المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الابتسامة حينما تهزم اليأس .. نسرين حمدان



نسرين حمدان
11/12/2009, 04:05 PM
حنين الغزاوية.. الابتسامة حينما تهزم اليأس

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1260370785270&ssbinary=true

حنين بدأت تستعيد خطواتها في الحياة

في الثاني من يناير 2009م الساعة الحادية عشر صباحاً؛ كانت حنين خالد محمد بصل (17عاما) تقف

بجوار باب المنزل مع خالها.. عندما سقط الصاروخ الإسرائيلي ليغير حياتها إلى الأبد.. ويقذف باسمها في

قائمة ضحايا الجرائم الوحشية للحرب الإسرائيلية على غزة، لكن هذه الفتاة الشجاعة حولت المأساة

انتصارا.

كانت الصواريخ تتساقط من السماء، وكان الأبرياء في غزة يتساقطون أيضا تحت حممها الدامية، حتى أن

المشافي كانت مكتظة بهم على نحو فاق استيعاب الغرف، فامتلأت جدران الأروقة بأسرّة يحمل كل منها جسم

جريح فقد واحداً أو أكثر من أطرافه.. كان الناس يتهامسون خائفين: "إنها تتساقط كحمم الجحيم، أين يمكننا

الاختباء منها؟".. كانوا يبتهلون إلى الله فهو وحده القادر على إنقاذهم بعد أن خذلهم العالم.

وفي حيّ الزيتون؛ كانت حنين الطالبة في الصف الثاني الثانوي تستعد لدخول الامتحان؛ كان التيار

الكهربائي المقطوع يغلف الحي بوشاح كئيب من العتمة.. أشعلت حنين شمعة وعزلت نفسها في غرفتها

لتواصل الدراسة تحت القصف.

ليلة من نار

تقول حنين أنها - من بين إخوتها وأخواتها - لم تكن خائفة في تلك الليلة على الرغم من ارتفاع وتيرة

القصف وانتشار الذعر بين الناس.. وتساءلت ببراءة طفولية عن سر إحساسها الغريب بالطمأنينة والسكينة

وهي تجلس وحدها في غرفتها تلك الليلة.

أطبق الظلام وجلست حنين بثبات وشجاعة.. تحتضن كتابها تحت بقعة الضوء المنبعث من شمعتها

الصغيرة.. بعد فترة غفت عينها ونامت في حضن كتابها كما ينام الرضيع على صدر أمه.. وما كادت تغمض

عينيها حتى أفاقت مفزوعة على صوتٍ قوي تبعته قرقعة رهيبة أدركت بعدها أن الصاروخ قد أصاب غرفتها

ودمر ذلك الجزء من منزل أسرتها.

هرعت أسرة حنين إلى خارج المنزل في نوبة من الذعر والخوف وحاولوا التوجه إلى منزل جدهم لأمهم

الذي لا يبتعد كثيرا عن منزلهم، ظناً منهم أن سقف بيت الجد المبني من الأسمنت سيكون أكثر أمانا من سقف

منزلهم المتواضع المبني من الأسبيستوس ( الزينجو) .. ولكن حتى هذا الحلم البسيط تبدد؛ فقد منعهم من

الوصل إليه شدة القصف وصوت طنين الطائرات المتربصة بكل حركة.. وعادت الأسرة الشاردة إلى منزلها

بانتظار قدر الله فيها.


الصباح الدامـــــــــــــــي

أمضى أفراد الأسرة الباسلة ليلة يقف الموت على باب كل ثانية من ساعاتها؛ لا شئ يطل عليهم سوى لهيب

القذائف الحارقة، ولا صوت يصافح آذانهم سوى عويل القصف المتواصل.

وفي الصباح؛ أرسلت الأم نوال صادق عاشور (48 عاماً) ابنتها إلى بيت جدها، كانت تحرص بشدة على أن

تتم حنين دراستها بالمرحلة الثانوية وألا تتوقف لظروف الحرب.

