المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصطفى النجار ودوره في اقامة الدعامة الخليجية العربية في المدرسة التاريخية العراقية



ابراهيم خليل العلاف
12/11/2009, 11:08 PM
مصطفى عبد القادر النجار ودوره في إقامة الدعامة الخليجية العربية في المدرسة التاريخية العراقية


ميدل ايست اونلاين
بقلم: د. إبراهيم خليل العلاف

لا زلت أذكر ذلك اليوم من صيف سنة 1972، عندما زرت البصرة، والتقيت الأستاذ الدكتور مصطفى عبدالقادر النجار، المؤرخ العراقي المعروف في مركز دراسات الخليج العربي التابع لجامعة البصرة، وكان يومئذ مديرا له. ويعرف الجميع أن النجار، أسس هذا المركز ورفد مكتبته بالكثير الكثير من المصادر الخليجية والتي جعلت منه المركز البحثي الأول في منطقة الخليج العربي، وتأكدت من ذلك عندما استخدمت مكتبته وأرشيفة لأكثر من مرة وخلال لقائي بالدكتور النجار، عرفني على المؤرخ الكويتي الكبير الزميل والصديق العزيز الأستاذ الدكتور عبدالمالك التميمي، ودعاه ودعاني إلى حفلة عشاء فاخرة بمناسبة عودته من بريطانيا بعد إنجازه لأطروحته للدكتوراه الموسومة (التبشير في منطقة الخليج العربي) والتي صدرت ككتاب منذ بضع سنوات.

كثيرون هم الذين ساعدهم الأستاذ الدكتور مصطفى عبدالقادر النجار سواء بتسهيل نشر كتبهم أو في حضورهم للندوات والمؤتمرات التي ينظمها. ولا أنسى موافقته على طبع كتابي (تطور التعليم الوطني في العراق) على حساب مركز دراسات الخليج العربي منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ودعواته المستمرة لي لإلقاء المحاضرات داخل اتحاد المؤرخين العرب ببغداد أيام كان يعمل أمينا عاما له.

وكنا نلتقي في الندوات والمؤتمرات التي تعقد داخل العراق وخارجه، وكان معروفا بروحه المرحة، وأريحيته الطيبة، وحبه للناس، ومد يد العون للشباب من المؤرخين وتسهيل أمر تقدمهم وبروزهم. ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، ومن ينكر ذلك فلا وفاء له.

منذ زمن طويل، وبعد أن بدأت بتحرير موسوعتي (موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين) ونشرها في مجلة (علوم إنسانية) الإلكترونية، كان في بالي أن أكتب عنه، إلا أن سفره خارج العراق، وابتعاد المصادر عني حالت دون ذلك، وها أنا اليوم أحاول الكتابة عن هذا المؤرخ العراقي الجليل الذي كان له دور كبير في إثراء (الدعامة الخليجية العربية) في بنيان (المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة).

ولد مصطفى عبدالقادر النجار في البصرة سنة 1936 ودرس في مدارسها، ثم أكمل البكالوريوس في التاريخ من كلية الآداب ـ جامعة بغداد سنة 1958، وبعدها نال الماجستير من جامعة عين شمس سنة 1969 ثم الدكتوراه من الجامعة ذاتها سنة 1973، وعمل مدرسا في عدد من المدارس الثانوية قبل انتقاله إلى الجامعة ليكون أستاذا فيها، ومن المدارس التي عمل فيها ثانوية المعقل بالبصرة (1959-1964)، كما عين مديرا لمتوسطة الجمهورية في البصرة (1962ـ 1963)، وكان عنوان رسالته للماجستير (عربستان خلال حكم الشيخ خزعل 1897_1925).

أما عنوان أطروحته للدكتوراه فكان (العلاقات السياسية للعراق مع القوى المجاورة في شط العرب 1913ـ1939).

بعد حصوله على الدكتوراه، عمل مدرسا مساعدا في قسم التاريخ بكلية الآداب ـ جامعة البصرة (1969_1977)، فمدرسا (1973 ـ 1977)، فأستاذ مساعدا (1977ـ 1982) فأستاذا مشاركا (1983ـ1984) فأستاذا في 1984.

عين مديرا لمركز دراسات الخليج العربي للمدة 1974ـ1984 ثم نقل للعمل في الجامعة المستنصرية سنة 1984. وبين 1985 و1992 شغل منصب الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب، وعندما كان مديرا لمركز دراسات الخليج العربي، انتخبه زملاؤه في مراكز الخليج العربي وللمدة من 1974ـ1984 أمينا عاما لمراكز دراسات الخليج العربي والجزيرة العربية.

ألف عددا كبيرا من الكتب منها:

1_ التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية، منشورات دار المعارف مصر 1971، 389 ص.

