المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبقرية يتيمة ونبوغ من عالم آخر



محمود عباس مسعود
12/11/2009, 06:02 PM
بيتهوفــــــــــــــــــن
المعاناة والنجاح كلاهما لعبا دوراً بارزاً ومؤثراً في حياة الموسيقار الأعظم بيتهوفن.
الحكاية بدايتها دموع وشقاء. فالطفل ابن الأربع سنوات اضطره أبوه الأناني كي يُمضي ساعات طويلة في البرد القارس والجوع القارص، يعزف على الكمان وعلى آلة موسيقية أخرى ذات لوحة مفاتيح تدعى الكلافيير. أما مأساته فقد اكتملت فصولها عندما اكتشف أنه فقد حاسة السمع وأصبح أصماً (لا يسمع حتى كلام المتنبي.)
ومع أن الأمة الألمانية تعتز بانتسابه إليها، لكنه كان ينتمي أيضاً إلى الشعب الهولندي. فجده قد انتقل مع أسرته من آنتورب إلى بون قبل 32 عاما من ولادة هذا العبقري الكبير.
المآسي لازمت أسرة بيتهوفن على الدوام. فوالده كان مغنـّياً لكن دخله كان محدودا وكان سكيراً من الدرجة الأولى يصرف معظم دخله على المشروب مما أبقى أسرته في حاجة دائمة.
لقد كان والده يطمح في أن يصبح ابنه طفلا موسيقيا مشهورا يدر على الأسرة المال الذي كانت في أمس الحاجة إليه. وبالرغم من كل عيوب ونقائص الوالد فقد وفــّر أفضل المعلمين والمدربين لأبنه. ففي سن التاسعة أصبح بيتهوفن تلميذا لعازف أرغن البلاط في بون. وفي سن الحادية عشرة قام بأولى جولاته الموسيقية. وفي سن الثالثة عشرة أصبح مساعدا لعازف أرغن البلاط.
في سن الخامسة عشرة اضطر لإعالة جميع أفراد أسرته نظرا لعجز والده ومرض والدته. وبالرغم من تلك الظروف الصعبة والمريرة فقد خطا الشاب خطوات كبيرة في دنيا الفن. وقد أعجب أصدقاؤه كثيرا به لدرجة أنهم ساعدوه على العيش والبقاء في فيينا - مدينة ليالي الأنس التي كانت آنذاك قلب العالم الموسيقي حيث صرف بقية عمره.
لقد دخل بيتهوفن عالم الفن من أوسع أبوابه وأصبح محط الأنظار ومحور الاعتبار، فتهافتت دور النشر على ألحانه ومقطوعاته الأصيلة. ولم تمض فترة طويلة حتى أصبح الموسيقار الأشهر الذي لم يستطع أحد منافسته. وقد تمكن ذات مرة من جمع ملوك وأمراء ونبلاء وأعيان أوروبا في سهرة واحدة تحت سقف واحد وكان هو نجمها الساطع الذي بهر الحضور بشخصه المتألق وفنه الساحر.
تلك كانت سنواته الذهبية من حيث النجاح الباهر، لكن سحابة قاتمة مكفهرة كانت تظلل إنجازاته الرائعة، إذ في أوج نجاحه فـَقـَدَ سمعه بالمرة. ومع هذه العاهة تناوبت عليه ظروف صعبة ومعاناة قاسية تضاعفت حدتها بفعل أمراض في الجهاز الهضمي وحالات من الهيجان العاطفي والانفعال النفساني الشديد.
في تلك الأوقات كان يعاني من حالات عصبية وتوتر متواصل مع إحساس من تبكيت الضمير والندم. وأخيراً انسحب بيتهوفن من المجتمع واعتزل الناس كليا. وقد حاول إخوته تصريف أعماله فأوقعوه في مسائل قضائية معقدة وأفسدوا العلاقة بينه وبين أصدقائه.
أما أسلوب حياته فكان شبيهاً بموسيقاه، لا ضوابط ولا هم يحزنون. عندما كان يؤلف مقطوعاته لم يسمح لأحد بمقاطعته. لقد عمل بطريقة فوضوية ولم يلاحظ مرور الوقت. وكثيرا ما كان يتشاجر مع أصحاب البيوت حيث كان يقيم فيضطر لتغيير سكنه، ولم يشعر يوماً أن له بيتاً يرتاح فيه وينعم بدفئه. لقد كان مغرما بالريف وكان يصرف أوقاتاً طويلة في الحقول متجولا، هامساً ومتمتماً أغانيه لنفسه.
كان معتدل القامة لكن أصدقاءه شهدوا له أنه في ذروة الإلهام كان يبدو عملاقاً تحاكي قامته عبقريته الفذة. وقد تضمنت وصيته رسالة إلى أصدقائه يرجوهم فيها كي يطلبوا من طبيبه أن يطلعهم على حالته النفسية والعصبية لعلهم بذلك يكونون أكثر تفهما تجاهه ويسامحونه على ما بدر منه تجاههم من تصرف لا يليق بالصداقة والأصدقاء. كما اعترف أن حالاته النفسية تلك كانت ناجمة عن حنين ميئوس منه للتواصل الاجتماعي والتعاطف الوجداني.
وبالرغم من عزلته شبه التامة فقد كان مصدر إلهام للكثيرين. إذ انسابت المقطوعات الموسيقية الرائعة من قلمه الواحدة تلو الأخرى بكافة أطيافها وألوانها وتنويعاتها.
لقد وضع بيتهوفن معايير العبقرية وحدد معالم النبوغ للأجيال. وكان ظاهرة فريدة لم يشهد لها تاريخ الفن نظيرا من قبل.. ظاهرة لا يمكن مقارنتها بسواها لأنها بحق كانت ولم تزل يتيمة الدهر.
وإنْ عُدَّ رجالُ الفن ِ يوماً
فإنهُ واحدٌ بمقام ِ ألف ِ!
والسلام عليكم
المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود مسعود

