المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفحة من حياة عاشقة الودود



محمود عباس مسعود
18/12/2009, 10:36 PM
رابعـــــــــة العدويـــــــــة

بينما كنت أتصفح إحدى المجلات القديمة – باللغة الإنكليزية - شدني مقال بعنوان:
The Sufi Saint, Rabia بقلم آرثر ماسي Arthur Massey، فأحببت ترجمته للقارئ الكريم لما لرابعة العدوية من تقدير ومكانة سامية في نفوس متنوري الشرق والغرب.

جدير بالملاحظة أن كلمات رابعة كانت قد ترجمت في الأصل من العربية إلى اللغات الأخرى، والآن لدى ترجمتها من الإنكليزية إلى العربية فإنني متأكد من أن أقوالها التي سأقوم بترجمتها هنا لن تكون مطابقة تماماً لأقوالها الأصلية لاعتبارات لغوية لا تخفى على القارئ اللبيب، آمل أن تأتي متقاربة على الأقل من حيث المعنى. والآن إلى الموضوع:

كانت رابعة قديسة عظيمة، حيث نقرأ في سيرة حياتها التي ألفها فريد الدين العطار ما يلي:

" تلك الإنسانة المباركة عاشت في خلوة مقدسة.
الإخلاص الديني كان نقابها.
ونيران الشوق الإلهي كانت تضطرم في قلبها.
لقد طغى عليها الحب الإلهي فتاقت نفسها للفناء في مجد المعبود.
تلك المرأة التي فقدت ذاتها في الله.
والتي يعتبرها الناس السيدة العذراء الثانية، هي رابعة العدوية."

يا له من وصف رائع للقداسة الحقة! فقد عاشت رابعة في الدنيا لكنها لم تكن من أهلها. عاشت حياة الروح وهي في الجسد. لقد كانت ممتلئة بالخير والطيبة والصلاح. أما قلبها فكان متنوراً وطافحاً بالوجد الرباني. ولذلك فقد أصبح اسمها خالداً وما زال يتردد على ألسنة الناس.

ولدت رابعة حوالي سنة 717 ميلادية في البصرة حيث صرفت القسط الأكبر من حياتها. ذاقت طعم اليتم صغيرة، عندما اختطفت يدُ الموت أبويها، فوقعت في السبي وبيعت بيع العبيد.

ذات مرة، أفاق سيدها من نومه ونظر من نافذة حجرتها فوجدها تضرع لله خاشعة وتقول:

"إلهي، أنت تعرف أن قلبي مشتاق لطاعتك وأن نور عيني هو لك ولأجلك. لو كان الأمر بيدي لما توقفت يا رب ساعة واحدة عن خدمتك، لكنك جعلتني أسيرة لأحد عبادك."

أثناء دعائها رأى سيدها سراجاً منيراً فوق رأسها معلقاً في فضاء الحجرة دون سلسلة، وقد أضاء نوره على كل ركن من أركان البيت. وإذ أبصر ذلك المنظر العجيب أحس بالرهبة تدب في قلبه، فنادى رابعة وطيب خاطرها وأعتقها لوجه الله.

انطلقت إلى الصحراء ولسان حالها يقول: "إني مهاجرة إلى ربي."

بعد فترة من الزمن تركت الصحراء ووجدت لها غاراً شبيهاً بالكهف حيث استغرقت في عبادة تأملية عميقة على حبيبها الإلهي. وبعد أن حصلت على الاستنارة الروحية عاشت في خلوة شبه تامة لكنها لم تنقطع عن خدمة المحتاجين والقيام بأعمال البر والتقوى.

حياة رابعة كانت مليئة بالأحداث المثيرة، إنما ما يهمنا في المقام الأول هو تفتحها الروحي. لقد حصلت على عروض زواج عديدة لكنها اختارت حياة التبتل رغبة في مواصلة مسيرتها الروحية دون عائق.

عندما عرض أحد أمراء البصرة العباسيين عليها الزواج ووعدها بأن يقدّم لها مهراً مقداره مائة ألف دينار، وأخبرها بأن دخله الشهري يعادل عشرة آلاف دينار، وأنه سيهبها كل تلك الدنانير، بعثت إليه تقول:

"لا يطيب لي بأن تصبح عبدي وأن أملك كل ما تملكه. كما لا يطيب لي أن تلهيني لحظة واحدة عن حب الله."

