المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبد الرزاق الشماع .. مربيا وكاتبا وانسانا



ابراهيم خليل العلاف
06/11/2009, 10:48 PM
عبد الرزاق الشماع .. مربيا وكاتبا وإنسانا
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية – جامعة الموصل
منذ فترة بعيدة ، وأنا أحاول الكتابة عن الأستاذ عبد الرزاق الشماع ، لكني تأخرت بسبب عدم توفر المادة الوثائقية عن سيرته ، وتعذر الحصول على ملفته الشخصية في المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى أو في هيئة التقاعد العامة .. فالرجل معروف لدى عدد كبير من الناس وخاصة الذين درسهم .. وقد درسني مادة الجغرافية في متوسطة الجمهورية للبنيين في مطلع الستينات من القرن الماضي .. وكلنا كان يدرك انه أستاذ كبير ، وإنسان فاضل ، ومرب حازم .
المهم أن من حق هذا الأستاذ المربي أن نكتب عنه ، ولو الشيء اليسير ، وقد يتيح ذلك لغيرنا الاستفاضة في ذكر سيرة حياته ومنجزاته .
ورحم الله أستاذنا الدكتور عمر الطالب ، فلقد قدم عنه في موسوعته (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ) والتي أصدرها مركز دراسات الموصل سنة 2008 (أربعة اسطر) قال فيها أن الأستاذ عبد الرزاق سليمان الشماع ولد في مدينة الموصل سنة 1917 ، وفيها أنهى دراسته الأولية ، وسافر إلى بغداد ليدخل دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) والمؤسسة منذ سنة 1923 ، وقد تخرج فيها سنة 1943 وهو يحمل شهادة الليسانس من قسم الاجتماعيات (التاريخ والجغرافية ). وبعد تخرجه عُين مدرساً في إحدى مدارس محافظة ميسان وفي مدينة العمارة بالذات .
لم يمض وقت طويل على تخرجه ، حتى نقل إلى مدينته الموصل فعين في الثانوية الغربية ، وعندما فتحت المتوسطة الجمهورية في باب سنجار ، درس فيها لكنه ظل مدرساً في الثانوية الغربية حتى إحالته على التقاعد .
يقول الدكتور عمر الطالب عن الأستاذ الشماع انه كان (( من المدرسين الحريصين جدا ، وكان على عصبية في المزاج ، وسرعة في الانفعال مما يدفع الطلبة إلى معاكسته من اجل المزاج )) ، لكن يقيناً أن الطلاب وأنا منهم كانوا يحبونه ، ويجلونه ، ويشعرون أن له قلباً حنوناً وروحاً طيبة ، توفي رحمه الله سنة 1991 .
اطلعت على عدد من مقالاته التي كان ينشرها في عدد من المجلات الموصلية وخاصة مجلات (الجزيرة) و(النبراس) و (الجامعة) .. ففي مجلة النبراس (الموصلية) التي أصدرتها وحدة التدريب في المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى ، أتذكر بأنني قرأت له وفي العدد العاشر ، السنة (4) ، الصادر في الأول من آذار سنة 1975 مقال بعنوان : ( إخوان الصفاء .. من هم ؟ وما هي فلسفتهم ) وقد وضعت هيئة التحرير في صدر مقالته تعليقاً جاء فيه : (( تقديراً للجهود المضنية التي بذلها الأستاذ عبد الرزاق الشماع في خدمة الجيل ، وتثميناً من (النبراس) لتلك الجهود ، فقد دعته إلى الكتابة بمناسبة عيد المعلم ، فأوفانا مشكوراً بهذا المقال)) .. والمقال ، بحق ، قيم ، حيث انه تناول الموضوع تناولاً علمياً أكاديمياً موثقاً ، يدل على معرفته الكبيرة بالمنهجية العلمية ، وخاصة مجالات التنصيص ، والتهميش ، والخروج بنتائج مفيدة .. تحدث في هذا المقال عن اسم جماعة إخوان الصفا ، وزمان ومكان ظهورهم ، ورسائلهم ، وعرف بأبرز أعلامهم . كما وقف عند نظامهم الداخلي ، وطبقات أعضائهم وأرائهم وعلاقاتهم بالباطنية والإسماعيلية والفاطميين .
وقال الشماع أن أبو سليمان محمد بن معشر البستي المقدسي ، وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، وأبو احمد النهر جوري ، وزيد بن رفاعة من ابرز رجالهم .. وقد ظهر إخوان الصفا بالبصرة في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي ووضعوا (52) رسالة تشكل موسوعة كاملة في اختصاصات الفلسفة ، والرياضيات ، والعلوم النفسية والطبيعية .
أما في مجلة الجزيرة التي كانت تصدر في الموصل ويشرف على تحريرها الأستاذ ذو الشهاب ، فقد قرأت له وفي العدد 23 الصادر في 1 آذار 1948 مقالاً بعنوان : (( السياسة والوطنية في شعر الرصافي )) .
