زياد ابوشاويش
12/11/2009, 08:39 AM
في ذكرى رحيله: عرفات أدرك عقم أوسلو فقتلوه
بقلم: زياد ابوشاويش
تحل ذكرى رحيل القائد الفلسطيني الأشهر في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة فتتداعى للذهن جملة من المسائل المتعلقة بقيادة الرجل لمرحلة من أهم المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية وفي مقدمة هذه المسائل طريقة الشهيد ياسر عرفات في القيادة وخياراته لإنجاز مرحلة التحرر الوطني باعتباره يمثل الطبقة المنوط بها إتمام هذه المرحلة، وكذلك وفي القلب من القضايا المرتبطة بحياة الرجل ورحيله ما أكدته الشواهد والمعلومات حول موته اغتيالاً بالسم، حيث سيحصل الطرف الفلسطيني قريباً على التقرير الطبي النهائي من فرنسا والذي يثبت وفاته مسموماً.
ربما يتساءل البعض عن أسباب لجوء إسرائيل لهذه الطريقة وهي القادرة على إنهاء مهمة إبعاده عن الساحة بطريقة أخرى، والأهم لماذا تغتاله من حيث المبدأ؟
الرئيس الفلسطيني الراحل له مواصفات قلما يتمتع بها زعيم وطني فلسطيني أو حتى دولي من حيث الذكاء والمرونة والقدرة على التكيف والإفلات من المآزق، وقد عركته الحياة والظروف المعقدة للشعب الفلسطيني في الشتات والداخل حتى بات الرجل العنوان الرئيس للقضية المركزية ومن هذه الرمزية استمد الجرأة على اتخاذ قرارات فردية عديدة تجاه مسائل حساسة وتحتاج لعقل جماعي وقرار بذات الصفة للبت فيها وتسويقها للناس، غير أنه كان يعتمد دائماً على موقعه في قلوب أغلبية الناس وقدرته على تسويغ موقفه باعتباره مصلحة فلسطينية رغم معارضة الأغلبية الفصائلية.. وربما داخل حركته فتح أيضاً.
اليوم ونحن نقف أمام الذكرى الخامسة لاستشهاده اغتيالاً على أيدي إسرائيل وعملائها لابد أن نجيب عن الأسئلة التي أثرناها قبل قليل والمتعلقة بدوافع العدو لهذه الجريمة وطريقة تنفيذها.
كان من المنطقي أن يتولى السيد ياسر عرفات الدفة من الوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد بعد أن تم فصل المسارين الفلسطيني والأردني، وقد توهم الراحل أن مفاعيل الانتفاضة الفلسطينية الكبرى بعد ست سنوات من اندلاعها ربما تعطيه القدرة على إقناع العدو بالانسحاب من الأرض التي احتلت عام 67 وموافقته على قيام دولة مستقلة والقبول بمبدأ المسؤولية الأدبية والقانونية عن النكبة، وهكذا اندفع لتوقيع اتفاق أوسلو بدون تحديد مرجعيات حقيقية للمفاوضات اللاحقة باتجاه انجاز الحل الكامل أو ما سمي بعد ذلك بقضايا الوضع النهائي، كما لم يتم وضع أسس قانونية ترتبط بالشرعية الدولية وقراراتها لتقديم صورة عن مآلات هذا الحل ونهاياته، وبالتالي قدم الرئيس الراحل كل الذرائع لإسرائيل كي تراوغ وتماطل كما تشاء وتحدد هي مراحل الحل وآلياته أيضاً لنجد أنفسنا بعد المرحلة الأولى من بدء تطبيق الحل وبعد أن وضعنا كل أوراقنا وقياداتنا ومواقعنا تحت رحمة العدو وطائراته الحربية في مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بإعادة النظر من جديد في مسار العملية السلمية برمته.