سالم عتيق
14/11/2009, 02:17 AM
الأخ محمود عباس مسعود
تحية طيبة وبعد...
شخص كبيتهوفن فلتة الزمان والمكان.. فهو أبدع في فنه وأثرى بأطيب الألحان الآذان السميعة، بأُخرى صماء.. فهل هناك عبقرية أعظم؟!
عالمنا بحاجة الآن الى بيتهوفنات في مختلف الإختصاصات ليقودوا عملية التغيير، من خلال توجيهنا للعمل بنفس إصلاحية وروح مُصلحة، لوقف ومعالجة الإنحرافات المعنوية، ومن خالها المادية، التي أصبحت تعاني منها مجتمعاتنا. والروح المُصلحة، لا يمكن أن تكون غير مؤمنة، وهذا شرط أساس لتتمكن من نقل نورها المشع على الآخرين. الفرصة ماثلة أمام من يفتش على النعمة متى ما فكر ونوى حقاً بإتباع سلوك سواء السبيل. فكل ما هو مطلوب.. أن يتجاوز الفرد مِنّا أناه النفسية المكتسبة، لصالح أناه الروحية الطبيعية. فإصلاح حال العائلة والعشيرة والقبيلة والمدينة والدولة والعالم، يبدأ بإصلاح الذات. شكرا.
سالم عتيق

محمود عباس مسعود
14/11/2009, 04:15 AM
الأخ العزيز سالم عتيق
شكراً على مداخلتك القيمة.
لقد أجدتَ وأفدتَ. الفرص متاحة لمن يبحث عنها بجد وإخلاص، لكنها تتبخر أمام التقاعس واللامبالاة. أوافقك الرأي أن لا بديل عن السلوك السوي ولا نجاح بدون إيمان صادق. الإيثار هو خدمة الإنسان نفسه في الآخرين، ومن أصلح نفسه أصلح كثيرين من حوله.
تحياتي لك