انتقلت حنين الخفيفة الروح المُحِبّة للمرح إلى بيت جدها؛ حيث الخال فرج صادق حسين عاشور (18 عاما)

الذي تحبه كثيرا وتتندر لكونه خالها ولا يكبرها سوى بعام واحد.. وفي شارع صلاح الدين وبينما تقف حنين

مع خالها أمام باب البيت؛ ألقت طائرات الموت جنينها البغيض، ولم تشعر حنين بشئ قبل أن ترى منظر

المجزرة البالغ البشاعة.. وجدت نفسها تجلس على رجلها اليمنى وقد قطعت وانثنت تحتها ورجلها اليسرى

مشوهة تماما بعد أن تهرأت وتناثر لحمها على الأرض.. كانت الدماء الغزيرة تتفجر في كل مكان، وشعرت

حنين بملابسها وقد انصهرت وشعرها المحترق بفعل الصهد المنبعث من انفجار الصاروخ.. كان كل جسدها

قد اصطبغ بلون الدخان الأسود.

بقيت حنين هادئة وانتظرت بشجاعة إلى أن وصل أهل الحي وبدأت طواقم الإسعاف في الوصول.. كان

الشارع خالياً تماماً وكان عليها أن تنتظر وحدها وصول النجدة بعد أن غاب خالها عن الوعي وظل ينزف

وقد تهتكت أطرافه وفقد رجليه، بعد ذلك تم نقلها إلى مستشفى الشفاء، وظلت بكامل وعيها حتى منتصف

الليل ولم تشعر بأي شئ بعد ذلك؛ حيث تمدد جسدها الممزق في غرفة الرعاية المركزة لثلاث ليال متتالية

قرر الأطباء بعدها نقلها إلى إحدى المشافي المصرية لتلقي المزيد من الرعاية الصحية.

وفي السابع من يناير دخلت حنين الغائبة عن الوعي برفقة والدتها قسم الرعاية المركزة بمستشفى قناة

السويس بالاسماعيلية؛ وكان عليها أن تنتظر هناك لعشرة أيام أخرى بين الموت والحياة.. كانت تعاني من

ارتشاح بالدماغ وكان التجمع المائي يضغط على مراكز حيوية بالدماغ ويحبس حنين في عالم غامض بين

الأموات والأحياء.

كانت الأم الثكلى تتردد على سرير حنين بغرفة الرعاية.. تراقبها ودموعها الملتهبة تتساقط أمام زجاج الغرفة

وقلبها يعزف ألحاناً مؤلمة تتصاعد إلى السماء في صورة دعوات تبتهل وتتوسل إلى الله القدير.


"فراولة المستشفى"

بعد عشرة أيام من الترقب والانتظار؛ دب اليأس في قلب الأم وغادرت غرفة الرعاية وهي تبكي مودعةَ

ابنتها التي غادرت الحياة أو تكاد.. وفي صباح اليوم الحادي عشر، وفي ذروة لحظات اليأس والألم.. دقت

إحدى الممرضات غرفة أم حنين لتخبرها أن ابنتها استعادت وعيها.. ومع دقات الباب انطلقت أجراس

الفرح وتفجرت الكلمة الجميلة ( الحمد لله )، هللت الأم وهي تتحقق من الممرضة التي أجابتها بأن بإمكانها

التأكد بنفسها.

في ذلك الوقت كانت حنين تستكشف المكان من حولها، وجدت نفسها وحيدة في غرفة غريبة مع عدد من

الأنابيب تغزو جسدها.. قامت بنزع جهاز الوريد من يدها فسال دمها على الأرض، بعد ذلك جاءت اللحظة

التي تقول حنين أنها كانت أصعب لحظة مرت عليها في محنتها حين حاولت أن تنهض من سريرها فلم تجد

رجلها وسقطت على الأرض، ولكن ذلك السقوط كان في الحقيقة بداية النهوض ونفض تراب المأساة

ومتابعة الحياة من جديد.

