المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العين الشريرة: نظرة تحليلية



محمود عباس مسعود
25/11/2009, 03:26 AM
العين الشريرة والسحر: حقائق أم أوهام؟

هناك رأيان يتفقان من حيث الإعتقاد بالعين الشريرة والسحر: إمكانية إصابة الآخرين بالشر عن طريق تمني السوء لهم وإمكانية امتلاك قوى سحرية تؤثر بالناس وبالأحداث.

هذا الإعتقاد منتشر على نطاق واسع في الشرق و منه انتقل إلى أوروبا وعلى الأخص إيطاليا. هناك أشخاص من أصل وضيع أو رفيع يقال أن لهم القدرة على إيذاء الغير بنظرتهم الشريرة (أي يصيبون بالعين). ولذلك عمد الناس إلى ابتكار وسائل وأساليب عديدة تدعى تعويذات لتحييد أو تقييد التأثير الضار المنبعث من عيون هؤلاء الأشخاص.

هذه التعويذات قد تكون على شكل حرز يحتوي على كتابة على الورق، أو خرز أو قطع من المعدن أو الحجر. كما أن المرايا الصغيرة الداخلة في تطريز بعض الثياب الشرقية هي في الأساس تقليد قديم لدرء خطر العين الشريرة.

كما يستعمل الناس أي أثر أو ذخيرة مقدسة relic لشفاء المرض. بعض تلك الآثار تستخدم كتحويطة أو حماية من الغرق (وهذا ينطبق على الوشم الذي على أجسام البحارة)، أو الحماية من مرض ما، أو من الموت العنيف كما في الحوادث المريعة. وهناك تعويذات أخرى ضد الأشباح والأرواح الشريرة، مثال على ذلك حدوة الفرس التي يتم تعليقها فوق الباب. هذه الحدوة ترمز إلى الحظ السعيد وتشير أيضاً إلى حماية البيت من أي مكروه، وهناك طقوس دقيقة تتصل بهذه الحدوة.

ففي إحدى المدن الأوروبية إن عثر أحدهم على حدوة ينبغي عليه العودة على الفور إلى بيته دون أن يكلم أحداً في طريقه لأن الكلام يبطل مفعول الحدوة. وعندما يصل البيت يجب أن يعلـّقها فوق الباب بحيث يكون طرفاها متجهين نحو الأعلى (لأنها إن عُلقت بعكس ذلك يسقط الحظ السعيد وتطير البركة!) كما يجب تثبيتها بثلاثة مسامير وثلاث ضربات بالمطرقة ليس أكثر. (هذه الضربات الثلاث قد تكون مستوحاة من فكرة الثالوث والله أعلم).

وإن عثرت فتاة على حدوة فيها مسامير يعتبر عدد المسامير إشارة إلى عدد السنين المتبقية حتى موعد الزفاف!

من غير المعلوم متى وكيف ترسّخ هذا الإعتقاد بالحدوة. وقد تعود إلى العصور الوسطى وما بعدها. أما صلاحية الحدوة فتكمن في شكلها ومعدنها وأصالة الفرس. لكن لم يقم برهان على العلاقة بين حدوة الفرس والحظ السعيد.

كما أن الأسماء أيضا تستعمل كتعاويذ. وهناك اعتقاد بوجود علاقة قوية بين الإسم وصاحبه. ولذلك لا يفصح بعضهم عن اسمه الحقيقي بل يستعمل إسماً مستعاراً خوفاً من إصابة صاحب الإسم بالسحر. كما لا ينبغي ذكر الأسماء المباركة. ومن هنا ظهر تقليد (التابو) أو الأمور التي يحظر التطرق إليها أو تداولها اجتماعيا.

ولكن كما في قصص ألف ليلة وليلة فإن الكلمة السحرية تأتي بالجنية أو تفتح الباب السحري. وهنا أيضا يتم التلفظ ببعض كلمات غامضة عند تناول الدواء أو القيام بطقس من الطقوس لجلب الحظ السعيد، وبدون الكلمة الصحيحة لا أمل في حظ!

الكلمات أيضا تفك السحر شرط أن تـُلفظ في اللحظة المناسبة لطرد الشر وأعوانه. وهذا ينطبق أيضاً على لمس العود لمنع حدوث المشاكل التي يتم ذكرها في تلك اللحظة.