في مناسبة أخرى، وردّاً على حسن البصري الذي عبّر لها عن رغبته في الزواج منها قالت:

"عقد الزواج هو لذوي الكيان المادي. أما بالنسبة لي فقد انتهى ذلك الكيان كوني لم أعد كائنة مذ فارقت ذاتي. وكياني الوحيد هو في الله لأنني له سبحانه بكلـّيتي. إنني رهن إشارته وأعيش في ظله. فيجب أن تطلب يا حسن عقد الزواج منه وليس مني."

كانت حياة رابعة برهاناً حياً على قوة الروح الإلهي في ذات الإنسان. تلك القوة التي تزيل العوائق وترفع الحواجز التي تفصل بين الإنسان وخالقه.

لعبت تعاليم رابعة دوراً كبيراً وساهمت مساهمة فعالة في تطوير المفهوم الصوفي وتحديد معالمه. فهي علـّمت الآخرين من تجربتها الذاتية ودلتهم على الطريق الذي سارت هي عليه، أي أسلوبها كان القيادة بالقدوة.

يقول العطار عنها: "لقد كانت رابعة متميزة ولم يُعرف لها نظير في علاقتها بالله ومعرفتها بالإلهيات. كما كانت محط إكبار واعتبار من كل الصوفيين الذين عاصروها. بل وكانت حجة لا تدحض في التصوف والتجربة الإلهية."

عرفت رابعة الحق كالعديد من أولياء الله الصالحين وعاشت حياة مديدة إذ ارتحلت عن هذه الدنيا وهي على مشارف التسعين. وبالرغم مما أصاب جسدها من وهن ظلت مع ذلك محتفظة بقواها العقلية بحيث كان الباحثون الروحيون يلتمسون عونها فتساعدهم بما أفاض الله عليها من العلم الرباني والإشراق الروحاني.

لم تخشَ رابعة ما يسمى الموت لأنه بالنسبة لها كان ساعة الرحمن وبشير لقاء المحبوب الإلهي الذي لا تعادله فرحة في الوجود.

عندما مرضت مرضها الأخير زارها ثلاثة من أصدقائها الصوفيين هم حسن البصري ومالك بن دينار وشقيق البلخي. وكأصدقاء النبي أيوب عليه السلام (الذين ذهبوا إليه ليعزوه في مصابه فراحوا يعظونه وينصحونه بما ليس هو بحاجة إليه.)

حاول هؤلاء الثلاثة أن يعلموها واجب التسليم للإرادة الإلهية. فقال لها حسن البصري:

" من يدّعي بأنه عبد الله ولا يصبر على تأديبه وبلواه ليس صادقاً في ما يدعيه."

فأجابته رابعة: "أشم رائحة الصلف في كلامك يا حسن."

فاستلم الحديث شقيق البلخي وقال:

"من لا يشكر الله على تأديبه له لا يكون صادقاً في ما يدعيه."

فأجابته رابعة: "نريد أن نسمع أفضل من هذا يا شقيق."

ثم جاء الدور لمالك بن دينار الذي قال:

"من لا يتلذذ بتأديب الله له فهو ليس صادقاً في ما يدعيه."

فأجابت رابعة: "وهذا أيضاً لا يكفي يا مالك."

قالوا: "فماذا أنتِ قائلة؟"

أجابت: "إن من لا ينسيه التفكير بالله تأديب الله له فليس صادقاً فيما يدعيه."

توفيت رابعة العدوية سنة 801 للميلاد ودفنت في البصرة. وقد ذكر كاتب سيرتها تفاصيل وفاتها، قال:

في ساعتها الأخيرة أحاط بها نفر من الصالحين فقالت لهم: "قوموا ودَعوني لوحدي علكم تفسحون المجال لرسول الرحمن كي يأتي إليّ."

فنهضوا جميعا وخرجوا من عندها، وما أن أغلقوا الباب حتى سمعوا صوت رابعة وهي تتشهد ثم سمعوا أيضاً صوتاً آخر يقول:

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.)

لم يسمعوا كلاماً بعد ذلك، فعادوا إليها ووجدوا أن روحها الطاهرة قد فارقت الجسد والتحقت بالرفيق الأعلى.

والسلام عليكم


المصدر: Self-Realization Magazine
الترجمة: محمود عباس مسعود

د.محمد فتحي الحريري
18/12/2009, 11:23 PM
شكرا للاستاذ الكريم اخي محمود المحترم على الانتقاء الجميل
رحم الله رابعة العدوية والحقنا بها والصالحين في الفردوس الاعلى ان شاء الله
ودي وتجلتي ......

