المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( بمناسبة الذكرى 61 للمصادقة عليه )



بونيف محمد
18/12/2009, 11:08 PM
..تحية عطرة للجميع

[.بمناسبة الذكرى 61 للمصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،أقدم هذا المجهود البسيط لمن يهمه أمر حقوق الإنسان وهو بعنوان

قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
(بمناسبة الذكرى 61 للمصادقة عليه )[

1 ـ المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

رفع مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى جمعية الأمم المتحدة للمصادقة عليه يوم 10 دجنبر 1948 وحصل على 40 صوتا وامتنعت ثمان دول على المصادقة عليه .
برر الاتحاد السوفيتي عدم مصادقته عليه بكونه لا يعطي الأولوية للتمتع بالحريات الاقتصادية ، ولكونه قد يؤدي إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
أما المملكة العربية السعودية فقد بررت عدم مصادقتها عليه لأنها رفضت الاعتراف والمصادقة على حرية تغيير الدين وحرية الدين .
وبررت جنوب أفريقيا عدم مصادقتها عليه بكون الحقوق الاقتصادية لا تعتبر من بين الحقوق التقليدية ولهذا لا يجب حسب رأيها الإشارة إليها في الإعلان

2 ـ مشروعية ظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

لم يأت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من فراغ بل جاء كتتويج لنضالات مريرة خاضتها الشعوب وعلى رأسها الطبقة العاملة العالمية من أجل انتزاع حقوقها ، كما جاء استجابة لحاجة ضرورية أحس بها المنتظم الدولي وشعوب العالم ،خصوصا بعد ويلات الحرب العالمية الثانية التي خرقت حق الحياة لملايين البشر وانعكست على الضمير العالمي وعلى حقوق الشعوب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وأمام تنامي الحركات الاحتجاجية للشعوب ضد السباق على التسلح وإثقال كاهلها بالضرائب لتغطية نفقات الحروب .
جاء لأن الإنسان ميال بطبعه إلى تحديد أهداف سامية يسعى لتحقيقها و إلى مثل عليا يقتدي بها ،وإلى نماذج ومعايير يقوم على أساسها آدائه ويعمل جاهدا لتحقيقها ، والإعلان العالمي يعتبر مثلا أعلى بالنسبة للشعوب ، ولكن البعض يراه كما يرى حقوق الإنسان عموما حدا أدنى اتفقت الشعوب على تحقيقها ، وخلص المؤتمر العالمي في فيينا إلى أنه لغة مشتركة للشعوب ، كما يرى البعض على أنه الذاكرة الحية لها لما له من حمولة تاريخية هامة ودلالات قوية تجسد التجارب القاسية للشعوب ولا بد من استخلاص الدروس منها .
جاء خوفا من أن يطغى الأقوياء ويفرضون آرائهم على الضعفاء بالقوة وكان لابد من إيجاد وسائل سلمية لتحقيق العدالة وتدبير الاختلاف

3 ـ منهجية تناول الإعلان العالمي في هذه القراءة

أغلب الدراسات تناولت الإعلان العالمي من جوانبه المعنوية والرمزية ، وقل ما تناولته من زاوية التيارات الفكرية والفلسفية التي تحكمت في صياغته وتحديد معانيه ، وهذا ما تتوخاه هذه المحاولة.

4 ـ الظرفية التاريخية التي جاء فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي طبعته بطابعها

