المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ترقين قيد زورق راحل



كاظم فنجان الحمامي
09/11/2009, 12:53 AM
ترقين قيد زورق راحل



كاظم فنجان الحمامي

بدأنا معا في العقد الأخير من القرن الماضي, فنجحنا في غرس نواة شعبة التفتيش البحري في بستان الموانئ العراقية, وها هي اليوم شجرة وارفة تزدان بالثمر الطيب, كان (كريم عبد الكاظم علك) أصغرنا سنا, واقلنا تجربة, لكنه كان شغوفا بقراءة سجلات السفن, فحفظ قيودها, وتعرف على أسرارها.
التصق في بداياته بالربان جاسم اللامي, والربان عايد مزيد البو بصيري, وتعلم منهما مبادئ تسجيل السفن, وما هي إلا بضعة سنوات حتى تربع بوجهه الصبوح على عرش التسجيل, فأعطى وأجزل العطاء وأفنى عمره في عمله وأحبه بكل إخلاص, وصمد في موقعة مديرا لتسجيل قيود السفن والزوارق والمراكب العراقية الصالحة للملاحة على مسطحاتنا المائية الممتدة من الزاب الأعلى إلى خور العمية, حفظها على ظهر القلب, وبرع في البيوع البحرية, ومعاملات نقل الملكية, وإجراءات التحوير والكشف والمعاينة السنوية, والرسوم المترتبة عليها. فلم يزاحمه احد على موقعه, على الرغم من قوة الإغراءات الوظيفية المرتبطة بمنصبه الذي سجل باسمه منذ تسعينات القرن الماضي, عملت معه ردحا من الزمان وكنت مديرا للتفتيش البحري فاكتشفت فيه مؤهلات فطرية ساعدته على استيعاب أحكام وبنود القوانين والتشريعات البحرية الوطنية, وكان قادرا على التعامل معها بأسلوب حضاري في حدود المساحات الضيقة التي اقرها قانون تسجيل السفن العراقية لعام 1942.
http://www.wata.cc/forums/imgcache/15014.imgcache.png (http://up.arb-up.com/)
عمل بصمت وصبر, وأدى عمله بكل إتقان ومن دون ملل ولا كلل حتى في ساعات راحته، كان كالملاك الطاهر يشاركنا أفراحنا وأحزاننا• وكان كالحارس الأمين على قيود السفن والمراكب العراقية, القديمة والحديثة, أو التي مازالت في طور البناء. كان هو نفسه قيدا حصينا لإرثنا الملاحي, طوى الموت صفحاته, وغيب إنساناً غالياً وعزيزاً على قلوبنا جميعا، فلقد فقدت الأسرة البحرية العراقية قيدا من قيودها الأصيلة بعد صراع مرير مع المرض الذي داهمه وسلب شبابه وعافيته، وعسى أن يكون له أجرا ورحمة من رب العالمين إن شاء الله•
إن الموت يخطف الإنسان من أحضان عائلته وأصدقائه، لكنه لا يمحو ذكره الطيب النبيل, ويسرق الجسد ويوقف العمر، لكنه لا يوقف مسيرة فخر وذكرى رجل غاب ولا يزال نجمه يسطع في سماء شط العرب. في زمن كثر فيه الفراق في ارض العراق، حتى صار الفراق عندنا قاعدة.