المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غلطة مميتة .. قصة قصيرة جدا



مراد عبد
14/12/2009, 07:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


غلطة مميتة
ضاقت ذرعا وهي تتأمل هذا الضيف الجديد الذي لاتلامس قدماه الأرض . مستقرا في أرجوحة توسطت بيته الجميل الذي يتدلى من السقف ... ينال طعامه وماءه دون عناء وحين يفتح فمه يصغي إليه الجميع ! وهي .. هي التي تفني نهارها بحثا .. تنبش في الأرض بكل عناء ..لتعد لهم بيضا لوجبة الفطور ودون أن تلقى أدنى عرفان منهم .... . قررت أن لاتبيض بعد الآن !
بعد أيام كانت ُتعد طعاما لوجبة الغداء !

مرزاقة عمراني
14/12/2009, 09:36 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هذه قصة النزعة الموجودة عند بعض بني البشر؛ قصة البخل

و الحرص و الضن بما يملكون..

على الرغم من أن المجتمع يتقاسم أفراده الأدوار و المهمات،

و ينطلقون في الحياة من قول الشاعر،

الناس للناس من بدو و حاضرة

بعض لبعض و إن لم يشعروا خدم

إلا أن البعض يبخل بما يملك و ما يستطيع أن يقدمه،

و قد يظن في لحظة غياب العقل و التفكر الطبيعي في منطق

الحياة أن القدر قد أهانه و رفع الآخرين، بينما تقتضي الطبيعة

أن ينطلق كل واحد فينا صباحا الى مسيرة حياتية ، تتقاطع وظائفها

و مهامها مع الكثير الكثير من المهام الأخرى لأشخاص آخرين،

قد نراهم و قد نلتقي بهم، و قد لا يحدث ذلك. إلا أننا جميعا نلتقي

على صعيد تكوين مجتمع إنساني راق، هادئ و مطمئن.

و الدجاجة في النص لم تحتمل رؤية العصفور و هو ينعم في قفصه

بالراحة و السكينة و الدلال، فالأسرة تنعم عليه بالدلال و الحب

و تمتعه بما أحب من ألوان الغذاء.

و قد و قفت الدجاجة موقف الحاسد المبغض، و ظنت أنها أحق

بتلك المكانة ، لم لا و هي التي تجتهد بمفردها في تأمين غذائها،

لتؤمن بالتالي وجبة الفطور لأهل الدار، و لا يفعل هذا القادم الطارئ

سوى أن يكون عالة محبوبة مقربة.

يتقاطع هذا النص في فكرته مع قصيدة إيليا أبي ماضي، التينة الحمقاء:


وتينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها والصيف يحتضر
" بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال وغيري عنده النظر "
لأحبسن على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر "
" كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها
وليس لي بل لغيري الفيء والثمر "
" لذي الجناح وي الأطراف بي وطر
وليس في العيش لي فيما أرى وطر "
" إني مفصلة ظلي على جسدي
فلا يكون به طول ولا قصر "

" ولست مثمرة إلا على جسدي
إن ليس يطرقني طير ولا بشر "
...
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عارية
كأنها وتد في الأرض أو حجر
ولم يطق صاحب البستان رؤيتها ،
فاجتثها ، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به
فإنه أحمق بالحرص ينتحر

و قد لاقت التينة الحمقاء بعد أن تخلت عن وظيفتها التي خلقها

الله من أجلها النتيجة ذاتها التي لاقتها الدجاجة في نصنا.

فمن الطبيعي أن تلفظ الحياة من يرفضها و يعلن التمرد على

الطبيعة و الخروج على قوانينها.


الأستاذ مراد عبد...

التحية التي تعرفها...

مرزاقة عمراني
14/12/2009, 10:03 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يبرز هذا النص قيمة أخلاقية و حضارية رفيعة، هي أن الإنسان مهما

أحس بالنقص و قلة القيمة و الحيلة، وجب عليه دائما النظر لمن هم

أقل منه إمكانات في هذه الحياة، و على الفرد أن يدرك أن مهمته في

الحياة هي تأسيس المجتمعات المتشبعة بروح الإلتزام و الصدق في

آداء الواجبات. إن أي عمل مهما بدا حقيرا هو في الحقيقة ذو شأن

خطير في تأسيس المجتمع و ضمان استمرار الحياة.

