المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذبح من القفا



مالكة عسال
08/02/2007, 08:11 PM
الذبح من القفا
على شواطئ الغربة هدمت خيامك الحزينة ، طويت القهر ورميته خلف الدهر، ثم جمعت بسمتك ،ورتبت أزمنة جديدة في حقيبتك ،لتعود قافلا إلى مضجعك الأول ،تكمل بالنيابة مشروع الأب الذي التقمته في ليلة طائشة إحدى الطلقات غير نادمة ..تجمع شتات الأم والفراخ الزغب من إخوتك ....
توجهت إلى المطار، وفي يدك آخر مشرط لذبح الفاجعة ...من أقاصي عينيك تنط الفرحة ، ولهفة الوصول تضرب أوتار القلب،بك عزيمة تخطي المدن الفاجرة ، والأعاصير، وزرقة البحر، لتوقظ أقاليمك من نعاس الأنقاض، تزرع في صخرها حقول القرنفل ، تغتال على عتبته الإيقاعات الغبنة ، أتعابا فرخت بلا حدود. فبعد أن ملأت سللك بنواضج التمور ،ترغب في مد سواقيها ، إلى المدن الجائعة بالوطن....هكذا توقدت بنات الأفكار ...
التهجير كان مرغما ..التجاؤك إلى دولة أخرى لم يكن بأمر منك ..ولا من دواعي الاختيار ..طوحتْ بك كغيرك قسوة الحرب ،لتنفلت بجلدك من أياد تعشق امتصاص الدماء ..اللعب بالجماجم ،وقطف الأعمار ..لتفر من أجساد تعشق الرقص على أسقف البيوت المهدمة ،الطرب لأنين المفجوعين ....
انزويت بركن الجامعة مستظلا بمُحْسن ،لا تأبه بمباغثات الوضع الجديد..تحرق دمك باحتراق اللحظات ..تلحس بشراهة ما في الكتب ،وما في دماغ الأساتذة، . لتبلغ زمردة تبرق وتغيب بين قلائد الأحزان ..'فراق الوطن صعب '..' قتل الأبرياء صعب'.. 'التشرد صعب'.. 'سرقة الفاكهة من حضن التعساء صعب'..هكذاكنت تتفوه حين تجرفك لحظة غياب ....كنت تقتات من جلدك والتراب ،لتتخطى مرحلة مذنبة ، قافزا على الكهوف والأنفاق والجمر،لتفوز بأخرى ندية .. لم تكن تعنيك نفسك بقدر ما يعنيك وطنك ..ركبت سفن التحدي في تأفف...وقتلت اللحظات المتكالبة .....
أخذت مقعدك في الطائرة ،وما إن استويت حتى شرعت أقراط الذكرى تنهال: صخب متلاحق،أصوات ،طلقات ، صراخ ....أحداث تتناسل ...الأطفال يخمدون رؤوسهم بين أكتافهم أثناء كل دوي مرعب ..
- ' الصهاينة كلاب ،حشرات لادغة اندست في صفوفنا لتقطع غصن البرتقال الرابط بين العرب ،وتنخر حلقات التلاحم '...
- 'لا أدري من أين رمتهم ريح صرصر ليشردوا شعبنا ،ويغتصبوا أرضنا '....
تنتفض مذعورا للسعة مجنونة ،تمرر أناملك على شعرك ،تستفزك تنهيدة تنفيسا عما يحترق في قاع الأعماق...تلتفت يمنة : دوي المدافع ،لحم بشري يتراقص في الهواء ،أو عالق بفوهات بنادق ..تلتفت يسرة ،أتربة ممزوجة بالدماء ،جثث متعفنة ... .نساء تعوي ، صبية يثغون ..دبابة كاشطة توهج التاريخ ،لتدنسه بحلم محبوك رُسِمَ على أطراف رغبات عاهرة ،ونزوة قاتلة :' إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات'،لذَبْح فلسطين من القفا، وبقْرِ بطون الدول العربية ...السماء تنشق عن اللعنات ،والأرض تتجرع كؤوس هطل المساءات الرهيبة ..يزهر الألم في! ساحة الأحداث ،فتنزلق من عينيك بلورات تتدحرج بين مفاصل الخد ، يرافقها أنين موجع..تتلمط الشفتين في حنق ...ثم تعود أدراجك إلى جو أزيز الطائرة خارجا والصمت المخيم داخلا ....
...وصلت بسلام ..المسافرون يرتبون للنزول..ترمي معطفك على كتفك ..تأخذ حاجاتك ..تندلق من رحم الطائرة ..تقف مشدوها تسرب ناظريك في فضاء اعتقل من طرف الزبانية ،وأرض تفرز بين جذوعها قيحا ...وشمس ملفوفة في ثوب الرحيل ،وهواء عطن بريحة الجيفة ...يبتلعك الفراغ ..تقل سيارة أجرة إلى المكان الذي تركت فيه قدميك ،ونبضك ..المسافات تطول ..الطريق تنجر إلى الخلف ..والوقت يتمرن على الحبو ...بلغت المكان ..ناولت السائق ثمن الرحلة .. وقفت تتفرس بدهشة في المتسع ..تحمل حقائبك مرة أخرى ..تتابع السير أماما ..تنعطف إلى اليمين ..إلى اليسار.. يستوقفك شارع آخر ..تضع الأمتعة ..تبرق أمامك لحظة اشتعال المشاعر ..بسمة أمك ..عيون إخوتك المتدلية في عطش ..قلوب أحبة تحتفي بنشوة اللقاء ...أنت المنتظر، مَن سيحتضن مخلفات الزمن الهارب في درب المشقة الطويل ..يجتاح سمعَك صوتُ أخيك الأصغر يركض نحوك بملامح منشرحة :
- أخي جاء أخي جاء ..
- تهرول الأم في دهشة عميقة ممسكة أذيالها بكف، وبالأخرى تلوح هاتفة داعية ،منقادة بحبل غريزة الأمومة الجميل ...أنت القادم تسارع الخطو ..! الأم تصيح ..الإخوة يتسابقون للفوز بأول قبلة ...تضع الحقائب ..الإخوة يتجاذبون جذعك ..الأم في عناق حار توزع فراشات القبل على خديك وجبينك ....تنتبه على جرس سيارة .... تعبر إلى الجانب الآخر .. الدرب هو الدرب ،الرصيف ليس هو الرصيف ،الأشجار ليست هي الأشجار ...شظايا منازل ..خراب ..سََرتْ في جسدك رعشة خطفت من حلقك الرحيق ..تسمرت في صمت ،وعاتية عصفت بملكة التدبير ..غاب عنك الاتجاه ..تابعت رهيف الخط متجولا بين الأتربة المكدسة وأظلاف الحطام ...'هنا بيتنا' ...' لا بل هنا' ..' ربما هنا ' ..'يا إلهي ' ..أسئلة تتلاحق.. تصورات مربكة .. توتر ..آخيرا تتوجه إلى أحد الفنادق...
بتاريخ 8/12/2006