لا يمكننا الحديث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلا إذا امتلكنا بعض أدوات التحليل وعرفنا التمييز بين أنواع حقوق الإنسان .فالقراءة الميكانيكية لمواده الثلاثين والاكتفاء بمنطو قها غير مفيدة ، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار دقة وأهمية اللحظة التاريخية التي أفرزته ولا مبررات وجوده التي لا زالت قائمة ، ولا تمكن من إدراك ما وراء سطوره ، ولا الإيديولوجيات التي تحكمت في صياغته ، ولا تمكننا من النفاذ إلى أعماقه ومراميه .
فما هي الظروف التاريخية التي طبعته بطابعها ؟
وما سر قداسته التي تحدت تقلبات الزمن ؟
وهل شهرته تجاوزت حقيقته ومضامين مواده ؟
وما هو سر وخبايا نعته بمجموعة من النعوت ؟
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد مرحلة كثر فيها الحديث والانشغالات بالحقوق الطبيعية ، وهي الحقوق الفردية المدنية والسياسية ، حقوق للفرد في مواجهة الدولة (1)هذه الأخيرة التي يتلخص دورها في الامتناع عن كل ما من شأنه عرقلتها ، وهي حقوق الفرد المعزول عن الوسائط (2) والتجمعات والمتلائم مع مرحلة الرأسمالية التنافسية ، هذه الحقوق التي أقرتها جل دساتير القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وأقرها مفكرو التعاقد ، ترتكز على نوع من الحرية
.فإعلان حقوق الإنسان والمواطن اعتبرها سابقة على المجتمع السياسي وغير قابلة للتقادم والتفويت، ويعتبر الحفاظ عليها هدف كل مجتمع سياسي وهي على الخصوص: الحرية والملكية والأمن ومقاومة التعسف والطغيان.
إن الحرية المشار إليها تعني القدرة على القيام بكل ما لا يلحق الضرر بالآخرين ، وتندرج تحت لوائها حرية الفكر ، والرأي والتعبير والمعتقد ، أما الأمن الفردي فيعني تحقيق شروط المحاكمة العادلة وافتراض براءة المتهم إلى أن تثبت إدانته ، في حين اعتبرت الملكية حقا مقدسا ولا يمكن لأحد أن يحرم منها إلا عندما تقتضي الضرورة العامة ذلك ، وشرط التعويض العادل والمسبق ، أما بخصوص المساواة فهي مواجهة التمييز القائم على الوراثة والولادة وتكون في تقلد الوظائف العمومية والمساهمة في الأعباء العامة .
إلا أن البورجوازية لم تحترم هذه الحقوق ، وتعتبر سنة 1789 سنة العداء لمراقبة دسترة القوانين حتى في فرنسا .(3)

5 ـ آراء الدول الاشتراكية وإضافاتها

وجهت الدول الاشتراكية مجموعة من الانتقادات إلى حقوق الإنسان السابقة الذكر ،حيث ميزت بين حقوق المواطن التي تندرج في إطار الحقوق السياسية وتمارس في إطار المجموعة السياسية ، في حين اعتبرت حقوق الإنسان هي حقوق عضو المجتمع البورجوازي ، الإنسان الأناني المنفصل عن الإنسان والمجموعة (.4) ، كما اعتبرت أن الحرية تجد دلالاتها في ممارسة حق الملكية الخاصة بصفة تعسفية ، في حين يوظف الأمن كأسمى مفهوم اجتماعي للدولة البورجوازية والذي يختلط بمفهوم الشرطة لحمايتها (.5)، وأعلنت الفلسفة الماركسية رفضها لحقوق الطبيعة الإنسانية باعتبارها جهازا قانونيا يعد انعكاسا للبنية الاقتصادية وتعبيرا عن سلطة الطبقة البورجوازية لتأسيس هيمنتها .
واعتبرت الحرية غير كامنة في الطبيعة الإنسانية، ولا تمثل نقطة انطلاق المجتمعات بل نقطة وصولها ، إنها ليست ملكا يجب الحفاظ عليه بل قيمة يجب الاستيلاء عليها (.6) ، واعتبرت أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي الأساس لممارسة الحريات الأخرى .
وشكل بيان حقوق الشعب العامل والمستغل ل4 يناير 1917 بداية لمجموعة من الإعلانات الصادرة عن الدول الاشتراكية واعتبر دستور الاتحاد السوفياتي وقتها مرجعية اقتبست منه دساتيرها (.7)وخصص فيها فصلا بعنوان حقوق وواجبات المواطن
دستور يوغوزلا فيا لسنة 1952 ودستور بلغاريا لسنة 1947 ودستور ألمانيا لسنة 1949 ودستور فرنسا لسنة 1848 الذي حاول التوفيق بين الاستمرارية بتنصيصه على الحقوق الطبيعية والتجديد بتنصيصه على بعض الحقوق الجديدة ودستور1946 الذي نص على بعض المبادئ الاقتصادية .