كانت حنين حديث مستشفى قناة السويس في ذلك الوقت وكان طاقم التمريض والأطباء يطلقون عليها

اسم "فراولة المستشفى"، وفي قسم أمراض النساء والتوليد أطلق العديد من السيدات المصريات

اسم "حنين" على مولوداتهن تيمناً بالفتاة الفلسطينية القادمة من غزة.

في 24 من شهر مارس غادرت حنين الاسماعيلية وانتقلت إلى مستشفى فلسطين بالقاهرة لتركيب الطرف

الصناعي، كان وجودها مميزاً نظراً لكونها الفتاة الوحيدة بين الجرحى.. أذكر أنني عندما زرت المستشفى

بعد وصولها تسابق كل من يعرفني من الجرحى لإخباري بوجود فتاة في المستشفى، وقبل أن أعرف المزيد

عن تلك الفتاة.. تعالت الصيحات التي تناديني لأسعفها وقد سقطت وغابت عن الوعي، وأمام غرفة حنين

التقيت بفتاة رقيقة كالزهرة.. شعرت بأن روحها تؤلمها بشدة، وأنها تعاني ألماً نفسياً هائلاً، كانت قد سقطت

على الأرض عندما حاولت السير لبضع خطوات مرتكزة على كتف والدتها.


خطاوي الأمل

في الغرفة استعادت حنين وعيها وتعرفت عليّ لأول مرة.. وكانت تلك لحظة ميلاد صداقتنا، وشيئاً فشيئاً

تكيفت حنين مع جو المستشفى.. تقول أنها تعلمت الصبر من إخوانها الجرحى الذين فقدوا أكثر من طرف من

أطرافهم وأنها كانت تظن أن مصيبتها أعظم مصيبة في الكون إلى أن رأت في مستشفى فلسطين ما هو

أعظم.

وبعد أن كانت غرفة حنين معزولة ومغلقة على فتاة محبطة ومدمرة، أصبحت ملتقى الأحباب والأصدقاء،

وبفضل الله تعالى ثم العديد من الفتيات المصريات اللاتي واظبن على زيارة حنين وإدخال السرور إلى

نفسها؛ تماثلت حنين للشفاء وتوقفت عن متابعة العلاج النفسي، وانطلقت ابتسامتها المشرقة لتهزم اليأس

والألم، وتنشر روحاً من المرح والابتهاج في نفس كل يتعرف عليها.

واظبت حنين على جلسات التمرين، وتمكنت سريعاً من استخدام الطرف الصناعي بمهارة واقتدار.. كانت

تمزح معي برفع الطرف الصناعي ووضعه فوق رقبتها فجأة أثناء جلوسنا معاً، وكنت أفزع من تلك الحركة

بينما تتعالى ضحكاتها الساخرة.


ورغم أن نبأ آخر سيئاً قد عرف طريقه إلى حنين وأمها، إلا انها لم تفقد مرحها وابتسامتها العذبة، فقد

علمت الأم والإبنة بسقوط صاروخ على منزلهما المتواضع دمر كل ما بقي منه، ولكن الأم قالت باحتساب

(إيش بدنا نخسر أكثر.. الحمد لله أن الدار كانت فاضية.. والله سلامة حنين بالدنيا)، وكدت أتجمد من الدهشة

وهي تتعجب من زوجها الذي رفض مغادرة البيت لحماية "موتور الماء" الجديد من السرقة وقضى ليلة من

الرعب وحيداً تحت القصف، ثم اضطر لمغادرة البيت فجراً وبعدها تم قصف البيت بالكامل.. كانت الأم

الرائعة تحكي تلك المأساة وهي تضحك وتتندر وقد انفجرت الغرفة بضحكات الزوار والأصدقاء الذين

تجمعوا حول فراولة المستشفى.. حنين.


