المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جون العنيد وتحرير العبيد



محمود عباس مسعود
20/11/2009, 03:51 PM
جــون براون John Brown

هل كان جون براون وغداً زنيماً أم بطلا شهيدا؟

لقد نـُعت بذلك مراراً وتكراراً على مدى سنين طويلة، ولعل الجواب عن هذا التناقض الواضح في النعتين يكمن في السؤال التالي:

هل كان من أطلق عليه لقب الوغد الزنيم أو البطل الشهيد من الولايات الأمريكية الشمالية أم الجنوبية؟

كان جون مواطناً أمريكيا ملتزما بكل قوانين بلاده باستثناء قانون واحد لم يطقه إطلاقا لأنه لم يؤمن به، بل كان يكرهه بكل جوارحه، هو قانون الرق فقرر أن يتولى بنفسه أمر ذلك القانون ويعمل على محوه من الوجود. كانت نواياه طيبة ودوافعه سليمة، أما أسلوبه في التعامل مع ذلك القانون فظل موضع خلاف ونقاش لسنين عديدة.

(وحسبما بيّنت في موضوعي وقفة مع ناسك الغدير فقد دافع الفيلسوف الأمريكي الكبير هنري ديفيد ثورو عن جون براون بكل جرأة)

تحدى جون قانون الاسترقاق أو العبودية فدفع حياته ثمنا لذلك التحدي. وبعد موته اعتبره الكثير ممن كانوا يكرهون ذلك القانون بطلا شهيدا، أما المؤمنون بقانون العبودية فقد اعتبروه غير ذلك تماما.

وُلد جون براون سنة 1800 ولم يحصل سوى على النزر اليسير من التعليم المدرسي، لكنه كان شجاعا، مستقيماً في تعامله ومعاملاته مع الناس وذا أخلاق نبيلة.

في سن الثانية عشرة ساق قطيعا من البقر بمفرده لمسافة مائة وأربعين كيلو مترا (عندما كان قطاع الطرق آنذاك في أوج عزهم وعربدتهم). وعندما بلغ مقصده نزل في بيت أحد مُلاك العبيد فأكرم وفادته وأحسن معاملته، لكنه لاحظ أن معاملة رب المنزل لطفل عبد كانت تختلف تماما عن معاملته. ومنذ تلك اللحظة صار يكره العبودية كأسوأ شيء عرفه ولمسه في حياته.

في ريعان شبابه انتقل مع أسرته إلى ولاية أوهايو حيث تنقل من عمل إلى آخر، فعمل في تجارة الصوف ثم الخشب ثم بيع الخيول والدباغة ومسح الأراضي بل وأصبح مديراً عاماً لأحد مكاتب البريد. لكنه لم يوفق كثيرا في أعماله. ومع مرور السنين ازداد عدد أفراد الأسرة، إذ كان قد تزوج مرتين وأنجب عشرين ولداً! لقد تضافرت عليه هموم ومشاغل العيش لكنه لم ينسَ كرهه للعبودية ولم يغيّر رأيه بأنها شر مستطير، فغرس تلك الكراهية في نفوس أولاده.

في عام 1854 تم تمرير قانون كانساس – نبراسكا الشهير الذي سمح لسكان كانساس بالتصويت على انضمام ولايتهم إلى الاتحاد كولاية تجيز الرق أو لا تجيزه. وعلى الفور تقاطر الناس من باقي الولايات واندفعوا باتجاه كانساس. مستوطنو الولايات الشمالية ذهبوا ليصوتوا ضد العبودية ومستوطنو الجنوب للتصويت على استمرار العبودية.

أما صاحبنا جون فقد أرسل خمسة من أولاده إلى كانساس ثم لحق بهم مصطحباً ما لديه من بنادق وذخيرة. كانت أجواء كانساس تنذر بحدوث شر كبير. وقد استقطبت مسألة الرق الناس وحدثت مشاجرات عنيفة ومذابح جراء تلك المسألة الخلافية، وقد سُميت تلك الأحداث بنزيف كانساس. وكان المستر براون وأولاده قد لعبوا دورا رئيسياً في كل ما حدث.

في عام 1856 انتصر براون في معركة أوساواتومي فاقترن اسمه باسم تلك المعركة الشهيرة.

