المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النزاعات الجيوسياسية والمصالح الغربية في إفريقيا / حال السودان



محمد ختاوي
21/11/2009, 08:40 PM
السودان وحرب النفط:
لعل الكثير من الناس لا يعلمون أن " كلمة السر " في حرب السودان هي " النفط " ولا شيء غيره. طبعا يمكن تعداد أسباب وتطورات كثيرة تبدأ بتعاون الخرطوم مع واشنطن في بداية الأمر تتعلق ب" مكافحة الإرهاب " وتمر بضغوط داخلية كبيرة تعرضت لها إدارة بوش الإبن، لكن كل هذا يصب في خانة واحدة هي النفط. من الممكن أن هذه الثروة الجديدة الكامنة في أرض السودان كانت ولا زالت تضاف إلى " التوجه النفطي" للإدارة الأمريكية، بل إلى هاجسها في البحث عن مصادر جديدة للطاقة، أنتجت صيغة سحرية أنقذت نظام الرئيس عمر البشير من " عقوبات " أمريكية كانت ستسلطها هذه الإدارة على السودان مما قلب السياسة الأمريكية عندما كانت هناك رائحة النفط تغطى الأجواء السياسية وتأمل في النظرة الحقيقية للمصالح والفوائد المرجوة من هذا البلد.
ويمكن اعتبار 30 أغسطس 1999 تاريخا حاسما لبداية التحول إلى بلاد مصدر للنفط حيث بدأ بتصدير أول شحنة من 600 برميل إلى سنغافورة عبر أنبوب يمتد 1600 كيلومتر تحت الأرض من حقول نفط هجليج في الجنوب إلى مرفأ الخرطوم. وكان الفضل في هذا التطور لكونسورسيوم تشكل في أكتوبر 1996 يضم شركة النفط الوطنية الصينية وشركة " بتروناس " الماليزية و"سودابت" السودانية و"راكس " الكندية التي اضطرتها مشاكلها المالية وضغوط العقوبات الأمريكية على السودان إلى بيع حصتها عام 1998 من شركة كندية أخرى هي " تاليسمان ". في أي حال، أمن هذا الكونسورسيوم المالي الكافي لتطوير الحقول ومد الأنبوب، وقد بدأ العمل فيه في سنة 1999 بطاقة 150 ألف برميل يوميا ارتفعت بسرعة فائقة إلى 200 ألف برميل يوميا عام 2000 ثم إلى 230 ألف في 2001 لتصل إلى 250 ألف في أواخر 2002 و500.000 في سنة 2006 وحولي 700.000في سنة 2008.
وأصبح النفط عاملا جديدا وحاسما في الحرب السودانية وفي وضع الرئيس البشير. واتضح أن الثروة كبيرة وأن الشركات المهتمة باستخراجها تتزايد وثبت أنها تتركز في الجنوب، وخصوصا في منطقة أعالي النيل حيث خطوط المواجهة أو في مناطق موغلة أكثر جنوبا تخضع لسيطرة المقاتلين. اشتدت الحرب لكن الانعكاسات النفطية على الشمال كانت سريعة. فالخرطوم التي كانت حتى 1999 تستورد كل حاجاتها من الطاقة من دول تعتبرها أمريكا مثل السودان " راعية للإرهاب " كإيران، والعراق (إبان حكم صدام حسين)، وسوريا، وليبيا، وجدت نفسها وقد أمسكت برأس مال اقتصادي وسياسي. بدأت تشعر بالمردود المالي وقد بلغ دخلها من النفط عام 2001 نحو 500 مليون دولار تضاعف بصفة عجيبة في سنوات قليلة. وبذلك بدأ الوضع الاقتصادي الداخلي يرتاح للغاية بغض النظر عن الأراضي الزراعية الخصبة التي يمتلكها هذا البلد. وارتاحت الحكومة في حربها على الجنوبيين وزادت نفقاتها العسكرية. ولاحظ الباحث راندولف مارتن أن"أموال النفط جعلت حرب السودان الحرب المثالية إذ وفرت الخرطوم أكثر من مليون دولار يوميا تكفي لدفع نفقات الحرب وشراء أصدقاء في الخارج "، على حد تعبيره.
والواقع أن الثروة الجديدة بدأت تجذب شركات إضافية للتنقيب عن النفط من الخليج، والسويد، والنمسا، وفرنسا، وبريطانيا وغيرها وأخيرا الهند زيادة عن الصين التي أثبتت علاقاتها الوطيدة مع الحكومة السودانية لكن أكثر ما فعلت كان مساهمتها الكبرى في فك العزلة السياسية التي فرضتها واشنطن على نظام عمر البشير في التسعينات من القرن الماضي. ففي الثمانينات لم تكن لواشنطن سياسة واضحة حيال الحرب السودانية. وفي التسعينات حُدّدت سياستها من ثلاثة منطلقات: " إن البشير وصل إلى السلطة عام 1989 وأقام نظاما إسلاميا يطبق الشريعة، مما أزعج الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت هذه الأخيرة تزعم أنه يمول الإرهاب ويقمع مسيحيي الجنوب.
حرب الجنوب السوداني وتداعياتها:
كانت سياسة إدارة كلينتون حيال السودان بمثابة إبقائه على لائحة الدول " الراعية للإرهاب " فرضت عليه عقوبات مباشرة وعبر الأمم المتحدة والعمل على إسقاط نظامه الحالي، وفي المقابل توفير مساعدات إنسانية للجنوب السوداني حيث يقطن العديد من المسيحيين مستعملة سياسة:"فرق تسد". وفي إطار هذه السياسة كانت الغارة الأمريكية على مصنع الشفاء عام 1998 وتقديم دعم مالي للدول المجاورة للسودان التي كانت تدعم قوات جون قارنق (John Garang) مثل إثيوبيا، وأوغندا، وإريتريا، وكينيا، كما كان تصويت الكونغرس عام 1998 على مشروع قرار لفصل الجنوب عن الشمال بدعوى ممارسة الشماليين الرق على الجنوبيين.