6 ـ كيف أثر الخلاف بين الفكر الاشتراكي والفكر الليبرالي على صياغة الإعلان

جاء الإعلان العالمي يعكس هذه الخلافات الدائرة بين الليبرالية والاشتراكية ، وقد تم تدبير هذا الاختلاف إما بالتوفيق بينهما في بعض المواد ، بحيث أشارت المادة الأولى إلى أنه يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الحقوق والكرامة وقد وهبو عقلا وضميرا وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء ، وهذه إشارة إلى الحرية بمفهوم الحقوق الطبيعية أي ارتبطت بالولادة باعتبارها تابعة للكرامة المتأصلة في الإنسان ، بينما أشارت الديباجة إلى الحرية بالمفهوم الماركسي بتنصيصها على ما يلي " ....بزوغ عالم يتمتع فيه البشر بحرية القول والعقيدة والتحرر من الخوف والفاقة كأسمى ما ترنوا إليه نفوسهم ....". أما بالنسبة لحق الملكية تنص المادة السابعة عشر على أن".... لكل إنسان حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا .."
ويتجلى التوفيق على مستوى شكل مجموعة من المواد حيث التأكيد على العموميات يسير إلى جانب الدقة في الجزئيات المادة الثانية مثلا تنص " ...على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أوالجنس ،أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي ، أوالأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر ، فضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص سواء كان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أوغير متمتع بالحكم الذاتي أو خاضعا لأي قيد آخرعل سياسته "
المادة 25 " ..لكل شخص الحق في مستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته ،وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية ، وله الحق فيما يؤمن له به في الغوائل وفي حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه .."
كما تم السكوت على مجموعة من الحقوق كالحق في الإضراب وحرية الصناعة والتجارة والانحياز إلى حقوق دون غيرها 'الحقوق المدنية والسياسية على حساب الحقوف الاقتصادية والاجتماعية '
كما تحكمت في صياغة الإعلان العالمي الثقافة المحض وطنية (.8)بينما تحيل فلسفته على التدويل مثال : المادة الثامنة "..لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها القانون " .في هذه المادة أيضا تناقض مع المادة العاشرة التي تنص على أنه "لكل إنسان الحق على قدم المساوات التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ونزيهة نظرا عادلا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه .
ورغم أن الإعلان يعكس وحدة الحقوق إلا أنه تهيمن عليه الحقوق الطبيعية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ابتداء من المقدمة "...الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة يشكل أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم .."
يتكون من: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ست مواد فقط (22 ، 23 ،24،25، 26 ،27 ) حقوق عامة المواد (28 ، 29 ، 30 ) الحقوق المدنية والسياسية باقي المواد وعددها 21

7 ـ سؤال الإلزامية

مجموعة من الآراء تعتبر الإعلان العالمي مجرد توصيات غير ملزمة للدول ، لأنه ليس عهدا ، والبعض الآخر يرى العكس أنه ملزم مند أن تمت المصادقة عليه بالأغلبية ، ويحدد مجموعة من المواصفات تجعله ملزما لأنه يدخل في إطار العرف القانوني الدولي .
رغم الانتقادات ، ورغم مجموعة من النعوت يحتفظ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقيمته المعنوية والقانونية لكونه أول نص وقع عليه إجماع دولي ، وفصلت العهود والمواثيق التي لحقته مضامينه وقيمه

شروحات ومراجع

(1)الحقوق الطبيعيةهي حقوق للفرد في مواجهة الدولة ، معنى هذا أنها سابقة على الدولة ، والإقرار بها نابع من الكرامة المتأصلة في الإنسان ، يتلخص دور الدولة في الامتناع عن عرقلتها
(2 ) الوسائط هي النقابات والهيآت المطالبة بالحقوق المادية والمعنوية , ظهرت الحقوق الطبيعية قبل ظهورها
Géorge Gusdori . La Françe pays des droits de l’homme (3)
(4) Les Marxistes et la politique presse universitaire de françe 1975 Page 48
(5) الأستاذة رقية المصدق الحريات العامة وحقوق الإنسان الصفحة 42
(6) نفس المرجع السابق ونفس الصفحة (7) Dimitrie George : les libertés publiques en .Union Soviétique[/SIZE][/SIZE]