غزة.. شمس حياتي

غادرت حنين إلى غزة برفقة طرف صناعي غير شكل حياتها، وبعد شهرين من عودتها من التقت بإحدى

صديقاتها التي أخبرتها بإمكانية السفر إلى الإمارات عن طريق منحة لوكالة الغوث الدولية (الأنروا) لتأهيل

الفتيات اللاتي فقدن أطرافهن في الحرب الأخيرة على غزة، وبالفعل تم التنسيق لسفر حنين مع خمسة من

الفتيات اللاتي التهم الحقد الصهيوني أجزاء من أجسادهن الرقيقة حيث يخضعن لدورات مكثفة في مهارات

الكمبيوتر وعلوم الحاسوب لمدة عامين.

وفي وقت قصير تطورت مهارات حنين كثيراً، وهي مصرّة على إتمام دراستها الثانوية والالتحاق بالجامعة..

وبعد رحلة مع العذاب والألم توهجت الشمعة الصغيرة التي أطفأها العدوان الاسرائيلي من جديد، وعادت

حنين لاستئناف دراستها على ضوء شمعة الأمل العصيّة التي ظلت تتألق وتنير طريقها.

وما زالت الفتاة الشجاعة تتواصل معيّ ومع كل من ساهم في تجفيف دموعها ورسم الابتسامة على ثغرها

عبر الإنترنت.. و من إمارة العين بالإمارات؛ حيث الرفاهية التي يسيل لها لعاب الزاهدين؛ ما زالت حنين

تؤكد حبها الخالد لغزة.. البلد الأبعد ما يكون عن الرفاهية.. وفي آخر محادثة بيننا عبر الماسنجر قالت لي

بروحها المرحة: ( اشتقت كثيراً لغزة.. إنها شمس حياتي، ومشتاقة كتير أرجع لها.. أنا بحبها كتير).

--------------------------------------------------------------------------------

وأنا أقول لها نحن نحبك أيضا ً يا حنين فأنت ملكة جمال هذا الكون

ونوره


( صهباء بندق )

نسرين حمدان
12/12/2009, 07:16 PM
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1257404389683&ssbinary=true

أحمد أبو سلامة.. العائد من الجنة!


جنازة الشهيد أحمد نعيم أبو سلامة لن ينساها أي شخص شهدها.. فخلف تلك الجنازة تختبئ قصة مأساوية، ربما كانت أغرب قصة في دراما غزة القاسية، ورغم ذلك لم تتصدر عناوين الصحف؛ فالموت المأساوي حدث شائع ويبدو عاديا جدا في بلد اسمه غزة، لكن يد الله حولت المأساة انتصارا.. إنها قصة محزنة ولكنها في الوقت ذاته تحمل في طياتها نسيم الأمل وعبق الانتصار على المستحيل.

يوم أمطرت السماء دما


في يوم السبت الموافق 13/ 3/ 2008 وفي الساعة 22:00 تحديدا تحول جبل الكاشف شمال جباليا إلى مسرح لجريمة جديدة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي بعد أن استهدفت طائرات الموت مجموعة من الفتيان فحصدت الصورايخ أرواحهم البريئة في أقل من ثانية.
لثلاثة أيام بقيت أشلاء الشهداء مبعثرة في كل اتجاه وعلى مساحة واسعة، إذ لم يتمكن أحد من الوصول إليها بسبب كثافة النيران الصهيونية، وبعد 3 أيام من انسحاب القوات المعادية وانتهاء الاجتياح وصلت سيارات الإسعاف، وأمضى المسعفون والأطباء ساعات في جمع الأشلاء وهم يبكون من فرط تأثرهم.

كان الأب نعيم أبو سلامة قد تأكد من نبأ إصابة ابنه أحمد الشهير بـ"ميشو" في هذا القصف؛ فقد أكد له صديق ابنه الذي أصيب بنفس الصاروخ الصهيوني أن الصاروخ قد أصاب ابنه أحمد إصابة مباشرة.

