المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المغرب العربي: الإيالات العثمانية إلى حوالي 1800



محمود عباس مسعود
24/11/2009, 05:29 PM
يمثل القرن السادس عشر الميلادي، بالنسبة إلى البحر المتوسط، فترة نشاط سياسي وعسكري كبير. ففيه كانت الدولة العثمانية سيدة الحوض الشرقي منه، وكانت فرنسا واسبانيا والبرتغال تتنافس على الأجزاء الغربية من حوضه. وقد دارت حروب ومعارك برية وبحرية بين العثمانيين والأسبان حول شمال إفريقيا كانت فيها فرنسا على الحياد بسبب المعاهدة الخاصة التي عقدها في سنة 1535 السلطان سليمان القانوني (حكم 1520 – 1566) و فرنسوا الأول ملك فرنسا (حكم 1515 – 1547).

وكانت النتيجة النهائية لجميع النشاطات هي استيلاء العثمانيين على الجزائر وليبيا وتونس (وكانوا قد استولوا على بلاد الشام ومصر في مطلع القرن)، واحتلال البرتغال لمراكز تجارية حربية على سواحل الأطلسي. أما المغرب الأقصى، فقد حافظ على استقلاله كما أنه نجح في إخراج المحتلين من بعض أراضيه الساحلية.

الجزائر
بين سنتي 1505 و 1510 تمكنت اسبانيا من احتلال المرسى الكبير ووهران وبجاية ومدينة الجزائر محاولة بذلك التحكم في المنافذ التجارية لطرق القوافل المؤدية إلى داخل البلاد والصحراء وأواسط إفريقيا. وفي سنة 1516 استنجد سكان مدينة الجزائر وجوارها بالقائد العثماني الكبير عروج، الذي كانت له سيطرة كبيرة في غرب البحر المتوسط، فاستجاب عروج للطلب واستولى في السنة ذاتها على مدينة الجزائر وعلى تلمسان وقسنطينة، بالإضافة إلى مناطق داخلية. ثم انتزع القائد العثماني الكبير الآخر خير الدين بربروسا أماكن أخرى حتى احتل الجزيرة الصغرى الواقعة قبالة مدينة الجزائر (1529) فحرر المدينة من خطر دائم. وقد قاد شارل الخامس بنفسه حملة ضد الجزائر (1541) باءت بالفشل. وهكذا أصبحت الجزائر تابعة للدولة العثمانية.

كانت الجزائر يديرها (إلى سنة 1587) بيلر بك، نائباً عن السلطان العثماني. ثم تلا ذلك عصر عرف بعصر الباشوات (حتى سنة 1659). وجاء دور آغا الإنكشارية (حتى سنة 1711). ومنذ تلك السنة حتى الإحتلال الفرنسي (1830) كان الداي هو رأس الإدارة العثمانية. على أن القوة الحقيقية كانت، منذ أواسط القرن السادس عشر، إما بيد الإنكشارية أو بيد رؤساء الطوائف (وهم قادة منظمات المجاهدين وقادة الأسطول).

وطد حكام الجزائر علاقات دبلوماسية وتجارية مع بعض دول غرب أوروبا – انجلترا وهولندا وفرنسا – أفادتهم اقتصادياً.

لم تنجح محاولة العثمانيين الإستيلاء على الداخل، لأن القبائل قاومت ذلك وحافظت على استقلالها. أما القبائل القريبة من السواحل فقد دفعت الضرائب للدولة وقبلت بسلطتها على مضض.

تونس
كانت اسبانيا قد استولت على تونس وجربة (في مطلع القرن السادس عشر)، وكانت المنافسة بين العثمانيين والأسبان قوية في تلك الفترة. ولما كان العثمانيون قد استقروا في الجزائر (بين 1516 و 1529) وكانوا قد احتلوا طرابلس (1551) فقد أصبح بإمكانهم احتلال تونس، فدخلت القوات العثمانية البحرية والبرية (من طرابلس والجزائر) المدينة واحتلتها نهائيا سنة 1574

اختط سنان باشا، القائد الفاتح، نظاماً لإدارة البلاد يرأسه والٍ (برتبة باشا) هو الحاكم العام للبلاد، يعاونه رئيس للإنكشارية (وعددهم أربعة آلاف جندي تركي) والباي، وهو المشرف على الشؤون المالية وأمير البحر. وضم هؤلاء في ديوان كان هو المرجع في تدبير الولاية وأمور الجند. ولكن ثورة الجند (1590) جعلت الداي يشرف بنفسه على الإنكشارية وحكم المدينة. واستمر هذا الوضع إلى سنة 1650. وقد نعمت البلاد في عهد الدايات بقسط وافر من الثراء والأمن والتقدم، وخاصة وقد هبطها بين 60 و 80 ألفاً من مهاجري عرب الأندلس (الذين أخرجوا من إسبانيا قسرا). وهؤلاء أنشأوا المزارع والقرى وعمروا المدن أو أنشأوها.

