المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفيروس



عيسى حديبي
15/12/2009, 05:59 PM
موضوع المسرحية
الفصل الأول:
المشهد الأول: يظهر الراوي كل مرّة .. ليشرح اللوحة ..
المشهد عبارة عن حوار بين شخصين
المشهد الثاني: الراوي يروي بداية المشهد مستفسرا عن العمل (الشغل والبطالة)
بين الحوار قائما بين ثنين وثالث
المشهد الثالث: عبارة عن حوار بين بطالين جدارمان 1 وجدارمان 2
الفصل الثاني:
المشهد الأول : حواربين الأستاذ رسالة مان والتلميذ زرع مان
المشهد الثاني: رئيس البلدية المدينة مان
رئيس الفرع التقني أو المعمارمان
مسؤول الخزينة أو الخزينة مان
المقاول أو الساحرمان
مدير الوكالة العقارية عقار مان(ويتم ذكره في الفصل الثلث المشهد الثالث)
المشهد الثالث: عبارة عن مؤسسة
مديير المؤسسة المؤسسة مان
المديرالتجاري تجارة مان
السكرتيرة
السيد أحمد صديق المدير أيام الدراسة
الفصل الثالث:
المشهد الأول: عبارة عن اجتماع يضم
مدير مكتب التشغيل ديوان شغل مان
نقابة العمال دفاع شغل مان
جمعية البطالين جماعة جدار مان
منظم الإجتماع
المشهد الثاني: مكتب التشغيل
مثقف وصاحب شهادة واسمه يوسف
شخص راشي واسمه علي
موظف المكتب لا يظهر سوى رأسه يخاطب الوافدين على المكتب وتعمّدت
تسميته الرأس
المشهد الثالث: هو عبارة عن استعراض للشخصيات الوهمية المبنية على الفراغ والسطحية
تعاتب نفسها في شكل مونولوج(monologue ) لكل شخصية
المغزى
المسرحية من المسرح التأملي عبارة عن حوار بين اثنين .. ثم ثلاثة فأكثر ..وتعمّدت إضافة "مان" MANالتي تعني بالانجليزي رجل أو..زوج..عامل..موظف..الخ (إنسان) ..كجدارمان أو رسالة مان وزرع مان..
أولا: رمزية للبعد الإنساني والاجتماعي ..
ثانيا: حتى أضفي عليها مسحة الأسطورة اليونانية أو بحثي عن ذلك الخيال الذي يصحبنا عندما نطالع ألف ليلة وليلة .
ثالثا: ربما أكون قد طرقت باب جدلية التغيير..
---------------------------------------------------------------------

الفيـــــــــــــــــــروس
الفصــــــــــــل الأول
( المشهد الأول )
لا أحد .. على الخشبة ..
الراوي : -" .. يا سادة .. يا كرام .. عليكم السلام ..
.. شهرزاد .. دائما تروي الحكاية ..
..شهريار .. دائما يوافق .. على جميع الفصول ..
..الربع الخالي .. يعلن رضاه بالصمت الأبدي ..
..الخفافيش .. في كل مكان .. تبحث عن بقايا الدم في الجثث الهامدة ..
..المدينة .. نائمة .. هادئة .. هدوء المقابر القديمة .. "
ثم يظهر رجلان على الخشبة ..
الأول -" .. المدينة آمنة .. أمر غريب .. "
الثاني -" .. ما الغربة في ذلك؟ .. "
الأول -" .. المدينة صامتة .. أمر عجيب .. "
الثاني -" .. إن الصمت لغة الإنتحار .. يبعث الأمان والهدوء.. حتى في قبور الفراعنة القدامى .."
الأول -" ..أنت تقول أن المدينة .. آمنة .. وأنا أراها خاوية .. حتى من صراخ الأطفال .."
الثاني -" .. لأنّ الأحرار .. رحلوا .. تركوا المكان .. وأخذوا الزمن .. "
الأول - " ..أنا لا أمزح .."
الثاني -" .. إن إبكتاوس اليونانيّ ..كان يحب الحريّة ومات أسيرًا.. فكيف لا تبعث الأمان .. قبور الفراعنة القدامى ..صدمة في وجه الحضارة والتاريخ .. أمانا وصمتا فيهما الجلال والعبقرية .. وسرّاً لا يُفسَّر سوى للذين يعلمون؟ .. "
الأول -" .. إن المدينة تستيقظ كل يوم .. تقرأ أوراق الأشجار .. المترنِّـحة..
في كل مكان ..
فالخريف عوّدها .. موسيقاه الرتيبة .. كذلك يمضي اليوم .. ويفعل الأفيون فعله ..لتبيت المدينة .. ليلتها بين الألوان..أما الطيور البيضاء .. فتسبح في الفضاء الخارجي .."
الأول -" .. إنـّي لا أفهم ما تقول .. ؟ "
الثاني –" .. إن شرح الأشياء .. أصبح يخيف المدينة .. لأنها ملت الحرب.. والدمار .."
الأول -" .. الحرب ! ؟.. الدمار !؟ .. إنّـك تزيد الأمر تعقيدا .. فلماذا تكلمني بهذا الجنون ؟"
الثاني -" .. إذن .. أنت مجنون ..؟! .."
الأول -" .. أنا آسف .. لم يكن قصدي كذلك .. وإنما .. (يقاطعه الثاني ) .."
الثاني -" .. أنت صادق .. فلا تُغيّر كلامك .. يكفيني سماع الجنون .. حتى أشعر بالأمان .. والحرية .. "
الأول -" .. يبدو أن الأمر يزداد تعقيدا .. شيئا .. فشيئا .. "
الثاني -" .. نعم .. لأنّ الأمر يدفع إلى الجنون .. عندما يرتكب الإنسان الجريمة ويرفض أن يكون الضحية.. يبحث في كل العالم..عن شيء ..يعتبره شمعدانا .. يعلّق عليه خطيئته .. فلا يجد .. لأنّ العالم جميل .. ولا مكان فيه للجريمة.."
الأول -" .. ألا توجد عندك طريقة أخرى .. تجيبني بها ! .. "
الثاني –" .. بشرط أن تجيبني أنت أوّلا .. وقتها أقرر الردّ عليك .."
الأول -" .. اتفقنا تفضـّل .. "
وينطلق الاثنان .. في حوار حادّ ..
الثاني -" .. هل أنت أنت ؟ .. "
الأول –" .. نعم .. أنا .. أنا .. "
الثاني -" .. وما الدليل ..؟ "
الأول –" .. لأنّي هنا .."
الثاني -" .. أتهزأ بي ؟ "
الأول -" .. وما المناسبة ..؟
الثاني –" .. طرحتُ السؤال .. هل أنت أنت ؟ ..
الأول – وأنا أجبتك عمّا سألتَ .. فمم العجب ؟ "
الثاني -" .. أنت تراوغ .. "
الأول -" .. فهمتك الآن .. تريد إجابة اخترتها أنت .. قبل السؤال .."
الثاني- " .. ربما ! .."
الأول-" .. ربما ؟ .."
الثاني -" .. تراك فهمت .. "
الأول-" .. لم أفهم شيئا .. "
الثاني-" .. هذا جنون .. أم أنك مجنون ؟ ..
الأول-" .. سأجنّ حقّا لو صدقتك .. "
الثاني-" ..قرّرت المراوغة .."
الأول-" .. هيا اتركني لو سمحت .. "
الثاني-" .. قررت الهروب لأنك ضعيف .."
الأول -" .. ضعف من ؟ .. "
الثاني – ..أَظُنّـُنِي أنا من سألت الأوّل ؟.."
الأول-" .. لكنك تسأل عن إجابة اخترتها أنت .."
الثاني-" .. وما العجب ؟ .. "
الأول-" .. أنا لست أنت.."
الثاني-" أعرف ذلك .."
الأول-" .. لا يمكنني الإجابة عن سؤال اخترته أنت واخترت له الإجابة .."
الثاني-" .. وما الغريب في ذلك ؟.."
الأول -" .. لماذا تسألني ..؟ "
الثاني-" .. لماذا لا تجيب ؟..
الأول- .. أكيد أنّك مجنون ؟ ..
الثاني- .. أنا مجنون حقا لأني لم أرحل مع أولئك الذين أخذوا الزمن ..
في حقائبهم .."
الأول-" .. إذن أنا مجنون ..؟.."
الثاني-" ..كلا .."
الأول-" .. لماذا؟..
الثاني- .. لأنّكم كثيرون .. وهذا يرفع عنكم الجنون .."
الأول-" .. وأنت عاقل أم مجنون ؟ ..
الثاني- .. أمثالي مُبعثرون..موزّعون .. على المطارات.. غرباء في بلادهم..
.. وعند الآخرين .. "
الأول-" .. أكره السفر .. وأخاف من الغربة .. لكن مع ذلك .. أريد أن أفهم سؤالك .."
الثاني-" .. لا تكن حسـّاسا .. وابق أميناً لغبائك .."
الأول-" .. أمينا ؟ .. لغبائي ؟ .."
الثاني-" .. لخفافيش المدينة .. وباعة الأحلام والكلام .."
