المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما كنت حمارا ..!



محمد دلومي
16/02/2007, 12:24 PM
نهضت مبكّرا على غير العادة ... مع أول نور الفجر ... شعرت بثقل كبير في رأسي ... وكأن برأسي حجر .. جسمي كله متعب ومنهك... أشعر بالجفاف في حلقي ورغم ذلك لم أكن أشعر بالعطش ... لم أشعر في حياتي بمثل هذه الحالة الغريبة ... اعتقدت أن الأمر مجرد مرض أو تعب غريب... تلمّست وجهي فلم أشعر بشيء ... أطرافي كأنها حواف حمار أو حصان... كانت قاسية جدا ... رحت أحبو إلى أن وصلت أمام المرآة ... تأملتني فوجدت وجها غير وجهي ... وجدتني أنا غير أنا ... كان الأمر مرعبا لدرجة الانهيار ... صرخت بقوة لكن صراخي كان نهيق حمار... أذناي طويلتان جدا أطول من هوائي الإرسال .. أما وجهي فمدبب إلى الأمام ينتهي بمنخارين كبيرين كأنهما فتحتي كهف... الشعر يكسو وجهي وكل جسدي ... لم أصدق نفسي ... فهذا ليس وجهي بل وجه حمار ... إن كان هذا الذي أراه في المرآة حمار... فمن تراه أكون أنا ...وإن كان هو أنا فمن تراه يكون الحمار؟.. أصابني الدوار و الذهول... حاولت أن أصرخ فكتمت صراخي لأنه سيكون نهيقا مزعجا... تسللت من غرفتي نحو الشرفة وقفزت ... اعتقدت أني سأموت جراء تلك القفزة ومن ذلك العلو لكن لم يحدث لي شيء ... ورحت أهيم على وجهي لا أعرف ما أفعل في هذه المصيبة التي حلت بي ... أتوارى عن المارة الذين كانوا ينظرون إلي , خفت أن يراني أحد معارفي في شكلي الجديد وعندما أفقت من الصدمة علمت أن لا أحد سيعرف شخصيتي لأنني اليوم مجرد حمار بعقل وتفكير بشري.
كانت أمعائي تنهق هي الأخرى ... تصرخ طالبة بعض الطعام ... كنت أشعر بجوع شديد... وأمعاء البطن غير آبهة بالكارثة التي حلت بي ... حاولت أن أبق دون أكل حتى الموت ... فلا أريدني حمارا ... كنت سأتقبل الأمر لو تحولت إلى أسد هصور أو صقر جارح أو حتى عصفور جميل أو أرنب جبان..؟ لكن حمار !!!.... فما أصعب أن تكون حمارا ..
... رغم حميريتي لا زلت أفكر ولا زال بي مس من عقل ... وما أعجب أن يكون لك عقل في رأس حمار...
بطني تصرخ بعنف ... تقيم ثورة في أحشائي وأنا أحاول الانتحار جوعا ولكن ما ذنب الحمار الذي أخذ عقلي ؟ كتن لزاما علي أن لا أتفلسف حتى لا أموت جوعا
... طلع النهار وها أنا أسير هائما على وجهي ... ناكسا رأسي إلى الأرض مثل كل البشر الذين يمرون بي ناكسين وجوههم إلى الأرض ... لا أحد يهتم للآخر .. كنت مثلهم قبل أن أتحول إلى حمار أو يتحول الحمار إلى أنا ... كنت مثل الحمار أسير في الشوارع ... معطل الفكر ... أسبح في الفراغ ... أعود في المساء لأنام مثل الحمير والبغال ... لا أعتقد أن الأمر يختلف كثيرا .. فقد كنت حمارا من قبل مثل باقي الحمير السائرة من حولي ... ما الفرق أن تكون حمارا أو بشرا في وطن حرية التنفس فيه يحسبها عليك القانون ؟... ولا زال الجوع الحميري ينغص علي ... دائما جائع ... عندما كنت بشر ... أبات على الطوى ... لا آكل إلا النزر القليل من البقول والخبز الجاف ... وها أنا اليوم في حميريتي جائع ... وانتابتني رغبة في أكل العشب فقد اشتهيته طريا ... مزينا ببعض الأزهار والبرسيم... رغبتي غريبة ... كنت من قبل أشتهي لحما وحساء دافئا ... لكنني اليوم حمار ... وللحمير رغبات خاصة ... وهجمت على عشب الحديقة العمومية أتفنن في القضم والهضم... كما كنت أتفنن في أيامي الخوالي عندما أقضم حلوى العيد ... كان عشبا رائعا ...فاجأني الحارس ... حاولت أن أهرب ... لكنني تذكرت أنني أفكر ولي عقل مثل البشر ...حاول نهري فبقيت غير آبه به ... ضربني بعصا بيده فلم أشعر بها ... ولو كنت بشرا لكسرت لي ذراعا أو ساقا ....حتى وإن كنت اليوم حمارا فسأدافع عن نفسي ... وبضربة من قوائمي الخلفية على وجهه .... أرديته أرضا ...وانتابتني هستيريا من الرعب والخوف ... الأمر سيصل إلى العدالة والمحاكمة ... ومحاضر الشرطة ... وغرامة وسجن .... لكن الرعب تحول فجأة إلى ضحك ... وبدلا من أسمع ضحكا صدر مني نهيقا متواصلا ... فاليوم أنا حمار ومن ذا الذي يحاسب حمارا فلا القانون ولا الأعراف تمنعني عن ممارسة حريتي؟