لقد توقع عرفات بعض المنغصات والعراقيل أمام التسوية على المسار الفلسطيني لكنه اعتقد أن تنازلنا عن 78% من أرضنا التاريخية والاعتراف بشرعية قيام إسرائيل وتوفير الأمن لها بشجب ومنع العمليات الفدائية وكذلك الموافقة على حل متفق عليه في مسألة اللاجئين والتساهل المبدأي تجاه هذه القضية، كل ذلك يمكن أن يزيل هذه المنغصات والعراقيل وأن إسرائيل لا يمكن أن تجد من يقدم لها كل هذه التنازلات وعليه فإن المنطق يقول بالتزام إسرائيل باتفاق أوسلو بحذافيره على الأقل، هذا الاتفاق الذي يلزم اسرائيل بالوصول للحل النهائي وقيام الدولة الدولة الفلسطينية بحلول عام 2000 بالحد الأقصى.
ما جرى كان بخلاف كل هذا حيث استغلت إسرائيل تفاوت ميزان القوى مع وجود كل قيادات المنظمة وقواتها ومكاتبها تحت قبضتها لتتنصل من كل التزاماتها تحت ذرائع مختلفة أدرك الراحل أنها ستخلقها إن لم نوفرها نحن لها، وهكذا اتخذ الشهيد عرفات قراره الداخلي بالعودة لنقطة البداية في المشروع الوطني رغم تغير الظروف والمستجدات التي خلقها اتفاق أوسلو التفريطي.
القرار وما ترتب عليه من سلوك منهج جديد في التعامل مع قضية المقاومة دعماً وتسليحاً وتمويلاً كان تحت أنظار وسمع القيادة الصهيونية والأمريكية وأتت أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001 لتغير المعادلات بعد وصول المحافظين الجدد للبيت الأبيض وعملية الخلط المتعمد بين المقاومة المشروعة والإرهاب، وهكذا بات السيد عرفات في مرمى الخصم وعهده على وشك الانتهاء.
اليوم بتنا نعلم أن الارهابي شارون طلب ضوءً أخضر من الولايات المتحدة لقتل عرفات والتخلص منه كعقبة في طريق السلام وهو ما كانت أمريكا مقتنعة به وتعلنه على الملأ لكنها لا تريد إزاحة عرفات بهذه الطريقة التي قد تنهي كل العملية السلمية ليس على المسار الفلسطيني بل وربما على باقي المسارات حتى تلك التي أنجزت اتفاقها مع إسرائيل، ومن هنا كان تغييب الرجل بطريقة يصعب إثباتها على العدو وهكذا كان. وفي تداعيات الذكرى الخامسة لرحيله تجري المقارنات بينه وبين خلفه محمود عباس فنجد فارقاً نوعياً على صعيد فهم التناقض مع العدو وكذلك في فهم آليات التعامل معه، هذا الفارق الذي يتمثل في قدرة ونباهة الشهيد ياسر عرفات على التقاط القضايا والمؤشرات بشكل صحيح وسريع والتعامل معها بمرونة وديناميكية عالية حتى لو أدى ذلك لطي صفحة كاملة وكتابة أخرى مغايرة تماماً، بينما الرئيس الحالي يحمل فكراً وفهماً مغايراً للصراع والتناقض ينتج مواقف أقرب للعدمية التي عبرت عنها خمس سنوات من المفاوضات العبثية والارتهان لطبيعة الحكومة الاسرائيلية وميلها لانجاز الحل، وعبث آخر يتعلق بالمراهنة على نزاهة الدور الأمريكي الذي اكتشف خطأ الاعتماد عليه القائد الراحل ياسر عرفات.
إن التراجع عن الخطأ هو من صفات القيادات النابهة والحكيمة، ويحتاج لشجاعة أدبية، وهذا ما فعله ياسر عرفات قبل اغتياله، وتمثل ذلك في تمسكه بحق العودة والقدس وانسحاب إسرائيل حتى حدود الخامس من حزيران، والوفاء لذكراه تعني أن تتمسك حركة فتح وقيادتها بهذا الموقف تحت أي ظروف.
تحية للشهيد أبو عمار في ذكرى رحيله الخامسة ولكل الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية والاستقلال.