الأول-" .. سألتني ..من أنت ؟ ..وأجبتك أنا.. أنا ..فما الإجابة يا ترى ؟ .."
الثاني-" .. انتظرت منك .. أن تقول ..أنا حارس الجلاد ..الأمين على عرضه وماله.. أرضه وسمائه ..أما أن تقول ..أنا أنا ..فذلك يعني .. أنّك حرّ ..ومسؤول
ترفض أن تكون جلادا ..أو ضحية لغيرك ..وتلك إجابة رحلت مع الغرباء.."
نهايــــــــــــــــــة المشهد الأول
الفصــــــــــــل الأول
( المشهد الثاني )
الراوي:" .. عمّال أم ممثّلون .. يترجمون دور العمل ؟.. لا أدري ؟..
هي الحياة نفسها مسرحيّة .. كما عبّر عنها ويليام شيكسبير .. لكن ..
أليس جميلا أن يحسن الإنسان لعب دوره ؟.. ليكون عاملا في مجال ما..
من قطاعات الحياة المختلفة .. فيحقّق هويّته ويثبت ذاته .. أو يبقى خاملا..
ينافق ويخادع .. يختلق الأعذار ذريعة يبرّر بها عجزه كلّ مرّة ..
العالم موجود بحكمة وعناية .. مُقدّر له أن يكون بحساب .. يكتب عنه العلماء أحيانا..ويغيب عن إرادتهم وعلمهم غالبا .. كذلك التوازن في الطبيعة .. جسم الإنسان وفكره .. إن اختلّ .. تحدث الكوارث في الطبيعة .. الأمراض في جسم الإنسان .. التناقض .. التصادم .. الحرب الإيديولوجية .. التكتّلات الإقتصادية .. البراقماتية .. ثم جنون الإنسان .. بعدما فقد إنسانيّته أخلاقه ودينه..
ليصبح الفكر .. بدون الإنسان تمثالا .. يُكسِّر ويُكسَّر .. كذلك الحقّ والواجب ..
توازن فعّال .. في تحقيق الهويّة والذات ..
هل شعرت بتلك السعادة ؟.. عندما تطلب شيئا من حقّك .. بعدما قمت بواجبك؟..
لماذا ؟.. لأنّ الضمير يقيم فينا محكمة خاصّة .. تحاكمنا على اتفراد .. لا تظلمنا .. ذلك الضمير الخفيّ يُحدث التوازن رغماً عنّا لأنّه يعرفنا .. وفي نفس كلٍّ منّا .. يعاتب ويصفح .. ليقيم العدل من فوقنا .. يعلّمنا الحريّة الحقيقية ..
بعد توازن الحق والواجب فينا .. وقيمة العمل والوعي بمخاطر الخمول والإستهلاك ..
هاهو مشهد لعمّال .. يبدو أنّهم يعملون ..وفي أسطورتنا هم.. " شغل مان".. "
يظهر على الخشبة .. " شغل مان" (عمّال) يتحاورون ..
الأول -" ..سمعت أن المؤسسات.. ستـُحسِّـن من وَضْع "شغل مان"( العمّال).."
الثاني-" .. كيف ..إيه ! .. إنّه مجرّد كلام ..مثل كلّ عام .. "
الأول -" .. حسب الأخبار.. التي يتقاذفها الرصيف ..يظهر أن الأمر يخص زيادة في قيمة العملة ..قابلة للإرتفاع.. و.. "
الثالث-" .. أغبياء .. يالكم من أغبياء .."
الأول -" .. أنت دائما تتفلسف ..وتريد أن تحكم العالم من كوكبك البعيد ..ها..ها.."
الثاني-" ..أحيانا أجد عندك الحق .. بالرغم أنّي لا أوافقك في معظم ما تقول .."
الثالث -" .. لست الوحيد .. كلّكم يوافقني .. وكلّكم متناقض .. ويميل الى الكذب .. أنتم أحرار .. تفضّلون التنفس الصناعي ..وسط جوّ خانق .. بالكذب .. .. والوعود .."
الأول-" ..قالوا ..قلنا .. أنا لست مسؤولا .. ولا صاحب قرار ..أليس كذلك .."
الثالث -"..بالرغم من ذلك تريد أن تقنع نفسك ..والآخرين ..بالمستحيل والدخان..
الثاني-" .. أنت فيلسوف .. كان عليهم أن يُسمّوك .. أفلاطون أو سقراط .. ها..ها .."
الثالث-" ..لماذا تفضّلون دائما .. الكذب والخداع ..وتضعون أمام من يعرف الحقيقة .. الحواجز المزيّفة .. "
الثالث -" .. ماذا تريد أن تقول أنت أيضا ؟..(ويشير الى الأوّل) ..
.. أنّ الفلاسفة مجانين ؟.."
الثاني-" ..نعم مجانين ..لأنهم يعتبرون أنفسهم .. مالكو الحقيقة ..وغيرهم في ضلال أبديّ.."
الثالث-" .. القرون تمضي .. وعقولكم تتحجّر .. وتبتعد عن الحقيقة .."
الأول-"..(ينظر الى الثاني ويقول)..هل تسمع ما يقول هذا المجنون ؟ .. " الثاني-" ..مسكين لا يريد أن يستيقظ .. لا يريد أن يدرك أنّ ما يقرأ في الكتب..
لا يزيده سوى سذاجة ..حمقا .. جنونًا وحلمًا ..في جمهورية الفضيلة.."
الثالث -" .. من هو الأحمق يا ترى ..؟ "
الثاني-" .. تطرح السؤال ؟..(مستهزئا) .. ".
الثالث-" .. أطرح السؤال ..وأجيبكم بحزن عميق .. أنتم كثيرون .. وهذا أمر خطير .."
الثاني-" ..أتفهم ما يقول هذا المجنون ؟ .. "
الأول – .. أنا لم أفهم شيئا .. سوى أن بعض العبارات .. التي يقولها .. تبدو جميلة وحالمة.. ها ..ها .. "
الثالث -" ..(بحزن ) ..آه ..لو تعلمون كم أنتم أغبياء ..وكم أنا سعيد بوحدتي..
الثاني-" .. تُذكّرني بقريش .. ومحمد ..رسول الله .. ومع الأنبياء.. وبقية شعوب العالم ..وصراع الديانات .. كان عليك أن تحترف رعي الأغنام .. قبل أن تصبح فيلسوفا ..حتى تمتلك قداسة الأنبياء .. أو.. ( ضاحكا) .. كرماتهم ومعجزاتهم .."
الثالث -" .. آه ..لو تعلمون .. كم أنتم أغبياء .. وكم أنا سعيد بوحدتي .."
الأول-" .. يا له من متناقض .." سعيد بوحدتي " .. قل حزينا .. بضعفي ..غربتي ..وجنوني"
الثاني-" ..الفلاسفة كتبوا عن الإنسان وتاريخ العالم .. ناقشوا الفكر .. وقسّموه مدارس ..نزعات ومناهج ..لكن الحياة تأتي كل يوم بالجديد .. المثير والغريب.. الذي يجعل أعمالهم مجرّد مراجع ..ومذكرات .. للطلبة الحالمين .. أما أنت فتقرأ لتعيش ..بالذكرى .. وحنين القدامى .."
الثالث-" .. لولا الفلاسفة القدامى ..كما تقول ..(مبتسما ).. الأديان السماوية..
والعلماء.. لما كان لوجودنا في هذا العالم قيمة ..لأنّه مهما يكن .. فلهم الفضل في تفسير الأشياء..العالم ..الحياة..والوجود .."
الثاني-" .. مازلت تحلم مثل المجانين .. "
الثالث -" .. هذا الأمر يحزنني ..مثل القلائل أمثالي ..ضحايا العالم المادي ..
عالم الكون .. الفساد..والجريمة .."
الأول-" .. تتكلّمون عن الفلسفة ..نحن نتعاطى دروسا في الفلسفة .. وكثير الكلام بينما الغرب ..يتطوّر ..ويزدهر كل يوم .. "
الثالث-" .. ما الداعي للحديث عن الغرب ؟..
الأول-" ..ألا ترى كيف يعيشون اليوم ..؟ والعالم في أيديهم .. ألا تسمع .. عن الجديد عندهم.. في كل المجالات .. يملأ أوراق الصحف .. ألا ترى في شاشات العالم .. الجديد في العلم ..والاختراعات .. أما نحن فمستهلكون لا نبرح أماكننا من الدهشة والوجل .."
الثالث-" .. إن الغرب تعلّم منّا مما ترجمناه وطورناه .. من فكر وعلم من سبقونا ثم أصابتنا النكسة ..فتحوّل الشريف فينا الى ذليل ..والصعلوك الى سيّد محترم .. ذو مـال ..وجاه وسلطان . . يملك السيارات الفخمة .. القصور العاجية .. يبيع من أفكار الخلق ما يشاء ..يشتري من أعراضهم .. ما يشتهي .. ومن حزنهم ما يوافق إرادته ..(وفي صمت وحزن ) .. واصبح الأمر عاديا .. فلا يُسْأل من أين له ما كسب ؟..بل المؤسف في الأمر .. أنّه يُحسد على نعمته .. التي أَنعم بها على نفسه ..وعلى المرتبة الاجتماعية ..التي تَحصّل عليها .. ليلقي الفقر .. على باب المعلّم .. الأستاذ .. والموظف النبيل .. البسيط..النزيه .. ويزرع الكآبة واليأس على وجوه المثقفين ..ودعاة الخير والفضيلة .."