ملأت بطني من تلك الأعشاب الشهية ... وملأت المكان روثا ... ورحلت ... أجوب المدينة هائما ... حتى وجدتني قبالة مجلس الشعب ... تملكني الغيظ وأنا أرى تلك السيارات الفاخرة المصفوفة أمام مدخله... وانتابتني نوبة من الجنون ... عندما تذكرت أن هؤلاء يغتنون من عرقنا ... ودمنا .. ندفع نشقى ويسعدوا.. نموت ويحيوا يأخذوا منا الحق في الحياة والعيش الكريم ويصادرون كل الأحلام باسم القانون ... نقطّع من لحوم أجسادنا ليعيشوا هم عيشة السلاطين ولا يفعلون لنا شيئا ... سوى التعطر بالعطور الباريسية ... والتزين بالأطقم الايطالية ... وشحذت همتي واعتدلت في وقفتي الحميرية واستطالت أذناي وهجمت على طوابير السيارات الفخمة ركلا بقوائمي الخلفية والأمامية ... حتى جعلتها حطاما ... كنت فخورا بما فعلت ... سعيدا جدا ... وبعدها أطلقت قوائمي للريح ولم يتعقبني أحد ... لا شرطي ولا حرس خاص ... وكم شعرت بالفخر وأنا أرى البسطاء من الناس يصفقون لي ويهتفون ببطولاتي ... لقد فعلت ما كان يتمناه كل واحد منهم ولطالما تمنيت ذلك ورحت أضحك وأضحك لكن الضحكات تصدر نهيقا ’’نهيقا متواصلا ويا روعة النهيق فأنا اليوم حمار حر وحر و حر ’ بعيد عن الأعين ركضت بعيدا و لا أعرف كيف وجدتني في حديقة كبيرة تتوسط مبنى يشبه القصور في شكله ... وكأني شاهدته من قبل ... لكن لا أعرف أين ومتى شاهدت ذلك وبالتأكيد ليس مسكني ولن يكون.... وبسرعة البرق رحت أنشط ذاكرتي ... فتذكرت مبنى رئاسة الوزراء ... وذرعت الحديقة طولا وعرضا .... فلم يعترض سبيلي عارض ... وقد كنت من قبل أحاول أن أستنجد بهذا المجلس الذي يقولون أنه يخدم الشعب والأمة ... حاولت مرارا الدخول وطرح مشكلتي على أي وزير ليرفع عني الغبن ... و أنال حريتي .. وأصبح بشرا سويا مثل خلق الله و أمارس حقي في الحياة ...وأعيش بكرامتي ... وأجد وظيفة تستر فاقتي ... لكنهم لا يوظفون إلا الشقراوات من بناتهم وخليلاتهم وخليلات أولادهم وخلان نسائهم .... كنت كلما قصدتهم يقابلني حراسهم بالركل والصفع وها أنا اليوم أجوب في وسطهم حرا طليقا ... ما أروع عالم الحمورية عندما تكون فيه حرا!... لم يكن أحد موجودا بالمبني ... كل العاملين فيه ... والوزراء يغطون في نوم عميق ... في بيوتهم وقصورهم العظيمة ... يستيقظون بعد الظهر لأنهم ينامون بعد سهر طويل في المواخير والفنادق المنوجمة والمطموسة النجوم مثل نجومنا الآفلة ومثل أحلامنا الراحلة ... دخلت قاعة الاجتماعات التي تضم كراسي الوزراء فوجدتها خالية على عروشها ... رحت أتأمل ستائرها المخملية ... تلك المقاعد الطرية ... وأطباق الفاكهة المصطفة ... والروائح الطيارة من ياسمين وعطور ... كان الأمر أشبه بأساطير ألف ليلة وليلة ... شعرت بالتعب ... فدخلت تحت طاولة الاجتماعات الممتدة على مد البصر وغصت في نوم عميق ... ولا أعرف كم من الوقت نمت ... لكني استيقظت على جلبة وضوضاء وضحكات فعلمت أن اجتماعا للوزراء سيعقد بعدما شبع أصحاب المعالي نوما ... استرقت السمع من تحت الطاولة ... فلم أسمع إلا كلاما عن الصفقات المبرمة والأموال المودعة في البنوك الخارجية ... وبين مرة وأخرى أميز همس وزير عن آخر وهو يحكي لصاحبه عن ليلته الحمراء التي قضاها مع تلك المغنية أو تلك الراقصة ... ويرد عليه الآخر هامسا : بأنه بخيل لأنه لم يستدعه لقضاء ليلة حمراء معه كما صحبه هو ذات مرة عند المذيعة الفلانية ؟... والراقصة فلانة ...