Zead51@hotmail.com
بقلم: زياد ابوشاويش
تحل ذكرى رحيل القائد الفلسطيني الأشهر في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة فتتداعى للذهن جملة من المسائل المتعلقة بقيادة الرجل لمرحلة من أهم المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية وفي مقدمة هذه المسائل طريقة الشهيد ياسر عرفات في القيادة وخياراته لإنجاز مرحلة التحرر الوطني باعتباره يمثل الطبقة المنوط بها إتمام هذه المرحلة، وكذلك وفي القلب من القضايا المرتبطة بحياة الرجل ورحيله ما أكدته الشواهد والمعلومات حول موته اغتيالاً بالسم، حيث سيحصل الطرف الفلسطيني قريباً على التقرير الطبي النهائي من فرنسا والذي يثبت وفاته مسموماً.
ربما يتساءل البعض عن أسباب لجوء إسرائيل لهذه الطريقة وهي القادرة على إنهاء مهمة إبعاده عن الساحة بطريقة أخرى، والأهم لماذا تغتاله من حيث المبدأ؟
الرئيس الفلسطيني الراحل له مواصفات قلما يتمتع بها زعيم وطني فلسطيني أو حتى دولي من حيث الذكاء والمرونة والقدرة على التكيف والإفلات من المآزق، وقد عركته الحياة والظروف المعقدة للشعب الفلسطيني في الشتات والداخل حتى بات الرجل العنوان الرئيس للقضية المركزية ومن هذه الرمزية استمد الجرأة على اتخاذ قرارات فردية عديدة تجاه مسائل حساسة وتحتاج لعقل جماعي وقرار بذات الصفة للبت فيها وتسويقها للناس، غير أنه كان يعتمد دائماً على موقعه في قلوب أغلبية الناس وقدرته على تسويغ موقفه باعتباره مصلحة فلسطينية رغم معارضة الأغلبية الفصائلية.. وربما داخل حركته فتح أيضاً.
اليوم ونحن نقف أمام الذكرى الخامسة لاستشهاده اغتيالاً على أيدي إسرائيل وعملائها لابد أن نجيب عن الأسئلة التي أثرناها قبل قليل والمتعلقة بدوافع العدو لهذه الجريمة وطريقة تنفيذها.
كان من المنطقي أن يتولى السيد ياسر عرفات الدفة من الوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد بعد أن تم فصل المسارين الفلسطيني والأردني، وقد توهم الراحل أن مفاعيل الانتفاضة الفلسطينية الكبرى بعد ست سنوات من اندلاعها ربما تعطيه القدرة على إقناع العدو بالانسحاب من الأرض التي احتلت عام 67 وموافقته على قيام دولة مستقلة والقبول بمبدأ المسؤولية الأدبية والقانونية عن النكبة، وهكذا اندفع لتوقيع اتفاق أوسلو بدون تحديد مرجعيات حقيقية للمفاوضات اللاحقة باتجاه انجاز الحل الكامل أو ما سمي بعد ذلك بقضايا الوضع النهائي، كما لم يتم وضع أسس قانونية ترتبط بالشرعية الدولية وقراراتها لتقديم صورة عن مآلات هذا الحل ونهاياته، وبالتالي قدم الرئيس الراحل كل الذرائع لإسرائيل كي تراوغ وتماطل كما تشاء وتحدد هي مراحل الحل وآلياته أيضاً لنجد أنفسنا بعد المرحلة الأولى من بدء تطبيق الحل وبعد أن وضعنا كل أوراقنا وقياداتنا ومواقعنا تحت رحمة العدو وطائراته الحربية في مأزق لا يمكن الخروج منه إلا بإعادة النظر من جديد في مسار العملية السلمية برمته.
