المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دوران



علاء الدين حسو
11/02/2007, 02:59 PM
دوران..

دخلت مكتبه ست مرات خلال الأعوام الثلاثة التي امضيتها في الثانوية . وبعد التحاقي بالجامعة نسيته وان لم أنسى مكتبه..كان يضع كرة أرضية على يسار المكتب ولوحة نحاسية في الوسط قرب الحافةكتب عليها " مصباح حمامي "وبخط رقعي ارفع تحت اسمه "المدير". وعلى يمين المكتب صورة بالأبيض والأسود تظهره أمام مدخل قلعة حلب

في إحدى المرات جلست على كرسيه البرام الذي كان ضيقا عليه لسمنه الشديد وان كان ارتفاعه ملائم لقامته القصيرة.يملك شارب نحيف كساتر ترابي فوق فمه ويرتدي نظارة غليظة أما حواجبه كانت معقوفة كهلال نحو الأسفل ويملك وجها مستديرا كقرص عباد الشمس ، يستر صلعته بشعر جلبه من الجهة اليسرى يطير كتنورة فتاة مع الهواء .حاولت تدوير الكرة إلا إنها كانت جامدة فنبهني ابنه الذي رافقته للغرفة بأنها لن تدور فقد ثبتها والده.
عرفت من ابنه وكان زميلي في الصف بأنه غيور، مستبد برأيه، ومحب لكتب التاريخ.و أنه يكره تناول الطعام مع والده لأنه يؤكله بيده ويلح عليه ولا يدعه حتى يدرك بان ابنه غير قادر على تناول المزيد أو انه بحاجة للتقيؤ.
كان يدخل علينا أحيانا ويعطينا درسا عوضا عن مدرس غائب. نصغي إلى حديثه وأعيننا إلى ابنه الذي يتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه حسب قوله.يحدثنا عن الأدب القديم ويسخر من الشعر الحديث فينتقد نزار قباني والسياب ويمجد جرير والمتنبي ويذمّ الماغوط ويعتز بأبي تمام وكان لا يؤمن بإيمان العجائز فيقول بأنهم لا يملكون القوة للقيام بالسرقة أو ارتكاب الفواحش ..
تذكّرتُ كل ذلك صباح اليوم بعد عشرين عاما.في بيت دلنا عليه سمسار نرغب في شرائه لأختي المترملة وقد باعت بيتها الكبير لتستثمر الفائض في مشروع يضمن قوت أولادها..
تذكّرتُ لما دخلنا الشقة المؤلفة من غرفتين وصالون لا تتجاوز ال65 مترمربعا.حيث أن إحدى الغرف كانت تضم نفس المكتب والكرسي البرام والكرة الأرضية واللوحة النحاسية إلا أنني لم أرى الصورة وقال لنا السمسار بان صاحب البيت مدير ثانوية تقاعد فجلب أشيائه الخاصة من المدرسة وكان يقضي معظم وقته في الغرفة يقرأ في التاريخ ويستمع لاغاني محمد خيري وأم كلثوم ..
وحين سألته عنه أجاب بأنه توفى منذ شهرين وابنه قرر بيع البيت بما فيه..دنوت من اللوحة النحاسية أدهشني بقاء الاسم ببريقه وحين حاولت تدوير الكرة الأرضية وجدتها جامدة ترفض الدوران.
شباط -2007