وزوجة الضابط الذي تخون زوجها ..وزوجة وزير سابق مطلقة .. كان الكلام أكثر بهيمية ... رغبات ... ضحكات ماجنة ... صفقات ... سهر ... أبخرة من دخان حتى تحول المكان إلى ماخور مليء بالدخان... كل شيء حضر إلا مشاكل البشر ... ولم أتمالك نفسي وخرجت من مرقدي ... ورحت أصرخ والصراخ يصدر نهيقا ... أيها العملاء ... أيها الجبناء ... يا تجار الشرف ... يا أولاد الـ.................ورحت أصك هذا على وجهه وذاك على ذراعه ... وكثر اللغط والصراخ ... وامتزج معهم نهيقي ... في كل مرة أصيب فيها واحدا من هؤلاء المستبهمين أشعر بالفخر ... وتغمرني رغبة عارمة في النهيق ... ولم أترك شيئا لم أصبه ... الجدران ... التحف ... الهواتف ... الفاكسات ... الطاولات ... ملأت كل شيء خرابا وروثا ... الزجاج يتطاير من كل الجهات ... وفررت بجلدي هاربا متخذا ممرا نحو الحديقة ... ومن الحديقة قفزت خارجا تاركا المكان وكأنه ساحة حرب ... ورحت أركض وأركض... في الشارع ... أشعر بنشوة الانتصار ... بعد انكسار طويل ... أركض وأركض مثل حصان ... وليس حما ر... وأخذت أصرخ فرحا وسعادة لكن هذه المرة لم يكن الصوت نهيقا بل كان صوتا آدميا وكان صراخي أنا ... واكتشفت أنني أنا ... فقد تحولت إلى بشر سوي .. لقد عدت إلى أنا .. كما كنت من قبل ... الناس في الشوارع يظنون بي الظنون ... ويعتقدون أن بي مس من جنون ... فشعرت بالحرج وأطبقت صمتا وطفقت عائدا من حيث أتيت ...
في غرفتي المتواضعة استلقيت على ظهري أتفرج على الأخبار التي استهلت باجتماع للوزراء ... ويا فرحتي ويا بهجتي وأنا أرى وزير الاقتصاد يلف ذراعه في الجبس ... وذاك يلف رأسه بالضمادات ... وكثيرا منهم تلونت المقل فيهم زرقة ... سعادة غامرة وأنا أرى نشوة انتصاري في وجوههم وأجسادهم ... سعادة طغت على الحرمان الذي عشته في فقر مدقع ... سعادة طغت على البطالة التي حولت إليها رغما عني رغم شهادتي العالية وكفاءتي المشهود لها وأنا أعرف أن أغلب الوزراء لا شهادة لهم سوى شهادة الزور والبهتان والتجارة العرض والدين والشرف. والخيانة..
ليلتي تلك كانت أسعد الليالي ... أول مرة أكون فيها حرا ... أقول فيها ما شئت ... أصفع وأركل وأضرب من شئت ... وأخاطب الأسياد بإستعلا ء ... أشتمهم بلا خوف أو وجل ... وتمنيت أن أجدني حمارا غدا
... أفقت مبكرا مثل صباح البارحة ... وطفقت خارجا نحو الشارع ... لم تكن لي رغبة في الأكل ولا في اشتهاء العشب ... كانت لي رغبة جامحة في ممارسة حريتي والمطالبة بحقوقي .... وقفت أمام قصر النواب ... رحت أصرخ بأعلى صوتي : أيها السفلة يا من تأكلون من لحومنا ... يا من شيدتم من جماجمنا وأشلائنا قصورا عظيمة ... وتحصنتم في بروج عالية ... يا من نهبتم أحلامنا وسرقتم حريتنا وجعلتمونا عبيدا في وطننا باسم القانون ... اللعنة عليكم جميعا ... وأخذت أضرب سياراتهم الفاخرة بأقدامي ... أركلها بعنف ... بحقد ... أحطم زجاجها بكل قوة ... ولم أشعر بنفسي إلا وأنا مكبل بالأصفاد مرمي في قاعة المحكمة أمام القاضي ... وراح يطرح علي الأسئلة وأنا غارق في الخيال ... خارج من المكان والزمان .... أتذكر يوما جميلا كنت فيه حمارا حرا ... وأفقت على آخر جملة قالها لي ... عندما طلب مني أن أقول كلمة أخيرة ... لم أفكر ... ولم أخمن في الأمر ... وصرخت عاليا ... أتمنى أن أكون حمارا في وطن مات فيه البشر وضمير البشر وفكر البشر وعقل البشر .... نظر إلى من أعلى رأسي إلى أخمص القدمين وصرخ صرخة ترددت في أركان المحكمة ... خذوه إلى السجن ... وفي السجن همست بيني وبين نفسي وقلت ليتني أعود فيك حمارا يا وطني .