و حين حسدت الدجاجة العصفور المتدلي بيته من سقف الدار، لم

تنتبه إلى أنه ( أي العصفور ) يحسدها على النعمة الكبرى التي

تتمتع بها و هي نعمة الحرية؛ فالمسكين رهين محبسين، بيت و قفص،

و ربما لم تنتبه الدجاجة في لحظة التهور و موقف الحسد أن العصفور

كان يقضل حياة البرية الحرة على حياة السجن مهما كانت مغرياتها،

و هذا ما يذكرني بقصيدة لشوقي تخاطب فيها العصفورة الريح الذي

أغراها بركوبه بغية إيصالها إلى اليمن ، حيث الحبُّ فيها سكر و الماء

شهد و لبن، حيث أجابتة و صديقتها و هما اللتان سكنتا خاملا من الرياض

لا ندِ و لا حسن:

يا ريح أنت ابن السبيل

ما عرفت ما السكن

هب جنة الخلد اليمن،،

لا شئ يعدل الوطن.

تخلت الدجاجة عن نعمتين؛ الحياة و الحرية،

و هنا حُــقَّ على الموت أن تكون لها جزاءً..




الأستاذ مراد

شكرا على إعادتي إلى التينة الحمقاء، و قصيدة

عصفورتان في الحجاز المنتمية إلى زمن الطفولة الجميلة.



تحياتي...

مراد عبد
15/12/2009, 04:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذة العزيزة مرزاقة عمراني طابت ايامك

لاادري كيف اقول وانت تبذلين كل هذا العناء لتغدقي على النص هذا الثراء والجمال وتمنحينه سمة الدخول ليكون الى جنب افضل ما انجبه تاريخنا الادبي . كيف اقول وانت تاخذينا -نحن القراء - الى المواطن الجميلة في خميلة الشعر والقصة . ما اعذبها من فرصة لننهل من بحر ثقافتك الزاخر .مااسعدني وانا اجدك توصلين القصة بالبعد الانساني الذي اسعى اليه
عزيزتي : على منحى (كليلة ودمنة ) كتبت هذه القصة وقصص اخرى حيث استعير من عالم الحيوان قناعا لمضامين انسانية واتمنى ان اوفق .
شكري لك واعتزازي بك لاحدود له مع خالص مودتي .

حسن الشحرة
17/12/2009, 12:27 AM
قصة بالغة الحزن

ما أكثر المسحوقين والمطحونين في المجتمع الذين يبيضون ذهبا..لكن عندما يحتج أحدهم أو يطالب بنزر يسير من حقوقه المهدرة فالويل ثم الويل له..(يؤكل لحما ويرمى عظما)أو هو كالشعير (مأكول مذموم)..

ما أغنى القصة وما أوسع دلالتها..
احترامي ومودتي

مراد عبد
17/12/2009, 05:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ القاص الرائع حسن الشحرة طابت ايامك
امتعتني قراءتك الحميمة للقصة وانت تجود عليها بما تراه من المعاني والافكار . شكرا جزيلا مع خالص تمنياتي بدوام التالق

ماهر طلبه
17/12/2009, 07:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
غلطة مميتة
ضاقت ذرعا وهي تتأمل هذا الضيف الجديد الذي لاتلامس قدماه الأرض . مستقرا في أرجوحة توسطت بيته الجميل الذي يتدلى من السقف ... ينال طعامه وماءه دون عناء وحين يفتح فمه يصغي إليه الجميع ! وهي .. هي التي تفني نهارها بحثا .. تنبش في الأرض بكل عناء ..لتعد لهم بيضا لوجبة الفطور ودون أن تلقى أدنى عرفان منهم .... . قررت أن لاتبيض بعد الآن !
بعد أيام كانت ُتعد طعاما لوجبة الغداء !


قصة جميلة ، فهذا الشكل والذى يتخذ من الكائنات الحية الاخرى غير الانسان وسيلة للوصول الى حكمة رغم جماله الا انه غير منتشر فى الكتابة العربية لهذا نحن نحتفى بمثل هذه الكتابات التى تغنى القصة العربية ..
استاذى الفاضل مراد عبد اسعدتنا كثيرا بقصتك الجميلة ... اتمنى لك التوفيق الدائم والسعادة الدائمة
تحياتى

مرزاقة عمراني
19/12/2009, 02:03 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أكثر ما يبرز في هذه القصة هو مسألة الصراع بين البشر،

ربما نخصص هنا فئة المجتمعات الصغيرة المنسحقة تحت أقدام

المجتمعات الكبيرة، بما تمتلكه من أسباب القوة التي تؤهلها

لاعتناق أحلام و مشاريع سيادة العالم، فالفئة المنسحقة غالبا

ما تتناسى غبنها و فقرها و بؤسها، و بدلا من البحث عن الحلول

للخروج من مآزقها، تتورط في صراعات و حروب ترجعها دائما إلى الخلف.