هري عبدالرحيم
09/02/2007, 12:28 AM
الأخت مالكة عسال:
أهلا بك في عالم الإبداع هنا في واتا.
قرأت نصك المعنون "الذبح من القفا"،فأعجبت بفكرته، بأسلوبه،بحمولته.
الفكرة تسرد حكاية الهجرة المعاكسة،فالبطل كان مرغما على الإبتعاد عن وطنه المحبوب،وفي غمرة غربته إستغل الفرصة للتكوين العلمي، ثم عاد رغم أن الظروف في البلد لم تتحسن،إنها الهجرة المعاكسة لمِاَ أَلِفَهُ الناس.
الأسلوب كعادة الأديبة مالكة عسال ،يتضمن توظيفاتٍِ لِلُّغَة تَجْعل المفرداتِ تنزع عن نفسها غطاء النسيان،والتناسي
كلمات النص رصينة وداتُ حُمولة قوية،فالكاتبة تستخدم كلماتٍ جِدّ مُرَكّزة ،تركيزا يستوقفك لفك هذا التكدس في المعنى والصورة:
-"والوقت يتمرن على الحبو"في إشارة لرتابة الوقت ،ففي زمن الحرب والخراب تتباطؤ الساعات بل ويتوقف الوقت.
-"غاب عنك الإتجاه" في إشارة أن المكان طاله تغير جذري بسبب الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب والتخريب.
-"جمعت بسمتك" في إشارة لكون العيش في المكان والزمان الحالي كان أفضل من العيش في الزمن والمكان الذي سيرجع إليه الكاتب{وطنه}،ومع ذلك سيفضل العودة.
-"تزع في صخرها حقول القرنفل"في إشارة إلى قرار الكاتب ركب قافلة المستحيل من أجل بناء وطنه.
إنه نص فائض بالحمولة والتصورات ،بأسلوب رائع يغري بإعادة القراءة مرات ومرات .
تحية للأخت مالكة عسال ،ومزيدا من الإبداع على صفحات واتا التي ازدانت بقلمها.