عبد الحميد الغرباوي
18/02/2007, 10:46 PM
إليكم أيها السيدات و السادة نصا من النصوص الجميلة التي تزين منتدانا، والذي، من وجهة نظري، وجب أن نحتفي به في منتدى القصة القصيرة، و ألا نتركه يمر في صمت، دون أن نبصمه بكلمة ، أو تعليق، أو انطباع، يبرزه كنص قصصي قصير يستحق التشجيع. لن أقدم ملخصا للقصة، هي الآن أمام أبصاركم، فقط أريد أن أشير إلى تيمة "المسخ" أو " التحول" في الأدب، و يحضرني هنا " كافكا"..أما الحديث عن (الحمار) فهو حديث ذو شجون، و إذا ما شرعنا فيه، فالله وحده يعلم متى قد ينتهي..إلا أنني في هذه العجالة أود أن أشير إلى أن هذا الحيوان الذي لا يلفظه اللسان الشعبي دون أن يقرنه بقول:" حاشاك".. هو على كل حال، حيوان ظريف ، و ماهر في السير في الجبال و لي شخصيا معه تجربة، ...و لا علاقة له بالبلادة، فقط هو حيوان عنيد..و في الثرات الأدبي العربي، نجد الشاعر الأخطل (غيّاث بن غوث فحل من الشعراء الأمويين.) كان يلقّب بدوبل وهو الحمار الصغير الذي لا يكبر لأنّ أمّه كانت تناديه هكذا.أما لماذا لقّب بالأخطل فلسفهه و خبث لسانه.
و في تجربة لي جديدة، حاولت الاعتماد في الحديث عن " الحمار" بالرجوع إلى ما يحمله محرك البحث و اقتطفت لكم ما يلي، بكثير من التصرف.
هذا الحيوان ورد ذكره في أكثر من كتاب ثراتي، له أخبار على غرار أخبار الحمقى و المغفلين، و الأذكياء، و النساء . و يقترن بالصبر، والصبر في بعض الأحيان عبادة كصبر أيوب، ولكنه في بعضها الآخر بلادة كصبر الحمار. و في كتاب "حمار في الأدب" للأستاذ صالح محمد الغفيلي ـ كما قدمته بدرية البشر في صحيفة الرياض (الصادرة عن مؤسسة اليمامة الصحفية) بالقول:"إن الحمير تصيب صاحبها بالحظ، ولعل أسعدهم حظا هو المرشح الديمقراطي الأمريكي( اندرو جاكسون) الذي كان الناس يعايرونه بجاك الحمار فأستغل هذه (العيارة) نكاية في خصومة ووضع صورة الحمار شعارا في حملته الانتخابية ففاز عام 1838م، وذهب الحمار شعاراً للديمقراطيين دلالة على التواضع والشجاعة والحب، والفيل شعارا للجمهوريين دلالة على الوقار والقوة والذكاء، ثم تأتي جمعية الحمير المصرية كأشهر جمعية أسسها رائد المسرح المصري والعربي زكي طليمات في مصر عام 1932، ومن أشهر أعضائها طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ومشاهير من الأطباء ووجهاء المجتمع والمثقفين وبلغ عدد أعضاءها 30ألف عضو، تعطي شرف عضويتها ابتداء من لقب (حرحود) أى جحش صغير ويترقى في سلم الألقاب حتى يصل للقب (حامل الحدوة) وقد تكلفت هذه الجمعية تركيب تشغيل أحد الأجهزة الطبية الضخمة في مستشفى بطنطا بمبلغ وصل إلى 126الف جنية فهي بالمناسبة جمعية خيرية تخدم الناس وتساعد الفقراء واليتامى والأرامل، وقد رفضت الحكومة إعطاءها ترخيصا بسبب اسمها غير اللائق (إنهم حقا يظلمون الحمير!!) وقد قلدتها في ذلك عدة جمعيات عربية. والحمار هو صديق للسياسيين كما هو صديق الأدباء فقد رأس فرانسوا ميتران جمعية للحمير بعد تركه للرئاسة في فرنسا، (ربما نكاية بالبشر فوضعهم في السلم السياسي قبل الحمير!) ويثبت لنا المؤلف صالح الغفيلي أن الحمار هو حيوان سياسي أيضا وليس اجتماعيا واقتصاديا فقد ساهم بأريحية فياضة في الانتفاضة الفلسطينية وقام بنقل كتب طلبة المدارس الفلسطينية على ظهره بعد أن تعذر نقلها مجتازا الحواجز الإسرائيلية بشجاعة، والكتاب يستحق القراءة .
وعموما الحيوانات في موروثنا تحتفظ بالأساس بدور وظيفي في خدمة الإنسان، كما أن للبهائم " مقامات" في هذا الموروث، وقد تم تحديد هذه المقامات استنادا إلى نوعية الوظيفة والخدمة المؤداة، فليس مقام الجواد كمقام الحمار مثلا، مع الاحترام للجميع .