ذهب الأب المكلوم ليبحث عن جثة أحمد في الأماكن التي توغل فيها الجيش، ولكنه لم يستطع أن يعثر عليه حيا أو ميتا، فأبلغ السلطات المحلية ومكاتب الصليب الأحمر عن اختفائه، وقام بالاتصال بمنظمة الصليب الأحمر الدولي لتقوم بالاتصال بالكيان الصهيوني ومعرفة إذا ما كان أحمد قد اعتقل خلال عملية الاجتياح الأخيرة، ولكن كل تلك المحاولات ذهبت أدراج الرياح ولم يظهر أي أمل في الأفق.

جنازة القمر!

بعد محاولات مضنية من البحث والتفتيش المستمر في ثلاجات الموتى فقد "نعيم أبو سلامة" الأمل في وجود ابنه على قيد الحياة؛ ورغم أنه لا يوجد شيء يدلل على أن تلك الأشلاء المبهمة التي عثر عليها في مستشفى "كمال عدوان" هي كل ما بقي من ولده - وكانت معالم الجثة قد تشوهت أكثر خلال تواجدها في الثلاجة- لم يبق أمامه إلا الإعلان عن أنه تم التعرف على جثة الشهيد، وقام بترتيب مراسم الدفن، وكانت جنازة أحمد مهيبة ومؤثرة للغاية تليق بأحمد الذي انضم إلى كوكبة الشهداء، وأصبح أحد أقمار الذهب التي تبرق في سماء غزة!!

تفجرت الدموع إذ انطلقت الجنازة؛ كان النعش يحوي جثة ممزقة لفتى لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وأمضى المشيعون الذين وصلوا بجثمانه الطاهر إلى المقابر ساعات وهم يبكون وينتحبون، فالفتى كان يتمتع بشعبية واسعة.. كان شجاعا ومرحا يمتلئ نشاطا وحيوية.. إضافة لهدوئه واتزانه وبره بوالديه وتمسكه بدينه.

وفتح بيت العزاء لمدة ثلاثة أيام، واستخرج الوالد شهادة الوفاة لأحمد.. وتقبلت الأسرة تعازي الأهل والجيران لفقدانه، ومع كل ذلك لم يصدق قلب الأم أبدا أن الشهيد الذي دفن هو صغيرها الحبيب ميشو!



سجين الشرنقة البيضاء


بعد مرور حوالي أسبوعين من جنازة الشهيد كان حمودة بعلوشة (صديق أحمد) في طريقه لزيارة صديقه الوحيد الذي بقي على قيد الحياة بعد القصف، كان الجريح يرقد في غرفة العناية الفائقة في مجمع الشفاء الطبي منذ 13 يوما وقد اختفى رأسه تماما تحت لفافات الشاش الأبيض.

ولكن في هذا اليوم كان الأطباء قد رفعوا الشاش الأبيض والضمادات عن رأس صديقه الجريح محمد حجازي، وما إن وقعت عينا حمودة على الجريح حتى صرخ بأعلى صوته: هذا أحمد أبو سلامة.. هذا أحمد أبو سلامة.

أصيب حمودة بحالة من الهستيريا، فقام الطاقم الطبي في غرفة العناية المركزة بإخراجه من الغرفة وسط صيحات حمودة الهستيرية ودموعه الحائرة.

ولعل التقارب الكبير بين أحمد أبو سلامة ومحمد حجازي في العمر وحجم الجسم، بخلاف الشاش الأبيض الذي كان يحجب الرأس والوجه المتورم؛ كان من العوامل الرئيسية في صعوبة التعرف عليه والتفرقة بينهما.


http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1257404389695&ssbinary=true


اجتماع الشمل


أحمد على قيد الحياة بعد شهادة وفاته الرسمية

رفض والد أحمد الإصغاء إلى حمودة صديق ولده وقال إنها مجرد أكاذيب، ولكن شيئا ما دفعه إلى التوجه إلى مقر المشفى، وما إن اقترب من سرير الجريح المسمى "محمد حجازي" حتى أيقن أنه ابنه، وأخذ في الصراخ باسم التدليل الذي ينادي به ولده في البيت: ميشو.. ميشو!!