عبد الحميد الغرباوي
13/02/2007, 07:57 PM
القصة القصيرة فن الماقل و دل. هي قصيرة، لكن آفاقها رحبة لقول المكثف الموجز الدال.
و حين ينتفي هذا الشرط الفني، يبتعد النص عن فن القصة القصيرة، حتى و إن أصر صاحبه (صاحبته) على وضعه في خانة القصة القصيرة. أتساءل عن السبب الذي يدفع الكثيرين و الكثيرات إلى تثبيت نصوص لا تمت للقصة القصيرة بصلة، هنا، في هذا المنتدى الذي يحمل اسم " منتدى القصة القصيرة" علما أن هناك منتدى آخر خاص بالكتابات الإبداعية المتنوعة، هي على كل حال لا تنتمي إلى جنس القصة القصيرة.
و نص " دوران" من النصوص الأقرب إلى نفسي، و التي تنتمي عن جدارة ، و بامتياز إلى القصة القصيرة، انطلاقا من العنوان ، و إلى آخر كلمة منه.
" الدوران"
كلمة موحية..مفعمة بالحركة..حتى و إن كانت حركة دائرية، مغلقة، تكرر نفسها..لكن، أ ليست الحياة في وجه من أوجهها حالة أو حالات تتكرر.. أ لا يُقال:" التاريخ يعيد نفسه"...
إلا أن القصة تحيلنا على "دوران" ثابت..جميلة هي هذه المفارقة...يكفي أن ترى مجسما لكرة أرضية لتتخيله يتحرك في دوران.. لكن صاحب البيت؛ حيث كان الراوي( الطفل) يعاين و يسجل للمستقبل/ الحاضر ليعيد استنطاقه/ استحضاره في نص جميل؛ ثبته، كي لا يدور.. كما لو أنه يريد بذلك أن يوقف دورة الزمن..حصرها في حقبة معينة..لكن هل يتأتى له ذلك؟..إيقاف الزمن وهم، جنون..
و في مفارقة أخرى، يمضي الزمن، يفترق الصغار..يكبرون..و يكبر معهم الراوي، يزور بيتا ترغب أخته في شرائه، فيعود به الزمن القهقرى( حركة الزمن الدائرية/ عقارب الساعة).. هو نفس البيت، نفس الأثاث، و نفس المجسم للكرة الأرضية. و يصمم الراوي مرة أخرى على أن يجعله يدور فيجده لا يزال مصرا على عدم الدوران.
أهنئك أخي على هذا النص البديع.
رأي خاص:
يبدو لي أن هذا النص الجميل كان سيكون أجمل لو جعل الكاتب المجسم في نهاية القصة يدور.. هنا يكمن سحر و قوة القصة القصيرة.
ملحوظة: أثناء قراءتي للنص وقفت على جملة من الأخطاء:
1 ـ الهمزة غابت في أكثر من موضع
2 ـ لم أنسى: لم أنس
3 ـ يملك شارب نحيف: يملك شاربا نحيفا
4 ـ إلا إنها: إلا أنها
5 ـ إلا أنني لم أرى: لم أر
6 ـ فجلب أشيائه: فجلب أشياءه
محبتي
دعوة لقراءة : حين يكتب الأطفال.

علاء الدين حسو
14/02/2007, 04:02 PM
سعيد سعيد جدا بمعرفتك استاذ عبد الحميد وسعيد مساعدتك لتطوير لغتي وقرأتي اشكرك واشكر واتا على جمع ثلة من الادباء ترتفع بهم مداركنا .. سأقبل على نصوصك كقارئ وانتظر دروسك على نصوصي .. تحياتي ..
ملاحظة :
افضل التجمد لاني ارى كثيرا من المثقفين يتحولون في نهاية العمر الى نسخة من افراد عشيرتهم .
تحياتي

زاهية بنت البحر
19/02/2007, 06:37 PM
وستظل جامدة صدقني رغم الكسر الذي يسببه في بعض الأحيان التدوير القسري :vg:
بارك الله بك
أختك
بنت البحر

سماح شيط
09/03/2008, 09:31 AM
الأخ الكريم علاء الدين
شعرت أني أقف في كل زاوية من التي وصفتها في المدرسة ...ثم شعرت أن الدنيــــــــــــــا صغيرة مهما كبرت وستجمعنا دوما بكل من عرفنا يوما .....فانها كالكرة التي حاول البطل تدويرها ولم تقبل ...الا انها تدور بنا بالفعل
تقبل فائق احترامي وتقديري

الحاج بونيف
09/03/2008, 09:45 AM
أخي الرائع المبدع/ علاء الدين حسو
تحية طيبة
سرد متقن بفنية واقتدار.. أسلوب مشوق وجذاب.
أهنئك، ودمت متألقا.
كل الود والتقدير.:fl:

علاء الدين حسو
09/03/2008, 03:00 PM
الأخ الكريم علاء الدين
شعرت أني أقف في كل زاوية من التي وصفتها في المدرسة ...ثم شعرت أن الدنيــــــــــــــا صغيرة مهما كبرت وستجمعنا دوما بكل من عرفنا يوما .....فانها كالكرة التي حاول البطل تدويرها ولم تقبل ...الا انها تدور بنا بالفعل
تقبل فائق احترامي وتقديري

شكرا لك سماح، على النبش الجميل،
لنص اعتز به كثيرا،
واعتقد اني عدلت النهاية في اخر تعديل للنص حسب نصحية الاستاذ عبد الحميد فجعلت الكرة تدور ووجدتها اكثر منطقية
سماح تثبين ان الكاتب الجيد هو قارئ جيد ..
تحية ود وتقدير