أما وقد نسب للحمار ما نسب إليه من بلادة وغباء وغير ذلك ، فقد جاء استنطاقه بالحكم والعبر والنصيحة النصوحة والرأي السديد ليصحح ولو بقليل تلك المسيرة من الإساءة إليه وليعيد الاعتبار إلى مقامه ، و بعض الكُتاب، على غرار صديقنا الدلومي، صوبوا سهام نقدهم اللاذع بالاعتماد على هذا الحيوان، فإذا كان الحمار المشهور بالبلادة يفهم و يعي أشياء، فماذا ترون أنتم يا سادة / سيدات يا كرام ؟ !
و في مكان آخر نجد الكاتب سعود الصاعدي يقول في مقال فريد يحمل عنوان: الحمار في الذاكرة العربية: "ركبنا مطيّة التّأمّل في هذه "المفردة" المشحونة بطاقةٍ من الدلالات ذات التأثير النفسيّ ، على المرسل والمتلقّي معاً ، حيث وجدت ، بعد الفراغ من تكرار مفردة " حمار " ، عندما ملأت بها فمي : أنّها ذات جرسٍ مختلف وغريب ، ربما في طريقة نطقها سرٌّ من أسرار هذه "السيرورة " في اللسان العربيّ : لاحظوا معي صوتيم المفردة ( حــ ) ، حينما يأتي من أقصى الحلق ، أي من الأعماق ! ، ومن ثمّ الصوتيم ( مــ ) ، حيث تنطبق الشفتان استعداداً لإلقاء القنبلة الموقوتة ، لتأتي بعد ذلك ساعة تدوّي فيها مؤخّرة هذه المفردة بحرفين / صوتيمين : ار ، مع ملاحظة الشظايا التي تبعثرهـا أطراف الرّاء لطبيعة هذا الحرف الصوتيّة بحسب ما قرّره علم الأصوات اللغويّ ..."
خاتمة القصة، جاءت مشحونة بطاقة دلالية، تلخصها آخر جملة في النص: "ليتني أعود فيك حمارا يا وطني ."
هناك بعض الأخطاء التقنية التي تخللت النص، أرى أن أترك فرصة اكتشافها لباقي الأصدقاء و الصديقات..
مودتي