الشاعرمحمدأسامةالبهائي
09/02/2007, 12:55 AM
أحسنت يافنانة والله يفتح عليك
أستلهام عانق التاريخ واللحظات والأماكن وقاع الأعماق بواقعية وبرزخية
بيوتا وأتربةً وشخوصاً وترحالاً وهواجسا وعوالم وخرائط ملفقة بالسبي
وتخيلات وأطفالاً وحقائب وتوجس وصمت وكلام
وبحث وضياع برحيل وصياع بفراق
وحادثات أتسع من جرائها الشرخ
ولن يلتئم بقصور لم نملكها
أو بفنادق باهظة التكلفة
ــــــــــــ
أرجو أن أكون قد لمست على أوتارك حين عزفت لحنك الخالد
أشكرك منحى قدرا من المتعة والثراء معا
الشاعرمحمدأسامةالبهائي

عبلة محمد زقزوق
09/02/2007, 11:37 AM
من ربوع ووديان الحرف جاءنا النص مرتع بالصور الجمالية والتشبيهات القوية التي تؤثر في القاريء
فتجعله مفتوح العينين محدق في الحروف متابع بشغف للغة تسير به نحو ما يرجو من حيث تكوين العبارة بالجملة المفيدة .
بارك الله فيكِ أ. مالكة عسال
نص أُصيغ بفن وبقوة ليعطينا صورة الهجرة المعاكسة والنظرة الدامعة لمرآى أنقاض ذكريات لم ولن يمحوها غدر المستعمر من داخلنا .
تقديري وإحترامي أختاه .

محمد البوهي
09/02/2007, 02:20 PM
يااااااااااه

"رهيف الخط متجولا بين الأتربة المكدسة وأظلاف الحطام ...'هنا بيتنا' ...' لا بل هنا' ..' ربما هنا ' ..'يا إلهي ' ..أسئلة تتلاحق.. تصورات مربكة .. توتر ..آخيرا تتوجه إلى أحد الفنادق..."

الأديبة القديرة

اسمحي لي أن اتعلم هنا ،

1- الرواية بلغة المخاطب !
2- اللغة ، ثم اللغة .
3- مناسبة اللغة لتواترات السرد.
4- الحدث الرفيع الدقيق جداً .
5- الصراع المحمل على السرد .
6- النهاية المتجددة .
7- التوقف الزمني في القص.

تعلمت هذا من هنا .

اتمنى أن أقرأ لك أكثر وأتعلم أكثر .

مالكة عسال
13/02/2007, 02:01 PM
الأخ والصديف عبد الرحيم هري
لقد كنت أرسل إليك الدعوات لتلتحق
بمنتدى ما فإذا بي أجدك تحسن الاختيار
لتحط الرحال بهذا المنتدى البهي
وشاءت الأفدار أن نجتمع في صرخه الجميل
لنعلن للعالم جنوننا ...
أحييك على تحليلك القوي للقبض على النص
وأرجو ان تبقى أعينك منتصبة على الإبداع
بهذا الحدس الفعال والهادف
مودتي

مالكة عسال
13/02/2007, 02:07 PM
الأخ والشاعر محمد أسامة
حضورك القوي أشعل في
مسيرتي لهيب الإبداع ووهجني
بشحنة من نوع آخر ..
أحييك على مرورك الجميل
مودتي

مالكة عسال
13/02/2007, 02:11 PM
أختي عبلة
أصارحك أنني ندمت على
كل دقيقة من عمري الإبداعي
قضيتها بعيدة عن هذا المنتدى
فحقيقة وجدت نفسي بين أحضان
ممتلئة بالحب واللطف والعطاء
أحييك أختي على جمال روحك
مودتي

مالكة عسال
13/02/2007, 02:13 PM
أختي عبلة
أصارحك أنني ندمت على
كل دقيقة من عمري الإبداعي
قضيتها بعيدة عن هذا المنتدى
فحقيقة وجدت نفسي بين أحضان
ممتلئة بالحب واللطف والعطاء
أحييك أختي على جمال روحك
مودتي

مالكة عسال
13/02/2007, 02:17 PM
أخي المحترم المتواضع الجليل محمود البوهي
هذا من جمال روحك والانحناء بكل تواضع
لذوقك الأدبي الرفيع الذ ينصت لرنين الحرف
وصراخ الكلمة باهتمام..
فكلنا أخي نتعلم ونتابع النص الجميل
لنرتوي من بهائه ونغتني بقوته
أحييك وأقف لك إجلالا
مودتي

بهيجة مصري إدلبي
07/01/2008, 12:50 AM
المبدعة مالكة عسال

نص يحمل ما يحمل خلف معناه ، يكشف عن حجم الفاجعة التي مازالت تتناسل في أحلامنا ، ونحن نقف على أرصفة الصمت نتأمل موت الأوطان وهي تنزف تحت الخراب والدمار
لغة رشيقة وكأنها تتسابق وأنفاس القارئ فيدخل في حالة توحد مع النص ليقف مذهولا عندما ينتهي النص فجأة

دمت مبدعة مشرقة

ناجي عزيز
09/01/2008, 06:11 PM
مالكة عسال
شدني هذا النص بشاعريته وابعاده الإنسانية.
تقديري وحبي لما تكتبيه.