ثم زالت سلطة الباشا واختفت سلطة الداي ومعه الباي (حوالي سنة 1650) الذي كان يختاره الجند ويوافق الباب العالي على ذلك ويمنحه رتبة الباشوية. استمر هذا العهد المعروف بالمرادي إلى سنة 1705 حيث دب الخلاف بين أفراد الأسرة المرادية. عندها نادى الجند بحسين بن علي التركي آغا أوجاق (أي آمر فرقة) باجة، حاكماً للبلاد (1705) وأقرت الدولة العثمانية ولايته. ظلت هذه الأسرة الحسينية تحكم تونس على تباين في النفوذ والسلطة حتى سنة 1957.

ليبيا
احتل الأسبان طرابلس أيضا (1510 – 1535) ثم وهبها ملك أسبانا إلى فرسان القديس يوحنا (مع جزيرة مالطا) وظلت تابعة لهم إلى سنة 1551 حين احتلتها الدولة العثمانية وطردتهم منها.

على أن اهتمام الدولة العثمانية بتلك المنطقة كان عسكرياً، فاقتصرت عنايتها على بعض المدن الليبية الساحلية، وأهملت الداخل. وقد تأخرت الإيالة في أيام حكم الإنكشارية. وفي سنة 1711 أقام أحمد باشا القرمنلي حكما شبه مستقل. وظلت الأسرة القرمنلية تحكم إلى سنة 1835 حيث تمكنت الدولة من إعادة الإيالة إلى حظيرتها.

انتهى عهد الأعمال البحرية سنة 1819 ولذلك أخذ القرمنليون يفرضون ضرائب باهظة على السكان فضاق هؤلاء ذرعا بذلك وقامت ثورات كثيرة في عهدهم.

الشروحات الخاصة بالصور الواردة ضمن الموضوع
هناك رسم في الموسوعة يمثل حصار شارل الخامس ودوق إلبا لتونس سنة 1535. وبسبب المعاهدة التي عقدت في تلك السنة بين سليمان القانوني وفرنسوا الأول ملك الأول، لم يتقدم هذا لمساعدة شارل في حصاره لتونس، وكان هذا كسباً سياسيا وعسكرياً للعثمانيين.

رسم آخر يمثل مدينة الجزائر وحصونها البعيدة وأسوارها وميناءها وحصون الميناء... وتلاحظ المدافع الظاهرة من فتحات في الأسوار البرية والبحرية.

كان الأخوان عروج وخير الدين بربروس من كبار قواد البحر في القرن السادس عشر. وللأخوين يرجع الفضل في إخراج الأسبان من الجزائر (مدينة واريافا) في مطلع القرن السادس عشر. وقد عين السلطان سليمان القانوني خير الدين قائداً للأسطول العثماني في البحر المتوسط. وهناك صورة لسفينة القيادة لخير الدين عندما تولى الإشراف على الأسطول، ويُرى في أعلى السارية العلم العثماني.

في سنة 1711 أقام أحمد باشا القرمنلي حكما لأسرته (القرمنلية) استمر إلى سنة 1835 حين أعيدت المنطقة للدولة العثمانية. وكانت مدينة طرابلس عاصمة للقرمنليين.

في القرن السابع عشر كان يتوالى على السلطة الفعلية في طرابلس ومنطقتها زعماء الجند. وبالرغم من أنها كانت قد خضعت منذ سنة 1551 للدولة العثمانية.

لبعض مدن تونس والجزائر أهمية تاريخية تستحق الذكر. فالمهدية في تونس أخذت اسمها من مؤسس الدولة الفاطمية عبيد الله المهدي الذي أنشأها وجعلها عاصمته (909). ومن سوسة خرج حن بعل (هانيبال) ليهاجم سيبيون الروماني. وكانت مرفأ عسكرياً مهما للأغالبة (827)، والقيروان التونسية الشهيرة بمسجدها أنشأها عقبة بن نافع 670 وغدت عاصمة الأغالبة في القرن التاسع. أما في المغرب فهناك تلمسان التي ازدهرت في عهد المرابطين (1080 - 1144) وأصبحت عاصمة المغرب الأوسط لبني عباد من القرن الثالث عشر وحتى القرن السادس عشر، وعنابة (بونة سابقا) التي كانت أسقفية القديس اغسطينوس.

وهناك صورة لضباط الإنكشارية لم يلبثوا أن أصبحوا أصحاب الحل والعقد في شؤون طرابلس بعد احتلال العثمانيين لها. والصورة تظهر الضباط بثيابهم الرسمية وأدوات التدخين في القرن السابع عشر.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

ملاحظة: بما أن وقتي لا يتسع لتصحيح كل ما أطبعه، حيث هناك موضوعات كثيرة في الإنتظار، فالرجاء من كل من يلاحظ أية أخطاء مطبعية تنبيهي إليها كي أقوم بتصويبها وشكراً.

محمود عباس مسعود