وبالعودة إلى العين الشريرة فإن تأثيرها متصل بحسد المحظوظين إما على ممتلكاتهم المادية بما في ذلك قطعان الغنم أو الماعز أو البقر أو المباني الفخمة أو السيارات الفارهة أو أي من الكماليات ووسائل الترفيه العصرية، أو لامتلاكهم الصحة والجَمال والأولاد والشهادات والوظائف وغيرها. ويُعتقد كذلك أن لبعض الأشخاص قدرة على إطلاق وتفعيل اللعنات ضد الضحايا من خلال التحديق بهم والاستعانة بالعين السحرية. أما أكثر الإصابات بالعين شيوعاً فهي النظرات العادية للحاسدين. كما أن تأثير تلك العين يختلف من ضحية إلى أخرى.

البعض يعتقد أن العين الشريرة تسبب المرض والوهن الجسدي العام بل وحتى الموت. وفي كثير من البلدان غالباً ما يكون الضحايا من الرضع والصغار بسبب الثناء عليهم من الغرباء أو من نساء لا ينجبن.

ولعل فكر الإنسان هو الذي يطلق تلك الشرارات الشريرة غير المرئية عن طريق العين فتصل إلى هدفها وتصيب ضحيتها. ولكن من يمتلك إيماناً صحيحا ونوايا طيبة وفهما سويا لا خوف عليه من أي عين أو نوايا شريرة حتى ولو كانت بقوة الشمس، كونه يتمتع بحصانة وحماية تلقائية من تلك المؤثرات السلبية التي ترتد إلى أصحابها وتلحق بهم – لا بسواهم – الأذى.

السحر
يشير هذا المصطلح إلى الاعتقاد بإمكانية إحداث تأثير سحري على الآخرين والسيطرة على ملكاتهم واستلابهم إرادتهم. والإعتقاد بالسحر يرجع إلى عصور سحيقة وقد رافق عقل الإنسان البدائي منذ نشأته. إذ كان ولم يزل الناس يعتقدون بوجود الأشباح والشياطين وامتلاك بعض الأشخاص لقوى خفية لا يمتلكها سواهم.

استعمال القوة لإلحاق الأذى بالآخرين يدعى سحراً. لكن إحداث مثل ذلك الضرر يلزمه طقوس أو طلاسم أو تعاويذ محددة حتى يسري مفعول السحر. أما الوسيلة المتبعة في القيام بالأعمال السحرية فقد تكون روحاً غير مجسدة أو عملا من أعمال الطبيعة.

الأشياء اللازمة للتأثير بالشخص قد تكون قطعة من ثيابه أو خصلة من شعره أو قلامة أظافره أو أي غرض يكون قد لامسه أو استعمله. وهذا الغرض بالذات يُستعمل كرمز وكممثل للضحية. فبوخز ذلك الغرض بالشوك أو الإبر أو الدبابيس أو بحرقه بالنار أو بقراءة رقية أو تعزيمة قوية، أو بالتلفظ باسم الضحية، فإن الأذى الذي ينويه الساحر يُفترض انتقاله من الرمز إلى الضحية.

ومن هذا المنطلق نشأت فكرة أو ممارسة إتلاف أو حرق أظافر اليدين أو الشعر المقصوص أو حتى فضلات الطعام خوفاً من وقوعها في أيدي السحرة. والسحر قد يمتد أيضاً إلى المحاصيل الزراعية وقطعان البقر أو الماعز أو الغنم، بل وقد يحيق السحر بكل الممتلكات والمشاريع. ومصطلح السحر يشمل أيضا امتلاك القوة لإثارة العواصف والزوابع ومحق المحاصيل ومسخ البشر إلى حيوانات واجتراح الخوارق.

السحر في المفهوم التقليدي يقتضي التنسيق مع كائنات غير منظورة. الشخص المسحور يصبح ممسوساً وعملية إخراج الروح الشرير من الإنسان تدعى طرد الشياطين. هناك قوانين ما زالت سارية المفعول تـَعتبر التعامل بالسحر جريمة. وهذه القوانين تمنع إلحاق الأذى بالمحاصيل أو الكشف عن المخبآت أو إزاحة الرموز الدينية من أماكنها، أو نبش الجثث لاستعمالها في أعمال السحر.

وحتى الماضي القريب كان المرض المفاجئ الذي قد يتعرض له طفل، أو العرج الذي قد يصيب فرساً، أو حتى ضياع الشخص في غابة أو إن لم يغلّ المحصول، أو إذا تعثر مخض اللبن أو إذا غرق الثور أو الحمار في الوحل ، كل ذلك كان يُعزى إلى أعمال السحر وويل لمن كان يشتبه به في ارتكاب مثل تلك الموبقات لأن العقاب كان عسيرا ولا هم يُرحمون.