نهــــــــــاية المشهد الثاني
الفصــــــــــــل الأول
( المشهد الثالث )
الراوي:" .. يلتقي صديقان اثنان .. على الخشبة .. انهما "(بطّالان) ..عاطلان عن العمل وحسب أسطورتنا بطّال هو " جدار مان" ..
إذن : جدار مان الأول فارغ اليدين ..و جدار مان الثاني .. يحمل جريدة في يده كان يطالعها ..ينطلان في حوار ..وتستمرّ الأسطورة.."
جدار مان لأول -" .. السلام عليكم .. "
جدار مان الثاني-" .. وعليكم السلام .."
جدار مان الأول -" .. هل من جديد على الجريدة ؟.. "
جدار مان الثاني -" .. ما بالجرائد شيء جديد .."
جدار مان الأول-" .. إيه ..ذكرتني بنزار قباني .. !! "
جدار مان الثاني-" .. أعرف جيّدا ميولك .. وأفكارك .."
جدار مان الأول-" .. يا سلام .. ميولي الأدبي .. ؟ربما ( صمت).. أمّا أفكاري .. فلا أظن..لأنّنا لا نتفق دائما .."
جدار مان الثاني-" .. قلت لك .. أعرف أفكارك التحرريّة .. الديموقراطية .. .. و ..(يقاطعه الأول)

جدار مان الأول-" .. مهلا ..مهلا ..مالك تتحامل عليّ هكذا ؟..أنا لست كلّ هذا.. إنّك ..تبالغ .."
جدار مان الثاني-".. هذا تواضع منك.. نسيت أن أقول لك أنك متواضع أيضا .."
جدار مان الأول-" .. أنت تسخر منّي إذن .. "
جدار مان الثاني-" ..لا تأخذ الأمر بحساسية مفرطة .."
جدار مان الأول-" .. المهم هل ظهر جديد .. عن شركة البلاستيك ..
التي تنوي فتح أبوابها ..؟
جدار مان الثاني-" .. تريد أن تقول مكتب العمل ..؟ ! ..مناصب الشغل ؟.."
جدار مان الأول-".. يبدو حسب ما يقولون .. أن القائمة قد تمّ أمرها منذ زمن .."
جدار مان الثاني-" ..أنا لم أعد أفهم .. لماذا يكتبون عروض عمل .. على صفحات الجرائد ؟..لماذا يفتحون مُفتشيّات ..ومكاتب عمل ؟! .."
جدار مان الأول-" ..يبدو أنك تتغابى .. بالرغم من سعة عقلك .. "
جدار مان الثاني-" .. أنت تسخر مني .."
جدار مان الأول-" .. أنت الذي تسخر مني .. تريد أن تقول أني أهذي .. كما تعوّدت دائما ؟ .. "
البطال الثاني-" .. لا..لا.. بل أردت أن أقول ..أن الأمور أصبحت هكذا .. برغم غرابتها.. تبدو عادية جدا .."
جدار مان الأول-" .. ألا تدرك بأننا اخترنا . . وأردنا للأشياء أن تكون .. على هذا النحو ؟.."
جدار مان الثاني-" ..ها قد بدأت ..( ويشير إليه بإصبعه).. تهذي بحمى أفلاطونية.."
جدار مان الأول-" ..أهذي ؟.."
جدار مان الثاني-" .. لا..لا.. تنزعج .."
جدار مان الأول-" .. إن ما يـُحيرني حقا.. هو أننا أصبحنا نسمع أخبار الرصيف.. هنا و هناك ..ولا ننزعج ..بل على العكس من ذلك ..إنّ من معه هذه الأخبار الواهية.. نجده محبوبا عند الكثير من الناس ..ألا ترى ذلك غريبا ..؟ "
جدار مان الثاني- " .. أعرف ذلك .. لكن الواقع أصبح مزيّفا .. وأضحينا .. نهوى الكذب ..ونهرب من الحقيقة ..لأنها تقلقنا وتبعث بنا في غيابات الحزن .. العميق.. فلمجرد أن يسألك أحدهم : ..ما وظيفتك ؟..أو ما حرفتك ؟ ..
تجد نفسك تختلق آلاف الحكايات والروايات ..حتى لا يسألك ..
ألا ترى ذلك أمرًا محزنا ؟
جدار مان الأول.. –" .. بلى إنّ الحق ما قلت .."
جدار مان الثاني-" كنت تظن أني لا أفهم هذه الأشياء ..؟ «
جدار مان الأول-" .. بالضبط ..والآن أدركت أنك تفهم .. وتعرف ..
لكن ألا ترى أنّ في الأمر شيئا يثير الدهشة والتساؤل ؟.."
جدار مان الثاني-" .. ماذا تريد أن تقول ؟ .. "
جدار مان الأول-" .. برغم علمنا بحقيقة الأشياء.. وطبيعة الداء .. لماذا يبقى المشكل قائما ..؟ .. لماذا يبقى الصمت اللغة الوحيدة التي نـتداولها ..؟ "
جدار مان الثاني-" .. لأننا تعوّدنا ..بعدما ألفنا ..وأصبح صعبا علينا الرجوع .. إلى ما كنّا عليه .."
جدار مان الأول-" .. أرى أن الأمر .. دائما بأيدينا .. فلو فهمنا حقـّا ما نريد.. وسعينا في تحقيقه .. بإرادتنا ..أي بمحو جميع العراقيل البيروقراطية .. باحتقار وتسفيه المجاملات المبالغ فيها ..حدّ النفاق والوقاحة .. والرشوة.. لأتفه الأشياء .. لأصبح الأمر جليًّا .. وأمست أمورنا في أيدينا.. أعرف أن ذلك أمر صعب .. لكن إن لم نشرع في وضع اللبنات الأولى .. لبناء المستقبل ..لبقينا على حالنا ..إنّ الأمر يتطلّب صبرا جميلا .. وبناء من حجارة صلبة ..مستقيمة.. حتى تتغيـّر الأشياء ..لأننا نحن من يغيّرها مع الزمن .. نحن من يبقيها على حالها.. ونحن من يبعث فيها الحياة ..الأمل.. والصلاح ..
نهاية المشهد الثالث
الفصــــــــــــل الثاني
( المشهد الأول )
الراوي :" .. يا سادة يا كرام .. عليكم السلام .. وإليكم نصّ الخطاب .. خيرجليس في الزمان كتاب..
أليس صحيحا أنّ الشعوب الناجحة ..منذ عهد اليونان والفرس.. كانت تركّز على الأكاديمية والبرامج التعليمية والمعلم؟ .. تلك أدوات الأرض الخصبة التي تُبنى عليها قواعد المجتمع والدولة .. إليكم مشهدا من قسم في مؤسسة تعليمية .. "
وفي أسطورتنا الأستاذ هو "رسالة مان" والطالب هو "زرع مان"
في الثانوية ..
في القسم ..
"زرع مان"(الطلبة) في أماكنهم .. يدخل "رسالة مان"(الأستاذ )..
رسالة مان -" ..السلام عليكم .. "
زرع مان -" ..وعليكم السلام .."
رسالة مان.. يكتب على السبورة .. " العمل" وينظر الى الطلبة ..
رسالة مان -" .. درس اليوم ..نتناول فيه العمل ..من منكم لا يعرف العمل ؟..
ويأخذ مذكرة من محفظته .. ويبدأ في قراءتها ..بطريقة كلاسيكية .. وبصوت عال..
رسالة مان -" .. إن العمل واجب وشرف..والشرط الأول..لازدهار وتطوّر الأمم .. به.. ( يقاطعه أحد الطلبة)
زرع مان-" ..حق أم واجب ؟..أنا لا أفرّق بينهما ..؟ "
رسالة مان -" ..إن العمل واجب ..أي يجب أن نعمل ونشمّر ..على سواعدنا .. حتى يمكننا .. ( يقاطعه زرع مان ثانية ) ..
زرع مان -" .. على حدّ تعبيركم ..إنّ العمل متوفّر .. ليس لنا إلا أن نشمّر ..
على سواعدنا.. ألا ترى سيدي ..أن هناك الآلاف ..ممن يحلمون بسماع كلمة .. أو عبارة " هناك عمل" أو على الأقل عروض عمل حقيقيّة ؟..
رسالة مان -" ..حذار .. لا تورّط نفسك في هذا الكلام .. حقيقة هو كلام حلو وعذب
يعطينا شعورا بالشجاعة والعزة ..و.. (يقاطعه زرع مان) ..