هالة لولو
19/02/2007, 01:17 AM
ما كتبته يستحق تصفيقاً طويلاً ..طويلاً..
إنك بحقٍ برزتَ حكيماً وسط جمع من الحمير.
لكن، لو أنك كتبتَ ما كتبتَ بأي لغة غير العربية لكان أفضل لك، لأنك ستجد آنذاك أذناً وعيناً وقلباً يحضنون روعة إبداعك.

هالة صلاح الدين لولو

معتصم الحارث الضوّي
19/02/2007, 01:36 AM
الأخ الفاضل محمد
أهنئك يا أخي الكريم على هذه القصة عميقة المعاني التي تنكأ الجراح بلا هوادة .. استخدامك لتقنية المونولوج الداخلي رائع ، و إن اتسمت بعض مقاطعه بالتقريرية الزائدة مما أدى إلى الإبطاء من إيقاع القصة و إصابتها بشيء بسيط من الترهل .. و في رأيي كان بالإمكان إنهاء القصة دون الاسترسال في التفاصيل بغية الإسراع بالقارئ نحو ذروة الموقف الدرامي .. مثالاً لما أقول :

أفقتُ على صوت القاضي ينتهي من تلاوة الحكم .. جرذ ضخم يرقبني من ركن الزنزانة بعينين غائمتين شاحذاً أنيابه بنشاط .. ليتني أعودُ فيك حمارا يا وطني .

وفقك الله و أرجو أن تتقبل ملاحظاتي بصدر رحب .
تحيتي و تقديري

زاهية بنت البحر
19/02/2007, 02:47 PM
يااااه لك الله أيها الحمار العالمي ..منهم من يسيء إليك ومنهم من يرفعك إلى الإنسانية فيختلط الأمر لتظهر حقائق موجعة تمزق لها القلوب حسرة وألما ..سبحان من جعل الحمار حمارًا والإنسان إنسانًا وسخَّرَكلا لغاية , ولكن لاأدري لماذا يتبادل البعض المواقع عملا وفكرًا ؟أهو للكيد للطرفين أم لغايات في نفس البعض من الناس ..ليت ابن آدم يعمل بآدميته فيكونه عاقلا محبًا للخير ..ناشرًا للعدل بين الناس فعندها لن يصبح الحمار إنسانًا ولاا الإنسان حمارًا ..مأساة ظلم البشر للبشر ستظل حتى قيام الساعة ولن تستقيم الحياة لأحد , وإنما هي دنيا ابتلاء , ولولم تكن كذلك فكيف سيأتينا نص جميل كهذا نصفق له ولصاحبه الأخ المكرم الدلومي الذي أسعدتني القراءة له جدًا ..اكتب أخي الفاضل فما زلنا نتعطش للحروف الجميلة والمعاني الأجمل ..:fl:
أختك
بنت البحر

محمد دلومي
19/02/2007, 07:45 PM
إليكم أيها السيدات و السادة نصا من النصوص الجميلة التي تزين منتدانا، والذي، من وجهة نظري، وجب أن نحتفي به في منتدى القصة القصيرة، و ألا نتركه يمر في صمت، دون أن نبصمه بكلمة ، أو تعليق، أو انطباع، يبرزه كنص قصصي قصير يستحق التشجيع. لن أقدم ملخصا للقصة، هي الآن أمام أبصاركم، فقط أريد أن أشير إلى تيمة "المسخ" أو " التحول" في الأدب، و يحضرني هنا " كافكا"..أما الحديث عن (الحمار) فهو حديث ذو شجون، و إذا ما شرعنا فيه، فالله وحده يعلم متى قد ينتهي..إلا أنني في هذه العجالة أود أن أشير إلى أن هذا الحيوان الذي لا يلفظه اللسان الشعبي دون أن يقرنه بقول:" حاشاك".. هو على كل حال، حيوان ظريف ، و ماهر في السير في الجبال و لي شخصيا معه تجربة، ...و لا علاقة له بالبلادة، فقط هو حيوان عنيد..و في الثرات الأدبي العربي، نجد الشاعر الأخطل (غيّاث بن غوث فحل من الشعراء الأمويين.) كان يلقّب بدوبل وهو الحمار الصغير الذي لا يكبر لأنّ أمّه كانت تناديه هكذا.أما لماذا لقّب بالأخطل فلسفهه و خبث لسانه.
و في تجربة لي جديدة، حاولت الاعتماد في الحديث عن " الحمار" بالرجوع إلى ما يحمله محرك البحث و اقتطفت لكم ما يلي، بكثير من التصرف.
هذا الحيوان ورد ذكره في أكثر من كتاب ثراتي، له أخبار على غرار أخبار الحمقى و المغفلين، و الأذكياء، و النساء . و يقترن بالصبر، والصبر في بعض الأحيان عبادة كصبر أيوب، ولكنه في بعضها الآخر بلادة كصبر الحمار. و في كتاب "حمار في الأدب" للأستاذ صالح محمد الغفيلي ـ كما قدمته بدرية البشر في صحيفة الرياض (الصادرة عن مؤسسة اليمامة الصحفية) بالقول:"إن الحمير تصيب صاحبها بالحظ، ولعل أسعدهم حظا هو المرشح الديمقراطي الأمريكي( اندرو جاكسون) الذي كان الناس يعايرونه بجاك الحمار فأستغل هذه (العيارة) نكاية في خصومة ووضع صورة الحمار شعارا في حملته الانتخابية ففاز عام 1838م، وذهب الحمار شعاراً للديمقراطيين دلالة على التواضع والشجاعة والحب، والفيل شعارا للجمهوريين دلالة على الوقار والقوة والذكاء، ثم تأتي جمعية الحمير المصرية كأشهر جمعية أسسها رائد المسرح المصري والعربي زكي طليمات في مصر عام 1932، ومن أشهر أعضائها طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ومشاهير من الأطباء ووجهاء المجتمع والمثقفين وبلغ عدد أعضاءها 30ألف عضو، تعطي شرف عضويتها ابتداء من لقب (حرحود) أى جحش صغير ويترقى في سلم الألقاب حتى يصل للقب (حامل الحدوة) وقد تكلفت هذه الجمعية تركيب تشغيل أحد الأجهزة الطبية الضخمة في مستشفى بطنطا بمبلغ وصل إلى 126الف جنية فهي بالمناسبة جمعية خيرية تخدم الناس وتساعد الفقراء واليتامى والأرامل، وقد رفضت الحكومة إعطاءها ترخيصا بسبب اسمها غير اللائق (إنهم حقا يظلمون الحمير!!) وقد قلدتها في ذلك عدة جمعيات عربية. والحمار هو صديق للسياسيين كما هو صديق الأدباء فقد رأس فرانسوا ميتران جمعية للحمير بعد تركه للرئاسة في فرنسا، (ربما نكاية بالبشر فوضعهم في السلم السياسي قبل الحمير!) ويثبت لنا المؤلف صالح الغفيلي أن الحمار هو حيوان سياسي أيضا وليس اجتماعيا واقتصاديا فقد ساهم بأريحية فياضة في الانتفاضة الفلسطينية وقام بنقل كتب طلبة المدارس الفلسطينية على ظهره بعد أن تعذر نقلها مجتازا الحواجز الإسرائيلية بشجاعة، والكتاب يستحق القراءة .
وعموما الحيوانات في موروثنا تحتفظ بالأساس بدور وظيفي في خدمة الإنسان، كما أن للبهائم " مقامات" في هذا الموروث، وقد تم تحديد هذه المقامات استنادا إلى نوعية الوظيفة والخدمة المؤداة، فليس مقام الجواد كمقام الحمار مثلا، مع الاحترام للجميع .