علاء الدين حسو
09/03/2008, 03:03 PM
أخي الرائع المبدع/ علاء الدين حسو
تحية طيبة
سرد متقن بفنية واقتدار.. أسلوب مشوق وجذاب.
أهنئك، ودمت متألقا.
كل الود والتقدير.:fl:

كانه المسك ،مروك اخي الحاج
فانعش الصدر وافرح القلب

غفران طحّان
10/03/2008, 01:12 AM
أخ علاء
نص جميل
بل هو من أجمل ما قرأت لك
دام تدفق الجمال من قلمك

نزار ب. الزين
10/03/2008, 08:37 AM
أراد الكرة الأرضية جامدة ، لأنه هو الجامد ، متحجر العقل ككثير من مدعي العلم و المعرفة
و لأن العيش لا يقبل إلا المرونة فقد فشل في عيشه ، و أكمل بقية حياته يقرأ كتب التاريخ ...
نص جميل يصور حالة بعض الناس الذين لا يتمتعون بالقدرة على التكيف ، فلا يرون في الدنيا إلا لونين : " إما أسود أو أبيض " متجاهلين عشرات درجات الرمادي و مئات الألوان الأخرى التي تزدهر بها الطبيعة ..
نصك رائع يا أخي علاء الدين ، معنى و مبنى ، أهنئك عليه :vg:
نزار

علاء الدين حسو
10/03/2008, 12:05 PM
أخ علاء
نص جميل
بل هو من أجمل ما قرأت لك
دام تدفق الجمال من قلمك

شكرا اختي المبدعة غفران
اسعدني جدا تعليقك
وكما قلت لسماح
اتمنى ان يجمعنا الدكتور نضال الصالح في امسية ادبية
فحلب بحاجة الى جيل يحمل الراية
وان شاء الله سيكون من بيننا من يحملها جدا
تحياتي ومودتي

علاء الدين حسو
10/03/2008, 12:13 PM
أراد الكرة الأرضية جامدة ، لأنه هو الجامد ، متحجر العقل ككثير من مدعي العلم و المعرفة
و لأن العيش لا يقبل إلا المرونة فقد فشل في عيشه ، و أكمل بقية حياته يقرأ كتب التاريخ ...
نص جميل يصور حالة بعض الناس الذين لا يتمتعون بالقدرة على التكيف ، فلا يرون في الدنيا إلا لونين : " إما أسود أو أبيض " متجاهلين عشرات درجات الرمادي و مئات الألوان الأخرى التي تزدهر بها الطبيعة ..
نصك رائع يا أخي علاء الدين ، معنى و مبنى ، أهنئك عليه :vg:
نزار

استاذ نزار الزين المحترم
اشكرك على الاهتمام واشكرك على توصيل افكارنا عبر مجلتكم الرائعة والقيمة سفيرة العرب في امريكيا (العربي الحر)
وبمداخلتك هذه الجميلة اعطت قراءة اجمل للنص ..
ولا اتخيلك الا ذلك النورس الرائع ينشر الحب والود بالوان الربيع الزاهية عبرتحلقيه فوق المنتديات بادبه وفكره
شكرا ودمت لنا

محمد فؤاد منصور
10/03/2008, 05:51 PM
أخى العزيز علاء الدين
جميلة هى القصة ، المدير أمكنه إيقاف الكرة الأرضية النموذج عن الدوران ولكنه مع ذلك لم يستطع إيقاف الزمن وتبدل الحال ،اوافق على رأى الأستاذ الغرباوى فى جعل النهاية للقصة بدوران نموذج الكرة ، كأنك تريد أن تقول ليوقفها كما يشاء " ومع ذلك فهى تدور "..قصة جميلة متقنة الصنع ،قوية الحبكة ..تقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

علاء الدين حسو
11/03/2008, 10:53 AM
أخى العزيز علاء الدين
جميلة هى القصة ، المدير أمكنه إيقاف الكرة الأرضية النموذج عن الدوران ولكنه مع ذلك لم يستطع إيقاف الزمن وتبدل الحال ،اوافق على رأى الأستاذ الغرباوى فى جعل النهاية للقصة بدوران نموذج الكرة ، كأنك تريد أن تقول ليوقفها كما يشاء " ومع ذلك فهى تدور "..قصة جميلة متقنة الصنع ،قوية الحبكة ..تقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

الدكتور محمد فؤاد منصور المحترم
شكرا لمداخلتك ، واهتمامك وانا معك غيرت النهاية ، في النسخة التي اعدها للنشر الورقي .
تحية حب وتقدير