المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع الخالدين: أبو القاسم الشابي



محمود عباس مسعود
15/11/2009, 06:42 AM
"خلقنا لنبلغَ شأوَ الكمال..."

هذه الكلمات هي للشاعر الخالد (أبو القاسم الشابي) وردت على لسان (الفيلسوف) في قصيدته (حديث المقبرة) التي نظمها من ثلاثة أرباع القرن وعمره آنذاك ثلاثة وعشرون عاماً، "متسائلاً عن جدوى الحياة والموت، عبر حوار بينه وبين روح فيلسوف، هائم النظرات في المرامي البعيدة للوجود.."

في هذه القصيدة يبدأ الشاعر بابتسامات الجفون التي تفنى، وتوهّج الخدود الذي لا يلبث أن يخبو، ثم ينتقل إلى ورود الشفاه التي تذوى وتهوي إلى التراب. ويقف متأملاً القوام الرشيق الذي ينهدّ بدوره ويتحلل مع الصدر والجيد وغيرهما من الأعضاء.

أما الوجوه الصبيحة والجمال الفريد الفتان فيقف عندها متأملاً ذلك التحول العجيب الرهيب الذي يطرأ عليها فتمسي ربداء بعد تألق.. غبراء كجنح الظلام، إذ تحولت مع الغدائر الأنيقة الجعداء إلى هباء، وقد انزاح فجأة سحر الغرام القوي وذهبت سكرة الشباب السعيد لتحل محلها حقيقة أخرى أكثر تحفيزاً على التفكير وأبلغ أثراً في النفس المتأملة.

ثم يتحول شاعرنا الملهم ببصره إلى الوجود المرئي نفسه وينطلق بفكره بسرعة تفوق سرعة الضوء ليرى بعين الخيال أو الحدس حقيقة أخرى بعيدة كل البعد عن الواقع المحسوس الملموس في عالم النسبية ذي الحدود والأبعاد، فيلحّ عليه التساؤل:

أيَجوز أن تـُطوى سماوات الوجود ويضمحل الفضاء البعيد المترامي؟
أيُعقل أن تفنى النجوم القديمة ويصاب الزمن نفسُه بالشيخوخة والهرم؟
أيصحُ أن يقضي صباح الحياة المشرق ومعه ليل الوجود العتيد؟
وبصحبتهما الشمس التي توشّي رداء الغمام والبدر المضيء وأيضاً الغيوم؟
أيتلاشى البحر الفسيح العميق وتهجع الريح التي تمر مرور الملائكة أو تقصف قصف الرعود؟
أتخمدُ العواصف ذات الزئير المدوي في حنايا الجبال، وذات الجبروت الذي تهوي أمامه الصخور وتتفتت؟
أتصمت الطيور المغردة بين الغصون، الهاتفة للفجر بين الورود، صمتاً أبدياً؟
أيذبلُ الزهر العابق بنفح الشباب وأريج الغرام، المرتشف جرعاته النورانية من كل ضوء جديد؟
أصحيح أن ليل الفناء سيسطو على كل شيء ليوفر بذلك ملهاة للموت الذي يطيب له أن ينثر أشكال الحياة وصورها في الفراغ المخيف "كما تنثر الوردَ ريحٌ شرودْ"؟
وإن فعل ذلك فلا بد أن بحر الحياة سينضب مثلما سيتبدد روح الربيع الدائم التجدد.
وإذا ما حدث ذلك لن يلثم بعدها النورُ سِحرَ الخدود.. ولن تنبت الأرض الورود الغضة الندية..

يستصعب شاعرنا هذا الفناء ويستثقل ظل الهمود الكثيف الكئيب.. ويتساءل معاتباً القدَر:
وهل من ضير لو استمرأ الناس طعم الخلود دون أن يحيق بهم الخراب وأن يُفجَعوا بأحبتهم؟
أما من سبيل آخر للخلود غير طريق الردى وظلمة اللحد؟
وكم رائعاً لو دام الشباب وعاش الربيعُ مؤبّداً واحتفظت الورود بلطفها ورقتها!
ويتمنى لو عاش الناس في أمن وسلام عيشة مريحة رضية رغيدة..
لكنه يستفيق بعد برهة ليستنتج أن القدَرَ عاتٍ مستبد.. يستطيب نواح البشر كالأناشيد المطربة..