لكن الديناميكية الفعلية لتغيير السياسة الأمريكية حيال السودان بدأت تتشكل وتتحرك مع وصول جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض على رأس " إدارة نفطية " بامتياز وتصاعد حملات مجموعات ضغط أمريكية تعمل في اتجاهين معاكسين: مجموعة هي عمليا تحالف اليمين المسيحي الأمريكي والسود وخصوصا في الكونغرس تدعو إلى علاقات طبيعية مع الخرطوم لفتح آبار النفط أمام الشركات الأمريكية. ولاشك في أن طبيعة إدارة بوش وتوجهاتها ساهمت في تزايد ضغوط هذه المجموعات وما لم يكن مؤثرا أيام كلينتون صار كذلك مع بوش. هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الولايات المتحدة مهما كانت السياسة التي تنتهجها لا يجب أن تضر بالمصالح الأمريكية ومجموعات الضغط المتكونة بالخصوص من الشركات متعددة الجنسيات.
مصالح الشركات النفطية والضغوطات المختلفة:
المجموعة التي تضغط لعزل الخرطوم تضم أساسا منظمات وجمعيات مسيحية تعمل في الجنوب السوداني وتنطلق في دعوتها، كما تقول، من جملة مواقف إنسانية وأخلاقية وقد عبرت عنها بتقارير سنوية تحدد رؤيتها للحرب وتروي قصصا عما تشاهده هناك، خاصة بعض المصادر التي تتحدث عن استخدام الخرطوم ميليشيات خاصة من "المرحلين "، لاسيما في منطقة دارفور التي أثارت الجدال وروجت أخبارها عبر العالم.
الأمر الثاني والأهم، دور الشركات النفطية في استمرار الحرب. فتلك المنظمات تتهم الشركات العاملة في السودان بالتواطؤ مع الحكومة لاتباع سياسة الأرض المحروقة حيث حقول النفط في الجنوب. وتقول أن القوات الحكومية تنفذ سياسة واضحة بمهاجمة هذه المناطق وخصوصا في أعالي النيل وبحر الغزال والإغارة عليها بالطائرات وقتل سكانها أو تهجيرهم لضمان وصول شركات التنقيب عن النفط إليها. وقد نشرت صحف غربية عدة تحقيقات طويلة لمراسلين لها في الجنوب السوداني تتضمن وصفا لمشاهد حية عن نزوح وشهادات لسكان عن غارات صاروا يعرفون هدفها. وبالنسبة إلى منتقدي الشركات النفطية، فإن استمرار هذه الشركات في العمل مع الحكومة السودانية يمثل عمليا تمويلا لحربها على الجنوبيين وغطاء لهذه السياسات. ومع أن نشاط الشركات الغربية كان محدودا، فإن شركة " تاليسمان "الكندية باتت تمثل الشر كله. ومنطق هؤلاء أن على الإدارة الأمريكية أن تفرض عقوبات على " تاليسمان " (وغيرها إذا وجدت حالات مثلها) تتمثل في إخراجها من سوق الأسهم في نيويورك لأن واجب الولايات المتحدة أن تمنع هذه الشركات من تحقيق أرباح في أسواقها.
أما مجموعة الضغط التي تمثل مصالح شركات النفط الأمريكية، فتدافع عن عمل زميلتها الكندية وغيرها من منطلق أن التنقيب عن النفط لم يغير مسار الحرب أو الأسلوب الذي تتبعه الخرطوم فيها، وأنه إذا كان أدى إلى شيء فإلى تحسين ظروف المعيشة في مناطق التنقيب والمساهمة في بناء عيادات ومراكز مساعدة إضافية إلى مساعدة السودان في الاستفادة من ثرواته. وترى أن إخراج "تاليسمان " من بورصة نيويورك سيشكل سابقة تضر بهذه السوق. ومع تلاحق المعلومات عن حجم الثروة السودانية، لا ترى الشركات الأمريكية سببا للبقاء خارج السوق الجديدة وتركها للصين،والهند، وماليزيا، وغيرها.
وكـان التحدي الكبير في هذه المنطقة من السودان، يتمثل في وجود حقل هجلج (Heglig)، الذي ينتج لوحده 250.000 برميل يوميا من النفط الخام، أي نصف إنتاج البلد.
وتشير كافة التقديرات على أن السودان يمتلك احتياطات كبيرة من النفط، وهو ما أكدته وزارة الدولة للنصاعة والاستثمار، وأن الاحتياطي المؤكد للسودان من النفط رشح منذ سنة 2006 للارتفاع على ملياري برميل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
د. محمد ختاوي