أصاب عائلة محمد حجازي الذهول وتساءلت: أين ابنها إذن؟! ونشب الصراع بين عائلة أحمد وبين العائلة التي كان أحمد في رعايتها منذ 13 يوما باعتباره ابنها، والتي أمضت الأيام والليالي بين اليأس والرجاء تنتظر سلامته وتتضرع إلى الله تعالى أن ينقذه.

وإنهاء للنزاع قرر الأطباء أن تنتظر العائلتان إلى أن يستعيد المصاب وعيه ويتعرف على ذويه؛ وعندها فقط يمكن التمييز بين محمد حجازي وأحمد أبو سلامة.

إنه طفلي..!!


داخل غرفة العناية المركزة اقتربت الأم كريمة أبو سلامة من الجريح الممدد على فراشه بين الموت والحياة، وما إن التقطت عيناها التائهتان صورته حتى تعرفت على شعره البني.. لم تصدق عينيها.. إنه ميشو الذي ودعته شهيدا إثر القصف الصهيوني لجباليا، ودفنته أشلاء ممزقة وشيعت جنازته قبل 13 يوما، وفتحت أبواب بيتها الحزين لاستقبال العزاء فيه، واستخرج والده شهادة وفاته.. ولكنها صدقت أخيرا صوت قلبها، وصدق الجميع قلب الأم الثكلى!!

أكدت الدموع التي انهمرت من عيون ميشو صوت قلبها، فما إن تعرف الابن التائه على صورة أمه حتى انتفض جسده الهزيل وبدأ يبكي, ولم يستطع الحديث بسبب وجود أنبوب في حلقه, وأكدت الأم للأطباء وهي تغالب دهشتها وذهولها أنه ابنها، وشرعت تريهم علامات مميزة في جسد ابنها؛ فهناك شامة كبيرة وسط بطنه، كما أن لديه آثار غرز لجرح في رأسه أصيب به في حادث سير قبل عدة أعوام.. تحفظ جيدا كل سنتيمتر في جسم ولدها وتعرف تاريخ كل جرح أصابه.

لكن فرحة العثور على أحمد حيا لم تكتمل؛ لأن الإصابة أدت إلى

حدوث شلل طولي في الجهة اليمنى، كما أنه فقد النطق بسبب شظايا الصاروخ التي أصابت

رأسه وأتلفت جزءًا كبيرا من خلايا الدماغ, وأثرت على نشاطه الحركي بشكل ملحوظ.

وأمام هذه الإصابات الخطيرة تقرر سفر أحمد لاستكمال العلاج في مصر..

نسرين حمدان
12/12/2009, 07:24 PM
على جسد إبراهيم.. إسرائيل تتعلم القنص!
علا عطا الله


http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?blobcol=urldata&blobheader=image%2Fjpeg&blobkey=id&blobtable=MungoBlobs&blobwhere=1231916420661&ssbinary=true

نحو نصف الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء

غزة - ثمانية وعشرون حرفا من قاموس لغة الضاد ما عادت تكفي لتكوين مفردات جديدة تليق بوجع غزة وحزنها، وربما لن ينجح حرف يحتل الترتيب الـ(29) أو حتى الـ(100) في ترجمة دمعة سالت بذهول وحرارة من عين أب أعدم الاحتلال صغيره أمام ناظريه، ثم بدءوا في الرقص على بحر دمه النازف والتباهي بتصويب رصاصات حقدهم نحو جسده الساكن بلا حراك.
خيوط الحكاية الحزينة نسجها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 19 يوما، مسفرا حتى ظهر اليوم الأربعاء عن نحو ألف شهيد و4600 جريح نصفهم من النساء والأطفال.