زرع مان -" .. أنت تقول العمل واجب ..ويستحيل الوصول الى الواجب .. دون الحصول على الحق .. لأن باكتساب الحق .. يمكن قيام مسؤولية الواجب .. وما يترتّب عليها.. "
رسالة مان -" .. حذار .. لا تورّط نفسك في هذا الطريق .. إنه مليء بالأشواك والحواجز.. حذار يا بني .."
زرع مان آخر .. يرفع يده بإلحاح ..
زرع مان الثاني-" .. رسالة مان .. رسالة مان .."
رسالة مان -" .. نعم .. تفضل .. إن أباك من كبار أهل المدينة .. وأكيد أنـّه علّمك من تجربته .. ما يوفّر عليك عناء زميلك .. "
زرع مان الثاني .. ينظر الى زميله ..ويقول له في حماسة ..
" .. وأنت ما دخلك .. في شؤون الآخرين .. اهتم بنفسك .. ولا ترافع على الفقراء ..لكلّ قدره وقدراته .. وطريقته في الحياة ..( صمت) ..
في بداية الطريق ..يكون قد وقَّع معلنا .. عن نفسه وعلى نفسه ..مسؤولية ..
ما سيحدث ..(ثم ينطلق كالسهم قائلا).. فأنا مثلا .. علّمني أبي ..أن .."
(يقاطعه ..زرع مان الأول)
الطالب الأول-" .. ليس الفتى من يقول كان أبي * إن الفتى من يقول هاأنا ذا "
يقاطعه زرع مان الثاني .. باستخفاف ..وتَهَكُّم ..
زرع مان الثاني-" .. ها..ها.. ( ويكمل ) .. إن الفتى من يقول ها أنا ذا ..
يبدو أنك مسكين .. ضحية لأفكارك ..وأحلامك ..كان عليك أن تجعل منها.. وسيلة تدفعك للنجاح .. ومعرفة كيف تصبح رجل أعمال ..أو مسؤولا..
أو رئيس وحدة إنتاجية .. توقّع الصفقات وتبرم العقود ..تجعل من علاقاتك
وسطا من الأقوياء ..تتحرك في فلكهم ..وتحلم مثلهم إذا شئت لأنك وقتها تكون..
متأكدا بأن حلمك سيلبس ثوبا جديدا كلّ مرة ..تبعث فيه روحا آخر ..
وقتما تشاء .. أليس كذلك يا سيدي ..؟ ( وينظر الى رسالة مان)
رسالة مان -" .. وهو كذلك .. ( ثم ينظر جهة زرع مان الأول ).. ألم أقل لك ؟ أن أباه علّمه الحياة.. وكيف التعامل معها .."
زرع مان الأول-" .. يظهر لي بأنك في حاجة الى حوار مع هذا الوالد الناجح .."
رسالة مان.. يصرخ في وجه الطالب الأول .. بعدما ظهرت على ملامحه .. علامات الغضب والشعور بالإهانة ..
رسالة مان -" .. يا ولد .. ماذا تقول ؟ .. يبدو انك نسيت أني رسالة مان ..
زرع مان الأول- .. أنت الذي اخترت أب زرع مان الثاني ..رسالة مان علـّمته الحياة فورّث ذلك لابنه .. وأراك تشهد وتعترف له بذلك .. أليس كذلك يا سيدي رسالة مان ؟ .."
رسالة مان -" ..أخرج واغرب عن وجهي .. لا أريد أن أراك .. فأنا أعرف أمثالك (صمت)..
رسالة مان -".. عندما كنت زرع مان .. سمعت منهم كلاما حلوا وحالما .. كدت أفقد معه ( صمت) ..
ربما لو سرت في نهجهم ..ربما ..( في تردد) .. تراني جالسا أو واقفا ..
على حافة الطريق ..أنظر الى الراكبين والراجلين ..إيه ..وأنت اليوم يا بنيّ..
تأتي لتعيد عليّ ما سمعتُه مــ..نــــ..ذ.. ( ويمسك رأسه ) .. خمسة عشرة سنة..
(ثم يتلاشى غضبه فجأة ..ويطلب من زرع مان أن يجلس ) .. "
رسالة مان -" .. هيا ارجع الى مكانك فقد عفوت عنك ..لكن سأسامحك .. بشرط أن تفكّر في الأمر جيّدا.. وقتها أطالبك بالقيام ببحث في الموضوع.."
زرع مان مان الأول.. المتمرّد .. يبقى واقفا ..وكأنـّه ينتظر شيئا ..
رسالة مان -" .. احترت ؟ ..لماذا عفوت عنك ..؟ببساطة .. لأني أعرف أنّك نجيب وبريء.."
لكن زرع مان.. بقي واقفا ..
رسالة مان -" .. تريد أن تقول شيئا ؟ هيا قل .. "
زرع مان الأول"يقول الشاعر..قم للمعلم وفِّه التـبـجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
رسالة مان -" .. رسولا.. كاد ..أوشك..(صمت) .. لكنك نسيت أن الزمن تغيّر وأصبح الرسول مهنيا ..يتقاضى أجرة يومية ..مقابل الرسالة التي يحملها .. إلى المجتمع .."
زرع مان-" ..لكنّك موظّف أنت أيضا .."
رسالة مان -" .. يبدو أنك لم تفهم .. ما قصدت ..بردّي عليك ! .."
زرع مان-" .. وماذا قصدت؟.. "
رسالة مان -" .. أنا أجبتك على الرسول والرسالة .. التي يشبّه بها الشاعر .. عمل "رسالة مان" (الأستاذ) .. والتي تفوق عمل المهني .."
زرع مان-" .. بدون شك .."
رسالة مان -".. لكن "رسالة مان" (الأستاذ) أصبح مهدّدا بالفقر.. فهل بقي لرسالته .. نتائج وغايات.. والواقع يجلده بقسوة ؟ .."
نهاية المشهد الأول
الفصــــــــــــل الثاني
(المشهد الثاني )
الراوي:" .. يا سادة يا كرام .. عليكم السلام.. حاكم المدينة.. الأمين على الرعيّة
الساهر على مصالح القبيلة.. الحاشية والأعوان..المسمّى اصطلاحا رئيس البلدية وفي أسطورتنا "المدينةمان" ..هاهو في مكتبه .. يدخل عليه المهندس.. مسؤول بناء وتعمير المدينة.. القائم بالأعمال التقنية .. المسمّى اصطلاحا .. مسؤول الفرع التقني ..وفي أسطورتنا "المعمارمان"..ويأتي بعده المقاول وهو المباشر للأعمال من بناء سدود وبحار ومحيطات وهو في أسطورتنا "الساحر مان"
المعمارمان -" ..( نفاقا ).. صباح الخير يا وجه الخير ..كيف أحوالكم ؟.."
المدينةمان -" ..(نفاقا ).. صباح النور يا سعد السعود .."
المعمارمان-" .. أنت مُحِّق ..( ويحرك أصابعه ) .. عندي لك خبرٌ سعيدٌ وسارٌّ ..هذا اليوم .."
المدينةمان -" .. ماذا تنتظر شوّقتني ؟..هيا أخبرني .."
المعمارمان-" .. هناك "ساحر مان"(مقاول) جديد ..ولا تجربة له .."
المدينةمان -" .. تريد أن تقول أنه فريسة سهلة ؟.. "
المعمارمان -" .. وهو كذلك .."
المدينةمان -" .. أكمل هيّا .."
المعمارمان -" ..وأجمل من ذلك أنّه من البادية ..وعنده الكثير من رؤوس الأغنام .. وأُميٌّ .."
المدينةمان-" .. أوه ..هذا جميل ورائع.."
المعمارمان-" .. يجب أن نرتّب كلّ الإجراءات ..حتى يكون مشروع الجدار من
نصيبه ..( ثم يحرك أصابعه ) .. وحصّة كلّ واحدٍ منّا كالعادة.."
المدينةمان -" ..إذا مرّت الأمور كما تعوّدنا .. نعطه أيضا ..
مشروع الرصيف المقبل .. أليس كذلك يا صديقي التقنيّ ؟.. "
المعمارمان –".. لا تقلق نفسك .. فقد علّمني "الساحر مان"(المقاولون).. كيف أتعامل معهم .."
المدينة مان -" ..نلتقي في المساء ..( صمت) ..بالمناسبة .. متى يأتي "ساحر مان" الجديد..؟"
ينظر المعمار مان(مدير الفرع التقني) ساعته ..
المعمارمان-" .. بعد ربع ساعة من الآن .."
المدينةمان-" .. يبدو أنك رتّبت كل شيء ..؟"
المعمارمان -" .. ألم أقل لك لا تقلق نفسك ..؟"
المدينةمان-" .. سآتيك في حدود الثامنة لنسهر معا .."
انصرف المعمار مان .. وبعد لحظات تلفن كاتب الديوان..ثم طرق باب مكتب المدينةمان..
ودخل شخص إنّه الساحر مان ..
الساحر مان-" .. السلام عليكم .. ( في حياء ورأسه الى الأرض ).."
المدينةمان-" .. أهلا..أهلا.. تفضل ..اجلس ..(ثم يكسر صمت وإحراج المبتدئ)..كيف أحوالك ..؟ إيه ..لقد علِمت من المعمار مان .. أنّك الساحر مان..مبتدئ وتنقصك التجربة ..لكن نحن سنساعدك ..