لقد توقع عرفات بعض المنغصات والعراقيل أمام التسوية على المسار الفلسطيني لكنه اعتقد أن تنازلنا عن 78% من أرضنا التاريخية والاعتراف بشرعية قيام إسرائيل وتوفير الأمن لها بشجب ومنع العمليات الفدائية وكذلك الموافقة على حل متفق عليه في مسألة اللاجئين والتساهل المبدأي تجاه هذه القضية، كل ذلك يمكن أن يزيل هذه المنغصات والعراقيل وأن إسرائيل لا يمكن أن تجد من يقدم لها كل هذه التنازلات وعليه فإن المنطق يقول بالتزام إسرائيل باتفاق أوسلو بحذافيره على الأقل، هذا الاتفاق الذي يلزم اسرائيل بالوصول للحل النهائي وقيام الدولة الدولة الفلسطينية بحلول عام 2000 بالحد الأقصى.
ما جرى كان بخلاف كل هذا حيث استغلت إسرائيل تفاوت ميزان القوى مع وجود كل قيادات المنظمة وقواتها ومكاتبها تحت قبضتها لتتنصل من كل التزاماتها تحت ذرائع مختلفة أدرك الراحل أنها ستخلقها إن لم نوفرها نحن لها، وهكذا اتخذ الشهيد عرفات قراره الداخلي بالعودة لنقطة البداية في المشروع الوطني رغم تغير الظروف والمستجدات التي خلقها اتفاق أوسلو التفريطي.
القرار وما ترتب عليه من سلوك منهج جديد في التعامل مع قضية المقاومة دعماً وتسليحاً وتمويلاً كان تحت أنظار وسمع القيادة الصهيونية والأمريكية وأتت أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001 لتغير المعادلات بعد وصول المحافظين الجدد للبيت الأبيض وعملية الخلط المتعمد بين المقاومة المشروعة والإرهاب، وهكذا بات السيد عرفات في مرمى الخصم وعهده على وشك الانتهاء.
اليوم بتنا نعلم أن الارهابي شارون طلب ضوءً أخضر من الولايات المتحدة لقتل عرفات والتخلص منه كعقبة في طريق السلام وهو ما كانت أمريكا مقتنعة به وتعلنه على الملأ لكنها لا تريد إزاحة عرفات بهذه الطريقة التي قد تنهي كل العملية السلمية ليس على المسار الفلسطيني بل وربما على باقي المسارات حتى تلك التي أنجزت اتفاقها مع إسرائيل، ومن هنا كان تغييب الرجل بطريقة يصعب إثباتها على العدو وهكذا كان. وفي تداعيات الذكرى الخامسة لرحيله تجري المقارنات بينه وبين خلفه محمود عباس فنجد فارقاً نوعياً على صعيد فهم التناقض مع العدو وكذلك في فهم آليات التعامل معه، هذا الفارق الذي يتمثل في قدرة ونباهة الشهيد ياسر عرفات على التقاط القضايا والمؤشرات بشكل صحيح وسريع والتعامل معها بمرونة وديناميكية عالية حتى لو أدى ذلك لطي صفحة كاملة وكتابة أخرى مغايرة تماماً، بينما الرئيس الحالي يحمل فكراً وفهماً مغايراً للصراع والتناقض ينتج مواقف أقرب للعدمية التي عبرت عنها خمس سنوات من المفاوضات العبثية والارتهان لطبيعة الحكومة الاسرائيلية وميلها لانجاز الحل، وعبث آخر يتعلق بالمراهنة على نزاهة الدور الأمريكي الذي اكتشف خطأ الاعتماد عليه القائد الراحل ياسر عرفات.
إن التراجع عن الخطأ هو من صفات القيادات النابهة والحكيمة، ويحتاج لشجاعة أدبية، وهذا ما فعله ياسر عرفات قبل اغتياله، وتمثل ذلك في تمسكه بحق العودة والقدس وانسحاب إسرائيل حتى حدود الخامس من حزيران، والوفاء لذكراه تعني أن تتمسك حركة فتح وقيادتها بهذا الموقف تحت أي ظروف.
تحية للشهيد أبو عمار في ذكرى رحيله الخامسة ولكل الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية والاستقلال.
Zead51@hotmail.com