عائلة عواجة الكائن بيتها في بلدة العطاطرة شمال القطاع كانت في كل صباح تستيقظ على شمس دافئة تغريهم بالنهوض باكرا، غير أن هذه الشمس وعصافيرها توارت واختفت مع بدء الحرب المجنونة، وانزوت الأسرة في أقصى ركن تبحث عن أمن مفقود.
إبراهيم صاحب الأعوام التسعة –وبعد أسبوع من المكوث بالمنزل- اقترب من أمه وهمس بشوق "تعالي نخرج لحديقة المنزل ونتناول الإفطار هناك.. لقد تعبنا من هذه الغرفة".. بعد ساعة من الزمن كانت أكواب الشاي الساخن ومائدة طعام شهية تتحدى خوفا سكن أما وزوجها وثلاثة من أبنائها.

"أبي إني أموووووت.."


ظنت الأسرة أنها في مأمن وسلام، ولم تكن تدري أن عيون الحرب تحاصرها وتتربص بضحكاتها؛ قذيفة أولى تنطلق.. تقطعها أخرى.. الجدران تتصدع وتنهار.. الشظايا تطير.. وصيحات الرعب تتعالى.. ينسكب الشاي وتتحطم الأكواب وينغمس الخبز في الدماء.

إبراهيم ابن التاسعة يصرخ بأعلى درجات ألمه "أبي إني أموووووت.."، يهرع والده لحمله بين أحضانه.. يضمه ويتحسس نزيفا يسيل من بطنه.. ينادي بخوف على زوجته "هيا لمغادرة المكان".. تهرول الأسرة إلى الخارج، وما إن تصل باب الحديقة حتى يزداد وابل الرصاصات.

رصاصة تشل حركة الأم وتصيبها في قدمها فتعجز عن السير أو حتى الالتفات، وتتمكن أخرى من خاصرة الأب فتطرحه أرضا، ويسقط إبراهيم إلى جواره لتباغته رصاصة غادرة تسكت آخر أنفاسه.

ويحتمي الطفلان المتبقيان خلف كومة من ركام المنزل يبكون بصمت طويل.. يهدأ ضجيج الموت قليلا.. فتظن الأسرة أن مأساتها انتهت، وهي لا تعي أنها للتو بدأت، جنود قادمون بخطوات قاسية.. يراهم الأب فيتظاهر بالغيبوبة والانتقال إلى عالم آخر.

يقترب أحدهم من جسد إبراهيم المسجى ويقلبه بقدمه يمينا ويسارا.. ترتفع ضحكات الجنود ويصوب أحدهم من بعيد رصاصة إلى رأس إبراهيم الساكن.. تتبعها قهقهة تنزل سكينا حادا في قلب والده.. يسحبون الصغير إلى مكان مرتفع.. يرمونه برصاصات المباهاة ويتسابقون في القنص على الطفل الشهيد.

دقيقة.. فعشرة.. فساعة.. وصدر إبراهيم ورأسه لوحة متحركة لقنصهم.. يضحكون طويلا.. يلهون.. ويتسابقون.. ثم بعدها ينسحبون.

برد الليل الطويل ولسعاته القارسة تتكفل بإيقاف مؤقت لنزيف الأب الذي راح يزحف نحو زوجته ليمسك يدها ويحثها على الثبات والصمود.. تبكي فيبكي وتتعانق دموعهما على الحزن الكبير.


جراح الروح الغائرة


أربع ليال ببردها وبطء عقاربها مرت على عائلة عواجة.. طفل شهيد اخترقته عشرات الرصاصات.. أب ينزف وأم لا تتحرك.. "كيف تم إسعافهم؟".. الكيفية الدامعة هذه يسردها كمال عواجة والد الشهيد إبراهيم لـ"إسلام أون لاين.نت" بصوت لا صوت له "قتلوا طفلي بدم بارد.. أعدموه مرة وثلاثا وعشرا.. تفاخروا أيهم يستطيع التصويب على جسد صغيري من مسافة أبعد".

يغمض الأب المفجوع عينيه ليخرج من صورة تفاصيلها تدمي قلبه، يستدرك بوجع: "تظاهرت بالموت وهم يقتربون من إبراهيم.. ظننتهم سيجهزون عليّ.. لكن ما لم أتخيله يوما أنني سأشاهد ابني وهو يتحول إلى لوحة لمرمى نيرانهم.. مع كل رصاصة كانوا يتمتمون بكلمات لم أفهمها.. حروفها فقط كانت توحي بنشوتهم وسخريتهم.. وكأنهم في معركة انتهت بانتصارهم".