وفيه أشار الأستاذ الشماع إلى أن الشاعر العراقي معروف عبد الغني الرصافي (1875 – 1945) كان شاعراً جريئاً مقداماً لايهاب صولة الملوك ومرارة السجون ، حراً بطبعه ، صاحب نفس أبية تأبى الذل والهوان عاش حراً ومات حراً ، ولم يضعف أمام احد ، جاهر بآرائه السياسية ودافع عن حق شعبه المظلوم . ثم ذكر نماذج مختصرة من شعره السياسي والوطني وقال انه لشعره آثار في تنمية الشعور الوعي القومي ليس في العراق وإنما في البلاد العربية وأضاف انه كان مندداً بالمظالم والاستبداد لذلك وصف ومجد شهر تموز وقال انه شهر الثورات على الظلم .
ومما قاله :
سل أهل باريس عن تموز تلق لهم
يوما به كان مشهودا لباريز !
كانت لهم فيه لما ثار ثائرهم
ببسالة هدمت الباستيل مبزوزا
وقال الرصافي وهو يشكو آلام العراق :
من أين يرجى للعراق تقدم
وسبيل ممتلكيه غير سبيله
لا الخير في وطن يكون السيف عند
جبانه ، والمال عند بخيله
والراى عند طريده ، والعلم عند
غريبه ، والحكم عند دخيله
وقد استبد قليله بكثيره
ظلماً وزل كثيره لقليله
وختم مقالته بالقول : (( رحم الله الرصافي ، لقد كان شاعراً قومياً يعبر عن آلام وأفراح أمته .. مات حراً محافظاً على مبدأه ، وهو المبدأ الذي يدعو إلى استقلال البلاد وطرد الأجنبي ونهضتها نهضة أدبية وعلمية واقتصادية )) .
وفي مجلة الجامعة التي كانت تصدرها جامعة الموصل ، كان لعبد الرزاق الشماع إسهامات نذكر منها على سبيل المثال مقالته الموسومة : (( ابن ماجد الملاح العربي )) وقد نشرت في العدد (1) السنة (5) كانون الأول 1974 واحتلت الصفحات من (54) وحتى (66).
قبل أيام من كتابة هذه السطور زارني الأستاذ الصديق يوسف ذنون في مكتبي بجامعة الموصل وأطلعني على نشرتين مدرسيتين الأولى بعنوان: (الثقافة العربية )أصدرتها جمعية الثقافة العربية في المتوسطة الغربية بالموصل في كانون الثاني 1947. والثانية أصدرها معهد المعلمين بالموصل بعنوان : (المرشد ) سنة 1961 .وفي النشرة الأولى كتب الأستاذ عبد الرزاق الشماع ،وفي العدد الثالث (آذار 1947 ) مقالا بعنوان :"التاريخ الهجري" وفي الثانية كتب مقالا بعنوان :"الكندي" .
اصدر الأستاذ عبد الرزاق الشماع كتاباً بعنوان : (( خطوط الطول والعرض وحساب الوقت )) وقد طبع لأكثر من مرة ولدي نسخة من الطبعة الثالثة (مطبعة شفيق ببغداد سنة 1973) وهي مهداة لزميله الأستاذ حازم شهاب رحمه الله في 19 تشرين الثاني 1973 وكانا يعملان في مدرسة واحدة .
أشار الأستاذ عبد الرزاق الشماع في مقدمة هذه الطبعة من كتابه إلى أن الطبعة الأولى من الكتاب ، وسماه (الرسالة) كانت في سنة 1955 ثم أعيد طبعها سنة 1966 ونفذت نسخ الطبعتين فقرر طبعها منقحة مرة ثالثة (1973) مضيفاً إليها بحوثاً جديدة هي البراهين على كروية الأرض وبحثاً عن القمر وآخر عن الشمس والخسوف والكسوف والمد والجزر والفصول الأربعة والتيارات البحرية وفوائدها والنسيء في الجاهلية وتحريمه في الإسلام .. ومن مباحث الكتاب الأخرى خطوط العرض وخطوط الطول وعلاقة التقويم الهجري في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واصل تسمية الشهور العربية بالقمرية وتحويل السنين الهجرية إلى الميلادية وبالعكس واصل تسمية الشهور الرومية والأيام الإفرنجية وخطوط الطول والعرض لبعض المدن في القارات المختلفة .
وأرفق بالكتاب جدولا بالتوقيتات المختلفة وحسب البلدان المختلفة في العالم . ونظراً لأهمية الكتاب وفائدته ، فقد تلاقفته الأيدي وطبع منه قرابة 15000 خمسة عشر ألف نسخة وهذا ما لم يكن متوقعاً من أي كتاب في تلك الحقبة مع العلم أن سعره لم يكن أكثر من (100) فلس فقط .
لقد كان الأستاذ عبد الرزاق الشماع علما من أعلام التربية والتعليم في العراق .. فهو لم ينصرف للتدريس فقط ، وإنما كان باحثاً وكاتباً ومساهماً في نشاطات المجتمع سواء من خلال عمله التربوي أو في انتماءه لنقابة المعلمين ولبعض الجمعيات الأدبية والثقافية التي تشكلت في الموصل ومنها على سبيل المثال جمعية التراث العربي ، فلقد كشفت وثائق الجمعية المؤسسة في الموصل سنة 1973 أن الأستاذ الشماع قد شارك في المواسم الثقافية التي نظمتها الجمعية وألقى محاضرات فيها منها محاضرته عن الملاح العربي ابن ماجد في 21 أيلول سنة 1974 .