وكانت النساء يُتهمن أكثر من الرجال بممارسة السحر مع أن الرجال والأطفال كانوا أيضا موضع اتهام أحيانا. ويقال أن الضالعين الضليعين في هذا الفن الأثيم هم على صلة بالشيطان الذي يمنح القوى الشريرة ويحصل بالمقابل على روح الساحر أو الساحرة ثمناً لتلك القوى الممنوحة.

وكان يُعتقد أن السحرة يجتمعون بعد أن يأتوا على ظهر الريح ويتنافسون فيما بينهم لإيقاع أكبر الأذى وابتكار أحدث أساليب الشر. كما كان يعتقد أن للسحرة القدرة على اتخاذ صورة الحيوانات حتى لا يتم اكتشافهم أو الإمساك بهم. وكان هناك اعتقاد سائد أيضاً أن الساحرات كن يتزاوجن مع الأرواح الشريرة ويلدن عفاريت وغيلان ممسوخة ووحوش مريعة وفظيعة.

يقدّر المؤرخون أن عدد النساء اللائي أعدمن بسبب تهمة تعاطي السحر ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر بأكثر من ربع مليون امرأة. أما الملك جيمس الأول الذي اعترضت عروسته عاصفة قوية أثناء قدومها عن طريق البحر من الدانمرك فقد أثار زوبعة كبيرة لمعرفة من الذي تسبب بتلك العاصفة السحرية، وحدثت تحقيقات مستفيضة وتعذيب إلى أن اعترف أحدهم أن عدة مئات من الساحرات دخلن إلى البحر عن طريق منخل أو غربال وتسببن في إحداث تلك العاصفة. وبما أن التعذيب كان لا يخضع لضوابط فكم من نفوس بريئة قضت بسبب تهم ملفقة بحق أصحابها.

الوخز بالإبرة كان من بين علامات تعاطي السحر. فإن تم العثور على منطقة في الجسم لا يتألم الشخص لدى غرز إبرة في جلده فمعنى ذلك أن يد الشيطان قد لامست الساحرة. وهناك علامة أخرى وهي الإمتحان بالماء. فإن طـَفـَت المتهمة لدى إلقائها في الماء كان ذلك يعني أنها ساحرة. أما إن غاصت إلى القاع فذلك كان برهاناً على براءتها!

وبما أن الأرواح كانت تلعب دوراً كبيراً في السحر فإن التشاور مع الأرواح كان محظوراً تحت طائلة العقوبة بالموت. ويقال أنه حدث ذات مرة أن بعض الأطفال أصابتهم نوبات وتقيئوا مسامير ملتوية فلم يتمكنوا من التلفظ بالإسم المقدس لكنهم ظلوا قادرين على نطق أسماء العفاريت والأبالسة لأنهم كانوا واقعين تحت تأثير الشياطين.

في بعض أو معظم الحالات كان المتهم أو المتهمة يعترف تحت التعذيب بأنه على صلة وثيقة بالشيطان وأعوانه. وأحياناً كان كسوف الشمس أو خسوف القمر يُعزى إلى عمل الشيطان.

آخر محاكمات السحر حصلت في الربع الأول من القرن الثامن عشر حيث لم تثبت التهمة على إمرأة حامت حولها الشبهات. وفي نفس العام تم إعدام آخر ضحية في أوروبا لتعاطي السحر. أخيراً ألغيت كافة القوانين المتعلقة بالسحر والسحرة في عام 1735.

هناك مواضيع تتصل من قريب أو بعيد بالسحر مثل علم الخيمياء القديم والتنجيم والجلاء البصري أو السمعي واستحضار الأرواح ومخاطبة الجن والعرافة والكهانة والتنبؤ بالغيب أو المستقبل والتنويم المغناطيسي والوساطة والاستحواذ والاستهواء وقراءة الأفكار وقراءة الكف والبخت والتبصير وكتابة الخط وضرب الودع والرمل وقراءة الفنجان وعلم قيافة الدماغ أي دراسة خصائص الشخص من تحليل تكوين جمجمته.

والسلام عليكم.

المصدر: موسوعات وإنترنت
ترجمة وتعليق: محمود عباس مسعود