حتى تألف وتتعوّد على هذا النوع من العمل .."
الساحر مان-" .. شكرا ..شكرا لكم ..أنا أعرف أنكم ستساعدونني ..فقد أكدّ لي المعمار مان ذلك .."
المدينةمان -" .. نعم لقد صدق فيم قال لك .."
الساحر مان-" .. إنّي أشكركم كثيرا .."
المدينةمان -" ..كن شجاعا وسخيا ..وستكون الأمور على ما يرام .."
الساحر مان-" .. شكرا ..شكرا ..سأعمل بتوصياتكما ..وملاحظات السيد المعمار مان.."
ثم ينصرف الساحر مان ..
الراوي:"..عفوا قد نسيت أنّ حسب أسطورتنا مسؤول الخزينة هو.. "المال مان".."
يدخل "المال مان" ..بعدما تلفن كاتب الديوان.. (للمدينةمان ) .. كالعادة ..
وطلب له الإذن بالدخول ..
المال مان-" ..( نفاقا ) ..السلام عليكم .."
المدينةمان -" ..( نفاقا) .. وعليكم السلام .."
المال مان-" .. كيف أحوالكم ..؟ "
المدينةمان -" .. عندما أراك أفرح .."
المال مان-" .. لماذا؟ ..(ضاحكا) .. "
المدينةمان-" .. لأنك دائما تذكّرني .. بالأوراق المالية .."
المال مان .. يبدي نوعا من الاشمئزاز والتقزّز..شعر بذلك المدينةمان.. فغيّر الجوّ قليلا.."
المدينةمان -" .. إني أمزح .. ها..ها.. "
المال مان-" .. أنا أيضا أمزح ..ها..ها .."
المدينةمان-" ..استدعيتك لأخبرك عن فريسة جديدة ..يجب أن تسهل له الأمور حتى تمرّ فاتورته بأمان .. وفي أقرب الآجال .."
المال مان -" .. فريسة ..! ..(مستغربا ) ..فاتورة ! ..لم أفهم ..(صمت)..
أنك تتكلم بلغة جديدة .."
المدينةمان -" .. إنه مقاول بكل بساطة ..وأنت تمثل الخزينة .. التي تدر علينا بالنقود.. أليس كذلك يا صديقي .. ؟ ها..ها.."
المال مان-" ..نعم يا صديقي وهو كذلك .."
المدينةمان-" .. الصداقة..!! ( ضاحكا) ..إنك تُذكّرني برئيس أمريكي ..سابق
رد قائلا على أحد الصحفيين .. عندما سأله عن أصدقاء بلاده .. أنّ أمريكا ليس لها أصدقاء .. أمريكا لها مصالح .."
المال مان -" .. تكلّمني وكأني لا أعرفك ..! إنك تبدو غريبا عليّ.. ما بك؟.. "
المدينةمان –" ..والله لا أدري ..صدِّقني ..إنّ أمرا بداخلي يضغط عليّ ..
ويتكلم بدلي ..ولا أستطيع التحكّم فيه ..!! .."
المال مان -" .. وَيْحَك ..(ضاحكا) ..إنه الضمير ..يستيقظ فيك فجأة ..
( ضاحكا) ..
لا داعي فالوقت قد فات ..وليس مناسبا ..ولا يمكن لضحايانا أن يسامحونا هكذا.. يجب أن نكمل الخطيئة ..فقد قرّرنا ذلك في البداية .. والإعتراف أمر ..
صعب ومستحيل .."
المدينةمان -" .. ( بحزن عميق ) .. أمر صعب ومستحيل ..أنت أيضا تعرف ذلك .. ( ثم يستيقظ من حوار ضميره ) .. المهّم كالعادة ..ضميرنا دعه نائم..
لا توقظه .."
المال مان -" .. الضمير.. لا يعلن عن ساعة الحوار .. بل يختارها .. عندما نفقد حريّة الإختيار.. (صمت)
المهم كالعادة .. نرضيه بالترف .. السمر ..الشرب ..النساء والغناء.."
المدينةمان -" .. ( بحزن) ..ليته يرضى .."
المال مان -" ..( بحزن ) ..ليته يرضى .."
نهاية المشهد الثاني
الفصــــــــــــل الثاني
( المشهد الثالث )
الراوي :" .. يا سادة يا كرام .. عليكم السلام .. هنالك لوحة أخرى .. ومشهد آخر للحياة .. وجدلية غريبة .. تتناقض وحداتها .. لتصبح تنازلية كلّ مرّة ..
في الزاوية .. قطعة قماش .. عليها بالخط العريض .. " مؤسسة إنتاجية "
المدير..وهو في أسطورتنا "المؤسسة مان" ومديره التجاري .."تجارة مان" هاهو بمكتبه.. يطالع بعض الأوراق .. يرنّ الهاتف .. يحمل السماعة ..
المؤسسة مان-" .. نعم..( يؤكد للسكرتيرة )..هل قلتِ السيد احمد؟ ..طيِّب دعيه يدخل .."
يدخل عليه .. السيد أحمد ..
السيد أحمد-" .. السلام عليكم .. كيف أحوالك يا صديق الطفولة ؟.. "
المؤسسة مان-" .. أهلا..أهلا..أهلا.."
ويتبادلان القبلات .. والحركات التي تدّل .. على الماضي .. والطفولة ..
المؤسسة مان-" .. إيه .. مضى زمن طويل ولم نرك .."
السيد أحمد -" .. نعم ظروف الحياة .. أنت تعرف ذلك .. أكثر مني .."
المؤسسة مان -" .. فعلا..فعلا ..لو بقينا أطفالا لما شغلتنا الحياة كما تفعل بنا اليوم .."
السيد أحمد والمؤسسة مان .. يجلسان .. وفي صمت يطرح أسئلة ..
المؤسسة مان -" .. ما بك .. ماذا جرى ..؟ "
السيد أحمد -" ..لقد أغلقت مؤسستنا أبوابها ..ولم يعد للعمل فيها مكان .."
المؤسسة مان -" .. ( في كبرياء ) .. إن هذا أصبح أمرا عاديا .. فمعظم المؤسسات .. التي لا توافق .. متطلبات السوق .. والمنافسة .. هي مهدّدة بالزوال لا محالة .."
السيد احمد -" .. لو كان الأمر يتوقـّف عند ذلك .. لكان مدعاة للإنتاج الجيّد..
واستعمال تقنيات البيع والمتاجرة .."
المؤسسة مان-" .. ماذا تعني ..؟"
السيد أحمد-" ..( طأطأ رأسه ) ..أنت تعرف الطرق الملتوية .. التي تحدث في مؤسساتنا الإنتاجية .. كالتعامل بالشيكات بدون رصيد .. على هذا تدني مستوى الإدارة .. أمّا العمّال فهم أيضا مشاركون .. في غلق المؤسسة بعدم نزاهتهم .. وممارستهم للغش والنهب مااستطاعوا .. كل حسب تخصصه ورتبته .."
المؤسسة مان -" .. ( بنفاق ومكر ) ..إيه ..( يغير مجرى الحديث ) .. كيف أحوالك ؟ أولادك ؟.. زوجتك ؟ .."
السيد أحمد -" .. ( في هدوء ) .. الحمد لله على كل حال .."
المؤسسة مان-" .. أنا في الخدمة .."
السيد أحمد-" .. شكرا .. ( صمت ).. أردت فقط أن أقول لك .. أني قرأت إعلانكم بالجريدة .. عن المناصب التي توفّرها مؤسستكم .. وأظن أنكم قد طلبتم أيضا تخصصي.. وأنت تعرف ذلك جيدا .. "
المؤسسة مان .. يقوم ويستدير جهة الجدار.. يضرب يديه مدّعيا أسفه الشديد قائلا..
المؤسسة مان -" .. يا خسارة ..!! ..لو ..لو ..أتيت بربع ساعة .. قبل مجيئك .. لكان المنصب .. الذي عرضناه في تخصصك .. من حظّك ..( ويضرب يديه على بعضهما ثانية ويعضّ على شفتيه ) .. أوه ..أوه ..!! .."
السيد أحمد .. لأنه يعرفه .. ينظر إليه بعينين ..تقول..( في نفسه) " .. لماذا تكذب أيها المنافق ..
أيها الثعلب الماكر .. أيها اللص الكريم .."
(ثم يغمض عينيه)"
المؤسسة مان-" .. المهم ..( ويكتب في مذكرته بقلم جميل ) .. في أول مناسبة سأبعث إليك ..إما عندي .. أو عند أحد معارفي .."
السيد أحمد-" .. شكرا على كل حال .. ( يصافحه ثم يمضي ) .."
المؤسسة مان :"..( وحده في المكتب .. يتكلم )..يريد أن يعمل معي ..هذا
المغامر المسكين ..الذي لا يعرف الاستسلام .. عندما يتعلق الأمر.. بمبادئه وأفكاره وهو فعلا ذكيّ وكان متفوّقا عليّ في الدراسة .. ويتحكّم تماما في مجال تخصصه لكن للأسف .. ويا للأسف ..لو ترك أفكاره.. لوظّفته مباشرة .. "
ثم يُطرَق الباب ..
