداً لا تتعداها ، ولكن يجب أن نضع في الحسبان أننا إذا تركنا أمور اللغة تسير وفق هذا التصور فقد يؤدي ذلك إلى تغير صورتها وانقطاع الصلة سريعاً بين ماضيها وحاضرها ، وهذا هو ما حدث مع اللغة الأردية ولو بنسبة من النسب ، فلا يستطيع أهل اللغة الأردية اليوم فهم جزء كبير من التراث الأدبي الأردي في الدكن ، رغم أنه لم يمض عليه أكثر من قرنين من الزمن ، وهي فترة قصيرة للغاية باعتبار عمر اللغات ، وهنا تبرز أهمية الهيئات والإدارات القائمة على أمر اللغة الأردية مثل المجمع القومي للغة الأردية وغيره .
ومع ذلك فإذا كانت رسالة من الرسالتين المذكورتين سابقاً تمثل الدعوة إلى نشر اللغة الإنجليزية ، والرسالة الأخرى تمثل الدعوة إلى نشر اللغات المحلية فإن هذا لا يعني عدم وجود اتجاه على مستوى القراء يدعو إلى نشر اللغة الأردية والاهتمام بها ، فهذه رسالة من أحد القراء رداً على الرسالة التي تؤيد اللغة الإنجليزية نورد ترجمتها فيما يلي :
الرسالة الثالثة ( يمكن أن نتقدم بغير الإنجليزية ) (36)
" قرأت في العدد الماضي رسالة عن قضية اللغة ، والحقيقة أن اللغة الإنجليزية قد توغلت في مجتمعنا بدرجة يصبح من الصعب معها التخلص منها ، ولكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نعيش حيتنا بدونها ، وكل شعوب العالم تفضل لغاتها القومية على أية لغة أخرى ، والجميع يعلم أن الدول المتقدمة تقدمت بلغاتها هي ، ولهذا من الخطأ أن نقول إننا لانستطيع التقدم بغير اللغة الإنجليزية ، ولكن نستفيد من اللغة الإنجليزية في المجال الذي نحتاج إليها فيه ، أما لغتنا القومية فنستخدمها في حياتنا اليومية ، وليس معنى أن اللغة الإنجليزية لغة عالمية أن يكون من الضروري للجميع تعلمها ، لأن الناس جميعاً لا يسافرون إلى الخارج ، وليس للناس جميعاً علاقات بالعالم الخارجي ، ولهذا فاللغة الإنجليزية ضرورة لأولئك الذين لهم علاقة بشكل أو بآخر بالخارج ، وهؤلاء على قسمين : القسم الأول هو أولئك الذين في يدهم مقاليد الأمور ، والقسم الآخر هم الذين يسافرون إلى الخارج بحثاً عن فرصة عمل أو للسياحة ، وبديهي أن الناس جميعا لا يسافرون خارج البلاد ، ومن هنا فإنه لا ينبغي أن نسلط اللغة الإنجليزية على عقولنا بحيث ينسى الناس لغتهم القومية ، أو تتوغل اللغة الإنجليزية في اللغة القومية بطريقة تشوهها ، وقبل عدة سنوات ألقت الحكومة بعبء اللغة الإنجليزية على الأطفال بداية من مرحلة الحضانة ، بينما هؤلاء الأطفال الصغار في الحقيقة لا يستطيعون تحمل هذا العبء ، فهم يستطيعون الاستيعاب باللغة التي تعلموها في أحضان أمهاتهم ، ولهذا فإني أرى إلغاء اللغة الإنجليزية من المرحلة الابتدائية ويكون التعليم في هذه المرحلة باللغة الأم فقط ، ثم يدرس التلميذ اللغة الإنجليزية أو لغة أجنبية أخرى من الصف السادس إننا لا نهدف إلى تحويل أبنائنا إلى إنجليز ، وإنما إلى الاستفادة من الإنجليزية عند الضرورة ، بينما الذي يحدث في الواقع هو أننا نتخلى عن اللغة الأردية في كل الأقسام العلمية ، ونقدم عليها اللغة الإنجليزية ، علينا أن نفضل لغتنا فإن في ذلك خيرنا " .
( بشير أحمد – تتلـ عالي – كوجرانواله )
هوامش :
30 - جريدة فيملي الأسبوعية ( تصدرها مؤسسة نوائـ وقت الصحفية ) – مجلد 17 – عدد18 بتاريخ 28 يناير – 3 فبراير 2007م .
31 - انظر : رضي الدين رضا ، شاكر حسين شاكر - باكستان 1947م سـ 1997م تكـ - ص 80 - إسلام آباد – باكستان 1997م .