أحمد ختّاوي
03/12/2009, 11:30 AM
حقل // هجلج بين المد واالجزر

أسفرت قراءتي الأولى لهذه الدراسة المعمقمة عن تنامي التركيز لدي ، فأعدت القراءة ، أجثو فوق أكمة / مشاررف حقل / هجلج /
فأوجست خيفة من أن ترقد الاطماع على مشارفه ، مثلما رقدت تأملاتي على ضواحيه ، المنفعية ، الجيوستراتيجية ، والاستشرافية ، والاستشراقية
عصب الداء يكمن في المد والجزر الذي يزأر به هذا الحقل كالبحر الآكول .
تداعيات الترحشات والاطماع ،تنبع من قاع هذه البئر المعطاء ، عصب الحياة ، فكانت الدراسة هذه محورية ، تختزن كمّاً من الادراك / في إلمام متناه بشؤون النفط ، وأنت / دكتور محمد ختاوي / خبير في هذا الشأن
القراءة الثانية ، أحالتني على التدبر في هذا المد والجزر ، أيقنت بعد هذه القراءة أن معطياتي في الوقوف على حيتيات هذه لدراسة يجب أن تأخذ منحى آخر ، يتمثل في استشراف جزئيات النص الذي كان عميقا في طرحه .
الدراسة جديرة بالتناول ، وجديرة أيضا أن تسترعي اهتمام المختصين .
بصمات عابرة ، وقراءة متلق لموضوع شائك عميق .
تقديري .
أحمد ختّاوي

محمد ختاوي
04/12/2009, 01:27 PM
الأخ أحمد،
شكرا على حسن الاهتمام بهذا الموضوع الذي كتب عنه القليل مع الأسف.
نعم حقل "هجتج" في السودان هو ما يساوي في الجزائر حقل "حاسي مسعود" في بدايته أثناء اكتشافه في الحقبة الاستعمارية.
وكـان يمثل التحدي الكبير في هذه المنطقة من السودان،والذي ينتج لوحده 250.000 برميل يوميا من النفط الخام، أي نصف إنتاج البلد.
وتشير كافة التقديرات على أن السودان يمتلك احتياطات كبيرة من النفط، وهو ما أكدته وزارة الدولة للنصاعة والاستثمار، وأن الاحتياطي المؤكد للسودان من النفط رشح منذ سنة 2006 للارتفاع على ملياري برميل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
ويستغل الحقل من طرف " كونسورسيوم الشركات النفطية التي تسيطر عليها الصين، وقد جلب الحقل منذ بدء تشغيله، أكثر من 1,8 مليار دولار ، مع العلم أن النفط اكتشفته الشركة الأمريكية "شيفرون " في أوائل 1980. لهذا،صار يلعب هذا الأخير دورا حاسمـا في التفاعلات الداخلية للنزاع السوداني. وعندما أدرك العالم الغربي أهمية المخزون النفطي في السودان،سال لعاب الشركات النفطية متعددة الجنسياتوصارت تولي أطماعا وتظهر أن مصالحها حساسة في هذا البلد.
مما جعل الشركات النفطية العظمى تصر علي شدة التنافسمع الاسياويين من أجل الحصول علي موطئ قدم في شمال درفور (المنطقة المتنازع عليها) ومنطقة الجنوب،حيث يتواجد الحقل الاخر الذي يزخر هو الاخر بالنفط، وهوحقل "أبي" الذي يوجد في خط التماس بين الجنوب والشمال.
ولكن، نظرا لسياسة الخرطوم الراشدة، لم تترك المجال لهذه الشركات الغربية في استثمار ثرواتها، حيث فضلت بكل حرية وسيادة أن تترك هذا المجال للشركات الاسياوية، وبالخصوص الصينية والهندية منها التي تمتلك نفس التكنولوجيا.مما أثار "غضب" الغربيين، ولاغرابة أن نراهم يخلقون بؤر التوتر والنزاعات الداخلية تحت ذريعة "حقوق الإنسان"، و"حوار الأديان"، و"الأقليات"إلى غير ذلك من المبررات "الإنسانية" في دارفور والجنوب للأن"الخبزة " فلتت منهم.

بالمناسبة، لقد نشرت اليوم عن طريق المنتدى نصا اخرا حول هذه النزاعات وتداعياتها...وللموضوع بقية.

محمد ختاوي