المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعر بين القدامى والتجديد



محمود عبدالبديع الهيتي
15/12/2009, 06:55 PM
الشعر بين القدامى والتجديد

محمود عبدالبديع الهيتي
يؤكد الباحثون في مجال الأدب العربي عامة والشعر خاصة على أن مدرسة الشعر الحر (التفعيلية) قد جاءت بالتجديد المتكامل والحقيقي للشعر العربي , ولا يمكن أن نعتبر المدارس الشعرية التي سبقت ظهور مدرسة الشعر الحر قد جاءت بالتجديد المتكامل للشعر لكنها دعت اليه وقدمت دراسات وافية للشعراء الذين امتلكوا الجرأة لكي يحققوا التجديد المتكامل الحقيقي... لذا سأتطرق لجميع المدارس الشعرية بعد أن نأخذ تعريف لفظ المدرسة (وتعني أن مجموعة من الأدباء.. كتابا وشعراء) من قطر واحد او أكثر يتجمعون على تبني أعرافا أدبية ذات سمات محدده من خلال نتاجهم الشعري والنثري , ويتبعهم اخرون إعجابا بأسلوبهم في النظم ثم يشاع.. فالمدرسة (تأسيس , اتباع , شيوع).
تعتبر مدرسة الإحياء أولى المدارس التي دعت الي التجديد , فالإحياء يعني (اعادة الشعر العربي الى سابق عهده وإحيائه من رقدته والعودة به الى التقليد , أو أحياء الشعر العربي القديم في أصالته ورصانة لغته وقوة أسلوبه , مع قدرة الشاعر بالإحتفاظ بشخصيته وقدرته على التفاعل مع منجزات عصره.. ومن أبرز الجوانب التي حققتها مدرسة الأحياء في مشوار الدعوة الى التجديد , أنهم عبروا عن أنفسهم بصدق ووضوح , ووازنوا موازنة فنية رائعة بين عناصر الشعر العربي القديم (المورث) وقضايا الإنسان في عصر النهضة , وأحدثوا تواصلا بين الحاضر والماضي..ويعد محمود سامي البارودي الرائد لها وتبعه (اسماعيل صبري من مصر) (ومحمد سعيد الحبوبي ومحمد مهدي الجواهري من العراق).... ويعد شعراء هذه المدرسة من الشعراء البارزين ولم يكونوا مقلدين ولكنهم عبروا عن قضايا امتهم وعن انفسهم بصدق.وعلى مايبدوا أن مدرسة الأحياء مهدت لشعراء آخرين حاولوا التطوير بعض الشيء بعد ان اتخذت مدرسة الأحياء من شعرتا العربي القديم مثال تسير على خطاه في الاغراض والأساليب واللغة وكثيرا في الصور الشعريه.. لذلك تعد مدرسة المعتدلين هي المدرسة الشعرية الثانية بعد مدرسة الأحياء فمضى شعراء هذه المدرسة يطمحون الى التجديد الآعمق والذي لايمكن له أن ينصب على الأساليب واللغه والصور الشعريه ققط بل تجديد يطرأ على الوزن والقافيه.. ولكنهم التزموا بالعمودي المقفى غير أنهم عبروا عن الحياة الجديدة في مطلع القرن العشرين وما رافقها من أحداث سياسية واجتماعية وثقافية بروح راغبة في التغير طامحة الى التجديد , مع إن مفهوم التجديد لم يكون واضحا لديهم , ولعل شعراء هذه المدرسة قد امنوا بالتطوير المتأني المعتدل المنسجم مع تطور الحياة فكانت رغبتهم هي عدم احدث طفرة لاتنسجم مع طيبعة الأمور ولهذا سمو بالمعتدلين , ولقد حاول شعراء هذه المدرسة محاولات جادة في مجال تطوير الشعر العربي غير أن محاولاتهم ظلت محدودة في إطار العمودي والإختلاف في الجودة والرداءة بين شاعر وآخر , وأبرز ماتميز به شعر شعراء هذه المدرسة الاهتمام بالقضايا الإجتماعية.. ومن أبرز شعراءها (احمد شوقي وحافظ ابراهيم) من مصر و (معروف الرصافي وعبد المحسن الكاظمي وجميل صدقي الزهاوي) من العراق.
وأعقبت مدرسة المعتدلين مدرسة المهجر , وتعد من أسبق المدارس الشعرية في الدعوة الى التجديد غير إنها تأسست وشاعت في بلاد المهاجر (أمريكا الشمالية) , وقد أثرت هذه المدرسة في المدارس الشعرية التي ظهرت في المشرق العربي. ولعل شعراء المهجر التفتوا الى التجديد تلبية لدواعي العصر وتجسيد للمضاميين الإجتماعية والفكرية والإنسانية التي فرضتها عليهم بيئتهم الجديدة وظروف الإغتراب , ولقد أعتبر الباحثون بأن شعراء المهجر كانت لديهم الجرأ في نبذ القديم وتنويع القوافي بلا حدود , لكنهم لم يوفقوا لذا ظلوا محدودين في تجديدهم الذي انصب على موضوعا القصيدة والصور الشعرية , من ابرز شعراءها (جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة واليا ابو ماضي) وهم الذين أسسوا جمعية (الرابطة القلمية) في بلاد المهاجر و (شفيق معلوف والشاعر القروي سليم رشيد خوري).