إن عدم التفكير و التمعن يؤدي لا محالة إلى الهلاك...

لو فكرت الدجاجة قليلا لاكتشفت أنها الأخت الشقيقة للعصفور،

و كلاهما طائر ... أحدهما منححته الطبيعة الجناحين و حرمته

الطيران و التحليق، و الآخر هيأت له أسباب الإنطلاق في

السماء، و سلطت عليه من أسكنه القفص و سواه بالدجاجة،

و أصبح اإثنان دون حرية أو سماء...

إننا نسأل الدجاجة: ما الذي دعاك إلى الغيرة و الحسد؟؟

و تحدي الطبيعة و ركونك إلى طيش و البخل ببيضك؟

أما علمت أنه من الطبيعي أن تـــُــذبح الدجاجة التي لا تبيض،

و تأخذ دون أن تعطي...

و هذا حال كل منخرط في البشرية يستهلك منها دون أن يضيف

إلى إنجازاتها شيئا...



أستاذ مراد..

تحياتي..

ام الفضل بنت الشيخ
19/12/2009, 03:18 AM
لا يمكن أن يكون الموت دون حق مسلوب أو دون عرض مهتوك غلطة بل هو شرف وشهادة كما أخبر الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام في معنى الحديث من مات دون عرضه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد.
ولكن الخطأ والحمق يكونان حين يموت المرؤ دون أمور توهم أو أُوهم أنها له حق وما هي له بحق لا طبيعة ولا شرعا...

تذكرني هذه الدجاجة الحمقاء والمسكينة بالمرأة التى ظنت أنها إذا أرادت أن تكون حرة عليها أن تكون رجلا... !!!
وحينها كانت الغلطة المميتة...فقدنا المرأة ولم نربح رجلا!!!

كل الشكر والتقدير لك أخي مراد عبد على هذه القصة الهادفة.

مراد عبد
20/12/2009, 10:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ القاص العزيز ماهر طلبه طابت ايامك
شكرا على هذا الاحتفاء والاطراء تمنياتي لك بكل النجاح

مراد عبد
25/12/2009, 06:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخت الفاضلة ام الفضل بنت الشيخ السلام عليكم
شكرا جزيلا على هذه الاطلالة الطيبة واثرائك للنص . تمنياتي وخالص مودتي

قميتي بدرالدين
25/12/2009, 07:08 PM
قصة رائعة تحتوي على ابعاد انسانية كثيرة
فاعتبر الانسان من الحيوان كما علم الغراب بني البشر كيف يدفن
فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ”.

مشكور اخي

محمد فائق البرغوثي
25/12/2009, 07:16 PM
يقول مالارميه " تعيينك للشيء هو حذف ثلاثة أرباع لذته، لأن اللذة الحقيقية تكمن في الاستكشاف التدريجي ".

جميل هذا الحذف والاضمار ، وهذا التلغيز ، والتأجيل لنقاط الاشراق في القصة ، الذي حبّك القصة وأشعل عنصر التشويق فيها .

تحيتي لقلمك الجميل المتمكن أخي الأستاذ مراد عبد .

مراد عبد
26/12/2009, 10:22 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ العزيز قميتي بدر الدين السلام عليكم

اسعدني مروررك الكريم واغنائك للنص . تقبل مودتي واطيب تمنياتي

مراد عبد
29/12/2009, 08:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاخ القاص العزيز محمد فائق البرغوثي طاب مساؤك
شكرا عزيزي على اثرائك النص بهذا الاستشهاد البليغ وهذا التقييم الرفيع . اطيب تحياتي وتمنياتي .

مراد عبد
02/01/2010, 12:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الاستاذة الناقدة العزيزة مرزاقة عمراني السلام عليكم
رائعة هذه الحكمة التي تتجلى في محاوراتك للنص والشخوص وعكس ذلك على المجتمع الانساني والغوص عميقا في صراعاته . اعجبتني كثيرا ترجمتك الباذخة هذه للنص . لك امتناني واحترامي .