المؤسسة مان -" .. أدخل .. "
يدخل المدير التجاري "تجارة مان" ..
تجارة مان -" .. السلام عليكم .."
المؤسسة مان -" .. أهلا..أهلا ..هل من جديد ؟.."
تجارة مان-" .. نعم إن معي الجديد .. دائما .. بزنس إز بزنس ..لقد تعرفت على زبون.. سيأخذ منا كل السلعة الموجودة في المخازن .."
المؤسسة مان-" ..كل السلعة ؟ أنت تعرف أنها نادرة ..ونحن قصدنا تخزينها وتكديسها في المخازن.."
تجارة مان -" ..أعرف ذلك وهذه فرصتنا .."
المؤسسة مان-" .. وتناقشت معه حول الثمن ؟ .."
تجارة مان-".. سيشتري علينا بالمبلغ العادي .."
المؤسسة مان-" ..ماذا ؟ ( في دهشة ) .."
تجارة مان –" .. صبرا .. سيكون ذلك على الفواتير..أما ما إتفقنا عليه فسنعرفه.. عندما نذهب الى فندق الأحلام .."
المؤسسة مان-" .. فندق الأحلام ؟! .."
تجارة مان –" .. نحن مدعوُون إلى مأدبة عشاء ..وهناك ستعرف الثمن الحقيقي"
المؤسسة مان -" .. لا أريد دعوى الى العشاء ..أنا أريد أوراقا مالية .."
تجارة مان -" .. صبرا ..صبرا ..سيكون ذلك .. وعلى الطريقة التي تحبّها دائما
فقد نظمت كل شيء "
نهاية المشهد الثالث
الفصــــــــــــل الثالث
( المشهد الأول)
الراوي:" .. يا سادة يا كرام .. عليكم السلام .. اجتماع حزين منذ آلاف السنين..
يتكرّر .. يُولِّد من التكرار .. صوراً ميّتة بدون ألوان .. هاهو ديكور جديد ..
لمشهد قديم .. إنّه اجتماع ممثّلي : مكتب العمل.. نقابة العمال..جمعية البطّالين .. وفي أسطورتنا هذه الهيئات تِباعًا "ديوان شغل مان" و"دفاع شغل مان" و"جماعة جدار مان" ..
والجميع حول مائدة عليها ورود ..وميكرفون أمام كلّ واحدٍ منهم ..
"شغل مان"(العمّال) و "جدار مان"(البطّالون) .. متفرّجون .. على الكراسي جالسون .. كأنّهم ينتظرون بداية المقابلة ..
كلمة مدير مكتب العمل .."ممثل شغل مان"
ممثل شغل مان -" .. بسم الله الرحمن الرحيم .. ( بصوت عال ) ..والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ( وكأنه خطيب في ظهر الجمعة ) .. أما بعد .. أيها السادة الأفاضل ( ويأخذ ورقة في يده ) ..
".. إن هذه السنة ..سنة خير .. فقد كثرت نشاطات مكتب العمل .. بحيث سجّلنا تزايدا مذهلا في مناصب
( يقاطعه المتفرجون ) ..
المتفرجون -" .. آوه ..آوه ..!! "
منظم الإجتماع -" .. ( يضرب بيده على المائدة ) .. من فضلكم الهدوء .. "
يواصل مدير مكتب العمل ..
ممثل شغل مان -" .. وأخص بالذكر .. المجهودات التي بذلها موظفو المكتب ..
بكل ما استطاعوا من قوّة ..( يقاطعه أحد المتفرجين ) .."
أحد المتفرجين -" .. ومن رباط الخيل ..( يضيف بقية المتفرجين ) .."
المتفرجون -" .. الله أكبر .. الله أكبر .."
منظم الإجتماع -" .. الصمت من فضلكم .. من فضلكم .. الصمت .. "
ينفعل ممثل مكتب العمل .. يرفع يديه معبّرا عن ذلك ..ثم يجلس ..
منظم الإجتماع -" .. دعوه يكمل .. ( وينظر الى الجالسين .. ثم الى ممثل مكتب العمل حتى يكمل )
ممثل شغل مان -" .. ولديّ الأرقام .. ( ويأخذ ورقة ثانية ) .. الوافية الكافية.. الشاهدة على ما أقول .. نعم في السداسي الأول لهذه السنة ( يقاطعه المتفرجون )
المتفرجون -" .. والسداسي الثاني .. والمجموع ..والنسبة المئوية .. ومقارنة مع العام الماضي .. هناك تحسُّن ملحوظ ..ها..ها .."
منظم الإجتماع -" .. ( يصرخ بأعلى صوته ) .. من فضلكم .. شوت .. التزموا الصمت .. فهناك ممثل البطالين ..وممثل العمال .. كلاهما له كلمة لكم .."
المتفرجون -" .. نريد ممثلا للمتفرجين .."
منظم الإجتماع -" .. دعونا نسمع .. دعونا نسمع .. ممثل مكتب العمل "
ممثل شغل مان -" .. ( في غضب ) .. لقد أكملت .. ويجلس .."
المتفرجون يصفقون .. ثم في صمت .. لانتظار البقية ..
منظم الإجتماع -" .. الكلمة الآن لممثل النقابة .."ممثل دفاع شغل مان"
ممثل دفاع شغل مان -" .. بسم الله الرحمن الرحيم ..أما بعد ..أيها السادة .. ما ضاع حق وراءه طالب .."
المتفرجون -" .. حق الضعيف أم القوي..؟!"
منظم الاجتماع -" .. سكوت ( ويضرب المائدة) .."
ممثل دفاع شغل مان -" .. وأردت بهذه المناسبة ..أن أشيد بالشجاعة التي يتميز بها الاتحاد النقابي ..في مواجهة الصعوبات .. التي تعترض العمال .. وتسعى الدفاع شغل مان جاهدة لإزاحتها من الطريق .. وضمان الحياة الكريمة للعامل .."
المتفرجون -" ..آوه.. آوه ..آوه .."
منظم الاجتماع -" ..شوت ..شوت .. من فضلكم سكوت .."
ممثل دفاع شغل مان -" .. ونحن اليوم نجنّد كل ما عندنا في سبيل الضغط على الجهات المعنية ..
( يقاطعه أحد المتفرجين ) ..
أحد المتفرجين -" .. من أجل المساومة ..ورفع سعر المقابل .."
منظم الاجتماع -"..الصمت من فضلكم ..( بصوت عال ويضرب على المائدة )
ممثل دفاع شغل مان -".. وعندي مجموعة من الأرقام .. إذا أردتم أن تعرفوها ..فسأ..
( يقاطعه المتفرجون )
المتفرجون-" .. لا .. نــــــــــ .. ر.. يــــــــــــــــــــــ .. د .."
ثم يجلس"ممثل دفاع شغل مان" ( ممثل النقابة )
منظم الاجتماع-"..الكلمة الآن للسيد ممثل جمعية البطالين.. "ممثل جماعة جدار مان"
ممثل جماعة جدار مان -" .. أيتها السيدات .. أيها السادة ..
( يقاطعه أحد المتفرجين )
أحد المتفرجين -" .. لا آنسة ولا سيدة بيننا .. "
منظم الاجتماع -" ..الصمت من فضلكم .. ( ويضرب الطاولة .."
ممثل جماعة جدار مان -" .. يشرفني ..
( يقاطعه أحدهم ) ..
أحد المتفرجين -" .. ويطيب لي .. و ..و ..آوه .."
المتفرجون .. يضحكون ..
منظم الاجتماع -" .. شوت ..شوت ..( ويضرب الطاولة ) .."
ممثل جماعة جدار مان -" .. يشرفني .. أن أعطيكم الأرقام .. التي تم الحصول عليها خلال العام الماضي..والسداسي الأول من ها العام..( ويأخذ ورقة ويبدأ ).. في شهر جانفي.. من العام الماضي .. بلغت ( يقاطعه المتفرجون ) .."
المتفرجون -" .. لا نريد أرقاما ولا تعليقاذت .. فنحن في أماكننا جاثمون ..
وأنت في مقرّ جماعتك(الجمعية).. تحسب الأرقام وتكتب التقارير ..
لتوسّع نطاق المنخرطين .. فتصبح جمعية وطنية أو دولية .."
منظّم الإجتماع -" .. حذار .. فسأضطر لطردك .. من الاجتماع .."
المتفرّجون -" .. نحن من سيُفشل الاجتماع .."
أحد المتفرجين -" .. لأجلنا اجتمعتم .. وبنا تتفرّقون .."
نهاية المشهد الأول
الفصــــــــــــل الثالث
( المشهد الثاني)
الراوي :"..يا سادة يا كرام .. عليكم السلام .. يقول المثل القديم.. "من جدّ وجد...