وتلت مدرسة المهجر جماعة الديوان الذين كانت لها آراء نقدية سديدة ودعوات ملحة الى التجديد لكنهم لم يوفقوا أيضاً , ومن أبرز الجوانب التي دعت اليها جماعة الديوان (الدعوة الى وحدة العضوية في القصيدة) فضلا عن وحدة الموضوع و الدعوة الى تنويع القوافي بلا حدود , ومن أبرز شعراء ها الذين هجروا الشعر في أواخر أيامهم (عبد الرحمن الشكري ويعد الرائد لجماعة الديوان , هجر الشعر واستقال من الخدمة وسكن الإسكندرية وكذلك (عباس محمود العقاد وابراهي عبدالقادر المازاني).
أعقبت جماعة الديوان مدرسة أبولو حيث كانت أعمق أثرا في جيل من المصرين والعرب , فكانت لهم محاولات جادة في مجال تجديد المضامين والأساليب الشعريه والتلاعب بالأوزان وتنويع القوافي بلا حدود والشعر المرسل , ولقد تأثر شعراء مدرسة ابولو بالأدب الرومانسي لما يحتويه من عواطف جامحه ومشاعر جميلة واخيلة وأحلام وروح إنسانية وولع بالطبيعه , وكان زعيم هذه المدرسة مؤسسها احمد زكي ابو شادي واتبعه أخرون اعجابا ومنهم (على محمود طه المهندس و خليل مطران) من مصر و (علي شوقي و احمد صافي النجفي) من العراق و (أمين نخلة) من لبنان و (عمر ابو ريشة) من سوريا و (أبو قاسم الشابي) من تونس... وبهذه المدرسة أختم الشرح البسيط عن المدراس الشعرية التي سبقت ظهور مدرسة الشعر الحر وكيف كانت دعواتهم الى التجيد... لذلك سأنتقل الى المدرسة التي أحدثت طفرة في تاريخ الشعر العربي بعد وصولها الى التجديد المتكامل والحقيقي وهي مدرسة الشعر الحر (التفعيلي) ويمكن أن نعرفها ب(الشعر الحر) كترتيب مغاير للشكل المألوف (العمودي) أو هو ترتيب جديد للتفعيلات الوزنية والتراثية , من حيث عدم الإلتزام بعددها المحدد في وزن القصيدة وتغير القوافي.
حققت مدرسة الشعر الحر أو (شعر التفعيلية) كل ماطمحت إليه المحاولات السابقة في تجديد الشعر , واستثمرت جهود السابقين لها جميعا , بعد أن تضافرت عوامل كثيرة حضارية وثقافية وإجتماعية وسياسية , والتجديد يكون بالجهود المتواصلة , والتجربة الدائبة ولعلنا لانبالغ اذا قلنا إن محاولات التجديد السابفة لم تحقق التجديد الحقيقي , لأن (التجديد بالمفهوم الصحيح هو الخروج عن السائد , وانبثاق شيء مغاير للقديم), بينما التطوير الذي أنجزته المحاولات السابقة كان محدودا , كما رأينا لدى جماعة الديوان وابولو والمهجر , وأما المدرسة الشعرية الواعية المجدده
فهي (مدرسة الشعر الحر) وتسما (بمدرسة الشعر التفعيلي) لأنها أسست للشعر الجديد واشاعته , وعمقته بعد الحرب العالمية الثانية لذلك يعتبر بدر شاكر السياب وتعتبر نازك الملائكة هما الرائدان للشعر الحر , لذلك لايمكن لنا أن نقول بأن بدر شاكر السياب هو الرائد الاول له ولا يمكن أن نقول بأن نازك هي الرائده له أيضا... لأن هذه القضية لم تحسم لحد هذا اليوم , وتكاد تكون نازك الملائكة رائدة للشعر الحديث، بالرغم من إن مسألة السبق في "الريادة" لم تحسم بعد بينها وبين بدر شاكر السياب، ولكن نازك نفسها تؤكد على تقدمها في هذا المجال عندما تذكر في كتابها "قضايا الشعر المعاصر" بأنها أول من قال قصيدة الشعر الحر، وهي قصيدة "الكوليرا" عام 1947. أما الثاني -في رأيها- فهو بدر شاكر السياب في ديوانه "أزهار ذابلة" الذي نشر في كانون الأول من السنة نفسها ( انظر نبذة مختصرة عن حياة نازك الملائكة - موقع أدب - الموسوعة العالمية للشعر العربي ) . وواكبها اخرين (بلند الحيدري - عبد الوهاب البياتي - صلاح عبد الصبور).
ولاننسى أن مدرسة الشعر الحر واجهت عدة انتقادات حادة أشبة بما تكون حروب أدبية من قبل بعض الشعراء الذين رفضوا أن يكون الشعر الحديث (الحر) نوع من أنواع التجديد , ولكن الباحثيين والدارسيين في مجال الشعر العربي أتفقوا على أن هذا الشعر (الحر) هو التجديد الحقيقي للشعر العربي لانه مبني على التفعيلات والأوزان غير أن الذي حصل هو خروج عن السائد لذا تلاشت الآراء التي ترفض بأن يكون الشعر الحر هو الشعر المجدد , ويمكن أن نلاحظ أن الشعر الحر فرض نفسه بقوة بعد أن فرض العصر الحديث تعبير في المضاميين الشعرية وأصبح الشعر تعبيرا أمثل عن هذا العالم وتغيراته , وأوكد بأنه لاتوجد أي حركة تجديدية بعد مدرسة الشعر الحر التي جاءت بالتجديد الحقيقي للشعر العربي.[/align]

[align=center]هذه المقالة نشرت في جريدة البينة الجديدة العراقية بتاريخ ( 18 حزيران 2009 ) , وجريدة المؤتمر العراقية بتاريخ ( 25 حزيران 2009 )