2_ التاريخ السياسي لمشكلة الحدود الشرقية للوطن العربي في شط العرب، منشورات جمعية الدفاع عن عروبة الخليج العربي 1974، 279 ص.

3_ التاريخ السياسي لعلاقات العراق الدولية بالخليج العربي، منشورات مركز دراسات الخليج العربي 1975، 356 ص.

4_ دراسات في تاريخ الخليج العربي المعاصر، منشورات معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة 1978، 115 ص.

5_ دور السجلات الهندية ومخطوطاتها من وثائق العراق وبقية أقطار الخليج العربي والجزيرة العربية (بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عبدالامير محمد أمين)، منشورات مركز دراسات الخليج العربي 1978، 161 ص.

6_ التطور التاريخي لقضية الجزر الثلاثة في الخليج العربي، منشورات جمعية الدفاع عن عروبة الخليج العربي في القطر العراقي 1972، 240 ص.

7_ يوميات البصرة. وتقع في جزئين بالاشتراك مع الدكتور عبدالامير محمد أمين، منشورات اتحاد المؤرخين العرب، بيروت 1980، جـ 1، 396 ص، جـ 2 408 ص.

8_ عربستان وشخصيتها العربية (بالاشتراك مع فؤاد الراوي) صدر عن مركز دراسات الخليج العربي سنة (1981 بغداد).

9_ دراسات تاريخية لمعاهدات الحدود الشرقية للوطن العربي 1848ـ1980 صدر عن اتحاد المؤرخين العربي (1981)، بغداد.

10_ الحدود الشرقية للوطن العربي دراسة تاريخية، بالاشتراك مع مجموعة من الأساتذة صدر عن جمعية المؤرخين والآثاريين في العراق، (1981 بغداد).

11_ إمارة المحمرة، دراسة لتاريخها العربي (1812 ـ1925) وزارة الإعلام، (1981 بغداد).

12_ قضية عربستان، منشورات وزارة الإعلام، (1981 بغداد).

13_ جزيرة خارج، من جزر الخليج العربي (بالاشتراك مع الدكتور محمد وصفي أبو مغلي)، منشورات الأمانة العامة للمركز والهيئات العلمية المهتمة بدراسات الخليج العربي والجزيرة العربية، (البصرة 1983).

14_ العراق في التاريخ (بالاشتراك مع مجموعة باحثين)، (بغداد 1983).

15_ تاريخ الخليج العربي الحديث المعاصر (بالاشتراك مع مجموعة أساتذة) منشورات جامعة البصرة (البصرة 1984).

هذا فضلا عن بحوثه ودراساته، ومراجعاته للكتب التي لها علاقة بتخصصه، ومشاركاته في العديدد من المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية، وعضويته في جمعيات ومنظمات ونقابات ومجلات عديدة، واشتراكه في لجان علمية وإدارية لأكثر من عشرين عاما في الجامعات ووزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي.

وللدكتور النجار رؤى واضحة بخصوص دراسة وقراءة التاريخ العربي الحديث، وتاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، وهو ميدان تخصصه الدقيق، فهو يرى أن الخليج العربي جزء من الوطن العربي. وأن أي تغيير يبتعد عن هذه الحقيقة لا يمكن أن يجد له المناخ للديمومة والبقاء. لذا فإن أية دعوة برزت في منطقة الخليج العربي تدعو إلى الأسرية أو العشائرية أو القطرية أو الإقليمية في كتابة التاريخ أجهضت ولم يكتب لها النجاح.

والواقع أن منطقة الخليج العربي قد ابتليت بتلك الدعوات من لدن نفر أغره الكسب المادي على حساب الأمانة التاريخية، فاصطنع لبعض البلدان تاريخا قديما ووسيطا وحديثا، وهم يضربون صفحات عن كل ما جرى في الوطن العربي في ميدان الفعل التاريخي، ويهملون التفاعلات التاريخية والحضارية، ويعزلون تاريخ البلد الواحد عن الروافد التي صبت فيه وتلك التي صب فيها، ويخلون بوحدة التاريخ الكبرى التي يؤلف أي تاريخ قطري جزءا منها.

كما أن الاهتمام بالتاريخ السياسي، برأيه، لا بد من تجاوزه إلى التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والحضاري والفكري والعسكري والنفسي، وبهذا فإن الرؤية التاريخية لصيرورة الأمة ومسارها عبر التاريخ قد اكتملت تفسيراتها ولم تبق أسيرة جانب واحد أو نظرة ضيقة، ومن هنا لا بد أن نتفاءل بإن تاريخ الخليج العربي بدأ، في المرحلة المعاصرة، يأخذ موقعه بين الكتابات التاريخية القومية، وخرج من الطرق التقليدية والتفسيرات والمدارس والقيود والانحرافات والتشويهات التي ابتلي بها ردحا من الزمن، باعتبار أن أزمة الواقع العربي المعاصر خلق وإبداع للدراسات التاريخية، ذلك إن الأمة في أوقات محنتها تعود إلى التاريخ لتستمد منه القوة، ولتفيد في سعيها لبناء حياتها القومية الجديدة.