أما وقد نسب للحمار ما نسب إليه من بلادة وغباء وغير ذلك ، فقد جاء استنطاقه بالحكم والعبر والنصيحة النصوحة والرأي السديد ليصحح ولو بقليل تلك المسيرة من الإساءة إليه وليعيد الاعتبار إلى مقامه ، و بعض الكُتاب، على غرار صديقنا الدلومي، صوبوا سهام نقدهم اللاذع بالاعتماد على هذا الحيوان، فإذا كان الحمار المشهور بالبلادة يفهم و يعي أشياء، فماذا ترون أنتم يا سادة / سيدات يا كرام ؟ !
و في مكان آخر نجد الكاتب سعود الصاعدي يقول في مقال فريد يحمل عنوان: الحمار في الذاكرة العربية: "ركبنا مطيّة التّأمّل في هذه "المفردة" المشحونة بطاقةٍ من الدلالات ذات التأثير النفسيّ ، على المرسل والمتلقّي معاً ، حيث وجدت ، بعد الفراغ من تكرار مفردة " حمار " ، عندما ملأت بها فمي : أنّها ذات جرسٍ مختلف وغريب ، ربما في طريقة نطقها سرٌّ من أسرار هذه "السيرورة " في اللسان العربيّ : لاحظوا معي صوتيم المفردة ( حــ ) ، حينما يأتي من أقصى الحلق ، أي من الأعماق ! ، ومن ثمّ الصوتيم ( مــ ) ، حيث تنطبق الشفتان استعداداً لإلقاء القنبلة الموقوتة ، لتأتي بعد ذلك ساعة تدوّي فيها مؤخّرة هذه المفردة بحرفين / صوتيمين : ار ، مع ملاحظة الشظايا التي تبعثرهـا أطراف الرّاء لطبيعة هذا الحرف الصوتيّة بحسب ما قرّره علم الأصوات اللغويّ ..."
خاتمة القصة، جاءت مشحونة بطاقة دلالية، تلخصها آخر جملة في النص: "ليتني أعود فيك حمارا يا وطني ."
هناك بعض الأخطاء التقنية التي تخللت النص، أرى أن أترك فرصة اكتشافها لباقي الأصدقاء و الصديقات..
مودتي

الاستاذ عبد الحميد المحترم ..
تحية طيبة وبعد ..
لا أعرف ماذا اقول لك , لكني فعلا استفدت بهذا الرد الذي جعلني ارى (الحمار ) بغير العين الذي اعتاد الناس ان يرونه بها , إنه فعلا حالة تستحق الدراسة والتمعن ’ لما له من مكانة خاصة في مواقف تاريخية كما تفضلت وسردت هنا أمور كثيرة تخص هذا الحيوان الذي لا نعرف عنه سوى أنه حمار وصبور , لكن ها أنا اليوم من خلال ما ورد منك أكتشف عنه أشياء كثيرة .
مرة اخرى شكرا لمرورك الكريم .