وهنا تنهض روحُ فيلسوفٍ قديم من بين القبور فتشفق على الشاعر وتتعاطف مع آلامه وحيرته وتخاطبه معاتبة مواسية:
أهكذا تملّ العيش وتخشى الفناء، مع أنكَ لو دمتَ حياً لسئمت الخلود؟!
أجلْ، لو بقيتَ حياً في هذه الأرض لتحولتَ إلى جبل وحيد رهيب..
غير قادر على تذوّق رضاب العيش ورحيق الحياة..
ولن تتمكن من معرفة شيء عن سحر الكائنات ونشوة الحب عند المحبين،
"وصرخة القلب عند الصدود"..
ولما فكـّرت بالغد الذي تكتنفه الأسرار
أو عقدتَ العزم على بلوغ الغاية البعيدة..

ثم ينصحه قائلاً:
هيا تأمل فنظام الحياة دقيق وبديع
لا شيء يحبب للإنسان العيش الدائم على هذه الأرض إلا الفناء ورهبة اللحد..
ولولا ما في الحياة من شقاء لما أدرك الناس نكهة السعادة.
فمن لم يرَ وجه الظلام العبوس لن يفرح ببسمة الصباح الجديد.
فيجيب الشاعرُ متسائلاً:

إن كان لا بد لساكني الأرض من مواجهة القدر المحتوم
فما قيمة الحياة بما فيها من عراك وصراع؟
وما جدوى الجمال والأغاني والظلام والضياء والنجوم والتراب؟
ولماذا نعبر وادي الزمان على عجل دون أن نعود إليه؟
نعيش للحظات متسارعة.. نشرب من ينابيع الحياة شراباً مختلفاً طعمه وطبيعته..
"فمنه الرفيعُ، ومنهُ الزهيدُ، ومنه اللذيذُ، ومنهُ الكريهْ..."
وبين هذا وذاك نحمل عبئاً من ذكرياتٍ وعهودٍ لا تعود..
ونبصر وجوهاً شقية، سعيدة، بديعة، شنيعة، عنيدة، وديعة..
حقاً أن هذا الوجود لغريب.. نأتي إليه فـُرادى من عالم غير منظور..
"فما شأنُ هذا العداء العنيف.....وما شأنُ هذا الإخاء الودودْ؟"
فيجيب روح الفيلسوف:

(خلقنا لنبلغَ شأوَ الكمالِ
ونصبحَ أهلاً لمجدِ الخلودْ
وتطـْهرَ أرواحُنا في الحياةِ
بنار الأسى وبيأس الوعودْ
ونكسبُ من عثراتِ الطريق ِ
قوىً لا تـُهَدُّ بدأبِ الصعودْ
ومجداً يكونُ لنا في الخلودِ
أكاليلَ من رائعاتِ الورودْ!)

محمود كركوش
11/12/2009, 06:14 AM
مرحبا

(خلقنا لنبلغَ شأوَ الكمالِ
ونصبحَ أهلاً لمجدِ الخلودْ
وتطـْهرَ أرواحُنا في الحياةِ
بنار الأسى وبيأس الوعودْ
ونكسبُ من عثراتِ الطريق ِ
قوىً لا تـُهَدُّ بدأبِ الصعودْ
ومجداً يكونُ لنا في الخلودِ
أكاليلَ من رائعاتِ الورودْ!)

لقد تطرق الاستاذ محمود عباس محمود الى الوجه الجمالي للابيات والمنطلق الفلسفي الذي يمكن يخرج به القارئ لهذه القصيدة او لابيات منها وقد اجاد وافاد وبدا تحليله بالنظرة التي يمكن تخرج من شخص حالم يسكنه الامل الى ابعد حد لكنه يصطدم بماساة ان احلامه تضيع مهب الرياح للطوق المفروض عليها في عصر الشاعر وكل ماعايشه الوضع كان الناس لا يتكلمون الا همسا ولا يسيرون الا في الظل حيث كان الاستعمار يفرض سياسة الغطاء المكون من تعميم الجهل بالمجان وقتل كل محاولة تريد ان تصرخ في اللاشيء فكم من صوت ظهر على خفوته قتل وكم من عالم حاول النهضة صلب ومع ذالك ضلت الشعوب تحاول حريتها ولا تياس وليقين الشاعر بقول المولى عز في علاه= كنتم خير امة اخرجت للناس = فهو يفاخر في شطر بيته الاول انه لم يخلق الا للمجد الذي اغتصبه المحتل منه وقد سطر علماء النهظة في المغرب العربي والمشرق قاعدة ما اخذ بالقوة لا يرد الا بالقوة قال يستعرض مكانة شعبه
خلقنا لنبلغ شاو الكمال اي لم نخلق لنكون انقاصا وارذالا بل خلقنا لنكون اشرافا وكملا
وما اجمله من قول واحسبه قول بديع غاية في الروعة حتى اذا بلغنا هذه المنزلة اي الشرف والكمال صرنا لمجد الخلود احق واولى وان تخلينا تخلى علينا الخلود وهذه فلسفة ظاهرة وهي مقارعة الحياة في التغلب على مصاعبها وان الانسان خلق ناقصا وجاهلا وظالما ناكرا اذا اراد الكمال تعب للوصول الى اقصى درجات الحسن وهو الكمال وهذا مصداقا لقول الله عزوجل= ان الانسان كان ظلوما جهولا= فلا تنتفي عنه هاتين الخلصتين الا بالعلم وتزكية النفس ومحاربة الباطل بمناصرة الحق وقبوله حتى يبلغ غايته.
وتتمة الابيات عبارة عن وصف الواقع وذكر الاضداد ومواعظ ضمنها شعره فاجاد وابدع ومثله اهل لهذا