محمود عباس مسعود
19/12/2009, 12:24 AM
شكرا للاستاذ الكريم اخي محمود المحترم على الانتقاء الجميل
رحم الله رابعة العدوية والحقنا بها والصالحين في الفردوس الاعلى ان شاء الله
ودي وتجلتي ......

وتحيتي الحارة مع تقديري لأستاذنا العلامة الدكتور محمد
على إطلالته السنية..
وكلماته الودية
النابضة بوهج حضوره.

عيسى حسن الجراجرة
19/12/2009, 03:03 AM
أخي الأعز محمود: جهدك مقدر ومشكور، ولكن لو طلبت نصيحتي لقلت لك ترجم لنا من روائع اللغة الإنحليزية ما لم يترجم، وترجم ما تستطيع من روائع تراث العربية إلى الإنكليزية، وسيصبح لك اسم وشهرة في الترجمة كما للمترجمين الكبار من أمثال المترجم التابلسي الشهير النابه زعيتر، لايحضرني اسمه الأول، وختى لا يقال لك كما قيل لغيرك: ((بضاعتنا ردت إلينا))، لأن بضاعتك في ترجمة ما أشرت عليك بترجمته هي: ((بضاعة رائجة ومطلوبة)). ولك تحياتي ومحبتي وحرصي على أن تكون هناك جدوى دائمة وخالدة لجهدك وعطائك يا أخي العزيز. أخوكم: باحث وأديب وصحفي له 27 كتاباً منشوراً، أحدها في الفكر الإسلامي قدمه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور الشيخ جاد الحق علي جاد الحق.محرر بتاريخ: 18/12/2009

محمود عباس مسعود
19/12/2009, 02:48 PM
أخي الأعز محمود: جهدك مقدر ومشكور، ولكن لو طلبت نصيحتي لقلت لك ترجم لنا من روائع اللغة الإنحليزية ما لم يترجم، وترجم ما تستطيع من روائع تراث العربية إلى الإنكليزية، وسيصبح لك اسم وشهرة في الترجمة كما للمترجمين الكبار من أمثال المترجم التابلسي الشهير النابه زعيتر، لايحضرني اسمه الأول، وختى لا يقال لك كما قيل لغيرك: ((بضاعتنا ردت إلينا))، لأن بضاعتك في ترجمة ما أشرت عليك بترجمته هي: ((بضاعة رائجة ومطلوبة)). ولك تحياتي ومحبتي وحرصي على أن تكون هناك جدوى دائمة وخالدة لجهدك وعطائك يا أخي العزيز. أخوكم: باحث وأديب وصحفي له 27 كتاباً منشوراً، أحدها في الفكر الإسلامي قدمه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور الشيخ جاد الحق علي جاد الحق.محرر بتاريخ: 18/12/2009

أخي الودود عيسى
شكراً على تقدير الجهد وعلى النصيحة الحكيمة. عندما قمت بتلك الترجمة كنت أدرك مصدرها الأصلي، وما دفعني إلى ترجمتها ليس تقديم معلومات جديدة عن رابعة بل لتعريف قراء العربية بالأهمية التي تحظى بها عاشقتنا الإلهية لدى الباحثين الغربيين المتطلعين إلى الشرق للإلهام والإستنارة. عذراً إن بدا ذلك المجهود كمحاولة بيع الماء في (حارة السقايين)!
اللغة الإنكليزية يا أخي العزيز تزخر بروائع تنتظر من يترجمها، وسأواصل بعونه تعالى ترجمة ما تيسر لي من أشعار وقطع أدبية رفيعة
بحسب ما تسمح به الظروف. هناك مجموعة لا بأس بها من ترجماتي المتواضعة في هذا الموقع.
أظن أن الذي غاب إسمه عن بالك هو شيخ المترجمين المرحوم عادل زعيتر الذي ترك بصمات لا تمحى على الأدب العربي.
شكراً على التشجيع ويسعدني أن أخبرك بأنني قررت ترجمة إحدى روائع أبي القاسم الشابي التي تفصح أكثر من أية قصيدة أخرى عن تجربته الذاتية التي أفلح في نقلها من أغوار وجدانه إلى العربية وسيكون لي شرف نقلها إلى الإنكليزية.
تحياتي ومودتي القلبية