محمد دلومي
19/02/2007, 07:56 PM
ما كتبته يستحق تصفيقاً طويلاً ..طويلاً..
إنك بحقٍ برزتَ حكيماً وسط جمع من الحمير.
لكن، لو أنك كتبتَ ما كتبتَ بأي لغة غير العربية لكان أفضل لك، لأنك ستجد آنذاك أذناً وعيناً وقلباً يحضنون روعة إبداعك.

هالة صلاح الدين لولو

الفاضلة هالة
ممتن لكِ على مرورك العابق بشذى الربيع الجميل .
تقبلي مني خالص احترامي وتقديري .

محمد دلومي
19/02/2007, 07:59 PM
الأخ الفاضل محمد
أهنئك يا أخي الكريم على هذه القصة عميقة المعاني التي تنكأ الجراح بلا هوادة .. استخدامك لتقنية المونولوج الداخلي رائع ، و إن اتسمت بعض مقاطعه بالتقريرية الزائدة مما أدى إلى الإبطاء من إيقاع القصة و إصابتها بشيء بسيط من الترهل .. و في رأيي كان بالإمكان إنهاء القصة دون الاسترسال في التفاصيل بغية الإسراع بالقارئ نحو ذروة الموقف الدرامي .. مثالاً لما أقول :

أفقتُ على صوت القاضي ينتهي من تلاوة الحكم .. جرذ ضخم يرقبني من ركن الزنزانة بعينين غائمتين شاحذاً أنيابه بنشاط .. ليتني أعودُ فيك حمارا يا وطني .


وفقك الله و أرجو أن تتقبل ملاحظاتي بصدر رحب .
تحيتي و تقديري
استاذي معتصم الحارثي
شاكر لك هذا التحليل والشرح وسأعمل بنصائحك مستقبلا ان شاء الله .
وفقنا الله جميعا
شاكر لك مرورك الجميل وطيبة قلبك الطاهر .
تقبل خالص مودتي .

محمد دلومي
19/02/2007, 08:02 PM
يااااه لك الله أيها الحمار العالمي ..منهم من يسيء إليك ومنهم من يرفعك إلى الإنسانية فيختلط الأمر لتظهر حقائق موجعة تمزق لها القلوب حسرة وألما ..سبحان من جعل الحمار حمارًا والإنسان إنسانًا وسخَّرَكلا لغاية , ولكن لاأدري لماذا يتبادل البعض المواقع عملا وفكرًا ؟أهو للكيد للطرفين أم لغايات في نفس البعض من الناس ..ليت ابن آدم يعمل بآدميته فيكونه عاقلا محبًا للخير ..ناشرًا للعدل بين الناس فعندها لن يصبح الحمار إنسانًا ولاا الإنسان حمارًا ..مأساة ظلم البشر للبشر ستظل حتى قيام الساعة ولن تستقيم الحياة لأحد , وإنما هي دنيا ابتلاء , ولولم تكن كذلك فكيف سيأتينا نص جميل كهذا نصفق له ولصاحبه الأخ المكرم الدلومي الذي أسعدتني القراءة له جدًا ..اكتب أخي الفاضل فما زلنا نتعطش للحروف الجميلة والمعاني الأجمل ..:fl:
أختك
بنت البحر
الفاضلة زاهية ابنة البحر
انه الهروب من واقع مر نحتال عليه بمثل هذه الاشياء اعتقادا منا اننا نضحك منه لكن واقع الحال اننا نضحك على انفسنا .. ان الأوطان التي اصبحت معتقلات الاحسن ان نحيا فيها حميرا بكامل حموريتنا وحريتنا على ان نعيش بشرا معتقلين في اوطان تسمى مجازا وطن .
ممتن لمرورك الكريم وان شاء الله نرقى للأجود والاجمل .

محمد دلومي
16/01/2009, 07:22 PM
لازالنا نحلم لو نصفع كل حاكم عربي وملك ولو بحذوة حمار .