بعد خمس سنوات من الاحتراب والكفاح صمم على أن يوجّه لطمة أخرى لقانون الرق، فتوجّه إلى الولايات الشرقية حيث جمع مبالغ كبيرة من المال وحصل على دعم كاف لقضيته من أشخاص لم يعرفوا ما كان يخبئه في جعبته. بعد ذلك توجه مع خمسة من أنجاله الشجعان وبعض أتباعه إلى ولاية ميريلاند فاستأجر مزرعة مقابل مدينة هاربرز فالي ولم يفصله عنها سوى نهر بوتومك. وفي تلك المزرعة جمع سلاحه وراح ينتظر وصول ’جيشه ‘ الصغير.

الظروف لم تكن مواتية لتنفيذ خطته على عجل مما أدى إلى ترك بعض رجاله له. أخيرا أخبر براون رجاله بنيته في الاستيلاء على مستودع الذخيرة في هاربرز فالي بدلا من شن حرب عصابات في الجبال. والهجوم على تلك الترسانة كان بمثابة الهجوم على الحكومة الفيدرالية نفسها، فلم يوافقه العديد من رجاله على ما اعتبروه حماقة وتهوراً فتركوه لكن تخليهم عنه لم يفتّ في عضده.

في السادس عشر من تشرين الأول سار براون مع واحد وعشرين من رجاله من بينهم خمسة من السود بما فيهم نيوبي الزنجي الذي كان يأمل بتحرير زوجته التي كانت قيد العبودية، ومن بينهم أيضاً كان أولاد براون الخمسة الذين رافقوه.

غادروا المزرعة بعد غروب الشمس فقطعوا نهر بوتومك وساروا طوال الليل تحت المطر الغزير إلى أن وصلوا المدينة عند الرابعة صباحا. قاموا أولاً بتقطيع أسلاك التلغراف ثم شنوا هجومهم. أول ما فعلوه كان الاستيلاء على مستودع الذخيرة الفيدرالي ثم قام براون مع رجاله بأسر ستين شخصاً من أعيان المدينة كرهائن على أمل أن يقوم عبيد هؤلاء الأعيان بالانضمام للمعركة، لكن لا حياة لمن تنادي إذ لم يسعفهم العبيد.

خلال ساعات تمكنت المليشيات المحلية من تطويق براون ورجاله. تم إرسال أحد أولاده تحت راية بيضاء للتفاوض فأطلق عليه النار وقضى نحبه. انتشر نبأ المعركة عبر عمّال السكة الحديد حتى وصل إلى بيوكانن رئيس الولايات الفيدرالية، فتم إرسال الجنود والمارينز على جناح السرعة تحت إمرة أشهر قادة الجنوب آنذاك روبرت لي.

لدى وصولهم كان ثمانية من جيش براون المؤلف من 22 فردا قد قتلوا. أخيرا تمكن رجال القائد لي Lee من وضع نهاية لتلك الانتفاضة. وكانت النتيجة أن عشرة من رجال براون لقوا مصرعهم، بما فيهم اثنان من أولاده واثنان من السود. كما ألقي القبض على سبعة وهرب الباقون.

أصيب براون بجرح بليغ فتم نقله إلى تشارلستون بولاية فرجينيا مع باقي الأسرى حيث حوكموا على عجل ونـُفذ فيهم حكم الإعدام شنقا.

كلمات جون براون أثناء محاكمته وجدت طريقها إلى سكان باقي الولايات فأثارت غضبا مقدسا عارما ضد العبودية والمؤمنين بها.

وفي النتيجة كان لهجمة جون براون على هاربرز فالي أكبر الأثر في تعجيل الحرب الأهلية الأمريكية التي انتهت بتحريم الرق وتحرير العبيد.

ألهم صاحبنا جون الكثير من الأناشيد الحماسية. ويـُذكر أن أفراد الجيش الجنوبي الذين كانوا يكرهون جون كل الكره، كانوا ينشدون وهم في طريقهم إلى ساحات القتال (أثناء الحرب الأهلية) ما معناه:

جون براون في الضريح
بئس الزنيم القبيح.

أما أفراد جيش الولايات الشمالية فكانوا يهزجون بما معناه:

جثمان جون في الضريح
لكن روحَهُ تصيح:
يا النشامى الصناديد
هيّا حرروا العبيد.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات
الترجمة: محمود عباس مسعود