ومن زرع حصد .. " أليس القدامى مخطئون؟.. إنّ القمح لم يعد بحاجة إلى مطر ولا بذور أو زرع.. لأنّه فَقَدَ روحه مثل ورود البلاستيك .. هاهو مشهد آخرمن الزرع على أرض بور .. "
في " الديوان شغل مان" (مكتب العمل) .. مثقّف صاحب شهادة .. "يوسف " .. وصاحب رشوة " علي "
وسط نفر .. في دولاب أمام شباك المكتب .. وفي فوضى المدّ والجزر
والضجيج ..
يظهر من نافذة الشباك .. رأس .. ينادي بأعلى صوته ..
الرأس-" .. يا بشر .. لم كل هذه الفوضى ..؟ "
أحد الواقفين –" .. سؤال يحيّرنا والإجابة عندكم ..!! "
آخر-" .. عندنا البطالة ..وعندكم العمل .."
الرأس -" .. بانتظام .. بهدوء.. سننظر في جميع قضاياكم .. "
أحد الواقفين -" ..أمضيت سنة ذهابا وإيابا .. الى هذا المكان ..دون جدوى ..
أسمع دائما نفس الكلمات .. وأرى نفس الرأس ..تدخل وتخرج .. من نافذة الشباك .. كرأس السلحفاة .."
أحد الواقفين -" .. أنا لم أفهم .. ربما عملهم هنا ..تعليم الناس..كيف يتجمعون .. ليزد حموا في دولاب وينتظرون .."
يصل دور المثقف .. ويقف أمام الشباك ..
المثقف-" .. السلام عليكم .. "
الرأس-" ..وعليكم ..( باحتقار ) .."
المثقف -" .. جئت لأسجل نفسي .. ( يقاطعه الرأس ) ..
الرأس -" .. فيم ؟"
المثقف-" .. إليك طلبي ..( ويسلمه أوراقه ) .."
الرأس .. يقرأ الطلب .. وينظر الى المثقف .. مستهزئا ..ثم يطالع الشهادات المرافقة للطلب ..
الرأس -" .. لكن هذا المنصب خاص بالإطارات .."
المثقف -" ..هل شهادتي لا تكفي ..؟ "
الرأس –" .. ( بصوت خافت يهمس في أذن المثقف ) ..لكنها مجرد أوراق .. لا روح فيها..ولا رائحة .."
المثقف -" .. روح ؟ ..رائحة ؟ .."
الرأس -" .. هناك الأوراق كهذه ..( ويحمل ورقة عادية ) .. وهناك الأوراق التي تسمن ..وتغني .."
المثقف -" .. آه ..فهمت ..أنا آسف ..ليس معي سوى أوراقي .. فأنا منذ تخرّجت .. لم أعرف طعما ولا رائحة للأوراق التي تتكلّم عنها .."
الرأس -" .. أنا أيضا آسف .. الذي بعده .. ( ويعطي المثقف أوراقه ) .."
المثقف .. يترك المكان .. في ذهول وحزن .. ثم يقف آخر أمام الشباك .. ينظر الرأس في أوراقه .. يسجّله عنده ..يمر الواقف ..ليترك المكان لمن بعده .. ليأتي دور علي صاحب الرشوة ..ينتصب أمام الشباك.. ويمدّ يده للرأس برفق .. وكأنه يعرفه منذ سنين ..يتكلّم علي صاحب الرشوة للرأس ..
علي -" .. السلام عليكم .."
الرأس -" ..وعليكم السلام -"
علي -" .. أنا علي عبد الصمد .. أتذكرني ..؟"
الرأس -" ..( يفكر قليلا ) .. ثم يصافحه بيده ويسلم على خده بقوة ) ..تذكرت ..
..نعم تذكرت .. "
علي -" .. لقد قال لي ( يقاطعه الرأس ) .."
الرأس -" ..أعرف .. أعرف .. اعطني فقط شهادة الميلاد ..
وانصرف لقضاء حاجاتك الأخرى ..واترك الباقي عليّ .. فقط ..بلِّغ السلام .. إلى أبيك .. الحاج محمد ..( ثم بصوت خافت ) .. تاجر الجملة .."
الواقفون -" .. لقد تغيّر الملف .. ولا يطلب ديوان الشغل مان .. سوى شهادة الميلاد .. فهي وحدها تكفي عن كل الشهادات ..يا سلام ..يا سلام .."
ينتهي المشهد الثاني
الفصــــــــــــل الثالث
( المشهد الثالث )
الراوي :" .. يا سادة يا كرام .. عليكم السلام .. وتبقى الحكاية تدور ..والزمن يدور ولا ينفذ .. و الإنسان يخطئ ويعتذر متأخّراً ..بعد الدمار وانقلاب الموازين.. وضياع قيمة التفوّق .. بحصار فكر الإنسان.. وتحقير الوعي الحقيقيّ بأسباب الحضارة .. الذي يبدأ من أبسط الأشياء : من تصرّف طفل .. إلى سلوك مسؤول.. إلى فكرة مثقّف .. أو رؤية عالِم أو فيلسوف ..
هاهي الشخصيّات المزيّفة .. تسقط بعد الغرور .. بعد الجاه والسلطان..
ويبقى الإنسان سجين الضمير الذي لا يحرّره .. ذلك الحارس الأمين الذي يوقظه كلّ ليلة .. يغرقه كالطوفان .. ليتركه لوحدة قاتلة .. يتوقّف فيها الزمن ..ليعذّبه باللاموت .. وينعدم المكان .. حتى لا تبقى سوى مساحة الندم..
هاهي الشخصيات فريسة للجنون .. والغربة مع الذات .. في حوار لا يرفع عنها ظلال الجريمة .. "
حوار انفرادي .. لكل شخصية .. بحيث يتبعها الضوء .. حتى تكمل حديثها
مع نفسها .. لتذوب في الظلام ..
المدينةمان(رئييس البلدية) -" .. لقد كسبت الكثير .. سيارة فخمة آخر طراز .. نزل على الطريقة الإيطالية ..رصيد في البنك الوطني ..وآخر في الخارج .. كل هذا .. في ظرف قصير ..هل كان بإمكاني وأنا موظف بسيط .. قبل انتخابي .. أن أحقّق ما حققته اليوم في هذه السنوات الخمس ..( صمت ) ..
لكنّ شيئا بداخلي ..(في حزن عميق ) .. يزعجني ..يقلقني كل ليلة .. يلازمني كالظل ولا يبرحني .. ( صمت)
أحيانا أخاف أن يدفعني الى الجنون .. لأني لا أتحمّل ذلك الحارس الأمين ..
الساهر بداخلي .. الذي يؤلمني كالضرس الملعونة ..
أحيانا أشعر بالرغبة في الرجوع الى ما كنت عليه قبل انتخابي ..
الذي لا يكفيني حتى آخر الشهر .. ( صمت ) ..
بالرغم من ذلك كنت سعيدا .. ولم أشعر حتى هذه الساعة ..
لأن ما اكتسبته يفرض عليّ علاقات..(في تردّد) ..لا أحبّها ..(ثم يسخر من نفسه)
لم أكن أحبّها .. لكنّي اليوم مربوط بها .. وأصبحَت جزءا من حياتي الجديدة
المصنوعة من الورق والضحكات العالية المنافقة.. من الكلام الحلو والإطراء ..
من المجاملات المبالغ فيها ..( صمت ) ..
أصبحت لا أفرّق بين من معي ومن عليّ .. من يضحك لي ومن يبدي لي أنيابه..
إن الحارس بداخلي لا يعرف النوم .. يوقظني في عِزِّ النوم .. يكلّمني في وضح النهار.. ( في ندم عميق ) ..يظهر أن ما حققته من الشهوات .. حكمت به على نفسي.. أن أبقى مدينا لكل الناس ..( ثم يمسك رأسه بيديه وينصرف ) ..
( يرجع ) .. هل كنت ضحية ؟..لا أظن ذلك ..هل كنت حرّا؟ ..
هل كنت مسؤولا؟ .. أنا نادم على كل حال .. لن أقول ذلك للآخرين ..
سأبقى أكذب حتى النهاية ..كي أرضي نفسي وأتناسى ذلك الورم ..المقيم بداخلي .."
ثم ينصرف المدينةمان ..
يدخل بعده ممثل الدفاع مان (النقابي) ..يمشي قليلا .. على الخشبة .. يتوقّف .. ثم يمشي معبّرا على قلقه..
ثم يقول ..
ممثل الدفاع مان -" .. انتخبني العمال "دفاع مان"(نقابي) يمثّلهم ..يدافع على حقوقهم ..يُوصل مأساتهم ومشاكلهم..إلى الإدارة والجهات المعنية.. لكن دخلت في دوّامة .. في مباراة لم أدر .. كيف وجدتني فيها لاعبا محترفا ..يعرف لمن يُمرّر الكرة حتى يستلمها في النهاية.. وبها يحقّق عددا مربحا من الأهداف .. (صمت )..
نعم ..تعلّمت لغة جديدة وللأسف كانت موازية لمصالح العمال ..وهم ينتظرون ..
والآن وقد انتهت فترة انتخابي .. ورجعت عاملا مثلهم ..بالرغم مما حققته..
