المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يا أمة ضحكت من جهلها الأمم...(في موقعة كرة القدم بين مصر وجزائر)



نورالدين بن محمد
09/12/2009, 11:24 AM
]يا أمة ضحكت من جهلها الأمم...

(في موقعتي الكرة بين مصر والجزائر)




نورالدين الغيلوفي- تونس[/CENTER]

- شاهدت المباراتين في مصر وفي الخرطوم، فإذا الكرة تتحول مدارا لموقعة حربية بين دولتين اتضح أن بينهما إرثا من العداوة كان خلف حُجُبٍ جوفاء ما أفاد طول تعميرها في إخفائه، هي الجامعة العربية العتيدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي الرشيدة ومنظمة الوحدة الإفريقية الفريدة.. وغيرها مما يُنسب إلى العروبة والإسلام وما يقتضيانه. ما كان لجميع تلك الأسماء أن تعني شيئا.. وقد تهاوت مختلف مدلولاتها أمام موقعة في كرة القدم تحولت إلى كرة من الدم، وإذا الأخوّة المزعومة محض افتراء بينما العداوة أمر متأصل فينا. فيا خيبة المسعى..

- لست من المولعين بالكرة ولا من المعنيين بصراعاتها، فما بنا من الأمة ما يضيق عنه العمر بأسره، ولكني شاهدت المنزلتين بعين من شدّه لغط كثير توجس منه خيفة وتوقع من الأمر ما يريب.. وكان ما كان مما لا أريد أذكره.. تقلّصت أرض الشهداء إلى فريق من اللاعبين الخضر واختُزلت أرض العبور إلى فريق من الحمر ديدنهم إيلاج كرتهم في مرمى خصوم قدموا إليهم من الجبال لينازعوهم التاريخ والمجد وأصالة المحتد... فيا خيبة المسعى..

- لو كان للعقل في عالمنا العربي منزلة لاتُّخذت مثل هذه المباريات التي تدور رحاها بين الأشقاء مجالا لتحقيق أهداف تفيد الأمة وتزيد من رفع رصيد احترامها لدى مختلف الأمم الأخرى؛ من تلك الأهداف التعارف بين من يُفترض أن يكونوا أهلا.. وسهلا، ومنها إمتاع جماهير أمتنا التي ما أفلحت حتى في مجالات اللهو وراحت تلاحق لعبة كرة القدم حيثما كانت من بلاد العالم الواسع الذي بزّنا في الجدّ قبل اللهو، ومنها، وهذا ما قد يشهد برفعة المنزلة وعلو الهمة ونزاهة المنازلة، الاطمئنان إلى أنّ المترشح لخوض نهائيات كأس العالم لن يخرج عن فريق يمثل العرب بأسرهم.. فليكن لأفضل الفريقين.. ومن كل حسب جهده وافتنانه... حسبنا أنّ من العرب من يمثّلهم.. ولكن ذهب الهوج بالعقل... فيا خيبة المسعى.

- ما كانت الكرة سوى الشجرة التي أخفت الغابة خلفها... هي لعبة، أي نعم. ولكن بعض المتربصين وجد فيها فرصة ليكشف لنا خبايا مكبوته. فإذا القصة قصة كرامة وتاريخ وصراع بين شعبين بدا ما يفرقها أكبر مما يجمع بينهما.. وارتد الخطاب الإعلامي إلى مستوى محفوف بالرداءة والجهل والبؤس.. التقى بعض "الفنانين" الذين طالما شهدنا بطولاتهم في عالم التلفزيون والسينما مع بعض الإعلاميين الذين يبحثون عن موقع في عموم المشهد ليكونوا جنودا في جيش من المأجورين ديدنهم السباب والشتائم.. وتجلت لنا مهارات أخرى بعيدة عن التمثيل.. فليتهم ظلوا ممثلين وبقينا على فتنتنا العمياء بهم.. فقد أعجبونا ممثلين ولكنهم أثاروا قرفنا عندما لبسوا غير لبوسهم وتصدّوا لما لم يفقهوا وقد انضموا إلى زفّة الناعبين بشعارات لا تعني.. فالأمر، في حقيقته، لا يعدو مباراة في كرة القدم.. ولكن القوم صرخوا بما لا يليق ونسوا أنّ كونهم فنانين إنما يعني أنهم ملك الأمة جمعاء، وما مصريتهم إلا نافذة على عروبتهم الممتدة حتى الجزائر.. وما بعدها.. وفي مثل هذه الحالات كان أحرى أن يكونوا هم الحكم بين الخصوم، فالفن يقتضي أن يكون محترفه نبيلا.. ولكنهم كانوا كمثل ذاك الذي سكت دهرا ولما نطق قال كفرا.. رأيناهم يدافعون عن مصريتهم المهددة من قوم صاروا فجأة حملة جميع الأسماء المستحقة للعن في عالمنا.. وإذا الكرامة تُهدر والوطنية تُستنفر.. كيف لا وجمال مبارك قد فسد حلمه فما صار عنوان فأل للمصريين.. لقد راهن الغلام على الكرة ليدخل وجدان المصريين الطيبين غير أنه لما فسد برنامجه أوعز لجنود له لم نرها بفعل الأفاعيل.. فإذا مصر تُختزل في أصوات نشاز تواصل تهريب الأحلام وتبتعد بالناس عن أصيل الهموم.. وقد لبس الجميع براقع الكرامة والشرف..

- انضمت إلى المشهد الموبوء قنوات ظللنا نحترمها لأن بها رجالا ونساء ممن نجلهم لما شهدنا من حسن أدائهم.. غير أنها هذه المرّة غرقت في متاهة السخف التي انكشفت معها العورات وظهر ما كان محجوبا من قبحنا... ما أوسخنا.. ما أوسخنا... ونكابر.. نحن أمة لا تستحق الخير لأنها تركت السبيل إليه وركبت مراكب العفن وعكفت على القذارة... يا لبؤس المآل..

- في زمن تشتد فيه أوجاع الأمة وتحتدّ مشاكلها يواصل الحاكم العربي الاستخفاف بقطعانه يسوقها باتجاه مسالك يلحس فيها وعيها ويجردها من أبسط ملامح العقل والفكر، فإذا اللهو يتحول سبيلا إلى الاحتراب، ونرتد إلى زمن داحس والغبراء الذي حسبناه قد ولّى بعد أن تعلمنا "رأيي صواب يحتمل الخطأ" وأضرابها من العبارات التي حفظناها ولم نتعود العمل بها لأننا أسلمنا قيادنا لقوم ليسوا من أفاضل الناس... فأفاضل الناس أغراض لذا الزمن.. أسلمنا لهم القياد فحوّلوا البلاد مزارع يعيثون فيها ما داموا ثمّ يعهدون بها إلى ورثتهم حتى تتصل اللعنة وتبلغ الجروح منا مبلغ العفن... ألم تر كيف فعل الدهر بأمة خرساء تحولت على إيقاع الكرة ظاهرة صوتية عجيبة...

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم...

نورالدين الغيلوفي- تونس