يصمت تاركا العنان لدموع تنهمر كما المطر، يتساءل بعدها بأسى: "ما الذي فعله طفلي ليقتلوه بهذه الوحشية والإجرام؟!.. لم يرحموا براءته ولا جسده الغض.. تنافسوا فيما بينهم لقنصه والإمعان في إعدامه".

جرح جسد الوالد المكلوم بدأ يلتئم بيد أن جرح روحه الغائر سيبقى مفتوحا على آخره.. "البرد الشديد أسكت تدفق دمي، واندمل الوجع في خاصرتي، لكن وجع قلبي لن يشفى ما بقيت حيا".

ويلفت كمال إلى أن أسرته بقيت أربعة أيام في العراء دونما دواء ولا شراب ولا طعام.. "في صباح اليوم الخامس، سمعنا صوت عربة كارو تجرها امرأة عجوز مقتربة من أنقاض منزلنا.. ولداي وزوجتي وأنا أخذنا نصرخ مستغيثين بأعلى صوت إلى أن سمعت العجوز نداءنا.. وعلى الفور ذهبت لنجدتنا وجلبت الإغاثة، وبعد ساعة كانت سيارة الإسعاف تنقلنا جميعا إلى مستشفى دار الشفاء".

"إنهم يحرقون الطفولة"

الأم التي ربط أحد أبنائها قدمها بمزقة من قميصه ليضمد جراحها ترقد الآن على سرير المرض لتتلقى العلاج، وذاكرتها عاجزة عن تخزين هذا الكم من المشاهد الحزينة، وتتساءل بحرقة "ما الذي تريده هذه الحرب البشعة لكي تستمر أكثر من هذا؟!".

سؤالها المرتجف سيبقى معلقا دونما إجابة تشفي صدرها المكتوي، ووحدها ستظل نداءات حقوقية تصدر من هنا وهناك تشبه سؤالها الذي يندد بجرائم محتل يحصد أخضر الأرض ويابسها، وتصفها بـ"حرب الإبادة".

شهادات تؤكد


فإذا كانت هذه الرواية من طرف واحد ومن السهل القول إنه لا توجد مصادر مستقلة تؤكدها أو تنفيها، فإن هناك العديد من الشهادات الحقوقية التي تتحدث عن "همجية" الاحتلال في استهداف الأطفال تؤكد مثل هذه الممارسات ومثيلاتها.

أحدث تلك الشهادات أطلقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي أكد في بيان صدر مؤخرا ووصلت لـ"إسلام أون لاين.نت" نسخة منه أن "إسرائيل تستهدف في حربها اغتيال الطفولة وإبادتها.. فإن أغلب ضحايا الحرب على غزة هم من الأطفال دون الـ15 عاما".

وبحروف صاغها البيان بحزن بالغ أضاف: "لا يتم فقط استهداف الأطفال وقتلهم، بل يمعن الاحتلال في التمثيل بهم وتشويه أجسادهم، وبتر أطرافهم وحرق براءتهم.. تصلنا شهادات وإفادات خيالية لا يصدقها العقل".

وأشار البيان إلى أن "المركز وبقية المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تعكف على توثيق كافة مجازر الاحتلال لتقديمها للمحاكم والمحافل الدولية لإدانة الاحتلال وقادته على ما ارتكبوه من جرائم لوثت تفاصيل الحياة الجميلة.. وحرقت الطفولة".

د.محمد فتحي الحريري
12/12/2009, 07:33 PM
فلا تبخل بهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا !!!!!!!
نسرين الغالية الرائعة البتول
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ولك الشكر مفعمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا بالابتســــــــــــــــــــــــام ....
:mh78::mh78::mh78::mh78::mh78::mh78::mh78:
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=63250