وعليه فإن المدرسة التاريخية المعاصرة التي يتبناها اتحاد المؤرخين العرب ويصر على نشر دعوته لإعادة كتابة تاريخ الأمة من منطلق خصوصيتها وأهدافها ورسالتها، تستدعي منا وقفة تاريخية شاملة لنجيب عن أسئلة أساسية عن واقع العرب في منطقة الخليج العربي المعاصر والقيم التي يؤمنون بها، ويسعون لتحقيقها ومن أي جذر نبتت وتفرست المعاصرة العربية في الخليج العربي، وماهية عناصر قوتها وضعفها، وماهي طبيعة التراث التي تؤمن به والنهضة التي تتوثب لبنائها.

هذه المدرسة التي تبناها المؤرخون في الاتحاد تدلنا على أن الإنسان العربي في الخليج العربي الذي يعيش الحاضر لا يمكنه أن يشيح بوجهه عن الماضي، وأن التنبه إلى التاريخ العربي، بكل حلقاته المشرقة والمظلمة، كان من أعظم أركان تلك المدرسة، على أن تكون العودة إلى التاريخ عودة أصيلة متبصرة يوضحها فهم صادق لعلاقة الماضي بالحاضر والمستقبل، وتذهب المدرسة التاريخية في الاتحاد إلى أنه كلما ارتفعت مراتب الإنسانية عند الإنسان العربي في الخليج العربي ارتقت نظرة التاريخ وعزز فعله التاريخي، وكلما كان وعيه للماضي أعمق، اغتنى كيانه الإنساني، وزاد ليس حسه التاريخي وحسب بل وحتى فعله التاريخي.

إن كتابة تاريخ الخليج العربي، برأي الدكتور النجار، يجب أن ترتفع فوق مجرد رواية الأحداث، وترديد الأخبار إلى استجلاء معانيها، وبيان آثارها في مشكلات الحياة المعاصرة، والإسهام في تنقية كيان المنطقة الذاتي وتأصيله وإغنائه، والعودة إلى سير الإبطال وسجل الانتصارات وروائع الأدب والشعر، ومآثر العلم والأخلاق والقيم والمبادئ لبناء حياة الخليج العربي الجديد.

ولهذا بات واضحا بأن الصناعة التاريخية تلك تكاد تكون صعبة، فهي تنطوي على سلسلة من الجهود المحكمة المتتابعة تبدأ من اكتشاف الأثر أو الوثيقة الخليجية التي خلفها الماضي، وتنتهي بالتأليف التاريخي لبلوغ الهدف السامي، ولابد هنا من أن نذكر بأن تلك الإيجابيات قد تخفي بين طياتها سلبيات أو مصاعب في كتابة تاريخ الخليج العربي، يجب أن تتنبه لها المدرسة العربية التاريخية المعاصرة إذا ما أردنا لتاريخنا في الخليج العربي المجد وعدم الشطط.

ومن تلك السلبيات تجزئة الحقيقة التاريخية التي تكون في كثير من الأحيان اصطناعية وحصر النظر في الجزيئات، وعجز بعض المؤرخين عن رؤية الصورة شاملة، فيأتي إنتاجهم مخلا مضلا. وهذا ما وقع فيه مؤرخون كتبوا عن تاريخ الخليج العربي، وكأنه جزيرة منفصلة بعيدة عن تأثيرات محيطه العربي والإقليمي والدولي.

لذلك هنا لا بد من اختيار المصطلح التاريخي وفهمه ومعرفة ملابساته، فذلك بات من ضرورات البحث، فليس من المعقول أن نتحدث عن إنسان خليجي وحضارة خليجية وتراث خليجي وثقافة خليجية في وقت يتكتل العالم ويظهر بمظهر قومي وإنساني والصحيح أن نقول الإنسان العربي في الخليج والثقافة العربية في الخليج العربي وهكذا.

إن اختيار المصطلح التاريخي بات من أولى ضروريات البحث، فلا يمكن إقرار مصطلح الإنسان الخليجي مثلا أو الحضارة الخليجية أو التراث الخليجي أو الثقافة الخليجية وغيرها في وقت تدعو المدرسة التاريخية الجديدة لإصلاح ما أفسده الدهر.