وتطهر ارواحنا في الحياة بنار الاسى وبياس الوعود وهذا من ادق ماقيل في التحريض للثورة كانه يقول ان الاستعمار والاستعباد نجاسة وجب تطهيرها ولكن ليس بالماء فحسب بل بالدم الذي نبكيه من نار الاسى على الاوضاع والظروف التي نقاسيها ويدخل تحت الكلام كل شيء اخذ تحت عباءة الاستعمار ومثل هنا بالنار للغضب الذي يجتاح الذي يعيش الماساة وهي نار حارقة مكبوتة اذا طلعت تحرق كل من حولها .
وياس فقد الامل في الوعود لانها اساسا كاذبة ينجر وراءها سخط لا مثيل له وبهذين المعنين يكون الدم ماء تطهر به حياتنا ونتخلص من الاستعمار
هذا ماتيح الي اضافته
واحيي مرة اخرى حضرة الاستاذ على ماتقدم به وهذه اول مشاركة لي في هذا المنتدى الماتع
اتمنى ان تتقبلوا وجودي بينكم

محمود عباس مسعود
11/12/2009, 11:48 AM
الصديق محمود كركوش
أهلا بك
لقد كان الشابي عميقاً بعمق البحر .. بعيداً بعد الأفاق، ولذلك جاءت تعبيراته الشعربية غنية بالمعاني التي تحتمل أكثر من تأويل. ففي حين رأيتُ الجانب الجمالي لقصيدته معتبراً أن ذلك ما كان يقصده الشاعر تناولتها أنت من جانب آخر بحسب تصورك لما كان يدور في خلده. وقد يرى آخرٌ معنى جديداً لم يخطر ببالنا.
أكرر ترحيبي بك أخي محمود وعليك السلام.

محمود كركوش
13/12/2009, 02:04 AM
شكرا لك استاذ محمود عباس مسعود على ما تقدمت به

الاختلاف في الاراء شيء جميل فائدته جميلة فانه يساعد في استخراج مكنون الشعر فان غابت لؤلؤة عن ناقد لضيق

الوقت او لغفلته عنها فمن ياتي بعده يستخلصها من خلاله فالتجارب دائما كانت دروسا يستفاد منها

واجمل الاختلاف اختلاف التنوع هو انبل شيء فهو يضيئ القصيدة ويعطيها اكثر من مخرج ويوفيها حقها

اشكرك على الترحيب دمت بصحة جيدة انت واهل المنتدى الموقرين

تقبل خالص تمنياتي بالتوفيق

محمود كركوش وعليك السلام استاذ

محمود عباس مسعود
13/12/2009, 03:27 AM
شكرا لك استاذ محمود عباس مسعود على ما تقدمت به
الاختلاف في الاراء شيء جميل فائدته جميلة فانه يساعد في استخراج مكنون الشعر فان غابت لؤلؤة عن ناقد لضيق
الوقت او لغفلته عنها فمن ياتي بعده يستخلصها من خلاله فالتجارب دائما كانت دروسا يستفاد منها
واجمل الاختلاف اختلاف التنوع هو انبل شيء فهو يضيئ القصيدة ويعطيها اكثر من مخرج ويوفيها حقها
اشكرك على الترحيب دمت بصحة جيدة انت واهل المنتدى الموقرين
تقبل خالص تمنياتي بالتوفيق
محمود كركوش وعليك السلام استاذ

أهلا بك مجدداً أخي محمود
دائماً سعيد بلقياك
تحياتي القلبية