32 - انظر : د / سيد عبد الله – باكستان مين اردو كا مسئله – ص 75 – باكستان 1976م .
33 - ذات مرة حضرت مأدبة عشاء في بيت السفير الباكستاني في القاهرة أنور كمال دعا إليها أساتذة اللغة الأردية في مصر ، وألقيت عليه السؤال في وجود جمع من الباكستانيين بينهم بعض أساتذة الأردية الباكستانيين : لماذا لم تتخذ باكستان من الأردية لغة رسمية لها حتى الآن ؟!. فإذا بالرجل يستفيض في مدح الإنجليزية والثناء عليها ، وشرح كيف استفادت الهند على سبيل المثال من المعرفة بالإنجليزية في تقدمها التقني !. وعلى نفس المنوال حدث الشيء نفسه مع السيد سفير باكستان التالي السيد أيوب ، وكان ذلك حين عقد قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب جامعة عين شمس ، ندوة عن العلامة " محمد إقبال " ، بالتعاون مع جمعية الصداقة المصرية الباكستانية ، وكان على رأس ضيوف الشرف سفير باكستان ، وبعد انتهاء أعمال الندوة أراد القائمون على برنامج " صباح الخير با مصر " إجراء حوار مع السفير الباكستاني عن العلامة " إقبال " و " باكستان " ، وطلبوا مني أن أقوم بترجمة الحوار ، وفوجئ الجميع بطلب من السفير بأن يكون الحوار باللغة الإنجليزية ، بينما يرى القائمون عن البرنامج أن يكون الحوار باللغة الأردية ، لغة الشعب الباكستاني الذين يمثلهم السفير في مصر ، لكنه أصرّ على أن يكون الحوار بالإنجليزية وحجته في ذلك أنه يخاطب الشعب المصري الذي لا يفهم الأردية ، ومن المناسب أن يكون الحوار بالإنجليزية حتى يفهم المصريون ماذا يقول . لكن القائمين على البرنامج وضحوا له أن الشعب المصري لا يعرف الإنجليزية بالقدر الذي يمكنه من متابعة ما يقوله السفير دون ترجمة إلى العربية ، وترجمة بترجمة ، فالأحرى أن يتحدث السيد السفير بالأردية ، ويترجم الحديث إلى العربية ، وسيكون لهذا بالتأكيد طعم آخر . ولما رأى السيد السفير أن الأمر كاد يفلت من يده مال عليّ قائلاً : أنا لا أعرف اللغة الأردية جيداً ، ولهذا أرجو أن تقنعهم بأن يكون الحديث باللغة الإنجليزية . وطرحت السؤال على كل باكستاني أعرفه في مصر ، وكانت إجاباتهم جميعاً تدور حول محور واحد وهو : الإنجليزية هي اللغة العالمية ، وهي سبيلنا إلى التطور .
34 - وستجد من بين الباكستانيين أنفسهم من لا يثق في اللغة الأردية،أو يشعر بخجل منها،ويفضل عليها اللغة الإنجليزية في انهزامية نفسية وحضارية كبيرة،ويرون في ذلك رقياً ثقافياً،وهذا هو ما عبر عنه"اللورد ماكولاى : Macaulay lord "وزير القانون في الإمبراطورية البريطانية وأحد زعماء الحركة المنادية بجعل اللغة الإنجليزية وسيلة التدريس في الهند في ذلك الوقت في مذكراته عام1835م حين قال عن هدف الإنجليز في الهند بأنه"تكوين طبقة تقوم بدور المترجمين بيننا وبين الملايين التي نحكمها،طبقة من الأشخاص هنود بالدم واللون،ولكنهم إنجليز في الذوق والأفكار والأخلاق والسياسة".
35 - وكيف نصدق أن تقدم الدول الآن لا يكون إلاّ باتخاذ الإنجليزية لغة رسمية !!. وهل تقدمت اليابان وألمانيا والصين وغيرها من الدول المتقدمة فعلاً ، أو التي تسير على طريق التقدم باتخاذ الإنجليزية لغة رسمية لها ؟!. القضية قضية الاعتزاز بالهوية والثقافة والحضارة في مقابل ضعف الشخصية وذوبان الهوية وعدم الثقة في الثقافة والحضارة . وهنا يجب أن نعترف أن دول العالم الثالث ، والإسلامي منه بخاصة ينطبق عليهم هذا الكلام مع تفاوت ليس بكثير في النسبة والتناسب .
36 - جريدة فيملي الأسبوعية ( تصدرها مؤسسة نوائـ وقت الصحفية ) – مجلد 17 – عدد18 بتاريخ 28 يناير – 3 فبراير 2007م .