رجعت لأفكّر مثلهم .. و أتعذّب عندما يرمقونني بعيونهم وحركاتهم الصامتة ..
( صمت ) ..
لا أجد كيف أتخلّص من ذلك .. ومن تلك المشاهد التي تجلد إحساسي ..
الذي فقدته طيلة وجودي بالنقابة ..( صمت ) ..
ياه ..أنا ضحية ؟ ..لا أظن ذلك .. ( صمت ) ..كنت مسؤولا ..
أي كنت حرا قدر مسؤوليتي ..كما يقول الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر..
( صمت ) ..
إذن ..دع الندم يجلدني من الداخل ..يرهقني ..يوقظني ..
يعاقبني على قدر حريتي و مسؤوليتي .."
وينصرف "ممثل الدفاع مان" (النقابي )..
يدخل "الرسالة مان" (الأستاذ) .. ومعه محفظته .. ينظر إليها ..يبتسم ..مستخفًا ساخرا من نفسه ..
الرسالة مان -" .. قم للمعلم وفه التبجيلا * كاد المعلم أن يكون رسولا ..
يا سلام .. كم كان جميلا هذا البيت ..!! في زمن مضى ..كانت معه كل الأشياء جميلة ..ياه ..ما كنت أظنّ أنّها تنقلب هكذا .. !!
والى هذه المأساة التي تحصد الضحايا كل يوم .. وتمنح شكلا جديدا للأشياء
التي كانت ممنوعة في ذلك الزمن الماضي .. وأصبحت تتجدّد ..تتمدّد ..
تصول ..تجول ..والضحايا يتزايدون والجلاّد مجهول ..( صمت )..
لا أحد يتحمل المسؤولية ولا أحد يقبل أن يكون الضحية ..كنت أستاذا ..
( يسخر من نفسه ) ..
ها..ها .. أما اليوم ..فإنّ التيار قد جرفني .. إلى عمق المحيط المادي المخدوع فأصبحت أُتاجر .. أبيع واشتري ..
أصعد وأنزل ..وأحيانا لا أدري .. ما فعلت أو سأفعل ..
في القسم .. أنسى أنِّي الرسالة مان أستاذ .. فأكلّمهم بلغة تاجر الجملة ..
والتاجر المتنقّل ..وأحيانا مدّاح السوق ..الذي يبيع الكلام ..
فيختار الأسطورة والنكتة ..حتى يخدع السامعين بسحر كلامه..
لتجود أيديهم بالنقود ..كذلك كنت أمثل دور الأستاذ في القسم ..
وخارجه ..أستعمل شاحنتي وسيلة نقل ..فأملأها رملا وحجرا ..
روحة وجيئة .. بين من يبني .. وأصحاب الحظائر .. إيه..
( يسخر من نفسه ) ..
شاحنتي ..طبعا لم تكن من راتبي المتواضع
بل حصلت عليها عن طريق تلميذ كان أبوه مدير وكالة عقارية ..منحني
حظيرة نظير خدمتي لجميع أولاده ..لأنهم كانوا يرسبون وبِي ينتقلون ..
ليس هذا فقط بل كنت أُحْضِرُ له صور طبق الأصل.. لبطاقات تعريف وطنية..هي لأولياء الطلبة الآخرين .. على أساس أنّي أحتاجها
في ملفّات أولادهم ..وأنا أمنحها للسيد "العقار مان"(مدير الوكالة العقارية) .. حتى تتحوّل إلى قطع أرضية .. لشخصيات وهمية ..تباع وتشترى ..أما أصحابها الحقيقيون غائبون ..لا يدرون ..بملفاتهم اليومية هائمون .. متصلّبون أمام الشبابيك ينتظرون .. وينتظرون ..قطعة أرض .. فرصة عمل .. أو شُقّة من الديوان الوطني لترقية السكن العائلي .. ( صمت ) ..
وأنا "الرسالة مان" (الأستاذ) بخّرت كل المراحل ..وأصبحت مالكًا لحظيرة .. بعت نصفها ..اشتريت به شاحنة وسيارة ..وأنا اليوم رسالة مان (أستاذ) فاشل .. وتاجر حقير ..متطفّل على عمل غيري .. وحزين بداخلي ..أتقطّع حسرةً.. على وجهي أُبدي الفرحة .. حتى لا أُشعر أحدًا بهزيمتي .. لأنّ رسالتي بِعتها بثمنٍ بخسٍ في سوق النخاسة .."
وينصرف الأستاذ ..
يدخل "المؤسسة مان"(مدير المؤسسة) .. يروح ..يجيء ..
المؤسسة مان-".. أنا المؤسسة مان اعتبرت الشركة ملكي ..وتعاملت مع الزبائن.. وكأنّي صاحبها ..ومع العمال.. وكأنّهم في مزرعتي ..أنا المؤسسة مان .. بالشركة عرفت السادة والأعيان .. وملكت العقار ..المال ..السيارة الفخمة .. أنا المؤسسة مان ..نسيت حقّ العمّال و انشغالا تهم ..
بقيت وحدي..أغرِفُ من خير الشركة .. وما يعود عليّ وحدي بالفائدة ..
أما العمّال .. فلهم أجورهم اليتيمة حتى السقوط الحرّ .. بحيث أصبحوا..
مجرّد بطّالين يبحثون عن عمل .. وأنا المؤسسة مان .. أصبحت من أرباب العمل .. لكن الجو حولي غائم .. ونفسي ضيق وضنك .. سافرت الى الخارج .. قصد العلاج .. فاتضح أن عندي الكثير من الأمراض .. المزمنة ..عرفت ساعتها .. أني وقعت ضحية لجريمتي .. وأني حكمت على نفسي .. يوم حكمت على مصير مئات العمال بالبطالة ..لأني كنت المسؤول الأول .. والمباشر في تنفيذ الجريمة
وينصرف "المؤسسة مان "
يدخل "الجدار مان" (البطّال) .. مهموما حزينا .. يملأ الجوّ دخان سيجارته .. يمشي في قلق .. يتوقف .. ثم يمشي .. ويدخّن كالمجنون ..
الجدار مان-" .. أنا "الجدار مان" .. المتحصّل على بطاقة تعريف وطنية .. والفاقد للهوية.. (صمت)..
أنا ذلك الذي درس الانتظار.. بكلّ اللغات ..وتعلّم جميع أنواع الوعود والكلام..
في النهاية لبست كل ألوان الأحلام ..
أنا "الجدار مان".. الضعيف بلا مآزر ..حفظت خطاب المنابر ..وبرنامج كل مندوب ونائب.. أنا "الجدار مان".. أنا والجدار رفيقان حميمان ..لا فرق عندي من ليل أو نهار..
أنا "الجدار مان" .. جرّبت كل محنة وشربت كل مرّ .. لكنّ ما قتلني حقّـًا .. هو طول الانتظار دون بصيص أمل ..دون صوت منادي ..
أنا "الجدار مان".. قرّرت أن أتمرّد على طبيعتي ..فتحوّلت إلى منافق ..مخادع..
انتهازيّ وراشي .. حيث أمكنني الحصول على اسم موظّف .. ثم بعد تجربة قصيرة .. وجدت الفرق شاسعا .. بين المهن الحرّة والوظيفة ..فقرّرت الرجوع إلى الجدار ثانية.. لكن بشكل جديد وتقنيات .. للهروب من الضرائب والرسوم.. أي لم أسجّل نشاطي في السجل التجاري.. ولم أفتح محلاًّ .. بل كنت أبيع وأشتري بالسمسرة .. وأعقد عقودا عرفية .. وأمضي في طريقي ..
مرّت الأيام والليالي .. وتعدّى نشاطي الشكل العادي ..
فاشتغلت في تهريب البضائع.. والأغنام إلى الحدود .. وتزوير البطاقات الرمادية ..و..و.. و في نظر القانون .. كنت "جدار مان" لأني تعمّدت أن أبقى كذلك ..حتى أشفي غليلي من عقدة بقائي عند الجدار.. تلك الساعات الطوال .. التي كانت تستنزف صبري وتقتلني ببطء شديد ..
( بحزن عميق ) .. ثم تورّطت ودخلت السجن ..ليتم الإفراج عني بعد سنوات ..
فوجدتني في الشارع "جدار مان" حقيقيًّا .. يدخل في عالم الجدار .. وكأنه وُلِد ليكون قدره.. "جدار مان" ..
أنا "الجدار مان" .. أنا ضحية غيري ؟ ..أم أن مسؤوليتي ..كانت اختياري المنحرف وإلحاحي على الانتقام من غيري ؟ ..المهم أنا نادم ..والندم أقسى أنواع العذاب ..
ياه ..!! إني أدفع الثمن غاليا ..من هو المسؤول الأول ؟ ..ومن هو أول ضحية
للمسؤولية والحرية ؟ .. أنا طبعا ..لأني وحدة بناء في بناء عظيم ..لبناته ..
من البشر مثلي .. يولدون أحرارا ثم يحكمون على أنفسهم بالعبودية مدى الحياة..
وينصرف متثاقلا .. في حزن عميق ..
نهاية المشهد الثالث